الأخبار

المحاضرة (65)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أنحاء الاعتبار الذي أشرنا بالأمس إلى التنزيل وإلى العلامية وإلى الاستلزام، بالإضافة إلى ما ذكره المحقق الأصفهاني.

النحو الخامس: في النحو الخامس تقول بأن الواضع لا اعتبر الاستلزام ولا العلامية ولا التنزيل وإنما اعتبر الهوهوية، يعني أن هذا هو ذاك، أن اللفظ هو المعنى، لقائل أن يقول: ما الفرق بين التنزيل وبين الهوهو؟

الجواب: هو الفرق الذي ذكر في نظرية المرزا النائيني عندما قال أنه اعتبر خبر الواحد علماً، هناك كان بحث بين الأصوليين أشرنا إليه تفصيلاً في الدورة السابقة، وهو أن المرزا عندما قال: أن الشارع جعل خبر الواحد علماً، قالوا له مرادك من أن خبر الواحد علم يعني نزل خبر الواحد منزلة العلم، هذا غير معقول. لماذا؟ باعتبار أن العلم أو أن خبر الواحد لكي ينزل منزلة العلم لابد أن الشارع ينزل آثار المنزل عليه ويعطيها للمنزل، ولكي يفعل ولكي يصح منه هذا لابد أن تكون آثار المنزل عليه مرتبطة به بجعله حتى يستطيع أن يوسع وأن يضيق، يعني من قبيل الصلاة في البيت طواف، باعتبار أن الصلاة من شرائطها الطهارة يمكنه أن يوسع يقول ومن الموارد مما أنزله منزلة الصلاة هو الطواف، ولكن ذاك هناك يصح لماذا، لأن تلك الآثار مرتبطة بالشارع، أما العلم فآثاره عقلية التنجيز والتعذير، مرتبطة بالشارع أو غير مرتبطة بالشارع، فلا يحق له أن ينزل آثار غير مرتبطة به لشيء آخر.

دافعوا عن المرزا بكلام قالوا أن المرزا لا يقول بتنزيل خبر الواحد منزلة العلم حتى يرد هذا الإشكال، وإنما يريد أن يعتبر، والاعتبار بيدي أنا، أنا أريد أن أعتبر هذا مثل ذاك، إذن المرزا لم ينزل بل المرزا أوجد فرداً آخر للعلم على طريقة المجاز السكاكي، يدعى في المقام أنه لم ينزل اللفظ منزلة المعنى بل اعتبر اللفظ هو المعنى.

ولأجل مراجعة ما ذكرناه يرجع الاخوة إلى (الحلقة الثالثة، ص67) قال: (ومن هنا يعترض بأن التنزيل من الشارع إنما يصح فيما إذا كان للمنزل عليه أثر شرعي بيد المولى توسيعه وجعله على المنزل، وتخلص النائيني بمسلك جعل الطريقية قائلاً أن إقامة الأمارة لا تتمثل في عملية تنزيل لكي يرد الاعتراض، بل في اعتبار الظن علماً كما يعتبر الرجل الشجاع أسداً على طريقة المجاز العقلي أو المجاز السكاكي).

وبهذا نتخلص من إشكالية التنزيل حتى لو تمت إشكالية السيد الخوئي على مسألة التنزيل وإن كان اتضح أن التنزيل أيضاً فيه إشكال أو لا يوجد فيه إشكال؟ لا يوجد فيه إشكال.

مما تقدم اتضح أن مسلك التنزيل غير مسلك الهوهو، هذان مسلك واحد أو مسلكان، لا يتبادر إلى الذهن أنهما مسلك واحد، بل هما مسلكان، ومما ذكرنا يتضح الخلط الذي وجد في كلام السيد الخوئي+ في (المحاضرات) حيث فسر نظرية التنزيل بنظرية هو هو، قال: (إن حقيقة الوضع عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجوداً تنزيلياً للمعنى) هذا النحو الرابع الذي أشرنا إليه، ثم قال: (فهو هو في عالم الاعتبار) لا سيدنا، ليس هو هو في عالم الاعتبار، هذا هو النحو الخامس وليس هو نحو التنزيل ومسلك التنزيل.

وأنا أتصور أن هذا الخلط منشأه من مكان آخر، منشأه من المحقق مرزا علي الإيرواني في شرحه على الكفاية (نهاية النهاية في شرح الكفاية، ج1، ص7) – هذا الكتاب أنا عندي الجزء الأول فقط ولا أعلم أن الأجزاء الأخرى خرجت أو لم تخرج- نفس هذا الخلط الذي يوجد في كلام السيد الخوئي موجود عند الإيرواني، يقول: (ثم العلة الموجبة لصرف دلالة اللفظ إلى معنى خاص من بين سائر المعاني إنما هو التنزيل وادعاء العينية والهوهوية بين لفظ خاص وذلك المعنى) من الواضح بأن التنزيل شيء والهوهوية شيء آخر، لا أنه عطف تفسير أحدهما على الآخر، هذا مبنى وله مجموعة من الآثار، ولذلك مبنى وله مجموعة أخرى من الآثار.

طبعاً هذا لا مشكلة فيه، يكون في علمكم أن العينية لا مشكلة فيها، بعد ذلك سيتضح لماذا لا توجد فيها مشكلة، أنا لا اريد أن أقول أن الوضع هو العينية، لا، العينية تصير نتيجة الوضع. يعني بعد إما كثرة الاستعمال وإما الاُنس كأنه عندما يسمع اللفظ كأنه سمع المعنى، تصير هوهوية، هذه بعد ذلك، فهي من آثار الوضع. بعد ذلك سيتضح بأنه بعض الأعلام المعاصرين الذي انتخب نظرية أن الوضع حقيقة الهوهوية إشكاله في أي نقطة. بحثه سيأتي.

النحو السادس: نظرية الاداتية أو الإشارية، وهو أن اللفظ ليس علامة وإنما أداة للإشارة إلى المعنى.

هذا المعنى ليس في بحث أساسي، يراجعه الأخوة في (تقريرات السيد الشهيد، ج2، ص38) قال: (وحاصل هذا الوجه أن يقال: بأن الوضع عبارة عن الاعتبار، بمعنى اعتبار كون اللفظ أداة لتفهيم المعنى) ثم يقول: (أن الأداتية على قسمين: أداة تكوينية وأخرى اعتبارية، واللفظ دال على المعنى بنحو الاداتية …).

هذا تمام الكلام، طبعاً عندنا رجوع آخر إلى هذه المطالب كلها، لا يتبادر إلى الذهن، فقط أنا أبين التصور العام حتى نرجع إليه مرة أخرى.

إلى هنا انتهينا من النظرية الثالثة في بيان حقيقة الوضع، وتبين لنا بأن النظرية الأولى والنظرية الثالثة لا يوجد فيهما إشكال أساسي، يعني نظرية المحقق العراقي، المعنونة في الكتب الأصولية بالجعل الواقعي، ونظرية المحقق الأصفهاني المعبر عنها في الكتب الأصولية بنظرية الاعتبار.

النظرية الرابعة: وهي نظرية التعهد

هذه النظرية التي هي موجودة وتعيش في أفكارنا وتعيش في كلمات جملة من الأعلام المعاصرين، هذه النظرية أبينها أنا بالطريقة التالية لأنها غير منظمة وغير واضحة في كلمات متبنيها والمنتقدين والمعترضين عليها حتى تتضح أصول النظرية وقوام النظرية وصيغة النظرية وآثار النظرية، أنظمها وأرتبها بالطريقة التالية:

الأمر الأول: تأريخ النظرية: هذه النظرية من الواضح بأنها ليست إبداعية للسيد الخوئي، وإن كان في الأخير نسبت للسيد الخوئي، ولكن واقع الأمر هي ليست للسيد الخوئي، بل توجد في كلمات السابقين عليه بشهادة، بشهادة أن المحقق الأصفهاني بعد أن انتهى من نظرية الاعتبار قال: وبذلك اتضح عدم تمامية نظرية التعهد. هذا يكشف عن أن النظرية كانت من النظريات المطروحة، وبشهادة أن المرزا النائيني أيضاً بعد أن بين نظريته قال اتضح عدم تمامية نظرية التعهد ونحو ذلك.

إذن النظرية لها تأريخ وسنشير إلى من يقول، طبعاً المشهور يقولون أن صاحبها النهاوندي في كتاب (تشريح الأصول) هذا الكتاب لا يوجد عندي حتى أطالعه، ولكنه في الكلمات يقولون أنها لمرزا علي النهاوندي صاحب كتاب تشريح الأصول، وحيث أن الكتاب ليس بيدي فلا استطيع التثبت، لأن كثيراً محتاط في هذه الارجاعات لأنه كم من هذه الارجاعات عندما راجعنا لم نجد أنها كما هي أو كما ينسب إليه.

[من قبيل حديث الثقلين، وجدت بأن أحد الأعزاء كتب رسالة طويلة عريضة في حديث الثقلين، ويقول بأنه حديث الثقلين ورد في صحيح مسلم، وأنتم تعلمون بأن صحيح مسلم من أصح الكتب عند السنة، إذا ورد في صحيح مسلم ابن تيمية يقول إذا ورد عند البخاري أو عند مسلم يعد قطعياً، يعني من قبيل المتواتر، بهذا القدر من الأهمية. ثم جاء إلى الدلالة، طبعاً لا ينقل الحديث باعتبار أنه واضحة موجودة في صحيح مسلم.

ثم يأتي إلى فقه الحديث، عندما يأتي إلى فقه الحديث يبدأ يقول والحديث يدل على العصمة، والحديث يدل على المرجعية الدينية، والحديث يدل على أنه من تخلف عنهم هلك، والحديث يدل على أنه من تمسك بهم نجى ومن خالفهم ضل … إذا كان في صحيح مسلم هكذا نص جيد، راجعنا النص … حديث الثقلين في صحيح مسلم (أوصيكم بكتاب الله) ثم أمر بالتمسك به ثم قال: (أذكركم الله بأهل بيتي) هذا حديث … بينكم وبين الله هذا الحديث كيف يستنتج منه عصمة أهل البيت عليهم السلام، طبعاً نحن عندنا نصوص أخرى أنهما لم يفترقا، وأنهما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وتقدمتم كذا تأخرتم عنهم كذا فتهلكوا … الخ. لكن تلك الصيغ تقريباً عندهم ضعيفة السند، أو لا يعتبرونها، ولكنه باعتبار أنه لم يراجع الحديث في صحيح مسلم، تصور أن الصيغة الموجودة في صحيح مسلم صيغة (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)].

إذن الأمر الأول المسألة من الناحية التأريخية ليست من إبداعات أو ليس أول من قال بها السيد الخوئي، وهذا ليس عيباً، وإنما كل المسائل العلمية في النتيجة فيها جذور هنا وهناك.

الأمر الثاني: ما هي الصيغة النظرية للتعهد، يعني عندما نقول تعهد، ماذا يعني تعهد؟

الجواب في جملة واحدة: السيد الخوئي يقول: مرادنا من التعهد هو وجود قضية شرطية هذه القضية الشرطية – أنا أتكلم في ظاهر عباراته، لا يقول لي قائل أن مقصود السيد الخوئي شيء آخر، أنا أتكلم في هذا وسأقرأ لكم-.

صيغة النظرية في كلمات السيد الخوئي وهي: أنه متى ما قصدت إفهام معنى معين ذكرت لفظاً خاص له.

الصيغة التي يقولها وسأقرأ العبارة، الصيغة هذه احفظوها لي هذه القضية الشرطية: متى ما قصدت، إذن الشرط في الجملة الشرطية … متى ما قصدت تفهيم معنى ذكرت، الشرط ماذا يكون؟ ذكر اللفظ. إذن ليس أن الشرط ذكر اللفظ إذا أراد معنى معين، لا لا، وإنما الشرط ما هو؟ الشرط قصد تفهيم معنى معين فأنه يذكر ماذا … إذن قضية شرطية شرطها إرادة تفهيم معنى خاص، وجزائها ذكر لفظ خاص.

هذه الصيغة التي السيد الخوئي يؤكد عليها في مواضع متعددة:

منها: ما ورد في (المحاضرات، ج1، ص45) يقول- أنا أقرأ نص عباراته-: (بأنه متى ما قصد تفهيم جسم سيال بارد بالطبع أن يجعل مبرزه لفظ الماء) إذن في هذه الجملة الشرطية ما هو الشرط وما هو الجزاء؟ الشرط ما هو؟ قصد تفهيم معنى، لأنه عبر عنه جسم سيال بارد هذا المعنى، يذكر ماذا؟ يذكر لفظاً (ومتى قصد تفهيم معنى آخر أن يجعل مبرزه لفظاً آخر). إذن أحفظوا لي هذا المعنى، هذا المورد الأول.

المورد الثاني أيضاً في (المحاضرات، ص202) عبارته بنفس هذا البيان أيضاً فلا نحتاج أن نعيد عليها، قال: (إن معنى التعهد كما عرفت) هنا يقول قضية شرطية ولكن محتواها لم نشر إليه (كما تعرفت عن تعهد الواضع في نفسه بأنه متى ما تكلم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلا تفهيم معنى خاص) هذه العبارة توهم شيئاً آخر سيأتي بحثه، المهم هذا مورد.

المورد الثاني في (الدراسات، ج1، ص31) هذه عبارته (والصحيح أن الوضع وهو التعهد بذكر اللفظ) ولكن متى، قضية شريطة (عند إرادة تفهيم المعنى) فإذن متى قصد تفهيم المعنى ذكر اللفظ. هذا المورد الثاني.

المورد الثالث: وهو ما جاء في (أجود التقريرات، ج1، ص18) قال: (بيان ذلك أن حقيقة الوضع على ما يساعده الوجدان عبارة عن الالتزام النفس بإبراز المعنى الذي تعلق قصد المتكلم بتفهيمه بلفظ مخصوص) أيضاً واضح أن الشرط ما هو والجزاء ما هو (فمتعلقه …).

سؤال لأحد الطلبة: ….

لا، هذا رأيه، لا، أجود التقريرات تعليقات، أنا أقرأ كلام السيد الخوئي في تعليقته (ج1، ص18) بعد أن يقول فالتحقيق إلى كذا بيان … تعليقة السيد الخوئي على أجود التقريرات.

عندما نراجع كلمات السيد الخوئي قبل هذا نجدهم يصرحون بهذه الصيغة، ومن الذي صرحوا بهذه الصيغة صاحب (درر الفوائد) يعني الشيخ عبد ا لكريم الحائري، في النسخة القديمة (ج1، ص4) في حقيقة الوضع، والآن طبع طبعة جديدة. قال: (أو الذي يمكن تعقله أن يلتزم الواضع أنه متى أراد معنى وتعقله وأراد إفهام الغير تكلم بلفظ كذا) نفس الصيغة التي يقولها السيد الخوئي. وهي التي أشار إليها الشيخ عبد الكريم الحائري.

ومن الذين أيضاً قبل هذين العلمين أشاروا إلى هذه النظرية، وهو في (وقاية الأذهان، ص62) تأليف العلامة الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني المتوفى 1362هـ تحقيق مؤسسة آل البيت، هناك بحث تفصيلي، يقول: (ولا يمكن جميع ذلك إلا بالتعهد أعني تعهد المتكلم للمخاطب والتزامه له بأنه لا ينطق بلفظ خاص إلا عند إرادته معنى خاص) بنفس البيان.

إذا أراد إفهامه وبتعبير آخر أنه إذا اراد إفهامه معنى معيناً لا يتكلم إلا بلفظ معين ولفظ خاص.

إذن من هذا الذي أشرنا له اتضح أن تقرير كلام السيد الخوئي بصيغة أخرى هذا الكلام لا أقل خلاف ظاهر كلامه، هذا إنما أقوله عن الشيخ الفياض، الشيخ الفياض في (المباحث الأصولية، ج1) يقول: (نظرية التعهد فهي التي اختارها السيد الأستاذ ولها مميزات … أن القضية المتعهد بها قضية شرطية مقدمها التلفظ بلفظ خاص) هذه القضية الشرطية مقدمها التلفظ أو جزائها التلفظ. قد يقول قائل: سيدنا ما الثمرة من هذا. أقول: هذان صيغتان لا صيغة واحدة. وكل صيغة لها أحكامها الخاصة وإشكالاتها الخاصة، نحن الآن حديثنا ليس مع الاحتمال بل حديثنا مع نظرية تبناها أحد الأعلام الاصوليين وهو السيد الخوئي، لا نتكلم الاحتمال الأول الاحتمال الثاني الاحتمال الثالث. نعم، يمكنك أن تحتمل وتقول وفي هذه النظرية احتمالات أخرى، ولكن حديثنا نحن مع السيد الخوئي.

قال: (مقدمها التلفظ بلفظ خاص وتاليها إرادة إفهام معنى مخصوص). الجواب: لا، مقدمها متى ما أراد تفهيم معنى خاص تلفظ بلفظ خاص، فمقدمها تفهيم المعنى وتاليها وجزائها الاتيان بلفظ خاص. إذن هذا التقرير للصيغة التي اختارها السيد الخوئي في غير محلها.

الأمر الثالث: قوام هذه النظرية، ما هو العنصر الأساسي في هذه النظرية؟

العنصر المقوم الأساسي لهذه النظرية هو أنها متقومة بالاختيار، يعني ما لم يكن هناك اختيار فلا معنى للوضع، ومن الواضح أنه لا يمكن لأحد أن ينوب عن غيره في الاختيار. إن شاء الله بعد ذلك من هنا بعد ذلك السيد الخوئي سيصرح بأنه كل مستعمل فهو واضح، لماذا كل مستعمل؟ يقول باعتبار أن عملية الوضع متقومة بالاختيار فلا معنى لأن أنا أنوب لأن الاختيار فعل قائم فلا معنى لأن أقوم أنا بدلاً عنك إلا أن تعطيني وكالة وإلا عملي يكون فضولي وإذا صار فضولي فليس له قيمة. ولذا هو يصرح بهذا المعنى في (المحاضرات، ص48) قال: (ضرورة أن تعهد كل أحد لما كان فعلاً اختيارياً له يستحيل أن يصدر) هذا التعهد من غيره، لا معنى لأن أعطي تعهد عن غيري وأن هذا التعهد فعل اختياري للمتعهد … وفي كل المصادر هذا العنصر واضح ويركز عليه، إذن قوام النظري يقوم على أن التعهد أمر اختياري وفعل اختياري، التعهد فعل اختياري للواضع، إذن لا يمكن أن يصدر إلا من المتعهد وما لم يتعهد فلا معنى لأن ينسب هذا الفعل إليه.

الأمر الرابع أو الخامس أو الثالث سموه ما شئتم: دليل هذه النظرية:

السيد الخوئي+ يقول: دليلنا على ذلك اللغة والاستعمالات العقلائية والسيرة العقلائية عبروا عنها ما تشاؤون.

هذا الكلام بشكل واضح يشير إليه في (المحاضرات، ج1، ص48 و 49) يقول: (ثم أن الوضع بذلك المعنى الذي ذكرناه وهو التعهد موافق لمعناه اللغوي أيضاً فأن الوضع في اللغة بمعنى الجعل والإقرار ومنه وضع اللفظ ومنه وضع القوانين في الحكومات الشرعية والعرفية) ما معنى الوضع في الحكومات أو اللفظ؟ يقول: (فأنه بمعنى التزام تلك الحكومة بتنفيذها في الأمة) يعني أن هناك تعهد والتزام فلابد أن تلتزم به في الأمة.

وفي (ص48) يقول: (وعلى هذه الالتزامات والتعهدات قد استقرت السيرة العقلائية في مقام الاحتجاج واللجاج فيحتج العقلاء بعضهم على بعض بمخالفته التزامه …) هذا دليل النظرية.

الوضع اللغوي واستقرار السيرة العقلائية، وإلا لا يوجد عندنا دليل واضح افترض عقلي او نقلي قرآن أو رواية، لا لا، يقول الوضع هذا دليله.

الأمر الأخير في هذه النظرية: الآثار المترتبة على هذه النظرية، ما هي النتائج التي يمكن أخذها من هذه النظرية؟

الأمر الأول الذي يتضح من هذه النظرية: أن حقيقة الوضع ليست أمراً اعتبارياً وإنما هو حقيقة تكوينية وجودية، تعهد نفساني، والتعهد النفساني أمر اعتباري أو أمر حقيقي؟ من الواضح بأنه ليس أمراً اعتبارياً، هذا المعنى أيضاً في (المحاضرات، ج1، ص45) بشكل واضح وصريح يشير إليه يقول: (ومن هنا ظهر أن حقيقة الوضع هي التعهد والتباني النفساني) ومن الواضح أن التباني النفساني ليس أمراً اعتبارياً (فإن قصد التفهيم …).

الأمر الثاني أو النتيجة الثانية أن كل مستعمل للفظ للإشارة للدلالة للعلامية … ما شئت فعبر، كل مستعمل فهو واضح حقيقة، وإلا إذا لا يوجد عنده ذلك التعهد والتباني النفساني لا معنى لأن يلزم بظواهر كلامه، أصلاً حجية الظواهر، أنا أريد أن ألزمك بأن ظاهر كلامك كذا، متى استطيع أن ألزمك؟ إذا كنت أنت متعهداً وملتزماً أنه كلما أردت هذا المعنى ذكرت هذا اللفظ، وحيث أنك ذكرت اللفظ إذن تريد هذا المعنى. وهذا ما يصرح به في (أجود التقريرات) يعني في حاشيته على (أجود التقريرات، ج1، ص19) قال: (ومن هنا يظهر أن كل شخص من أفراد أهل لغة واضح حقيقة) لا أنه … نعم، قد يبقى سؤال. طبعاً هذا المعنى بشكل واضح وصريح في (المحاضرات، ص46 و 47) يقول: (وعلى ضوء هذا البيان تبين أن كل مستعمل واضح حقيقة فأن تعهد كل شخص فعل اختياري له فيستحيل أن يتعهد شخص آخر تعهده في ذمته لعدم كونه تحت اختياره وقدرته) نعم، إلا إذا أوكله، وذاك بحث آخر.

وهنا يشير إلى بعض النكات التي بودي أن يراجعها الأعزاء لكي لا تأخذ وقتها، وهو أنه إذن لماذا نحن نقول الواضع الأول؟ يقول: الجواب نقول من باب أسبقية الزمان، وإلا ليس من باب أن غيره ليس بواضع، ليس مرادنا من الأول أن غيره ليس بواضع وإنما حيث أنه سابق زماناً. يقول: (… يعني أن تعهدهم كان مسبوقاً بتعهدي إلا أنه لا يمنع عن كونهم واضعين حقيقة ضرورة أن تعهد كل أحد فعل اختياري، غاية الأمر التعهد من الواضع الأول) يعني غير المسبوق بتعهد غيره (هذا تعهد ابتدائي غير مسبوق بشيء ومن غيره) يعني التعهد (ثانوي ولأجله ينصرف لفظ الواضع إلى الواضع الأول والجاعل الأول) هذه النتيجة الثانية.

النتيجة الثالثة التي نأخذها من هذا الكلام: هو أن محصول عملية الوضع ليست هي الدلالة التصورية بل هي الدلالة التصديقية، وهذه جداً مهمة. يعني من أهم الآثار المترتبة على هذه النظرية والتي تتميز عن باقي النظريات أن باقي النظريات محصول العملية هي الدلالة التصورية، يعني انتقاش المعنى من سماع اللفظ ولو من اصطكاك بابين أو حجرين. أما هنا لا، ليس الأمر كذلك، إذا لم يكن وراءه متكلم مختار قاصد فأنه يوجد معنى أو لا يوجد معنى؟ يعني فيه إخطار. من هنا يدخل السيد الخوئي في بحث جديد، وهو أنه هذا خلاف الوجدان، نحن نجد أنه من اصطكاك الحجرين أيضاً ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى؟ يقول: هذا للأنس وإلا ليس أن حقيقة الوضع هو ذلك.

هذا المعنى في (المحاضرات، ص45 و 48) يقولك (وبهذا يتضح … وعليه يترتب اختصاص الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية) هذا في (ص45). وكذلك في (ص48) يقول: (إن العلقة الوضعية مختصة بصورة خاصة وهي ما إذا قصد المتكلم تفهيم المعنى باللفظ) أيضاً يؤكد الصيغة التي أشرنا إليها (وهي أيضاً نتيجة حتمية بالتعهد، بل وفي الحقيقة هذه هي النقطة الأساسية لمسلكنا، وأما ما يتوهم كذا … فمدفوع بأن تبادر المعنى فيها وانسباقه في الذهن غير مستند إلى العلقة الوضعية) حتى تقولون أنه لو سمعناها من اصطكاك حجرين أيضاً يتبادر إلى ذهننا (بل إنما هو من جهة الانس الحاصل بينهما بكثرة الاستعمال وذلك لأن الوضع حيث كان فعلاً اختيارياً فصدوره من الواضع الحكيم في أمثال الموارد لا يترتب على الوضع فيها أي أثر يكون لغواً وعبثاً).

الأمر الأخير الذي لابد أن يلتفت إليه، وبه ننتهي من بيان النظرية وحقيقتها والنتائج المترتبة عليها هو: في النظريات السابقة كانت العلقة بين اللفظ وبين المعنى، العلاقة قائمة بين ماذا وبين ماذا؟ بين اللفظ وبين المعنى. أما هنا العلقة ليست بين اللفظ والمعنى وإنما العلاقة في الوضع هي بين اللفظ وقصد تفهيم المعنى، وفرق كبير بين المراد من المعنى وقصد تفهيم المعنى. هذه هي حقيقة النظرية وهذه هي الآثار المترتبة عليها. هذه النظرية الرابعة تامة أو لا وهل يمكن أن نحتمل أو نتصور لها صيغ أخرى سيأتي.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات