بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
بعض الأعزاء بالأمس قالوا بأنه مررتم على هذه النظرية مروراً سريعاً وتستحق النظرية بحث أكثر مما بحثتم، في تصور بعضهم أني أرفض هذه النظرية ولذا مررت عليها مروراً سريعاً على أكثر الإشكال عليها.
لا، سيتضح لكم بأن النظرية نظرية بشكل عام نظرية متقنة خلافاً لسيدنا الشهيد وبيانه سيأتي أنه أي قدر نقبل من هذه النظرية وأي قدر لا نقبل منها.
ولكنه استجابة لبعض الأعزاء أشير إلى النظرية بشكل آخر.
هذه النظرية لكي تتضح لابد من معرفة خصائص هذه النظرية، ولكنه نحن نجد إن شاء الله تعالى بعد ذلك نجد أن المشكلة أين صارت. من أهم خصائص هذه النظرية ما يلي.
طبعاً هناك خصائص أخرى ولكنها ليست ذات قيمة، ولكني أشير إلى أهم خصائصها.
الخصوصية الأولى في هذه النظرية: هي أن حقيقة الوضع في هذه النظرية تتقوم بالقصد والاختيار، وهذا بخلافه في نظرية الأصفهاني فأنها لم تكن كذلك، وهذا مائز اساسي بين نظرية الاعتبار ونظرية التعهد، هذا المعنى في (أجود التقريرات، ج1، في الحاشية، ص18 و 19) التفتوا على هذه الجملة جيداً، يقول: (أن حقيقة الوضع عبارة عن الالتزام النفسي بإبراز المعنى بلفظ مخصوص) هل توجد قضية شرطية في الكلام أو لا؟ نعم، بعض الأحيان يبينها بقضية عقلية وبعض الأحيان يبينها بقضية شرطية وبعض الأحيان يقدم اللفظ ويؤخر القصد وبعض الأحيان يعكس. أنا أتصور وبعد ذلك سأشير أن هذا يعني وضع اليد الصيغة والبحث هذا خروج عن جوهر النظرية، ليس بحثنا … أي صيغة كانت، المقصود هذه النظرية.
يقول: (عبارة عن الالتزام النفسي بإبراز المعنى بلفظ مخصوص فمتعلق الالتزام والتعهد أمر اختياري) هذا في (أجود التقريرات).
وكذلك في المحاضرات، ج1، ص48) وقد قرأنا العبارة بالأمس، قال: (ضرورة أن تعهد كل أحد لما كان فعلاً اختيارياً له يستحيل أن يصدر من غيره) وهذا هو المقوم الأول، وهو أن نظرية التعهد تتقوم بالقصد والاختيار والإرادة، وهذا بخلافه في نظرية الاعتبار فأنها متقومة بهذا أو ليست متقومة؟ ليست متقومة.
الخصوصية الثانية: أن نظرية الاعتبار، طبعاً يكون في علمكم العراقي وغير العراقي كلهم قائلون بنظرية الاعتبار. نظرية الاعتبار تقول أن العلقة قائمة بين اللفظ والمعنى، الواضع يضع العلقة بين اللفظ والمعنى، أما هنا العلقة ليست بين اللفظ والمعنى وإنما العلقة بين اللفظ وقصد تفهيم المعنى. بعبارة أخرى: هناك الموضوع له ما هو؟ المعنى. أما هنا الموضوع له ما هو؟ الموضوع له هو المعنى أو قصد تفهيم المعنى؟ وفرق كبير بين أن يكون الموضوع له هو المعنى أو قصد تفهيم المعنى. وهذا المعنى بشكل واضح وصريح اشار إليه في (المحاضرات، ص48) قال: (أن العلقة الوضعية مختصة بصورة خاصة وهي ما إذا قصد المتكلم تفهيم المعنى باللفظ وهي أيضاً نتيجة حتمية للقول بالتعهد) يعني هذه الخصوصية الثانية مترتبة على الخصوصية الأولى (بل في الحقيقة هذه هي النقطة الرئيسية لمسلكنا فأن عليها تترتب نتائج ستأتي فيما بعد، أما ربما يتوهم من أن العلقة الوضعية لم تكن …).
الخصوصية الثالثة التي تقوم هذه النظرية: أن محصول عملية الوضع هي الدلالة التصديقية بخلافه على نظرية الاعتبار محصول عملية الوضع هي الدلالة التصورية، وهذا الفارق نتيجة الفارق يعني الفارق الثاني أو الخصوصية الثانية نتيجة الخصوصية الأولى والخصوصية الثالثة نتيجة الخصوصية الثانية. وهذا ما صرح به في (ص45 من المحاضرات) قال: (وإن شئت قلت أن العلقة الوضعية حينئذٍ تختص بصورة إرادة تفهيم المعنى) لا مطلقاً، هذه الخصوصية الثانية (وعليه يترتب اختصاص الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية) وهذا بخلافه في نظرية الاعتبار إذ الدلالة فيها دلالة تصورية.
نعم، يبقى دليل هذه النظرية، دليلها بنحو دقيق الذي بالأمس في آخر الوقت لم نوضحه كاملاً كما هو حق هذه النظرية وحق سيدنا الأستاذ علينا، السيد الخوئي يقول: بأن الدليل على ذلك نستفيده من الهدف الذي على أساسه احتجنا إلى نظرية الوضع، نحن لماذا احتجنا إلى نظرية الوضع؟ وجدنا أننا نحتاج إلى الاجتماع وإلى أن نوجد حالة اجتماعية ووجدنا أننا نريد بالإشارات والأصوات وحركات اليد يمكن أن نبين مقاصدنا أو لا يمكن؟ لا يمكن، إذن احتجنا إلى عملية الوضع، وحيث أن الغاية والهدف من وضع اللفظ للمعنى هو قصد تفهيم المعنى، لا أنه إيجاد العلاقة بين اللفظ والمعنى، هذا ليس قصد الواضع، لماذا وضع الواضع هذه الألفاظ للمعاني؟ لقصد تفهيمها، لأنه هو الذي يؤمن الحاجة، لا العلقة التصورية بين اللفظ وبين المعنى.
إذن دليلنا أن هذا هو الهدف الذي أدى بنا إلى أن نضع الألفاظ للمعاني، وأنه لو لم يكن كذلك أصلاً لما تحقق هدف الاجتماع، لماذا نحن أساساً وضعنا الألفاظ للمعاني؟ لإرادة تفهيم المعاني، فإذا قلت: لا. أن الوضع ليس فيه قصد تفهيم المعاني، أساساً يتحقق الغرض أو لا يتحقق؟ أساساً لا يقوم اجتماع، لأن الاجتماع إنما قائم على أنني عندما ألفظ لفظاً أقصد معنى معيناً، وأساساً لما كان هناك معنى لحجية الظهور، لأن هذه الظهورات قائمة على أساس الألفاظ، فإذا لم يكن هناك قصد تفيهم هذه الألفاظ وقصد تفهيم المعاني من خلال هذه الألفاظ، إذن لانهدم أساس حجية الظهور.
نعم، ويؤيد ذلك أن الوضع لغة هو الجعل، ولابد أن نرجع إلى اللغة هل عندنا في اللغة أن الوضع بمعنى الجعل، نحن بقدر ما راجعنا لم نجد، ولكن هذا مؤيد، شاهد وليس دليل السيد الخوئي.
هذا الكلام قال السيد الخوئي في (المحاضرات، ص44 و ص48 و 49) يقول: (ومن ناحية أخرى يرشد إلى ذلك) يرشد إلى ماذا؟ إلى نظرية التعهد (الغرض الباعث على الوضع) الذي يؤيد ويرشدنا إلى ما ندعيه من نظرية التعهد الغرض الباعث (بل الرجوع إلى الوجدان والتأمل فيه أقوى شاهد عليه) هذا الوجدان اتركوه جانباً، باعتبار أن هذا يدعي الوجدان وذاك يدعي الوجدان ولم نعرف إلى الآن ما هو ضابط الوجدان، هذا اتركوه، المهم نحن وهذا الدليل. قال: (وبيان ذلك أن الإنسان بما هو مدني بالطبع يحتاج في تنظيم حياته إلى آلات يبرز بها مقاصده وأغراضه ويتفاهم بها وقت الحاجة، ولما لم يمكن أن تكون تلك الآلة الإشارة أو نحوها لعدم وفائها بالمحسوسات فضلاً عن المعقولات فلا محالة تكون هي الألفاظ التي يستعملها في إبراز) لا المعاني (في إبراز مراداته من المحسوسات والمعقولات وهي وافية بهما، ومن هنا خص الله تبارك وتعالى الإنسان بنعمة البيان).
وفي (ص48) يقول: (وعلى هذه الالتزامات والتعهدات قد استقرت السيرة العقلائية) أساساً لو رفعنا التعهد والالتزام فهل يستقر حجر على حجر أو لا يستقر؟ أساساً لا معنى لحجية الظهور لا في كلام الله ولا في كلام رسوله ولا في كلام أوصيائه فضلاً عن الناس فيما بينهم.
(في مقام الاحتجاج واللجاج فيحج العقلاء بعضهم على بعض بمخالفة التزامه ويؤاخذونه عليها، وكذلك الموالي والعبيد فلو أن أحداً خالف التزامه ولم يعمل على طبق ظهور كلام مولاه يحتج المولى عليه بمخالفته التزامه ويعاقبه عليها ولا عذر لها في ذلك ولو عمل على طبق ظهوره فله حجة يحتج بها على مولاه … وعلى الجملة أنظمة الكون كلها من المادية والمعنوية تدور مدار الجري على وفق هذه الالتزامات، ولولاه لاختل) لما استقر حجر على حجر. (ثم أن الوضع بالمعنى الذي ذكرناه موافق لمعناه اللغوي فأنه في اللغة بمعنى الجعل والإقرار). هذا شاهد.
إذن ما هو دليل السيد الخوئي على نظرية التعهد؟
دليله الأساسي أولاً الغرض الباعث على الوضع، وثانياً حجية الظهور.
أنا أتصور الآن النظرية بذاك المعنى الذي نحتاجه تقريباً اتضحت.
سؤال: ما هي الصيغة التي نقول بها هذا التعهد، إن صح التعبير إذا أردنا أن نتكلم بلغة اصطلاحية هذا البحث الذي اشرنا إليه وهو خصوصيات النظرية عبروا عنها مقام الثبوت للنظرية. الآن ما هو مقام الإثبات، يعني كيف نعبر عن هذا التعهد؟
هنا قلنا بأن السيد الخوئي بشكل واضح وصريح تقريباً يميل أو عباراته كلها مختلفة، ولكن ظاهر العبارات أنها قضية شرطية شرطها قصد تفهيم المعنى وجزائها ذكر اللفظ، هذه الصيغة الأولى التي قلنا ظاهر كلمات السيد الخوئي. نعم، في بعض كلماته العكس، يعني أن الشرط هو الإتيان باللفظ كلما أراد قصد معنى معين، وهنا واضح أن الإتيان باللفظ يكون هو الشرط وقصد الإتيان بالمعنى يكون هو الجزاء، يعني عكس الصيغة الأولى.
هذا المعنى كما أشرنا بالأمس وأوكلناه قلنا في (المحاضرات، ج1، ص202) قال: (والوجه في ذلك هو أن معنى التعهد كما عرفت عبارة عن تعهد الواضع في نفسه بأنه متى ما تكلم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلا تفهيم معنى خاص) يعني كلما ذكر لفظاً أراد منه معناه الخاص، لا كلما أراد تفهيم معنى ذكر لفظاً خاصاً، إذن توجد في عبارة السيد الخوئي على هذا الأساس في كلماته صيغة قرأناها قبل قليل عبارة عن الالتزام النفسي بإبراز المعنى بلفظ مخصوص. هذه الجملة شرطية أو حملية؟ حملية ليس فيها أي شرط. نعم، فيقول: (فمتعلق الالتزام والتعهد أمر اختياري وهو التكلم بلفظ مخصوص عند تعلق القصد بتفهيم معنى) إذن مرة يجعلها قضية حملية، ومرة يجعلها شرطية، والشرطية مرة يجعل الشرط فيها تفهيم معنى خاص والجزاء اللفظ، وأخرى يعكسها. هذا ماذا يكشف لكم؟ يكشف لكم أنه السيد الخوئي همه وضعه على الصيغة أو همه على ذاك؟ لم يأت السيد الخوئي& وضع وقال بسم الله الرحمن الرحيم وأما صيغة هذه حتى نقول يرد عليه أولاً وثانياً … ورابعاً إلى غير ذلك.
إذن لابد نذهب إلى … وهذا ما تعلمناه واقعاً من سيدنا الشهيد&، السيد الشهيد في جملة من الأحيان عندما كان ينقل إشكالات الأعلام بعضهم على بعض يقول هؤلاء يبتلون بعالم الألفاظ ويضيع عليهم الجوهر، إذا تتذكرون في مسألة الامارات والأصول العملية هذا كان كلامه، كان يقول بأن هؤلاء ذهبوا إلى عنوان الامارة وعنوان الأصل ونسوا جوهر الامرة وروح الامارة وروح الأصل، ولذا لم يوافق على كل تلك الفروق التي ذكروها بين الامارة والأصل.
إذن المقام مقام ثبوت هذه النظرية هي الخصوصيات التي أشرنا إليها، دليل هذه النظرية البيان الذي تقدم، مقام إثبات هذه النظرية الصيغة، وجدنا أن كلمات السيد الخوئي مختلفة بعضها حملية وبعضها شرطية على اختلاف بين الصيغة الأولى والصيغة الثانية.
غداً إذا أراد أحد أن يكتب كتاباً في الوضع حتى يكون تسلسل البحث واضحاً.
أما الإشكالات على النظرية:
أهم الإشكالات التي وردت في كلمات تلامذة السيد الخوئي+ ومنهم السيد الشهيد، أهم الإشكالات في كلمات السيد الشهيد، يعني حاول بشكل تفصيلي يدخل لرد ما قاله، طبعاً موجودة في كلمات السيد الروحاني وفي كلمات الشيخ إسحاق الفياض، إذا وجدت شيئاً له قيمة فسأنقله وإلا إذا لم أجد شيئاً له قيمة وليس مرتبطاً بالبحث فلا أدخل فيه.
السيد الشهيد& كل هذه الأمور التي أشرنا إليها كلها وضعها على جانب، ودخل مباشرة إلى الصيغة، فقال يرد على الصيغة الأولى كذا، ويرد على الصيغة الثانية كذا، ونقترح لسيدنا الأستاذ – هو يقول السيد الشهيد- ونقترح لسيدنا الأستاذ ثالثة ويرد عليها، ونعدل الصيغة الثالثة بصيغة رابعة ويرد عليها … إذن نظرية التعهد …
إذن لم يذهب السيد الشهيد إلى مسألة أنه واقعاً يوجد تعهد وتباني أو لا يوجد تعهد وتباني، نحن ذكرنا أن من مقومات هذه النظرية هو القصد والاختيار، يوجد أو لا يوجد واقعاً؟ هو استدل بحجية الظهور، قال: إذا لم تأت مسألة حجية الظهور أساساً يبقى حجر على حجر أو لا، هذه كلها.
ولذا نحن الآن نسير مع مسيرة السيد الشهيد والطريق الذي مشاه لنرى هل أن إشكالات على الصيغة واردة أو غير واردة.
أما الصيغة الأولى: الصيغة الأولى هي الصيغة التي بالأمس يتذكر الأعزاء ما هي، ما هي الصيغة الأولى؟ الصيغة الأولى: هي انه أن المتكلم كلما أراد قصد معنى معين جاء بلفظ مخصوص دال عليه، يعني القضية الشرطية ما هو محتواها إذا أردنا أن نتكلم باللغة العربية، إذا قصد تفهيم معنى معين جاء بلفظ مخصوص دال عليه. هذه الصيغة الأولى.
هذه الصيغة طبعاً حتى الأعزاء يراجعوا البحث هذه الصيغة السيد الحائري والسيد الهاشمي والشيخ حسن عبد الساتر كلهم أشاروا لها. أنا أشير إلى المواضع وأقرأ.
قال: (أن يكون الشرط عبارة عن قصد تفهيم المعنى والجزاء هو الإتيان باللفظ وهذا هو المطابق لظاهر كلمات السيد الأستاذ) الآن لا نريد الدخول في مناقشات جزئية، لا ليس الأمر كذلك، كلمات السيد الأستاذ كما فيها هذه الصيغة فيها تلك الصيغة وفيها صيغة أصلاً لا يوجد فيها شرط اصلاً. (وهذا أمر عقلائي في نفسه) بل اساساً حقيقة الوضع هو هذا، أساساً لماذا أن الواضع وضع الألفاظ؟ لأنه عنده مرادات وقصود وغايات وأهداف يريد أن يوصلها إلى الآخر، فماذا يفعل؟ وضع اللفظ حتى إذا قصد معنى بالإشارة لا يستطيع، بأي علامة لا يستطيع، إذن يوصلها بأي طريق؟ يوصلها باللفظ، لا فقط أصلاً هذا أمر عقلائي، هذه هي حقيقة وغاية وهدف الوضع.
ما هو الإشكال عليها؟ الإشكال عليها جملة واحدة، واضحة أيضاً، نقول: نحن نعم سلمنا معكم أنه كلما قصد المتكلم معنى من المعاني جاء بلفظ دال عليه، ولكنه هذا لا ينعكس، الموجبة الكلية هنا لا تنعكس، الموجبة الكلية من طرف الشرط والجزاء ما هو؟ كلما قصد معنى جاء بلفظ دال عليه، ولكن ينعكس أو لا ينعكس، كلما ذكر لفظاً فهو قاصداً لمعنى معين، لعله ذكر لفظاً وهو نائم هل قصد معنى أيضاً، ذكر لفظاً وهو يتمرن على هذه الكلمة مثلاً (ضالين) يستطيع تلفظها جيداً أو لا يستطيع, هذا يقصد معنى؟ لا أبداً، ولا ينعكس، وحقيقة الوضع هي الثاني لا الأول، حقيقة الوضع ما هي؟ أنه كلما ذكر لفظاً يريد معنى معين، والذي أثبته ما هو؟ عكس حقيقة … فإذن ما قصد بالوضع لم يتحقق، وما تحقق لم يقصد، بهذا التعهد. ولذا عبارته في (تقريرات السيد الحائري، ) يقول: (وعلى هذا فأن التعهد بقضية شرطية إنما يوجب دلالة الشرط على الجزاء على دلالة الجزاء على الشرط، والشرط هنا هو قصد تفهيم المعنى، والجزاء … وأما الإتيان باللفظ فليس دليلاً على أنه قصد المعنى؛ إذ قد يكون الاتيان باللفظ لازماً أعم لقصد المعنى) نعم، قصد المعنى لازمه الاتيان باللفظ، ولكن ليس كلما أتى باللفظ قاصد … ونحو في الوضع ماذا نريد؟ نريد أن اللفظ دال على المعنى، لا أن المعنى كلما أراده ذكر لفظاً، (والحاصل أنه لم يتعهد) من؟ الواضع هنا عند السيد الخوئي (لم يتعهد بأنه متى ما أتى باللفظ قصد المعنى حتى يكون اتيانه باللفظ دليلاً على قصد المعنى).
ولذا عبارته في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص12) أوضح من هذا الذي أشرنا إليه، قال: (وعلى هذا الأساس نقول: إذن فما حصل بالتعهد ليس هو المطلوب من الوضع، وما هو المطلوب بالوضع لا يحصل بهذا التعهد، فما حصل بهذا التعهد) الذي ذكره السيد الخوئي يعني في الصيغة الأولى (هو دلالة قصد تفهيم المعنى على اللفظ، وما هو المقصود بالتعهد) الذي هو حقيقة الوضع (دلالة اللفظ على قصد تفهيم المعنى وأحدهما غير الآخر).
(إذن فلا يمكن تصحيح هذه الدلالة الموجودة بالفعل للفظ على المعنى بتعلق التعهد بهذه القضية الشرطية بهذا النحو) يعني بهذه الصيغة.
الآن هذه العبارة بعد أن اتضح هذا المطلب أنتم انظروا العبارة كم هي مجملة ولا أريد غائمة ولكنها واقعاً غائمة.
في (تقريرات السيد الحائري) هذه العبارة: (أن القضية المتعهد بها إن كانت هي كلما قصد تفهيم معنى الحيوان المفترس نطق بلفظ الأسد فهذا لا يجدي في إيجاد الدلالة التصديقية المطلوبة من التعهد لأنه يستوجب استلزام قصد تفهيم المعنى للنطق باللفظ دون العكس الذي هو المطلوب).
بينك وبين الله إذا تبقى عليها أسبوع ماذا يريد أن يقول؟
الجواب هذا الذي بيناه.
ولهذا من باب اللطيفة أنا كنت أقول لأبي حوراء لماذا كتبته هكذا، كان يقول هذا قلمي. قلت له سيدنا هناك شيء آخر، قال ما هو، قلت له: تركت شيئاً لدرسك أنه إذا كله هنا واضح فماذا يبقى للدرس.
هذا إشكال سيدنا الشهيد على سيدنا الأستاذ وهو أن الصيغة الأولى وإن كانت صحيحة في نفسها ولكن هي حقيقة الوضع أو ليست حقيقة الوضع؟ ليست حقيقة الوضع. فهل هذا الإشكال تام أو ليس بتام؟
الجواب: في عقيدتي أن هذا الإشكال غير وارد على السيد الخوئي، وذلك لأن في هذا الإشكال وقع خلط بين مقام الثبوت وبين مقام الإثبات، إذا تتذكرون السيد الشهيد في الحلقة الثانية وفي الحلقة الثالثة عندما جاء إلى بيان حقيقة الحكم قال يوجد عندنا مقامان: المقام الأول مقام الثبوت للحكم، الذي قال أنه مركب إما من ثلاثة عناصر أو لا أقل من عنصرين أساسيين، ما هو؟ أولاً تشخيص المصلحة ثم الإرادة ثم الاعتبار، وقال هذا الاعتبار قد يوجد وقد لا يوجد. ثم ننتقل إلى مقام الإثبات، مقام الإثبات ماذا؟ أن يبرز تلك الحقيقة والإرادة والملاك والمصلحة والاعتبار يبرزها بلفظ معين. وإلا إذا لا يوجد عندك لفظ أنت تستطيع أن تستكشف أو لا تستطيع؟ لا طريق لك، ولذا عندما قال: (لله على الناس حج البيت) هذا ليس الاعتبار، بل هذا مقام إبراز الاعتبار، يعني الصيغة والاعتبار مرتبطة بمقام الثبوت، العنصر الثالث من مقام الثبوت، وهذا اللفظ كاشف عن تلك الصيغة أو الاعتبار ونحو ذلك. هذا مقام الثبوت وذاك مقام الإثبات.
هذا المعنى في (الحلقة الثانية، ص176، الحكم الشرعي وتقسميه، مبادئ الحكم التكليفي).
السؤال المطروح هنا بالنسبة للمقام: تارة نتكلم في مقام الثبوت، في مقام الثبوت من المتقدم ومن المتأخر؟ يعني من العلة ومن المعلول؟ الجواب: في مقام الثبوت الذي يجعل المتكلم يتكلم ويتلفظ هو إرادة، وإلا إذا لم تكن عنده إرادة وقصد تفهيم المعنى يتلفظ أو لا يتلفظ. متى يتلفظ؟ يتلفظ عندما يوجد عنده قصد إرادة تفهيم المعنى، هذا في مقام الثبوت. إذن الحق مع السيد الشهيد عندما قال وهذا أمر عقلائي، وهذا هو الصحيح، لأنه أنت من الذي يجعلك تتكلم؟ الذي يجعلكم تتكلم عندك مراد وعندك حاجة، تريد أن تقيم علاقة وتفهم الآخرين ما تريد فماذا تفعل؟ والمفروض أن الإشارة وغيرها لا تكفي، إذن تتلفظ.
إذن بحسب الواقع الحق مع أي صيغة؟ الصيغة الأولى: كلما قصد تفهيم معنى من المعاني تلفظ بلفظ خاص. ولكن السؤال: هو أنا كيف استكشف أنه قصد معنى من المعاني؟ هذا أين ننتقل؟ هذا مقام الواقع أو مقام الإثبات والكشف، أي منهما؟ الكشف، كلما قصد معنى فيقول لفظاً، هذا الثبوت. ولكن أنا من أين استكشف أنه قصد معنى؟ يعني أنا عندما أأتي إلى قوله تعالى (لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) من أين استكشف أن المولى أراد أن يفهمني، من أين؟ من خلال هذا اللفظ، أنا عندي طريق آخر أو لا يوجد؟ لا يوجد عندي طريق لذلك، هنا اللفظ وإن كان معلولاً في مقام الثبوت ولكن نفس هذا اللفظ طريق لكشف مقام الثبوت، فإن قلت: ليس كل من ذكر لفظاً، لأنه لازم أعم إشكال السيد الشهيد، قال لازم أعم.
الجواب: كلا، للعاقل القاصد الحكيم، الذي هو الإنسان المتعارف، الأصل فيه الكشف عن قصده، ولذا لو أدعى الهزل ولم يقم قرينة لم يقبل منه، لو أدعى أني كنت أقول هذا لا لإنشاء البيع، جالس في المجلس والمعاملة تمت فقط بقي إنشاءها، قال: بعت، ذاك في المقابل قال له: قبلت. بعدها قال: أنا كنت أريد أن أجرب أني استطيع التلفظ بـ (ب ي ع) يقبل من أو لا يقبل؟ يقول: لا، خلاف الظاهر. إذن سيدنا صحيح في مقام الثبوت أنه كلما قصد المعنى ذكر لفظاً، أما قولك وكلما ذكر لفظاً ليس بالضرورة قصد معنى، لا، بالضرورة العقلائية قصد معنى إلا أن يقيم قرينة على خلافه. لماذا تقول في العبارة، التفتوا جيداً على عبارة السيد الحائري، يقول: (والحاصل أنه لم يتعهد بأنه متى ما أتى باللفظ قصد المعنى) لا، تعهد، بحسب الأصل الأولي كل إنسان يعرف هذه التعهدات تعهد وإذا لم يرد لابد أن ينصب قرينة على خلافها، وإلا إذا لم ينصب قرينة على خلافها مقتضى نفس البرهان الذي أقامه السيد الخوئي+ وأساساً إذا لم يكن هكذا لما استقر حجر على حجر، لأنه كلما تلفظ بلفظ نقول بأنه أردت معنى كذا … يقول لا، أنا قلته للتمرين، أنا قلته أريد أن اعلم أولادي مثلاً، أنا قلته لكذا، يقبل أو لا يقبل؟
ولذا نفس الغرض الذي قاله السيد الخوئي يقول لنا أنه صحيح أن ذاك شرط أن الشرط هو قصد تفهيم المعنى واللفظ هو معلول له، ولكن قولك ولا ينعكس، لا، البحث ليس بحثاً منطقياً فلسفياً حتى ينعكس أو لا ينعكس، البحث إنما كلما ذكر عاقل لفظاً ولم ينصب أي قرينة على خلاف ما يريد ماذا يستكشف منه؟ قصد تفهيم المعنى.
وعلى هذا الأساس يتضح لماذا أن السيد الخوئي مرة ذكر الصيغة بهذا الطريق ومرة ذكر الصيغة بالطريق الثاني، نقول ومرة قال بأنه كلما ذكرت لفظاً أقصد منه معنى، الجواب: يوجد فرق بين الصيغتين أو لا يوجد؟ نعم، يوجد فرق، ما هو الفرق؟ وهو أن الصيغة الأولى لبيان مقام الثبوت، والصيغة الثانية لبيان مقام الإثبات. الصيغة الثانية كلما ذكرت لفظاً، ولذا السيد الخوئي لم يعتني كثيراً أن يذكر صيغة معينة، لأنه يريد أن يوصل جوهر النظرية، جوهر النظرية هو ذاك، أنه كلما ذكرت لفظاً وبهذا يتضح عدم صحة إشكال السيد الشهيد. لأن السيد الشهيد يقول ومتى كان ذكر اللفظ علة لقصد المعنى، أصلاً ذكر اللفظ معلول لقصد المعنى، كيف يمكن أن يكون علة له.
والحمد لله رب العالمين