بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
بعد أن قررنا نظرية المحقق الأصفهاني قلنا أشكل على ذلك سيدنا الأستاذ السيد الخوئي الإشكال الأول، وعرضنا لذلك الإشكال وبينا ما أجاب به بعض تلامذته كالسيد الروحاني والشيخ الفياض واتضح أن ما ذكره هذان العلمان فيه خلط بين مقام الوضع ومقام الاستعمال. هذا تقدم بحمد الله تعالى بالأمس.
ثم قلنا بأن كلام السيد الخوئي، إشكال السيد الخوئي هل هو وارد على أستاذه المحقق الأصفهاني أم لا؟ قلنا لكي يتضح أن هذا الإشكال وارد أو ليس بوارد وهنا أقدم ملاحظة، أعزائي هذه الأبحاث إنما نعرض لها بهذه الدقة وبهذا الشمول، لا لأنها مرتبطة بهذا البحث فقط، وإنما نستفيد منها في مواضع أخرى كثيرة. قلنا لكي يتضح أن ما ذكره السيد الخوئي كإشكال على المحقق الأصفهاني هل هو تام أو ليس بتام، لابد من الإشارة إلى مقدمة وإلى أصل وإلى قاعدة، هذه القاعدة والأصل أشرنا إليه إجمالاً بالأمس، وتوضيحاً لتلك القاعدة ولكي تتضح عندنا أيضاً مسائل أخرى، تارة أننا نقف أمام ظاهرة من الظواهر الوجودية والكونية، هذه الظواهر الوجودية تدلنا على أن لهذا العالم خالقاً وصانعاً وموجداً، كما وجدتم أن تلك المرأة العجوز قالت: والبعرة تدل على البعير. فاستدلت على وجود الله سبحانه وتعالى بهذا ا لقدر، والقرآن الكريم أشار أيضاً إلى نحو من هذا الاستدلال قال: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، إلى السماء كيف رفعت) ونحو ذلك، هذا نحو من الاستدلال، وهذا القدر كافٍ لإثبات أن هذا العالم لم يوجد صدفة واتفاقاً بلا خالق وموجد حكيم. هذا صار منشأ لأن يشكل على البحث الفلسفي، قالوا: إذا كانت القضية بهذا الوضوح على ماذا نحن نقضي أعمارنا في البحث الفلسفي وفي البحث الكلامي؟
الجواب: نحن لا نقضي أعمارنا في البحث الفلسفي لأجل إثبات أن هذا العالم له خالق وصانع، نحن نريد في البحث الكلامي أو الفلسفي أو العرفاني أن نحلل هذه الظاهرة الوجودية وهذه الظاهرة الكونية، هذه الظاهرة موجودة أن هذا العالم له خالق. السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي نحو العلاقة بين هذا الخالق وبين هذا المخلوق، ما هي نحو العلاقة؟ هنا توجد نظرية واحدة أو توجد عدة نظريات، لا نظريات في أن العالم له خالق أو ليس له خالق، لا لا، في دائرة أن العالم له خالق تأتي نظرية المشائين تقول موجود في قبال موجود آخر، يعني وجود يباين وجوداً آخر. نظرية الحكمة المتعالية تقول: لا، نسبة المخلوق إلى الخالق نسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي. العارف يقول: لا هذا ولا ذاك، وإنما نسبة المخلوق إلى الخالق نسبة الصفة إلى الموصوف. هذه كلها لا علاقة لها بالمقام الأول من البحث وهو ثبوت الظاهرة. الظاهرة … العامي والعادي والعالم والمتكلم والفيلسوف مشائي متعالية عارف المقام الأول من البحث لا كلام فيه، لا كلام أن هناك خالق وأن هناك مخلوق.
هنا يأتي هذا التساؤل: ماذا نفعل بهذا التحليل؟
الجواب: لأنه بهذا التحليل أنت تستطيع أن تصل إلى حق المعرفة، لأنه الإمام أمير المؤمنين قال: (أول الدين معرفته) تلك المعرفة التحليل الأول كافي أو غير كافي؟ الجواب: واقعاً كافٍ للبعض وليس كافياً للبعض الآخر، أنتم انظروا إلى هذا الكلام لأمير المؤمنين× الذي الكل يحفظ هذا الكلام، هذا الكلام في (الخطبة الأولى) قال: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به) إلى هنا لا مشكلة عندنا (وكمال التصديق به توحيده) من يقول بالتحليل المشائي موحد أو غير موحد؟ هو يقول أنا موحد، أما الذي يقول بالتوحيد العرفاني يقول أنت موحد أو لست موحد؟ يقول: هذا ليس توحيداً بل مشوب بالشرك. كما هو الآن الآن، بينك وبين الله النظريات الإسلامية فيما بينها تتهم بعضها بعضها ذاك يقول لهذا أنت مشرك وهذا يقول لذاك أنت مشرك، هذه قائمة على أساس إنكار الأصل الأول؟ لا، بل المقام الأول الجميع يعتقد أن لهذا العالم خالقاً، ولكن متى يتحقق التوحيد ونتخلص من الشرك؟ هذا لا يتحقق بالمقام الأول من البحث، بل يتحقق في المقام الثاني من البحث.
أحدهم يريد أن يدعي ويقول أنا أريد أن اكتفي بالمقام الأول، نقول: هذا غير ممكن، هذا ليس من حقك، إلا إذا لم تكن عندك القدرة فذاك بحث آخر، كما عموم الناس، أما إذا كان عندك القدرة فلا يمكن لك الاكتفاء، لابد أن تحقق إما هذا الصحيح … أو تقلد (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) يستمع إلى من هو أهل الاختصاص وتنتهي المشكلة.
ولذا الإمام× يقول: (وكمال توحيده الإخلاص) هذا أي إخلاص؟ مع الأسف وجدت أن جملة يفسرون الإخلاص بالإخلاص في البعد العملي يعني النية، لا، هذا الإخلاص في البعد النظري يعني أن لا تقع في الشرك، أي شرك؟ الشرك النظري، لا الشرك العملي الذي هو في النية، النية مرتبطة بالبعد العملي في الإنسان، العقل العملي لا العقل … والإمام يتكلم في العقل النظري في الاعتقاد لا في العمل (وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات) يا أمير المؤمنين أنت نهج البلاغة من الأول إلى الآخر ألفين مرة ذكرت فيه إثبات الصفات كيف نفي الصفات. هذه كلمات أمير المؤمنين.
إذن أعزائي إذا أردنا أن نعطي تفسير أو تعريف أنسب للفلسفة أنا في اعتقادي أن من أفضل التعاريف للفلسفة هو تحليل الظواهر الكونية، عالم التحليل، وظيفته هذه، هناك ظاهرة لا يختلف فيها أحد، كما أنه في الطبيعيات أيضاً الكيميائي الظاهرة موجودة والكل يعرفها أيضاً، أن الماء تضعه إذا وصل إلى درجة مئة يجعله يغلي، أنت أسألني أنا تقول ماذا حدث؟ أقول: لا أعلم ماذا حدث. أما أسأل الكيميائي يقول: هذا حدث وهذا حدث، هناك ألف قضية وقاعدة حتى يبين لك ويحلل لك هذه الظاهرة.
إذا اتضح ذلك نأتي إلى محل الكلام بالأمس طرحنا هذه القضية، وهي أن اللغة أيضاً فيها مقامان من البحث، الذي يرتبط ببحثنا الوضع:
المقام الأول من البحث: هو تعيين الظاهرة، عبروا عنها الظاهرة اللغوية، ما هي الظاهرة اللغوية؟ يعني أن هذه الأداة إذا جاءت في جملة تصير عندنا جملة شرطية، ومن الواضح أن الجملة الشرطية تختلف عن الجملة الحملية أو لا تختلف؟ أطرحها لأي إنسان عامي في الشارع يميز بين الحملية والشرطية أو لا يميز؟ والله كاملاً يميز ولا يحتاج إلى أن يقرأ الأصول عندنا ست سنوات حتى يفهم ما هو فرق الشرطية عن الحملية. لا يحتاج أبداً.
عندما يسمع هذه الصيغة، صيغة الأمر لا إشكال ولا شبهة يتبادر ذهنه إلى الطلب، يحتاج إلى دليل أو لا يحتاج إلى دليل؟ أبداً لا يحتاج إلى دليل، إذن تعيين حدود الظاهرة اللغوية، هذه ليست وظيفة الأصولي، أبداً لا علاقة لها بها، وإذا تكلم فيها يتكلم فيها بما هو لغوي لا بما هو أصولي، لا علاقة له.
نعم، بعض الأحيان أن اللغويين فيما بينهم يقع اختلاف ويقع تهافت ويقع تناقض فيحتاج الفقيه أو الأصولي أن يجتهد حتى يحدد معنى تلك الظاهرة اللغوية سواء كانت ظاهرة في جملة في قضية أو كانت في مفردة.
ولكن التفتوا لي جيداً من هنا يأتي دور الأصولي وهو أنه هذه الظاهرة التي اكتشفها من خلال القوانين اللغوية إما تبادراً وإما اجتهاداً يريد أن يحلل هذه الظاهرة، ما معنى يحللها؟ يعني لماذا … بأي دليل أن صيغة الأمر دالة على الطلب الوجوبي. بأي وجه؟ ما هي النكتة الفنية لذلك؟ هنا بالأمس قلنا واحد يقول بالوضع أساساً في اللغة هذه الصيغة موضوعة للطلب الوجوب، وآخر يقول لا، بنفسها غير دالة، بإجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة نستكشف منها الطلب الوجوبي. ثالث يقول أن لا هذا ولا ذاك وإنما بالعقل، رابع يقول …
ما هي فائدة هذا البحث التحليلي، يعني المقام الثاني يعني مقام التحليل؟ الجواب: تظهر الثمرة عند التعارض وفي موارد أخرى.
الآن يأتي هذا التساؤل وهو: إن إشكال السيد الخوئي وارد على المحقق الأصفهاني أو غير وارد؟ ماذا قال السيد الخوئي؟ السيد الخوئي قال: أن عملية الوضع لو كانت بذلك التعقيد الذي ذكره المحقق الأصفهاني لما أمكن للإنسان العادي أن يضع، لأنها عملية تحتاج الوقوف على تلك المقدمات حتى يضع، والتالي باطل، لأننا نجد أنه لا فقط أنه غير المتخصصين يضعون بل حتى الأطفال يضعون بل حتى المجانين يضعون، إذن عملية الوضع ليست بذاك المعنى الذي يقوله المحقق الأصفهاني. لو كانت عملية الوضع – قياس استثنائي- بالنحو الذي ذكره الأصفهاني لما أمكن لكل أحد إلا المتخصص أن يضع لفظاً لمعنى والتالي باطل، لأنه نحن نجد هذه المجامع العملية في كل البلدان، في كل بلد هناك مجمع علمي، ماذا يفعل هذا المجمع العلمي؟ يضع الألفاظ لمعان، معانٍ جديدة يضع لها ألفاظ، الآن قل له بأن هذا الوضع ارتباط حقيقي أو انتزاعي أو اعتباري؟ يقول ماذا تقول، لم يسمع لا الحقيقي ولا الانتزاعي ولا الاعتباري. تقول له: هذا بالتسبيب أو بالمباشرة؟ يقول: ماذا يعني التسبيب وماذا يعني المباشرة. إذن عملية الوضع كما يقول السيد الخوئي والحق معه أنه الكل يضع ألفاظ لمعانٍ.
السؤال: هذا الإشكال وارد أو ليس بوارد؟
الجواب: أن المحقق الأصفهاني& لا يتكلم في عملية الوضع التي هي المقام الأول، بل يتكلم عن تحليل هذه العملية الذي هو المقام الثاني. وجنابك يظهر لم تفرقوا بين المقام الأول وبين المقام الثاني، نحن ليس بحثنا أن عملية الوضع تحتاج إلى أن الواضع لابد أن يكون كالمحقق الأصفهاني، نحن نريد أنه بعد أن تحققت هذه العملية من قبيل ما ذكرنا، بعد أن علمنا أن هذا العالم له خالق، ما هي العلاقة بين الخالق والمخلوق، غير مرتبطة بكل أحد، وإنما نريد أن نحلل هذه الظاهرة.
إذن بكلمة واحدة أن السيد الخوئي في إشكاله خلط بين المقام الأول من البحث والمقام الثاني من البحث، خلط بين عملية الوضع وبين تحليل هذه العملية، وإلا بيني وبين الله أنت لو تسأل اللغويين وسيأتي بحثه في محله، أنت لو سألت اللغويين تقول له: من، ما هو فرقها عن الابتداء. يقول: صحيح من للابتداء ولكن من معنى حرفي والابتداء معنى اسمي. ثم أسأله: ما الفرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي. يستطيع هو أن يحلل أو لا يستطيع. ولكن علماء الأصول لا أقل توجد – ستأتي بعد ذلك – سبع نظريات في تحليل الفرق بين المعنى الحرفي وبين المعنى الاسمي، وهناك أيضاً لابد أن نقول هذا الذي يقال لم يلتفت إليه الواضع، نعم لا يلتفت إليه الواضع لأنه لا علاقة له بالواضع.
تقول: إذا لم يكن مرتبطاً بالواقع لماذا نقضي أوقاتنا في هذا؟
الجواب: لأن هذا التحليل تترتب عليه آثار، وهو أن المعنى الحرفي يمكن أن يجري فيه الإطلاق كالمعنى الاسمي أو لا يمكن؟ هذا لا يستطيع أن يفهمه اللغوي الواضع للمعنى الحرفي وللمعنى الاسمي، وإنما هو وظيفة المحلل، ولذا سموا هذه الأبحاث علم اللغة أو فلسفة علم اللغة. هذه يعبر عنها من الفلسفات المضافة، نحن عندنا فلسفة التي هي الفلسفة المطلقة التي تبحث عن الظواهر الكونية العامة، وعندنا فلسفة مضافة يعني أنه تضاف إلى علم من العلوم، اللغة شيء وهو المقام الأول من البحث، وفلسفة اللغة وعلم اللغة شيء آخر.
الحق والإنصاف أن الفلاسفة ظلموا كثيراً لأنهم في دروسهم يشتمون الفلسفة ولكن هو يقوم بعمل فلسفي لأنه تحليل، ونحن قلنا أن الفلسفة هي تحليل. نعم، الفيلسوف متعلق التحليل عنده الظواهر الكونية والأصولي متعلق التحليل عنده الظواهر اللغوية وغيرها.
وبهذا اتضح للأعزاء أنه في هذه النظريات التي نطرحها ما ذكره المحقق العراقي وما ذكره النائيني وما ذكره الأصفهاني وما سيذكره بعد ذلك السيد الصدر وما يذكره السيد الخوئي وما يذكره غيرهم من الأعلام المعاصرين وغيرهم، هذه ليست بحثاً في المقام الأول من البحث، يعني في بيان العملية، هذه من وظائف المجامع العلمية واللغوية، وإنما البحث في المقام الثاني من البحث وهو تحليل هذه العملية وهي عملية الوضع.
إذن الإشكال الأول للسيد الخوئي غير وارد.
الإشكال الثاني: السيد الخوئي+ يوجد عنده إشكال ثاني، هذا الإشكال في (حاشيته على أجود التقريرات، ص18) وكذلك في (محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص44) واقع الإشكال مآله إلى شقين، هو طبعاً يذكره بشكل إشكال واحد ولكنه ينحل إلى شقين أو إشكالين:
الإشكال الأول الذي يذكره، طبعاً أن أحاول أن أشير إليه مع التشقيق، الشق الأول من الإشكال الثاني أو الإشكال الأول من هذا الإشكال الثاني عبروا عنه ما تشاؤون، يقول بأنه أساساً عملية الوضع المعروف وضع اللفظ للمعنى، هذا في عملية الوضع، أما ما ذكره المحقق الأصفهاني من المورد والمثال وهو وضع العلم على المكان هذا ليس وضع (لـ) وإنما وضع (على) ويلزم قياس مع الفارق، لأنه في الوضع عندنا وضع اللفظ نستعمل حرف اللام، أما في المثال الذي ذكره ما نستعمل؟ نستعمل حرف (على) في (نهاية الدراية، ص47) (كالعلم المنصوب على رأس الفرسخ) ومن الواضح استعمال اللام لـ (على) أو (على) لـ (للام) استعمال صحيح أو خاطئ؟ استعمال خاطئ. هذه عبارته أعزائي.
عبارته في (أجود التقريرات) أوضح وأصرح يقول: (وثانياً أن لازم هذا البيان كون المعنى موضوعاً عليه لا موضوعاً له) وكأنه هناك مقدمة مطوية في كلامه، والتالي باطل، لأنه لابد أن يكون موضوعاً له، إذن فالمقدم مثله، يعني قياس مع الفارق. (وكم فرق بينهما) بين موضوع عليه وموضوع له (فإن الموضوع عليه في الوضع الحقيقي) يعني العلم المنصوب، لأنه قال ذاك حقيقي وهذا اعتباري (إنما كان هو المكان المخصوص للدلالة على كونه رأس الفرسخ فكونه رأس الفرسخ هو الذي وضع له العلامة) وعليه فما الموضوع له في المقام إذا كان المعنى سوف يلزم هو الموضوع عليه.
ولذا عبارته في (المحاضرات) يقول: (وإطلاقه على المعنى الموضوع له لو يكن من الأغلاط الظاهرة فلا أقل من أنه لم يعهد في الإطلاقات المتعارفة والاستعمالات الشائعة مع أن لازم ما أفاده+ هو أن يكون المعنى هو الموضوع عليه لا أن يكون هو الموضوع له) ما المحذور؟ يقول: والتالي باطل، لأن المفروض في عملية الوضع أن يكون موضوع له لا موضوع عليه.
هذا هو الإشكال الثاني.
الإشكال الثالث: قلت هما إشكالان جعلهما في إشكال واحد ولكن في عقيدتي هما إشكالان.
الإشكال الثالث: يقول بأنه فيما ذكره من المثال توجد عندنا عناصر ثلاثة، وفي محل الكلام يوجد عندنا عنصران، لا عناصر ثلاثة، أما محل الكلام فعندنا علم وهو الموضوع، وعندنا مكان وهو الموضوع عليه، وعندنا الفرسخ، تريد أن تقول أن هذا المكان رأس الكيلو متر كذا … وهو الموضوع له، يعني أنت عندما تضع علامة في الطريق هذه العلامة هي الموضوع، هذا المكان هو الموضوع عليه، لأي شيء؟ تريد أن تقول بعد 50 كيلو متر إلى البلد الكذائي، أو 10 كيلو متر … هذا رأس الـ 50 كيلو متر أو رأس الـ 100 كيلو متر. إذن في المثال توجد عناصر ثلاثة أو عنصران، توجد عناصر ثلاثة وهو الموضوع والموضوع عليه والموضوع له، أما عندما نأتي في عملية الوضع لا يوجد إلا عنصران، وهو الموضوع والموضوع له، ولا يوجد عندنا الموضوع عليه.
النتيجة ما هي؟ النتيجة يقول هذا قياس مع الفارق، طبعاً هذه لم يشر لها ولكن لازم كلامه هذا.
هذا الإشكال الثاني ورد فقط في المحاضرات ولم يرد في أجود التقريرات، يقول (ص44) (أن وضع اللفظ ليس من سنخ الوضع الحقيقي كوضع العلم على رأس الفرسخ والوجه في ذلك أن وضع العلم يتقوم بثلاثة أركان، الأول الموضوع وهو العلم والثاني وهو الموضوع عليه وهو ذات المكان، الثالث الموضوع له وهو الدلالة على كون المكان رأس الفرسخ، وهذا بخلاف الوضع في باب الألفاظ فأنه يتقوم بركنين الأول الموضوع وهو اللفظ والثاني الموضوع له وهو دلالته على معناه، ولا يحتاج إلى شيء ثالث ليكون ذلك الثالث هو الموضوع عليه).
هذا مجمل الإشكال الثاني بشقيه أو الإشكالين الثاني والثالث بحسب تحليلنا.
سؤال: هذا الكلام وارد على المحقق الأصفهاني، على شيخ الأستاذ أو غير وارد؟
في المقدمة أنا أحتاج إلى أن أبين نكتة وهو أنه لو تنظر أنت إلى الإشكالين معاً تجد أنه إشكاله مرتبط بالمثال الذي ضربه المحقق الأصفهاني، وأنتم قرأتم في محله أنه واقعاً أن الأمثلة عندما تضرب هل يراد منها التطبيق 100% بين المثال والممثل له أو يراد التقريب من جهة ولعله أبعد منه من جهات، أي منهما؟ أصلاً ليس فقط هنا، بل في كل الأمثلة القرآنية من أولها إلى آخرنا لو أردت أن تتكلم بهذا المنطق التحليلي الذي أشار إليه السيد الخوئي+ إذن في كثير إن لم أقل في جميعها يلزم أن يكون قياس مع الفارق.
أعزائي في الأمثلة لا تقول لي: من قال أن المحقق الأصفهاني يقول مثال.
أصلاً يصرح، وعبارته هذه، يقول: (ثم أنه لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه وكونه بحيث ينتقل من سماعه إلى معناه مع حيثية دلالة سائر الدوال كالعلم المنصوب على …) إذن كالعلم المنصوب يريد أن يقول هذا مثل ذلك أو يريد أن يضرب مثالاً (كالعلم المنصوب). ولذا المحققين ذكروا أن المناقشة من خلال الأمثلة ليست من دأب المحصلين، أنت أنظر إلى أن ما ذكره من الحقائق تام أو ليس تام؟ نعم، إشكالك الأول إشكال فني وهو أساساً أن هذا التعقيد … وقد أجبنا عنه، أما أن هذا المثال يختلف عن الممثل من قال لك أن المحقق الأصفهاني بصدد أن يقول أن هذا عين ذاك، وإلا لو جرت هذه القاعدة إذن القرآن الذي من أوله إلى آخره (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا …) إذا كان المثال والتمثيل مطابق 100% فلا يحتاج (وما يعقلها إلا العالمون) مطابقة 100% أصلاً المثال لا يكون له معنى ويكون لغواً لأن هذا مطابق، لماذا صار مثال؟ لأنه يقرب من جهة وله مبعدات من جهات أخرى.
إذن سيدنا وضع يدك على المثال وأن هذا المثال يختلف عن الممثل، أساساً هذا ليس بحثاً فنياً بذلك المعنى، ومع ذلك كله تنزلاً مع سماحة السيد الأستاذ.
نأتي إلى الشق الأول من كلامه وهو أنه يقول أن عملية الوضع هي وضع اللفظ للمعنى ويلزم من كلام المحقق الأصفهاني أن يكون الوضع على المعنى. بإمكان الأصفهاني أن يقول أصلاً من يقول أن الوضع للفظ أنا أقول أن الوضع على اللفظ، دعواك مصادرة. نعم، ودعواي ليست مصادرة بل أنا أقيم البرهان أن هذا مثل ذاك، ثم أنك عندك آية نزلت في القرآن أو رواية صحيحة السند أو برهان عقلي يقول أن عملية الوضع لابد أن تكون باللام لا بـ (على) أين هذه؟! والعجيب أن السيد الخوئي هو يقول: والاستعمالات العرفية، هذه استعمالات عرفية، هو يقيم الدليل على أن الوضع (على) أو الوضع (ل)؟ يقيم دليل على أنه (على) وليس (ل) أنت تقول (ل) أقم الدليل وأبطل مقاله.
إذن دعواك أن هذا غلط هذا مصادرة على المطلوب، ومن قال أن عملية الوضع … نعم، الذي أوقع السيد الخوئي ومن على شاكلته من الأعلام الذين قالوا أنه ابتلوا بلفظة الوضع، ونحن قلنا في أول الأبحاث أنه لابد أن لا نقف عند لفظ الوضع بالحمل الأولي، لابد أن ننظر إلى الوضع بالحمل الشايع، أساساً من قال وضع، نعم سمي الوضع، وإلا هي في الواقع الارتباط بين اللفظ والمعنى، هل هو وضع بمعنى (ل) هل هو وضع بمعنى (على) أساساً لا (ل) ولا (على) تنزيل وملازم … آراء متعددة بعد ذلك ستأتي.
نعم، لأنه قال لفظ وضع، فقالوا وضع اللفظ لا على المعنى، وضع اللفظ للمعنى، ولذا تجدون عبارة السيد+ واقعاً لم يستدل على بطلانه قال: وإطلاقه على المعنى الموضوع له لو لم يكن من الأغلاط الظاهرة فلا أقل من أنه لم يعهد، واقعاً لم يعهد، لم يعهد ثم ماذا. هذا أولاً.
وثانياً أن المحقق الأصفهاني العجيب لو كان يدقق في عبارة المحقق الأصفهاني كانت واضحة، المحقق الأصفهاني في الوضع الحقيقي استعمل اللام و(على) وفي الوضع الاعتباري استعمل اللام و(على). من قال بأنه يقول (على) يقول لام مرة ويقول (على) مرة، يقول في الاعتبار لام مرة و(على) مرة. أنا أقرأ العبارة حتى أبين نكتته بعد ذلك.
قال: (ثم لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه وكونه بحيث ينتقل من سماعه) سماع اللفظ (إلى معناه) إذن هو يجعل الوضع لام أو (على)؟ إلى. (مع حيثية دلالة سائر الدوال كالعلم المنصوب على رأس الفرسخ فأنه أيضاً ينتقل من النظر إليه إلى أن الموضع رأس الفرسخ). يستعمل على ويستعمل اللام ويستعمل إلى.
بعبارة أخرى يريد أن يقول: بأن اللفظ موضوع على المعنى وموضوع للمعنى، كما أن العلم هناك موضوع على المكان وموضوع للمكان.
نعم، تبقى النكتة لماذا يصح اللام ويصح على أيضاً؟
وهذا بحثه سأشير إليه عندما نتكلم عن الإشكال الثالث.
في (ص48) هذا الكلام بشكل واضح، يقول: (بل ليس هناك إلا وضعه عليه بداعي الانتقال من رؤيته إليه) على وإليه أيضاً، لا محذور. نعم، هناك في الحقيقي بنحو في الاعتباري بنحو آخر. هذا هو الإشكال الأول، إذن الإشكال الأول أعزائي إشكال غير وارد.
الإشكال الثاني أو الثالث بتعبيرنا: السيد الخوئي في الإشكال الثالث قال بأنه في المثال توجد ثلاثة عناصر، أما في مورد الكلام فيوجد عنصران، إذن لا ينبغي أن يكون هذا مثل ذاك، قياس مع الفارق.
ما نقوله في الجواب عن هذا، هو أنه مقصودك أنه في الوضع الحقيقي توجد عناصر ثلاثة، مرادك عناصر ثلاثة متباينة وجوداً بحسب الخارج، يعني أن الموضوع وجود والموضوع عليه وجود ثاني لأننا نتكلم في الوضع الحقيقي يعني بحسب الوجودات الخارجية، وأن الموضوع له وجود ثالث، إن كان هذا مقصودك فهذا وإن كان تاماً بنحو الموجبة الجزئية إلا أنه غير تام بنحو الموجبة الكلية، كيف، بيانه؟
مرة يأتي هذا العلم يضعوه على مكان للإشارة إلى وجود سباع أو إلى وجود بستان أو إلى وجود ماء، نعم، هنا أمور ثلاثة: الموضوع وهو هذا العلم، الموضوع عليه وهو المكان، الموضوع له وهو ذاك البستان أو الماء أو البيت. ولكن ليس كلما وضع العلم توجد أمور ثلاثة. عندما يريد أن يشير إلى أن هذه النقطة هي رأس الكيلو متر 100، هنا الموضوع يعني هذه القطعة، الموضوع عليه هذه النقطة من المكان, الموضوع له نفس المكان أو مكان آخر؟ تقول نفس هذا. نعم اختلف عنوانها أنها رأس الفرسخ، رأس الفرسخ والمكان عنوانان لهما وجودان متباينان أو وجود واحد وهما عنوانان تحليليان، فأنت عندما تقول بأنه في المثال نحتاج إلى ثلاثة عناصر تريد ثلاثة عناصر متباينة وجوداً مطلقاً، كلام غير تام، خصوصاً المثال الذي ضرب علم على رأس الفرسخ توجد ثلاثة أمور ولكنها ليست متباينة وجوداً.
وإن قلت أننا نكتفي. لا أنه عناصر ثلاثة وإن كان بعضها يختلف عن البعض تحليلاً وإن كان بحسب الواقع والحمل الشائع وجود واحد، هذا يمكن تصويره على في الوضع الاعتباري.
إذن فيما يتعلق بإشكالنا أو جوابنا على الإشكال الثالث: إن كان المقصود عناصر ثلاثة في المثال متباينة وجوداً، صحيح إلا أنه دائماً على نحو الموجبة الكلية هكذا، وإن كان المقصود بحسب التحليل فهذا يمكن تصويره في الوضع الاعتباري. هذا هو الإشكال الذي ذكره السيد الشهيد& في تقارير بحثه يراجعه الأخوة. والتتمة تأتي غداً.
والحمد لله رب العالمين