الأخبار

المحاضرة (61)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في نظرية المحقق الأصفهاني، قلنا بأنه هذه النظرية ينبغي أن تقرر أولاً بشكل جيد ودقيق حتى بعد ذلك ننتقل إلى ما يمكن أن يورد عليه وأنها تامة أو غير تامة.

من باب الاستذكار للأعزاء بالإمكان أن نشير إلى ما أشرنا إليه في الدرس السابق – أي قبل التعطيل- أن الأصفهاني& قال: بأن العلقة بين اللفظ والمعنى ليست هي من الأمور الواقعية وليست هي من الأمور الانتزاعية، وفيما سبق بينّا الفرق بين الأمور الواقعية ومرادنا من الواقعية يعني ما له بإزاء خارجي كالسقف، ومرادنا من الأمور الانتزاعية يعني ما له منشأ انتزاع في الواقع الخارجي، قال: أن العلاقة الموجودة بين اللفظ والمعنى ليست لا هي من الأمور الواقعية ولا هي من الأمور الانتزاعية بل هي من الأمور الاعتبارية، ما هي الامور الاعتبارية؟ الأمور الاعتبارية بناء على هذا البيان لا هي واقعية، يعني لها ما بإزاء وليس لها منشأ انتزاع أيضاً.

الأمر الثاني والشاهد على هذا الأمر يعني الأمر الأول، قال: أنه في الأمور الواقعية والأمور الانتزاعية لا تختلف العلقة باختلاف الأنظار، يعني إذا كان هناك علاقة واقعية كالزوجية والأربعة مثلاً أو السقفية والفوق، هذه لا تختلف باختلاف الأنظار، وهذا بخلافه نجده في العلاقة بين اللفظ والمعنى، تختلف باختلاف الأنظار.

المطلب الآخر الذي لابد أن يلتفت إليه وهو أن الأمور الاعتبارية تنقسم عند المحقق الأصفهاني، الآن لست بصدد القبول وعدم القبول وإنما بصدد تقرير النظرية، يقول أن الأمور الاعتبارية أيضاً تنقسم إلى قسمين: أمور اعتبارية ذهنية وأمور اعتبارية غير ذهنية، ما هي الأمور الاعتبارية الذهنية؟ هي التي مع وجودها في الذهن موجودة ومع عدم وجودها في الذهن غير موجودة، من قبيل التسلسل الذي يقولون ينقطع بانقطاع المعتبر، لأنكم قرأتم في محله أن التسلسل إما واقعي سواء كان معتبر أو لم يكن، والتسلسل قد يكون اعتباري يعني ما دمت أنت تلاحظ فموجود فإذا انقطعت الملاحظة فالتسلسل غير موجود. يقول: أن العلاقة بين اللفظ والمعنى ليست من الأمور الاعتبارية الذهنية بل من الأمور الاعتبارية غير الذهنية سواء كان هناك ذهن ولافظ يلفظ العلاقة أو لم يوجد ذلك.

هذا المعنى الذي لعله لم نوضحه بشكل واضح في الدرس السابق، يقول في (نهاية الدراية، ج1، ص44) طبعة مؤسسة آل البيت: (ومنه يظهر أنه ليس من الأمور الاعتبارية الذهنية لأن معروضها) الأمور الاعتبارية الذهنية (معروضها ذهني بخلاف الاختصاص الوضعي فإن معروضه نفس الطبيعة لا بما هو موجود ذهناً ولا هو بما هو موجود خارجاً) ومن هنا هو يلتزم بشكل واضح وصريح أن العلائق بين اللفظ والمعنى قائمة بين طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى سواء كان هناك من يتصور ذلك ذهناً أم لم يكن، وهذا ما يصرح به في (ص44 و 45).

ثم إذا يتذكر الأعزاء قال: أن الأمور الاعتبارية تنقسم إلى اعتبارية متحققة بالمباشرة وإلى اعتبارية متحققة بالتسبيب، وجعل محل الكلام يعني العلقة بين اللفظ والمعنى من الأمور الاعتبارية بالمباشرة لا بالتسبيب، وهذا ما صرح به في (ص46 و 47) قال: (وقد لا يكون المعنى المعتبر تسبيبياً كالاختصاص الوضعي فإنه لا حاجة في وجوده إلا إلى اعتبار من الواضع ومن الواضح أن اعتبار كل معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبيب) وهذا أيضاً أوضحناه مفصلاً فيما سبق.

السؤال الأخير الذي أشرنا إليه في البحث السابق في الدرس السابق هو أنه أساساً هذه العلاقة، هذا المعتبر ما الذي يفعله أو ما الذي يمكن أن يقرب إلى ذهننا هذه العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى، يعني من الواضح عند الجميع الذي لم يختلف فيه اثنان عندما نذكر اللفظ الذي يعرف الوضع ينتقل ذهنه إلى المعنى، هذه أي نوع من أنواع الدلالة؟ قد يقول قائل أنها دلالة تنزيلية، يعني نزل اللفظ منزلة المعنى، قد يقول قائل أنها دلالة الهوهوية، هذه نظريات متعددة في حيثية الدلالة، لا في الوضع بل في حيثية الدلالة، يعني كأن هذا هو ذاك، قد تكون حيثية ثالثة ملازمة، يعني هذا اللفظ ملازم للمعنى، المحقق الأصفهاني& يقول: لا هي ملازمة ولا هي هوهوية ولا هي تنزيل، وإنما هي من قبيل ما أشار إليه، قال: (حيثية دلالة اللفظ على المعنى من قبيل حيثية دلالة العلم المنصوب على رأس الفرسخ الدال على أنه رأس الفرسخ) هذه حيثية الدلالة، ولكن مع هذا الفارق وهو أن حيثية دلالة تلك حقيقية تكوينية وهذه اعتبارية ووضعية.

ثم بعد ذلك يقول: وبهذا انتهينا إلى بطلان نظرية التعهد، وهي النظرية التي اختارها السيد الخوئي وبعد ذلك ستأتي الإشارة إليها.

يقول: (وحيث عرفت ذلك عرفت أنه لا حاجة إلى الالتزام بأن حقيقة الوضع تعهد ذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى كما عن بعض أجلة العصر فإنك قد عرفت أنه لا حاجة إلى التعهد بل هو من قبيل من يضع العلم على رأس الفرسخ، بل ليس هناك إلا وضعه عليه بداعي الانتقال من رؤيته إليه فكذلك فيما نحن فيه، غاية الأمر أن الوضع هناك حقيقي وهنا اعتباري).

هذا تمام الكلام الذي أشار إليه المحقق الأصفهاني في حقيقة الوضع.

هذه النظرية أشكل عليه بإشكالات متعددة:

الإشكال الأول: الإشكال الأول وهو ما ذكره السيد الخوئي+ في كتابه (محاضرات، ج1، ص43) السيد الخوئي ظاهر كلامه يفترض أن الوضع عملية يفهمها الجميع بدليل أننا نجد أنه حتى الأطفال يضعون بعض الألفاظ لبعض المعاني، بل وتعبيره حتى المجانين، في النتيجة عندهم عملية وضع، فإذا كانت عملية الوضع بهذا التعقيد إذن لا يستطيع أن يضعها لا الخواص بل خواص الخواص، والتالي باطل فالمقدم مثله.

أساساً هذا يوصلنا إلى نتيجة أن عملية الوضع تكون معقدة، ونحن نجد أن الواضع من هو من الأطفال والقاصرين بل المجانين، إذن لا ينبغي أن تكون عملية الوضع عملية معقدة.

يقول: (أن تفسير الوضع بهذا المعنى تفسير بمعنى دقيق خارج عن أذهان عامة الواضعين ولاسيما القاصرين منهم كالأطفال والمجانين مع أنا نرى صدور الوضع منهم كثيراً، والحال أنهم لا يدركون هذا المعنى الدقيق). هذا هو الإشكال الأول الذي يذكره السيد الخوئي على نظرية شيخه الأستاذ الشيخ الأصفهاني.

تلامذة السيد الخوئي يعني السيد الروحاني والشيخ الفياض وغيرهما ممن عرض لهذا الإشكال، تقريباً اتفقت كلمتهم على أن هذا الإشكال غير تام وغير وارد على المحقق الأصفهاني. لماذا؟ قالوا: لأننا نحن نجد بالضرورة بأنه هذا الذي يوجد بين العرف هذا استعمال، وإلا حقيقة الأمر شيء آخر، هذا الذي أنت قلته أن الأطفال يوجد عندهم أو المجانين يوجد عندهم والقاصرين يوجد عندهم، هذا أنهم يستعملون، أما حقيقة هذا الاستعمال ما هو؟ فكأنهم يريدون أن يقولوا للسيد الخوئي نحن كلامنا الآن في حقيقة الوضع وأنت تتكلم في الاستعمال وأحدهما غير الآخر.

التفتوا إلى عبارة السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ص55) أنا أقرأ عبارات الأعلام حتى لا يقال أنه نقل بالمعنى، قال: (فلأنه ينقض بكثير من الأمور العرفية التي قام الخلاف فيها على قدم وساق كالخبر والإنشاء فإن استعمال) التفت جيداً إلى تعبير استعمال، يعني كأنه يريد أن يقول للسيد الخوئي ما أشرت إليه هو استعمال ونحن كلامنا في الوضع، لماذا تخلط بين الوضع والاستعمال (فإن استعمال العرف للجمل الخبرية والإنشائية مما لا يخفى مع أن الخلاف في معنى الإنشاء والخبر مما لا ينكر) فمع أنه يستعمل عند العرف الخبر والإنشاء ويميز بينهما ولكن يوجد خلاف شديد في حقيقة الإخبار والإنشاء، فليكن المقام أيضاً كذلك، أن العرف يستعمل هذا ولكن يوجد هناك اختلاف في حقيقة الوضع. (وهكذا الكلام في معاني الحروف فإن استعمال العرف للحروف أكثر من أن يحصى مع وقوع الخلاف في معنى الحرف ودورانه في كلمات القوم بين المعاني الدقيقة التي قد لا يصل إلى مداها الأعلام فضلاً عن أفراد العرف، فهذا دليل على أن كون المعنى من الأمور الدقيقة لا يتنافى مع كونه عرفياً).

ثم ينقض على أستاذه يقول: ماذا تقول في التعهد الذي تتبناه أنت، أيضاً أمر دقيق، هذا النقض سيأتي بعد ذلك في نظرية التعهد.

هذا الإشكال كما قلت أشار إليه السيد الروحاني وكذلك أشار إليه غيرهم ومنهم الشيخ الفياض في (المباحث الأصولية، ج1، ص121) أشار إلى هذا قال: (ومن الواضح أن هذا التحليل خارج عن أذهان العرف ومختص بأهل النظر، ومن هنا يكون مثل هذا البحث كالبحث عن الإنشاء والإخبار ومعاني الحروف، إذ لا يشك أحد في أصل المعنى إجمالاً، وعلى هذا فهذا التفسير وإن كان تفسيراً معقداً إلا أنه لا يمنع عن كونه معنى الوضع، والخلاصة أنه لا أساس لهذا الإشكال). هذا كلام بعض الأعلام في رد هذا الإشكال.

السؤال المطروح هنا: وهو أن إشكال هذين العلمين وارد على السيد الخوئي أو غير وارد؟

التفتوا إلى نكتة لم يلتفت إليها هذان العلمان، أن السيد الخوئي لو كان بصدد بيان الاستعمال لكان الإشكال عليه وارداً لأنه نحن نجد أنه حتى المجانين والصغار والأطفال يستعملون هذه الألفاظ لمعانيها، ولكن لا يعرفون حقيقة الوضع. ولكن السيد الخوئي لا يتكلم في الاستعمال، بل يتكلم في عملية أصل الوضع، يقول: الأطفال عندهم عملية الوضع لا أنه عندهم استعمال حتى تقولون بأن الاستعمال غير حقيقة الوضع. عبارته الواضحة موجودة في (حاشيته على أجود التقريرات، ج1، ص18) يقول: (أولاً أن هذا المعنى) كلام المحقق الأصفهاني (أن هذا المعنى على تقدير صحته في نفسه فهو بعيد عن أذهان الواضعين) لا عن أذهان المستعملين حتى تقول أنكم تجدون أن الأطفال أيضاً يستعملونه، لأن عبارة السيد الروحاني واضحة، يقول: (فإن استعمال العرف) إذن البحث عند السيد الروحاني عند الاستعمال، وكلام السيد الخوئي في الوضع. يقول: نحن نجد عند الأطفال يوجد وضع، إذا كانت حقيقة الوضع هذه العملية المعقدة إذن يمكن أن يلتفت إليها الأطفال والصغار والمجانين والقاصرين أو لا يمكن؟ إذن ليست عملية الوضع هذه، يعني قياس من الشكل الثاني: عملية الوضع موجودة عند هؤلاء، ولو كانت معقدة غير موجودة عندهم، إذن عملية الوضع غير معقدة.

يقول: (فهو بعيد عن أذهان الواضعين خصوصاً القاصرين منهم كالأطفال وأمثالهم، مع أننا نرى صدور الوضع منهم كثيراً) لا أننا نرى استعمال الألفاظ في المعاني كثيراً، (فكيف يمكن أن يكون حقيقته) يعني حقيقة الوضع (أمراً يغفل عنه الخواص فضلاً عن غيرهم) هذا الذي قلته من أنه اعتباري وليس حقيقي وليس انتزاعي ثم اعتباري ليس ذهني ثم بالمباشرة وإلى نهاية البحث، هذا الخواص لا يلتفتون إليه فما بالك بغير الخواص.

إذن إشكال العلمين في عالم وكلام السيد الخوئي في عالم آخر. كلام السيد الخوئي أن حقيقة الوضع لا يمكن أن تكون معقدة، وإشكال العلمين أننا نجد الاستعمال أنكم ذكرتم الأطفال وهذا كم له نظير في الاستعمال لا أنه كم له نظير في الوضع.

نعم، الأطفال أيضاً فيما بينهم إذا عرفوا أن هذا اللفظ لفظ الماء موضوع لهذا السائل يستعمل عندما يحتاج إلى الماء يقول أريد الماء. هو لا يعرف حقيقة الوضع ولكن يعرف أن هذا اللفظ موضوع فيستعمله، هو لا يعرف أي شيء عن حقيقة الوضع. إذن إشكال السيد الخوئي هو ليس أننا نجد أن العرف يستعمل، نجد أن الأطفال يستعملون، يقول: نجد أن الأطفال يضعون، ولو كانت حقيقة الوضع هذا المعنى إذن لما أمكنهم أن يضعوا أي لفظ لأي معنى، والتالي باطل، لأننا نجد أن الأطفال يضعون هذه الألفاظ لمعان معينة أو ألفاظ معينة لمعان معنية. إذن عملية الوضع ليست معقدة بهذا التعقيد الذي إما يذكره العراقي وأما يذكره الأصفهاني ويذكره غيرهم من الأعلام.

إذن هذا الإشكال غير وارد على السيد الخوئي.

كلام السيد الخوئي في نفسه صحيح أو لا، يعني إشكال السيد الخوئي على المحقق الأصفهاني هل هو وارد أو ليس بوارد؟

أنا الآن لا أدخل في أن بحث حقيقة الوضع ما هي باعتقادنا، بعد ذلك إن شاء الله تعالى سأشير بأن حقيقة الوضع ما هي، فقط في جملة واحدة أبين وتفصيله إن شاء الله في محله، أنا من أولئك الذين أعتقد أن إيجاد العلاقة بين ا للفظ وبين المعنى من الأمور الفطرية، والأمور الفطرية من أين جاءت وكيف حصل عليها الإنسان، ولذا مسألة دلالة الأصوات أو دلالة الإشارات على المعاني، لا أنها موجودة عند الإنسان بل موجودة عند الحيوان أيضاً، أنت ترون أن الحيوانات الأليفة التي توجد في بيوتنا كالدجاج وغيرها عندما تضع أمامه الطعام بعض الحيوانات وعنده أطفال بأصوات خاصة يدعو الأطفال. أساساً هذه العلقة بين الأصوات أو بين الإشارات وبين المعاني، أعم من أن تكون معاني حسية أو معاني عقلية، يعني محسوسة أو غير محسوسة، هذه من الأمور الفطرية التي فطر عليها الإنسان، من قبيل أصل الاجتماع، هل يوجد أحد علم الإنسان أنك لابد أن تجتمع مع الآخر، لا. حاجاته أوصلته إلى أن يوجد حالة اجتماعية، هذا أنه الإنسان مدني بالطبع واجتماعي بالطبع، ماذا يعني؟ يعني فطرته توصله إلى الاجتماع. هذه نفس هذه الفطرة التي توصله إلى الاجتماع أيضاً هي توصله لابد من إيجاد ما يمكن العلاقة مع هذا الآخر.

وهنا تأتي عملية اللغة وتأتي عملية الإشارة، الآن أنتم انظروا إلى أولئك الصم، هذا لا يسمع الألفاظ ولكن مع ذلك يجد أنه بالحاجة إلى أن يوجد طريقة لإيجاد العلاقة مع الآخر، ما هي هذه الطريقة؟ هي الإشارة مع أنه لا يسمع لفظاً، لأن هذه قضية فطرية لا يحتاج أن يسمع أو يعلمه أحد، أبداً.

إذن أعزائي الوضع يعني ربط لفظ بمعنى، إشارة بمعنى، صوت بمعنى ونحو ذلك، هذه قضية فطرية، وهذا إن شاء الله بحثه في الوقت المناسب أنا سأبينه. ولكن قبل أن أبين الإشكال على كلام السيد الخوئي وأن إشكاله وارد على المحقق الأصفهاني أو لا أحتاج إلى بيان مقدمة، هذه المقدمة التفتوا لها جيداً لأنها مهمة وضرورية وهي محل تساؤل الكثير، حتى أنه أتذكر في الآونة الأخيرة بعث لي أحد الأعزاء قال لي سيدنا هذه مجموعة من الأبحاث اللغوية التي لابد أن تبحث في علم اللغة وفي مباحث اللغة … الآن نحن نبحث في علم الأصول ما هي علاقتنا بحقيقة الوضع ما هي. طبعاً هذا الإشكال لا يرد فقط على مسألة الوضع بل يرد على مسألة البحث في الأوامر مادة وصيغة، نذهب إلى كتب اللغة وإلى استعمالات اللغويين لنرى أن المادة أو الصيغة أمراً أو نهياً دالة أو ليست دالة.

لماذا نعقد لها بحثاً نبقى عنده سنة في علم الأصول. وهكذا فيما يرتبط بالصحيح والمشتق فهو بحث لغوي. وهكذا فيما يرتبط بالمعاني الحرفية والمعاني الاسمية بحث لغوي. إذن هذا الإشكال إشكال سيال، أنا أضطر في هذا اليوم أشير إلى هذا الإشكال ثم لنرى بأنه واقعاً ما هو منشأ دخول هذه الأبحاث إلى مقدمات عملية الاستنباط، أنا لا أعبر عنها دخولها إلى علم الأصول لأنكم تتذكرون ما هو مبناي في علم الأصول، أنا أعتقد أنه توجد عندنا عملية اسمها عملية استنباط الحكم الفقهي، هذه العملية من بعض مقدماتها بحث هذه المسائل التي عبر عنها بمسائل علم الأصول. لماذا نحن اخترنا من عشرات بل مئات بل آلاف المسائل اللغوية اخترنا مسألة الوضع، مسألة المعنى الحرفي، مسألة الصحيح والأعم، مسألة صيغة الأمر دالة، مسألة صيغة النهي دالة، ونحوها. لماذا؟ ما هي خصوصيات هذه المباحث اللغوية التي أخذناها من محلها وبحثناها هنا تحت عنوان مباحث علم الأصول.

أعزائي، المباحث اللغوية أو ما تسمى بالمسائل اللغوية أو عبروا عنها ظواهر لغوية ما شئتم فعبروا، هذه فيها جهتان أو ثلاث جهات من البحث:

أنا أضرب مثال حتى يتضح أن القضية أين نبحث.

تعالوا معنا إلى صيغة الأمر أو صيغة النهي، نبحث عنها. هذا البحث يعني صيغة الأمر توجد فيه عدة أبحاث:

البحث الأول: وهو بحث لغوي محض لا علاقة لنا به، وهو أن صيغة الأمر دالة على الطلب أو ليست دالة على الطلب؟ الآن لا تحتاج إلى علم الأصول حتى يقال لك أن هذه الصيغة إذا قال أأتني بماء أنها دالة على الطلب. ولذا أنتم تجدون أن الأصوليين لا يبحثون هذه الجهة أنها دالة على الطلب أو ليست دالة على الطلب، لماذا؟ لأن هذا أمنه لنا وغطاه لنا البحث اللغوي، ولكن هناك جهة أخرى في هذا البحث اللغوي. اللغوي لم يطرحه إما غفلة عنه وإما لعدم الحاجة إليه وإما لأي سبب آخر، وهو أن صيغة الأمر سلمنا دالة على الطلب ولكن الطلب في الشريعة إما طلب وجوبي وإما طلب استحبابي، هذه صيغة الأمر دالة على الطلب الوجوبي أو مختصة بالطلب الاستحبابي أو هي أعم من الوجوبي والاستحبابي، هذه يحتاجها الفقيه أو لا يحتاجها؟ اغتسل للجمعة، هنا صيغة أمر، هذه دالة على الوجوب أو ليست دالة على الوجوب، هذه اللغوي يحتاجها أو لا يحتاجها أنها وجوب أو استحباب؟ لا يحتاجها أصلاً، خارجة عن دائرة عمله ولا علاقة لها بها، أسأله يقول نعم هذا يطلب، ولذا في كتب اللغة لا يبحث لك أن هذا الطلب وجوب أو أن هذا الطلب استحبابي، من الذي يحتاج إلى هذه الجهة؟ الفقه المعني بعملية استنباط الحكم الشرعي، وعندما جاء إلى كتب اللغويين وجد أن هذا البحث موجود عندهم أو غير موجود؟ ماذا يفعل له؟ يقول بسم الله الرحمن الرحيم في الحوزة بحث لغوي، أو يجعله مقدمة من مقدمات عملية الاستنباط، وهذا ما حدث، وهذا ما قلنا نحن في أول مباحث علم الأصول قلنا أن مباحث علم الأصول هي مجموعة تلك المقدمات التي يحتاج إليها الفقيه في عملية الاستنباط، مسألة فلسفية؟ أقول، نعم في حقيقتها هي مسألة فلسفية ولكن فيها جهة لم تبحث في الأبحاث الفلسفية، من يحتاجها تلك الجهة؟ يحتاجها الفقيه فبحثها.

مسألة اجتماعية، نعم مسألة اجتماعية، مسألة كلامية، مسألة تفسيرية، مسألة لغوية عبر عنها ما تشاء، لماذا جاءت في مقدمات علم الأصول؟ الجواب: فيها جهة بحث عنها في محلها أو لم يبحث؟ لم يبحث فيحتاج إلى أن يبحث عنها.

ومن هنا أنتم تجدون أن الأعلام دخلوا في أن صيغة الأمر هل هي دالة على الوجوب فحملها إلى الاستحباب يحتاج إلى قرينة، أو هي دالة على الاستحباب فحملها على الوجوب يحتاج إلى قرينة أو هي للأعم فتعيين أحدهما وترجيحها على الأخرى يحتاج إلى قرينة. هذا أنت ومبناك، من أين استكشف؟ إما بالتبادر وإما بعملية اجتهادية وإما بأي طريقة أخرى، لا أعلم، المهم أنك تنتهي إلى نتيجة تقول أصلاً الصيغة ظاهرة في الطلب الوجوبي، وآخر يقول الصيغة ظاهرة في … الاستعمال العرفي، اذهبوا إلى الاستعمال، اذهبوا إلى التبادر، عندما توجد الصيغة العرف يفهم منها الطلب الذي لا يمكن لو لم يمتثل للامه العرف والعقلاء على عدم الامتثال. بحثنا الآن ليس في أنه بأي طريق أنت تستنبط، إما لغوياً وإما تبادرياً وإما برهانياً، بأي طريق، هذا البحث أعزائي هو لغوي أم بحث أصولي إن صح التعبير، لا البحث الأول، بل البحث الثاني وهو أنه طلب وجوبي أو طلب استحبابي؟ هذا ليس بحث لغوي أصلاً لا علاقة للغة بذلك، ولهذا أنت عندما تطرح على لغوي ليس أصولياً، أسأله أنه استحبابي أو وجوبي، يقول هذا من أين، لماذا؟ لأنه غير معني بهذه القضية، في العرف غير معني بها.

إذن هذه الكلمات التي تقال هنا وهناك هذه أبحاث لغوية لابد من إخراجها عن علم الأصول، هذا عدم دقة، لا أريد أن أقول جهل، هذا عدم دقة، نحن لا نبحث البحث الأول حتى تقولون أن هذا بحث لغوي، نحن نبحث في البحث الثاني، ما هو البحث الثاني؟ أن هذا الطلب الذي قالت اللغة بأي طريق كان هل هو طلب وجوبي أو هو طلب استحبابي أو هو أعم.

يوجد بحث ثالث وهو أعمق من البحث الثاني كما أن الثاني كان أعمق من الأول وهذا هو الوظيفة الأصلية التي تبناها علم الأصول، وطرح البحث الثاني لأجل هذا البحث الثالث، ما هو؟ سلمنا أيها الأصولي صار مبناك أن صيغة الأمر ظاهرة في … أو دالة على الوجوب، يأتي هنا سؤال آخر: لماذا أن هذه الصيغة دالة على الوجوب؟ يعني بأي بيان تقول أن هذه الصيغة دالة على الوجوب. هذا مرتبط بالبحث اللغوي؟ أصلاً اللغوي يسأل هذا السؤال أو لا يسأل؟ لا علاقة له، يقول هذه الصيغة دالة على هذا المعنى، أما لماذا؟ وهذه هي العملية التحليلية عبروا عنها، وهنا يأتي الأصوليون يقولون: أولاً احتمال أن هذه الصيغة ظاهرة أو دالة على الوجوب بحسب الوضع اللغوي لها، أساساً الواضع عندما وضع وضع هذه الصيغة للدلالة على ماذا … لا على مطلق الطلب وإنما على الطلب الوجوبي، وهذا ما يعبرون عنه بالدلالة بالوضع.

نظرية ثانية، تتذكرون أعزائي من قرأ الكفاية والحلقة الثالثة، نظرية ثانية تقول لا، بالإطلاق ومقدمات الحكمة، يعني نحن نجري الإطلاق ومقدمات الحكمة فنقول أن الصيغة ظاهرة في الوجوب، هذه عملية تحليلية، العرف أسأله يقول نعم، أو الأصولي يقول نعم ظاهرة في الوجوب، ولكن هذا السؤال تحليلي للخواص لا للاستعمال، فميزوا بين المقام، في البحث الثاني والمقام في البحث الثالث.

والنظرية الثالثة تقول بحكم العقل، تقول بأي دليل تقول أن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب؟ يقول بحكم العقل.

ونظرية رابعة تقول بحكم العقلاء لا بحكم العقل.

سؤال: هذه التحليلات تؤثر على ذلك الظهور اللفظي في اللفظ أو لا تؤثر؟ لا، أساساً لعل ذلك الذي انسبق إلى ذهني أن الصيغة ظاهرة في الوجوب أساساً لا يعلم شيئاً عن هذه التحليلات، وتغير المباني أو النظريات في العملية التحليلية تؤثر على ذلك الانسباق أو على تؤثر على ذلك الانسباق، يعني الصورة الذهنية، تبقى الصورة الذهنية. نعم، في المقام الثاني إذا قال الصيغة ظاهرة في الوجوب تختلف عن أن الصيغة ظاهرة في الاستحباب، الصورة الذهنية تختلف، أما في المقام الثالث تعدد النظريات يغير الصورة الذهنية في المقام الثاني أو لا يغير؟ لا يغير شيئاً من الصورة الذهنية في المقام الثالث.

تقول: ماذا نفعل بهذا البحث؟

نحن كل ما نريده أن نرى أن الشارع قال اغتسل للجمعة ونقول أننا استطعنا أن نصل أنه ظاهر في الوجوب.

أقول: عندنا مشكلة، وهو أنه قد هذه الصيغة الظاهرة في الوجوب تتعارض مع الغير، فإذا كانت بالإطلاق لها حكم، إذا كانت بالوضع لها حكم، إذا كانت بالعقل لها حكم، في مقام التعارض مع الآخر المنافي له أيهما يتقدم، إذا كان بالوضع تقدمه بنحو، وإذا كان بالإطلاق فتقدمه بنحو. إذن له ثمرة عملية في عملية الاستنباط.

الأصوليون لم يأتوا جزافاً رأوا رؤيا في الليل وجاءوا في الصباح بحثوا في تحليل حقيقة صيغة الأمر. لا.

السؤال الثالث أو المقام الثالث أو البحث الثالث من يعرض له؟ اللغوي؟ له علاقة أو ليس له علاقة؟ نحتاج إليها أو لا، بحث عبثي، بحث للتجريد العقلي أو بحث عملي داخل في صلب عملية الاستنباط، أي منها؟

نعم، أنا أتصور بعض الناس واقعاً ضعف الطالب والمطلوب، مجموعة ضعاف العقل وضعاف الرؤية وضعاف المنطق، لأنه إذا نريد أن نقول له أقرأ أصول ثلاثين سنة فلا يستطيع أن يدعي الاجتهاد في الحوزة بسنتين، فهذه كلها ماذا يفعل لها؟ يحذفها، هذه لا ضرورة لها، هذه لغو وهكذا، حتى في خمس سنوات يدعي أنه مجتهد. وإلا إذا صارت عملية الاجتهاد معقدة بهذا النحو فيغلق الباب أمام كثير من الادعاءات، أنت عندما تقول لأحد لكي تصير طبيب تحتاج إلى ثلاثين سنة، يقول: لا، لا يحتاج إلا إلى كتابين أو ثلاثة وثقافة عامة في مجال الطب تصير طبيباً.

وهكذا أعزائي في المعنى الحرفي، في المعنى الحرفي مرة أنا أسأل ابن الحاجب، مرة أسأل اللغوي يقول المعنى الحرفي لا يقع خبراً لا يقع مخبراً عنه ويعطيني مجموعة من الأحكام. ومرة أنا لا أبحث عن هذه بل أبحث أن المعنى الحرفي هل هو كالمعنى الاسمي يمكن إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة فيه أو لا يمكن فما علاقة اللغوي بهذا البحث، ما هي علاقة سيبويه بهذا البحث، ما علاقة ابن مالك بهذا البحث. لا علاقة لهم، وإذا بحثها يبحثها لا من حيثية أنه لغوي أو نحوي، وإنما يبحثها من حيثية أنه أصولي وفقيه يريد أن يستنبط الحكم الشرعي.

إذن أعزائي في مجموع الأبحاث اللغوي هناك جهات من البحث واقعاً نرجع فيها إلى اللغة، أنه الاستعمال ما هو، ولذا تجدون الأعلام طرحوا هذه القضية وهي الاستناد إلى قول اللغوي، لماذا طرحوا هذا؟ باعتبار أن هناك مجموعة من الأبحاث من اختصاصات اللغوي أن هذا اللفظ في ماذا مستعمل، وبينا فيما سبق أساساً من الأخطاء الشائعة نتصور أن هذا اللفظ فيما وضع … لا لا، فيما استعمل غير فيما وضع له. هذا بحث، ولكن يوجد بحثان آخران، مقامان آخران من البحث في الظواهر اللغوية وفي الأبحاث اللغوية، البحث الأول أنه أساساً جهة مرتبطة بعملية الاستدلال، الجهة الثانية التي تتغير على أساسها عبروا الصورة الذهنية، يعني إذا قلنا أن الصيغة ظاهرة في الوجوب فإنها صورة ذهنية وأنها ظاهرة في الاستحباب صورة ذهنية أخرى لا صورة ذهنية واحدة.

أما عندما نأتي إلى المقام الثاني في البحث الأصولي، هذا المقام الأول، مقام اللغوي تركناه. نأتي إلى الأصولي عندنا مقامان من البحث، هذا هو المقام الأول الذي على أساسه تختلف الصورة الذهنية، أما عندما نأتي إلى المقام الثاني فقط تحليل هذه الظاهرة، لا تختلف الصورة الذهنية، الشارع يقول هذا واجب تخييري، واجب كفائي، واجب عيني، واجب … وهكذا، هذه الصورة الذهنية ثابتة، لو وضعت لها خمسة تفسيرات في النتيجة الصورة الذهنية لا تتغير، تقول: لماذا إذن تذهب إلى عملية التفسير؟ أقول: باعتبار أنه تظهر الثمرة إما في باب التعارض وإما في باب التقديم وإما وإما …

إذا اتضحت هذه الصورة لابد أن نرى أن المحقق الأصفهاني في أي مقام يتكلم، وإشكال السيد الخوئي في أي مقام، هل هو في مقام واحد أو في مقامين؟ يأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات