بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
أشرنا في أبحاث الوضع أنه لابد أن يقع البحث في الوضع في مقامين، وقلنا أن العبارة الأدق والأصح في هذا المقام أن نقول في البحث في العلاقة بين اللفظ والمعنى أعم من أن يكون وضعاً أو أي شيء آخر، السبب في ذلك أن جملة من الأعلام واقعاً ابتلوا بهذا اللفظ، قالوا: وضع، يعني وضع كذا لكذا، فقالوا لابد أن نقول وضع اللفظ للمعنى، ولا يصح أن نقول وضع اللفظ على المعنى، لأن وضع لا تتعدى بـ (على) هذه المشكلة من أين نشأت؟ نشأت من هذه المفردة، من عنوان البحث، أشرت إلى هذه النكتة سابقاً وقلت أنه لابد أن نبحث في العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى. قلنا بأنه لابد أن يكون البحث في مقامين:
المقام الأول من البحث: بيان هذه العلمية، عملية الوضع، أو عملية ربط اللفظ بالمعنى. هذه العملية هل هي فطرية، هل هي إلهامية، هل الواضع هو البشر، هل الواضع هو الله سبحانه وتعالى ونحو ذلك. هذه كلها تأتي في المقام الأول من البحث. يعني في نفس عملية ربط اللفظ بالمعنى.
المقام الثاني: في تحليل هذه العملية وأن هذه العملية ما هي حقيقتها.
إذا اتضح الكلام أنه في مقامين، عموم كلمات الأعلام مرتبطة بالمقام الثاني من البحث، لا بالمقام الأول، يعني ما أشرنا إليه من التحليل والتحقيق الذي ذكره المحقق العراقي مرتبط بالمقام الثاني، ما ذكره المحقق الأصفهاني وتقدم بيانه فيما سبق مرتبط بالمقام الثاني، يعني تحليل هذه العملية، ولذا عندما أشكل السيد الخوئي في موارد متعددة بأنه أساساً عملية الوضع ليست معقدة قلنا أنه خلط بين المقام الأول وبين المقام الثاني.
أما نظرية المرزا النائيني غير مرتبطة بالمقام الثاني وإنما مرتبطة بنحو من الأنحاء مرتبطة بالمقام الأول من البحث. إلى هنا فقط كنت أريد أن أبين أن ما أشرنا إليه من النظريات الثلاث: نظرية العراقي ونظرية النائيني ونظرية الأصفهاني لا يتبارد إلى الذهن أنها في مقام واحد، نظرية النائيني في المقام الأول بنحو من الأنحاء ونظرية العراقي والأصفهاني في المقام الثاني من البحث.
وإلى هنا أتضح أنه لم نرَ إشكالاً أساسياً لا على ما قاله المحقق العراقي، ولا على ما ذكره المحقق الأصفهاني.
إذن التحليل الذي ذكره العراقي في نفسه تام مع، إن صح التعبير الأعزاء إذا كانت لديهم الخبرة في التصوير نظرية العراقي تحتاج إلى بعض الرتوش.
ونظرية المحقق الأصفهاني أيضاً تحتاج إلى بعض الرتوش، قد هنا تحتاج إلى عيب صغير أو نقص كبير لابد أن نتمه.
وهذا إنشاء الله تعالى عندما انتهي من نظريات الأعلام أبين ما هو رأيي في المقام الأول من البحث وما هو رأيي في المقام الثاني من البحث. الآن نتكلم في نظريات الأعلام.
الأعزاء يتذكرون بأنه من أهم خصائص نظرية المحقق الأصفهاني أنه قال أن العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى ليست لا هي علاقة حقيقية كالعلاقة مثلاً بين الجوهر والعرض ولا هي علاقة انتزاعية كالعلاقة القائمة بين الفوقية والسقف، وإنما هي علاقة عبروا عنها اعتبارية عبروا عنها وضعية عبر عنها ما تشاء ولكنها ليست من قبيل الأول ومن قبيل الثاني. لا تدخل في مصاديق العلاقة الحقيقية ولا في مصاديق العلاقة الانتزاعية، الحقائق والانتزاعية.
ومن هنا نحن ذكرنا أن المحقق الأصفهاني لا يريد أن يقول أن العلاقة بين اللفظ والمعنى لا تتحقق إلا إذا قال الواضع وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى، كما في باب البيع مثلاً، أنت لكي تنشأ الملكية أو تنشأ البيع ماذا لابد أن تقول؟ تقول: بعت، والطرف الآخر ماذا يقول؟ خصوصاً في الموارد التي لا تجوز فيها المعاطاة كالنكاح على كلام في النكاح أيضاً لأنه لا دليل لديهم إلا الإجماع على أنه عدم جواز النكاح في المعاطاة لا يوجد أي دليل والإطلاقات تامة إلا الإجماع على أنه لا يجوز النكاح بالمعاطاة، على أي الأحوال بحث سيأتي في محله.
إذن أعزائي افترضوا في باب النكاح، في باب النكاح العلاقة أيضاً هذه الألفاظ اعتبارية ولكنه لا تتحقق هذه العلقة الاعتبارية إلا بالإنشاء، أقول: أحد الطرفين زوجت والآخر يقول قبلت، هكذا، نحن في الوضع أيضاً نحتاج هكذا؟ الجواب: نحن قلنا لا، فقط أن المحقق الأصفهاني بصدد بيان أن هذه العلاقة تتبدل بتبدل الأنظار والظروف والأشخاص والواضعين، وإذا كانت حقيقية أو انتزاعية هل هي تابعة للأنظار والأشخاص والظروف أو غير تابعة؟ هي غير تامة.
ولكن هذه العلاقة الاعتبارية إذا أردنا أن نصورها، صار الأعلام بصدد تصوير هذه العلاقة وأنتم تعلمون عندما يريدون تصويرها لابد أن يضربوا لها مثالاً عرفياً نقول هذه مثل هذه. هنا اختلفت كلمات الأعلام في تصوير هذه العلقة الاعتبارية، وإلا كل ما سنقوله داخل تحت راية العلقة الاعتبارية بين اللفظ والمعنى، وهو الذي ذكره المحقق الأصفهاني وبعد ذلك سيتضح أن الجميع متفق أن العلقة بين اللفظ والمعنى علقة اعتبارية، حتى السيد الشهيد القائل بأنه القرن الأكيد، لا يقول بأن القرن الأكيد يعني أنه لا توجد علقة اعتبارية، لا، ايضاً معتقد بالعلقة الاعتبارية، الجميع معتقد بالعلقة الاعتبارية، حتى المحقق العراقي فضلاً عن الأصفهاني وغير الأصفهاني.
هؤلاء لتمثيل ولتصوير ولتشبيه ولتقريب هذه العلقة الاعتبارية ذكروا لنا أمثلة وذكروا لنا تشبيهات للتقريب، المحقق الأصفهاني ماذا فعل؟ المحقق الأصفهاني قال: (كالعلم المنصوب على مكان) وبدأت الإشكالات تترى هذا الوضع وضع للمعنى لا وضع على المعنى ويتذكر الأعزاء … ولكن واقع الحال هذا كان مثال حتى يمثل أو يقرب هذه العلقة الاعتبارية بين اللفظ والمعنى. والشاهد على ما أقول أنه مثال، هذا كلام شيخنا الأستاذ+ مرزا جواد التبريزي لأننا ما يقرب السنتين حضرنا الفقه عنده، هناك في كتابه (دروس في مسائل علم الأصول، ج1، ص30) يقول: (وقد يقال في المقام كما عن المحقق الأصفهاني أن الارتباط بين اللفظ والمعنى مما يلازم الوضع وليس عينه، بل الوضع أمر اعتباري يشبه وضع العلم على الأرض أو الحجر على الحجر لغرض ما …). المحقق الأصفهاني عبر كالعلم، هنا تبدلت العبارة من (ك) إلى يشبه، ووقع نفس الإشكال الذي وقع فيه السيد الخوئي في (ص31) يقول: (ولو كان كذلك لا يمكن المساعدة عليه، إذ اللفظ وإن كان يتصف بأنه موضوع والمعنى لا يصح اتصافه بالموضوع عليه وإنما يتصف بالموضوع له) انظروا البحث الحقيقي اختلط مع البحث اللفظي، بحثنا ليس في أن (ل) أو (على) حتى نذهب إلى اللغة ونرى ما الفرق بين اللام وعلى، حقيقة الوضع ما هي؟ نتكلم في التحليل، يعني افترض في لغة ليس فيها اللام ولا على ماذا نفعل هناك، أيضاً يبحثون عن حقيقة الوضع. هو يكتفي بهذا الإشكال على المحقق الأصفهاني وهذا واقعاً تبسيط، أنا لا أعلم هذه القضية.
[بعض الأحيان الأعلام أو العلماء عندما يريد أن يشكل يبسط المطلب حتى يشكل عليه، لأن المطلب إذا بين بحقيقته وجوهره وعمقه أصلاً هذا الإشكال مرتبط بالمطلب أو غير مرتبط، فماذا يفعل؟ تبسيط المسألة حتى يرد عليها أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً … الخ، هذا سببه تبسيط المسألة، وإلا المسألة واقعاً استبعد أن المحقق الأصفهاني كان بحثه يدور حول اللام وعلى].
هذا النحو الأول وهذا تقدم الكلام والجواب عنه مفصلاً.
النحو الثاني الذي بحثنا الجديد لهذا اليوم.
النحو الثاني: وهو أن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة اعتبارية، لا كلام في أنها اعتبارية، وقلت لكم وبعد ذلك سيتضح لا كلام عند أحد أنها اعتبارية، حتى القائل بالتعهد يقول بالاعتبارية لا يوجد بحث فيها.
يقول: أن العلاقة بين اللفظ والمعنى هي علاقة الاستلزام، لماذا؟ يقول: لأن الملازمة بين الشيئين قد تكون تكوينية واقعية كما نجدها بين الزوجية والأربعة أو بين النار والحرارة، أو بين الشمس والنور، هذه الملازمات التي هي ملازمات تكوينية واقعية خارجية وجودية، فقط نحتاج العلم بها.
الواضع يأتي في العلاقة بين اللفظ والمعنى، تلك العلاقة الواقعية يوجد لها أيضاً فرداً اعتبارياً وهي العلاقة بين اللفظ وبين المعنى، فإذن النظرية الصحيحة لا هو وضع اللفظ للمعنى ولا هو وضع اللفظ على المعنى، بل هو الملازمة بين اللفظ وبين المعنى، هذا النظر مختار جملة من الأعلام المعاصرين منهم، بعد ذلك سنكمل هذا، أنا عندي الجزء الأول منها وهو (مباحث الأصول) للشيخ بهجت، ولا أعلم أن كان لها بقية أو لا.
في (مباحث الأصول، ج1، ص33) للشيخ بهجت، قال: (الوضع هو جعل اللفظ مستلزماً للمعنى في الإدراك) لأن هذه قضية اعتبارية وليست واقعية خارجية، وإنما قضية مرتبطة بعالم الذهن، لذا التفتوا إلى العبارة (الوضع جعل اللفظ مستلزماً للمعنى في الإدراك) وأكثر من هذا لا يتكلم لأن كل ما بحثه لا يتجاوز الصفحتين فقط في بحث الوضع ويتجاوزه.
ولكن من رأيته يفصل الكلام في هذا هو السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ج1، ص66) بعد أن يبين النظريات السابقة ويقول يرد عليها ما يرد يقول: (يتعين الالتزام بأن حقيقة الوضع هي جعل العلقة واعتبار الارتباط) إذن هو داخل في نظرية الاعتبار لا خارج عنها (واعتبار الارتباط بين اللفظ والمعنى فإنه معنى معقول لا محذور في الالتزام به ثبوتاً ولا إثباتاً وتوضيحه) يبين أولاً أن عدم الانفكاك بين تصور شيئين والتلازم بين وجوديهما بحيث إذا انتقل إلى أحدهما ينتقل الآخر إنما ينشأ من ارتباط خاص ومنشأ هذا الترابط إما بحسب الوجود الخارجي وإما بحسب العلقة الاعتبارية. (وبعبارة أخصر وأوضح لما كان منشأ الملازمة هو نفس الارتباط بين شيئين لم يفرق في تحققها) تحقق الملازمة (بتحقق ذلك الفرد واقعاً أو اعتباراً) واقعاً كما في الملازمات الواقعية والوجودية، اعتباراً كما بين اللفظ والمعنى (فحقيقة الوضع اعتبار الارتباط والعلقة بين اللفظ والمعنى فينشأ) التفتوا جيداً إلى هذه العبارة (فينشأ قهراً بهذا الاعتبار تلازم واقعي) هذه أي نظرية؟ نظرية المحقق العراقي التي شرحناها، وبعد ذلك ستأتي مفصلاً نظرية القوانين التكوينية التي أشار لها السيد الشهيد& أنه هناك قوانين موجودة أنت مرة توجد لها أفراد واقعية وأخرى توجد لها أفراد اعتبارية. هذا الفرد الاعتباري عندما توجده ينطبق عليه القانون التكويني، سيتضح هذا بعد أن نشرح.
يقول: (فينشأ قهراً بهذا الاعتبار تلازم واقعي بين تصور اللفظ وتصور المعنى لمن يلتفت إلى وجود الربط الاعتباري والذي يتحصل بأيدينا أن الوضع عبارة عن جعل الربط والملازمة والعلقة بين اللفظ والمعنى وينشأ من هذا الاعتبار مصداق حقيقي للملازمة كما هو واضح). إذن يتضح بشكل واضح وصريح يحاول أساساً أن يوجه عبارة صاحب الكفاية أيضاً قائل بنظرية الملازمة بين اللفظ والمعنى، الأخوة يراجعون هناك بحث في أربعة صفحات.
السيد الخوئي أيضاً أشار إلى هذه النظرية في (المحاضرات، ص40) قال: (القول الأول وذهب كثير من الأعلام إلى أن حقيقة الوضع حقيقة اعتبارية ولكنهم اختلفوا في كيفيتها، القول الأول ما قيل أن حقيقة الوضع عبارة عن اعتبار ملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له، وحقيقة هذه الملازمة متقومة …).
ولكن هناك نكتة بودي أن الأعزاء يلتفتوا لها لابد أن أشير لها.
عبارة السيد الروحاني وعبارة السيد الخوئي هي الملازمة بين اللفظ والمعنى، وظاهر لفظ الملازمة لغة يعني ان يوجد التلازم من الطرفين، يعني وضع اللفظ للمعنى ووضع المعنى للفظ، لأنه يوجد تلازم من طرف أو من طرفين؟ إذا قلنا ملازمة إذا قلنا تلازم يعني ماذا؟ يعني إذا تصورنا هذا ننتقل إلى ذاك وإذا تصورنا ذاك ننتقل إلى هذا. مع أن حقيقة الوضع ليست إيجاد العلاقة من الطرفين وإنما استلزام اللفظ للمعنى، لا ملازمة اللفظ للمعنى، فرق بين قولنا الملازمة لا يقول لي قائل: سيدنا هذه مناقشة في التعبير. نعم، مناقشة في التعبير لأن من أتكلم معه ليس إنساناً عادياً بل أتكلم مع السيد الخوئي ومع السيد الروحاني، هؤلاء لابد أن هذه العبارات … ولذا تجدون أن عبارة الشيخ بهجت كاملاً هذه النكتة ملتفت إليها، طبعاً أنا التفت إليها من عبارة الشيخ بهجت في (ص33) حيث قال: (جعل اللفظ مستلزماً للمعنى) هذا هو الوضع، لا جعل الملازمة بين اللفظ وبين المعنى، هذه نكتة لابد أن يلتفت لها، المهم هذه مرتبطة بالعبارة لا بالبحث، أنا عندي يقين عندما يُسأل العلمين أيضاً يقولان مرادنا هذا ولكن التعبير جاء … أبسط ما يكون تحميل المقرر وتنتهي المشكلة.
السؤال المطروح هنا: السيد الخوئي على القاعدة أشكل على هذا، إشكال أشير له بصورة مختصرة، السيد الخوئي في (المحاضرات، ص40) أشكل على هذا الكلام وقال: بأن هذا الواضع عندما وضع اللفظ مستلزماً للمعنى وضعه مطلقاً بنحو يشمل الجاهل يلزم اللغوية، وضعه للعالم يلزم تحصيل الحاصل بل أردئ أنواع تحصيل الحاصل. قال: (وإن أريد به اعتبار الملازمة) يعني الاستلزام على البيان الذي أشرنا له (وإن أريد به اعتبار الملازمة يعني أن الواضع اعتبر الملازمة بين اللفظ والمعنى ففيه أنه لا يخلو إما أن يكون مطلقاً حتى للجاهل بالوضع أو يختص بالعالم بالوضع، ولا يمكن المصير إلى الأول فأنه لغو محض) لأنه إذا كان جاهل بالوضع إذا سمع اللفظ يستلزم المعنى عنده أو لا يستلزم؟ لا يستلزم. فإذن يكون وضعه مطلقاً حتى يشمل الجاهل يكون لغواً (وإذا وضعه للعالم) إذا كان عالماً بالوضع فلا معنى لأن يضع له هذا، ولذا قال: (ولا إلى الثاني لأنه تحصيل حاصل بل من أردئ أنحاءه) لماذا؟ لأنه هو يعلم به علماً تكوينياً الملازمة وأنت تريد أن تعتبر له فيكون من أردئ أنحاء تحصيل الحاصل.
هذا الكلام واقعاً غريب في مثل هذه الأبحاث، وذلك:
أما نقضاً فواضح: نسأل من السيد الشارع عندما شرع الحكم وضعه للعالم أو وضعه للجاهل؟ المشرع الإلهي جعل حكماً وشرع تشريعاً للجاهل لغو، للعالم تحصيل حاصل. هذا النقض.
أما الحل في جملة واحدة: نعم، وضعه للجاهل حتى يبحث استطراقاً إلى أن يحصل له العلم به فينتقل ذهنه من اللفظ على المعنى. وضعه للجاهل، وضع هذا اللفظ يستلزم هذا المعنى، لأي شيء؟ حتى جنابك إذا وصلت إليه تستطرق من هذا اللفظ إلى هذا المعنى، كما أنه بالنسبة إلى الحكم الشرعي أيضاً كذلك، إذا صار لك به علم فهو ماذا؟ يترتب عليه الأثر. استطراقاً لحصول وترتيب الأثر على هذه الملازمة. بل أكثر من ذلك. حتى نقول للعالم ولا يلزم تحصيل الحاصل لماذا؟ لأن هذا من قبيل أخذ العلم في الجعل في فعلية المجعول، فإذن أعزائي مثل هذه الإشكال ولذا أنا أتصور بأنه لا فرق كبير بين أن نقول أن هناك ولذا إذا ترجعون أنتم عندما قرر السيد الروحاني نظرية المحقق الأصفهاني لعله في موضع أو موضعين قال يستلزم اللفظ للمعنى. استلزام ولا أعلم كالعلم المنصوب كلها لتقريب هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى. والحق والإنصاف هنا لابد أن أشير ونعم ما قاله الشيخ الفياض في (ج1، ص126) قال: (وبكلمة أن عملية الوضع عملية إنشائية) طبعاً لا نوافق إنشائية بمعنى إنشاء البيع أو النكاح، هم إلى الآن يدورون في ذلك المدار أن الوضع عملية إنشائية يعني يقول الواضع وضعت كذا كما يقول البائع بعت كما يقول كذا أنشأت ليس هكذا (فإذا تحققت هذه العملية) بأي طريق تحققت تعيناً أو تعييناً كما تجدون في التعين بعد ذلك سيأتي في أقسام الوضع، في التعيين واضع في التعين؟ أساساً لا يوجد اعتبار هناك، لا يوجد معتبر هناك حتى نقول وضع هذا اللفظ لهذا المعنى، بحثه سيأتي.
(فإذا تحققت هذه العملية ترتب عليها آثارها وهي الملازمة بين تصور اللفظ وتصور المعنى وهذه العملية كما تتحقق بالصيغة الأولى) يعني ما قاله المحقق الأصفهاني (وهي تشبيه وضع اللفظ للمعنى بوضع العلامات الخارجية على المواقع كذلك تتحقق بهذه الصيغة وهي جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى مشروطة بالعلم بذلك، ومرد الصيغة الأولى أيضاً إلى هذه الصيغة روحاً وحقيقة) ذاك أيضاً يريد أن يقول هذه اللفظ يستلزم المعنى. إذن هذه الصيغة الثانية أو النحو الثاني أيضاً لا يختلف كثيراً عن النحو الأول.
النحو الثالث: يقول بأنه لا هو وضع اللفظ على المعنى ولا هو وضع اللفظ مستلزماً للمعنى، بل وضع اللفظ على علامة على المعنى، بينكم وبين الله تأملوا … سأنقل من يقول بهذا الكلام، عندما تتحقق ستجد أنه يختلف مع الأول في المثال فقط لا يختلف معه في حقيقة المطلب، يقول: مثاله ليس صحيح أن يقول كالعلم المنصوب لابد أن يكون مثاله كالاسم الذي تضعه لابنك، فأنت لا تريد أن تقول هذا اللفظ يستلزم هذا المعنى ولا على، وإنما تقول هذا الاسم علامة على ذاك.
هذا المعنى اختاره الشيخ التبريزي بعد أن نقض تلك الآراء كلها وجاء بهذه النظرية كما يقول هو في (ج1، ص34): (والصحيح أن الوضع في الألفاظ عبارة عن جعلها علامات للمعاني) علامة في اللغة تتعدى باللام أو تتعدى بعلى؟ هو يقول (لـ) لأنه بمجرد أن يقول (على) يبتلي بما أشكل به على المحقق الأصفهاني، لأن المحقق كان إشكاله الأصلي كان على المحقق الأصفهاني ماذا؟ وضع اللفظ للمعنى … لا يقول (على).
قال: (عبارة عن جعلها علامات للمعاني والغرض من جعل العلامة تفهيمها بها فالمعنى هو الموضوع له ومسمى اللفظ …).
أوضح من هذا ولكن بشكل تفصيلي، طبعاً اختار نفس هذا المبنى وحاول أن يجعله قرآني وروائي … الشيخ الأستاذ الشيخ وحيد الخراساني في كتاب (تحقيق الأصول على ضوء أبحاث شيخنا الفقيه المحقق والأصولي المدقق آية الله العظمى الوحيد الخراساني، ج1، تأليف السيد حلي الحسيني الميلاني). هناك بعد أن يشير إلى هذه النظريات، بعد أن يشير إلى نظرية المحقق الأصفهاني ويشرح النظرية في صفحة وأربعة أسطر، ولا يعلق عليها، يقول في (ص76): (مختار شيخنا الأستاذ، وذهب شيخنا دام بقاه في الدورتين إلى أن حقيقة الوضع هي العلامية) قال بأن الإنسان في بادئ الأمر كان يبرز مقاصده النفسانية بالإشارة وبعد ذلك تقدم قليلاً (كانت الإشارة هي الوسيلة والسبب والعلامة لتفهيم مقاصده فلما وجد اللفظ كان دوره) هذا التعبير ليس تعبيراً دقيقا وجد اللفظ، من أوجد اللفظ، لابد أن تكون: ولما أوجد اللفظ، لا وجد اللفظ، وإلا اللفظ لم ينزل من السماء، الإنسان انتقل من مرحلة الإشارة إلى مرحلة ا لألفاظ، وهذا الذي سنشير له في المقام الأول عندما نقف بأن تطور الإنسان انتقل من الإشارة إلى الأصوات إلى الألفاظ.
(فلما وجد اللفظ كان دوره نفس دور الإشارة وقام مقامها في الوسيلة فكان اللفظ هو العلامة والوسيلة لإفادة المعنى المتعلق به الغرض فكان وضع لفظ على معنى) لا لمعنى، (على معنى علامة له ووسيلة لإفهامه وكانت اسماً) هذا وجداناً (ويدل عليه من الكتاب قوله: (لم نجعل له من قبل سمياً) أي لم يكن في الوجود قبل يحيى أحد يعرف بهذا الاسم، ومن الأخبار ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر في العيون والتوحيد ومعاني الأخبار عن ابن فضال عن الرضا عن بسم الله، قال: معنى قول القائل بسم الله أي اسمي نفسي بسمة …) أتصور الرواية ليس اسمي بل اسم، ما في ذهني هذا من الرواية (اسم نفسي بسمة من سمات الله عز وجل وهي العبادة فقلت: وما السمة. قال: العلامة) أن العلامة على قسمين إما ذاتية وإما اعتبارية، وهذه داخلة في العلامات الاعتبارية). هذا كلام …
وأنا أتصور بأنه لا يختلف كثيراً عما قاله الأصفهاني وما قاله الروحاني وغير ذلك.
النحو الرابع: الذي فيه بحث، وهو أنه يقول بأنه أساساً الوضع حقيقة الوضع مآلها إلى أن الواضع ينزل اللفظ منزلة المعنى، المعنى حقيقة من الحقائق له مجموعة من الآثار هو يريد بدل أن يأتي … عندما يريد أن يقيم معك علاقة التفاهم وجسر التفاهم بدل أن يأتي بالمعنى يأتي بلفظ يدل على المعنى، فإذن الوضع حقيقة هو تنزيل اللفظ منزلة المعنى. السيد الخوئي في (أجود التقريرات) ويضرب مثال لذلك، أنا بحسب التتبع انظروا في الكلمات من يقول بهذا القول، أنا لم أجد في كلمات الأصوليين. ولكنه لعله موجود في الكلمات بنحو الإشارة أنا لم يسعني الوقت للمتابعة.
يقول: (من قبيل الصلاة بالبيت طواف) في قوله الصلاة بالبيت طواف يعني ما هو؟ يعني تنزيل الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة. هذا المعنى بشكل إجمالي ورد في (أجود التقريرات، ج1، ص18) قال: (الوجه الثاني: أن اللفظ اعتبر وجوداً تنزيلياً للمعنى فكأن وجود اللفظ هو وجود المعنى في عالم الاعتبار والتنزيل) يعني مراده الاعتبار التنزيلي، لا الاعتبار الاستلزامي، لا الاعتبارات الأخرى، وإنما اعتبار تنزيلي.
وكذلك أشار إلى هذا المطلب في (المحاضرات، ج1، ص41) إلى أن يقول: (وجوداً للمعنى في عالم الاعتبار واعتبره وجوداً تنزيلياً له في ذلك العالم دون عالم الخارج والعين كالتنزيلات الشرعية مثل قوله: الطواف في البيت صلاة، وقوله: الفقاع خمر استصغره الناس. ونحوها. ومن ثم …).
مجموعة من الأمثلة التي ضربها. ثم أشكل عليه قال: بأن هذا الكلام لا يمكن أن يكون صحيحاً، لماذا؟ لأنه هناك قاعدة في باب التنزيل مؤداها أن المنزل عليه لابد أن يكون له أثر حتى بالتنزيل أو اعتبار التنزيل تنقل آثار المنزل عليه وتعطيها للمنزل، يعني مثلاً للصلاة في نفسها آثار من آثارها أو من شروطها الطهارة، فهذا الأثر تريد أن تعطيه للطواف، وهكذا للخمر أحكام تريد أن تعطي ذلك للفقاع ونحو ذلك.
وفي المقام هذا غير متصور، لماذا؟ لأنه لا يمكن نقل آثار المعنى إلى اللفظ، في بعض الأحيان أساساً المعنى لا آثار له، وفي موارد أخرى له آثار ولكن يمكن نقلها إلى اللفظ أو لا يمكن؟ على سبيل المثال: الماء، حقيقة الماء يروي العطش، هذه من آثار الماء، هل يمكن أن تنزل اللفظ منزلة هذه الحقيقة أو لا يمكن؟ لا يمكن، يعني يتصور أحدنا الماء ويقول الحمد لله رب العالمين، إذا كانت المشاكل تنحل بالتوهم وبالوجود الذهني فما ألطف هذه الحياة، يجلس الإنسان ويغمض عينيه ويبقى يعيش في عالم خيالاته وتوهماته وتنزيلاته ويكون ملكاً على العالم وانتهت القضية. وبعض تلك المعاني أساساً لا آثار لها كالعدم، العدم بطلان محض كيف ننقل آثار العدم إلى اللفظ.
هذا المعنى بشكل واضح أشار إليه في (الدراسات، ج1، ص30) للسيد علي الهاشمي الشهرودي، يقول: (وثالثاً: التنزيل) طبعاً هو بعد أن ينقل النظرية يقول: (ويقرب الثاني … وفيه أن التنزيل وإن كان خفيف المؤونة إلا أنه لا يحسن إلا فيما بين المنزل والمنزل عليه مناسبة تامة) مثلاً في باب الكنايات، هذا الإشكال الأول. والإشكال الثاني أن هذا المعنى بعيد عن ذهن عامة الناس. وأتصور مثل هذا الإشكالات اتضح الجواب بأنه نحن لسنا بصدد المقام الأول بل بصدد المقام الثاني.
وثالثاً والذي هو الإشكال الأصلي قلنا لا نريد الدخول في التفاصيل لأنها واقعاً لا تستحق. (وثالثاً أن التنزيل لابد وأن يكون بلحاظ ثبوت آثار المنزل عليه على المنزل كما نرى ذلك في جميع موارد ثبوت التنزيل، وفي المقام لا يثبت شيء من خواص المعنى للفظ، مثلاً لفظ العدم موضوع لهذا المفهوم الممتنع تحققه في الخارج) إذن شيء أو لا شيء؟ لا شيء، بطلان محض، هلاك محض، إذا كان هلاكاً محض إذن له أثر أو ليس له أثر؟ ليس له أثر. إذن ما تريد أن تنقل أنت من هذا إلى … من المنزل عليه إلى المنزل. (فهل يثبت هذا الأثر) يعني الذي هو البطلان المحض (للفظ العين والدال والميم) الذي هو لفظ عدم (وتكون مستحيلة أيضاً) إذا كان ثبت الأثر فهذا اللفظ المفروض أن يكون مستحيلاً (من الواضح عدمه فإذن هذا أيضاً غير ثابت في المقام، فالاعتبارية بهذا المعنى واضحة الفساد). هذا إشكال أساسي للسيد الخوئي على نظرية التنزيل.
على القاعدة هذا البحث الفلسفي عندما يأتي في كلمات الأعلام تجدهم حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء، تجد أن الفكر يكون أعرج، لماذا؟ لأن المباني الفلسفية ليست بأيدي هؤلاء وإلا لو كانت بأيديهم إشكال بهذا المستوى العجيب يرد!!
الجواب في جملة واحدة حتى لا أطيل على الأعزاء: تصور السيد الخوئي+ نحن نريد أن ننقل آثار الوجود الخارجي للمنزل، مع أنه لا نريد أن ننقل آثار الوجود الخارجي بل نريد أن ننقل آثار الوجود الذهني للوجود اللفظي، ما المحذور فيه؟! الذي هو باطل محض هو الوجود الخارجي أو الوجود الذهني؟ الوجود الخارجي العدم بطلان محض وهلاك محض ولا أثر له، أما مفهوم العدم لا لفظ العدم، لفظ العدم موجود من موجودات عالم الذهن، ولذا أنت تقول الوجود والعدم نقيضان، إذا العدم ليس بشيء كيف يمكن أن يكون نقيضاً ويكون مقابلاً للوجود. النقيضان من أقسام – في المنطق- التقابل الحقيقي بالذات، العدم شيء حتى يقابل أو ليس بشيء؟ فكيف يقع التقابل بين الوجود والعدم؟ الجواب: نحن عندنا وجود لفظي (ع د م) وعندنا وجود ذهني يعني الصورة الذهنية، هذه الصورة الذهنية لها آثار، وإلا إذا لم تكن هذه الصورة الذهنية موجودة فلا معنى للسرور والحزن والفرح واللذة … أصلاً لا معنى، لماذا؟ لأنه أنت اجلس في عزاء الإمام الحسين ويصور لك كربلاء ماذا يوجد في ذهنك، يوجد وجود خارجي، من الذي يبكيك؟ الوجود الذهني، أجلس الآن في هذا المجلس ثم أبدأ تصور الصورة الذهنية لمعنى العسل ترى مباشرة يسيل اللعاب، عجيب، الصورة ذهنية أين واقعة. أقول: لا، أساساً التأثير إنما هو للصورة الذهنية لا للواقع الخارجي، ولذا الإنسان بجنبه ميت لا يستطيع المبيت معه إذا قالوا له أن بجنبك ميت، وأما إذا لم يقولوا له أن بجنبك ميت فينام مرتاحاً، لأن التأثير إنما هو للواقع الخارجي أو للصورة الذهنية؟ للصورة الذهنية لهذا العالم.
إذن سيدنا نحن لا نريد أن ننقل آثار المنزل عليه الخارجي للفظ حتى تنقض علينا وتشكل علينا بأن من الأمور الخارجية ما لا أثر له، عدم محض، وإنما نريد أن ننقل آثار الصورة الذهنية، بعبارة أخرى أو ببيان آخر: آثار العلم إلى الوجود اللفظي.
إذن هذا الإشكال أيضاً غير تام. تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين