بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قلنا بأنه توجد عندنا صيغ متعددة لنظرية التعهد:
الصيغة الأولى وهي الصيغة التي أشكل عليها سيدنا الشهيد أشكل على سيدنا الأستاذ بأنه هذه وإن كانت القاعدة من ناحية الشرط موجبة كلية، إلا أنها من ناحية الجزاء لا تنعكس، أجبنا عن ذلك بأنه الاخوة الأعزاء الذي حضروا عندنا أبحاث المقدمات نحن قلنا بأن القواعد المنطقية بذاك المعنى والفلسفية بذاك المعنى أساساً لا معنى لإدخالها في القضايا العرفية.
نعم، بحسب الدقة الفلسفية ليس كل من تلفظ بلفظ فهو كاشف عن قصد تفهيم المعنى، ولكنه أساساً نحن لا طريق لنا لقصد تفهيم المعنى إلا من اللفظ، إذن بحسب العرف توجد هناك ملازمة عرفية، إذا قصد معنى يؤديه من خلال لفظ معين. والشاهد على هذا، قلنا بأنه لو أنه إما حالته قرينته الحالية تدل على أنه يتلفظ ولكن لا أنه يتلفظ لقصد المعنى وإنما يتلفظ للتمرن، كما هو الحال في بعض من لا يجيد اللغة العربية يريد بعض الألفاظ … افترض هؤلاء الذين يريدون الذهاب إلى الحج أولئك الذين لا يعرفون اللغة العربية أو يعرفونها ولكن قراءتهم ليست دقيقة، فيبدأ يلقن ويمرن نفسه فمن الواضح أن هذا عندما يتلفظ الألفاظ ليس قصده تفهيم المعنى وإنما قصده التمرن، هذه توجد قرائن. أما إذا لم توجد أي قرينة وأدعى أنه ليس بصدد تفهيم المعنى يقبل منه أو لا يقبل، وهذا خير شاهد على أن هناك ملازمة بين التلفظ باللفظ وقصد تفهيم المعنى.
إذن الصيغة الأولى لا إشكال فيها، طبعاً من الناحية العملية إلى هذا القدر كافي، إذن نظرية التعهد صحيحة أو ليست بصحيحة حتى لو فرضنا أن الصيغة الثانية باطلة والصيغة الثالثة باطلة والصيغة الرابعة باطلة، الصيغة الأولى صحيحة، إذن نظرية التعهد تامة أو غير تامة؟ تامة، هذا الإشكال لا يرد عليها، توجد إشكالات أخرى لابد أن نبحثها، ولكن تتميماً للبحث نتمم البحث.
الصيغة الثانية: قلنا القول في الصيغة الثانية: كلما تلفظ بلفظ فأنه يقصد تفهيم معنى. فيجعل اللفظ هو الشرط ويجعل قصد تفهيم المعنى هو الجزاء.
السيد الشهيد أشكل على هذه الصيغة بأنها صيغة غير عقلائية، لماذا سيدنا غير عقلائية؟ قال باعتبار أن الذي يدعو الإنسان إلى التلفظ هو قصد تفهيم المعنى، لا أن التلفظ هو سبب قصد تفهيم المعنى. من يستطيع أن يدعي، أنا كلما ذكرت لفظاً فهو سبب حتى أقصد فيكون اللفظ علة ويكون قصد تفهيم المعنى معلول، واقع الأمر أن قصد تفهيم المعنى علة أو معلولاً، هو في الواقع معلول، إذا قصد تفهيم معنى أتلفظ ماذا … يعني الصيغة الأولى، أما الصيغة الثانية أساساً غير عقلائية لأن العقلاء بطبيعتهم لا يجعلون اللفظ كلما تلفظت بلفظ ولو أنا نائم وصدرت مني لفظة إذن لابد أن أقصد تفهيم معنى معين.
أنا إنما أعدد التقريرات لأقول أن هذا نظره ولا اختلاف، ولا أمر آخر، أقول في تقريرات السيد الحائري وتقريرات السيد الهاشمي وتقريرات الشيخ حسن أريد أن أقول الدورة الأولى والدورة الثانية هذا نظره النهائي.
في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص84) قال: (الثاني عكس الأول) يعني أن يجعل ذكر اللفظ شرطاً وقصد تفهيم المعنى جزاءً (بأن يكون الشرط هو الاتيان باللفظ والجزاء هو قصد تفهيم المعنى، فأنه متعهد بأنه متى ما أتى باللفظ قصد تفهيم المعنى، وحتى لو صدر عنه اللفظ غفلة) نوماً سهواً اشتباهاً (فسوف يحدث في نفسه قصد تفهيم المعنى) لأنه علة ومعلول فإذا وجدت العلة لابد أن يوجد المعلول، يعني أن وجود اللفظ علة لوجود قصد تفهيم المعنى، لا لوجود المعنى (وهذا يفيد المقصود) يقول هذا لا إشكال فيه الصيغة الأولى، لأنه في الصيغة الأولى قلنا خلاف حقيقة الوضع، يقول هذه لا إشكالية فيها، (وهذا يفيد المقصود ويوجب دلالة اللفظ على المعنى) الذي هو حقيقة الوضع (لكنه ليس أمراً عقلائياً) هذا أمر غير معقول، لماذا سيدنا أمر غير معقول؟ (لأن التلفظ هو الذي يكون في طول قصد تفهيم المعنى) التلفظ علة لوجود قصد أو معلول؟ معلول لا علة، وهذه الصيغة تقول علة، (وليس قصد تفهيم المعنى) يعني وجوده (في طول اللفظ، وأي عاقل يلزم نفسه) في التعهد (بأن يحدث قصد تفهيم المعنى عندما يصدر عنه اللفظ ولو غفلة).
السيد الشهيد& من القواعد التي تعلمناها على يديه يقول إذا وجدت نتائج أو لوازم غير معقولة لابد أن يكون هذا منبه أنه ذاك البيان الذي بينته بيان ليس صحيح وإلا … مولانا الجليل أنت تقول: وأي عاقل يلزم نفسه. إذا كان الأمر بهذا الوضوح إذن لماذا تقول أن السيد الخوئي، طبعاً هذه الصيغة الثانية التزم بها السيد الخوئي كما أشرنا في (المحاضرات، ج1، ص202) بالأمس. هذا يشير إليه هنا إذا أراد الأخوة تفصيله في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص13) يقول: (وهو أن يقال بأن الواضع يتعهد بعكس النحو الأول ويرد عليه أنه لو صدرت لفظة ماء سهواً من هذا الإنسان حينئذٍ نعلم أن هذا الإنسان سوف يحدث في نفسه قصداً لتفهيم المعنى) لماذا؟ (لأن اللفظ علة وجودية لقصد تفهيم المعنى) فإذا وجدت العلة نستكشف وجود المعلول، هذا البرهان اللمي، وتتذكرون في البرهان اللمي إذا وجدت العلة لابد من وجود المعلول. (إلا أنه من الواضح أن مثل هذه القضية الشرطية لا يتعهد بها عاقل) ونفس المعنى في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص79) بنفس العبارة وبنفس البيان، قال: (فالتعهد بمثل هذه القضية وإن كان يحقق الاستلزام المطلوب ولكنه ليس عقلائياً لوضوح أن الاتيان باللفظ ليس هو الذي يدفع بالمستعمل إلى إرادة معناه بل الأمر بالعكس).
هذا إشكال السيد الشهيد، هذا الإشكال وراد أو غير وارد.
الجواب: هذا الإشكال على الصيغة الثانية غير وارد وذلك لأنه دائماً هناك قاعدة وقد بيناها في المنطق، دائماً الحد الأوسط يكون علة، ولكن تارة أن العلية علية وجودية وأخرى أن العلية علية علمية، أضرب لكم مثالاً، إذا علمت بوجود النار لا إشكال ولا شبهة يحصل لك علم بوجود الدخان، لماذا؟ لأن النار علة لوجود الدخان، علمت أم لم تعلم، أساساً الدخان معلول وجوداً والنار علة وجوداً. وأخرى بالعكس إذا علمت بالدخان فيحصل لك علم بوجود النار، يحصل لك علم أن النار موجودة، ولكن لأن الدخان علة لوجود النار أو لأن الدخان علة للعلم بوجود النار، أي منهما؟ من الواضح لا إشكال ولا شبهة أن الدخان ليس علة لوجود النار، كيف يمكن أن يكون المعلول علة، وإنما الدخان علة لتحصيل العلم بوجود النار.
سيدنا هنا اللفظ وإن كان معلولاً وجوداً، لماذا؟ لقصد تفهيم المعنى، ولكن اللفظ ليس علة لوجود قصد تفيهم المعنى بل علة للعلم بتحقق قصد تفهيم المعنى. إذن صار خلط بين ماذا وماذا؟ بين مقام الثبوت ومقام الإثبات، هذا الذي اشرنا إليه بالأمس، أنت جنابك عندما تعلم إذا علمت – بأي طريق كان افترض بعلم الغيب- أن هذا الإنسان قاصد تفهيم معنى معين، تستطيع أن تقول بالضرورة سوف يتلفظ بلفظ، لماذا؟ لأن اللفظ وجوداً معلول لأي شيء؟ لقصد تفهيم المعنى، ولكن إذا علمت بوجود اللفظ هذا ليس علة لقصد تفهيم المعنى، بل علة للكشف عن أن هذا قاصد تفهيم المعنى. وهذا هو الفرق بين البرهان الاني والبرهان اللمي، في البرهان اللمي علة وفي البرهان الإني الحد الأوسط علة، ولكن أي علة؟ في البرهان اللمي علية لإثبات الوجود وفي البرهان الإني علية لإثبات الوجود أو لإثبات العلم؟ لا إشكال ولا شبهة أنه إذا قلنا: إذا تلفظت فإن كلما تلفظت بلفظ فإني قاصد معنى، ليس فإني قاصد معنى، وليس فإني قاصد معنى يعني معلول وجوداً بل اللفظ كاشف عن ذلك.
وبهذا يتضح أن الصيغة الثانية هي بيان مقام الإثبات للصيغة الأولى، ولذا السيد الخوئي+ مرة عبر عن نظرية التعهد بالصيغة الأولى للإشارة إلى حقيقتها الثبوتية ومرة عبر عنها بالصيغة الثانية لبيان مقامها الإثباتي.
إذن إلى هنا اتضح لنا الصيغة الأولى تامة، والصيغة الثانية أيضاً تامة، ولكن الفرق بينهما أن … أنا إن شاء الله تعالى سيدنا الأستاذ أيضاً قاصد هذا، أنا الآن أدافع عن سيدنا الأستاذ وإلا فلا أعلم أنه قاصد لهذا أو لم يكن قاصداً، فإذا كان قاصداً فإن شاء الله يدعو لنا من عالم البرزخ، وإن لم يكن قاصد يقول جزاك الله خيراً أنت دفعت … كان عندنا أستاذ& حضرنا عنده الأسفار الجزء التاسع ومقدار من الأسفار الجزء الأول، وكانت تربطنا علاقة طيبة، وهو السيد رضا الصدر الأخ الأكبر للسيد موسى الصدر، كانت تربطنا علاقة جيدة به في عمر 25 سنة أو 24 سنة، كنا عندما ينتهي الدرس كنا نوصله إلى بيته بسيارتنا، عندما كان يقرر أتذكر ليس في مكان أو مكانين، كان يقرر نظرية الحركة الجوهرية أو يقرر نظرية اتحاد العاقل والمعقول، هو يبتهج السيد رضا، فيقول لو كان ملا صدرا في مجلسنا لقال لي أحسنت. فلو كان السيد الخوئي في مجلسنا لقال أحسنت.
إذن السيد الخوئي هذا العلم في هذا المجال، طبعاً أنقل هذه الأمور المفيدة للأعزاء. سُئل السيد الخوئي مرة، طبعاً السيد الخوئي في حياته كان يقول أنا ثمان سنوات ما درست ولا درست ولا طالعت إلا علم الأصول، إذن تبحره.
ولكن مع ذلك كان يقول استطيع ليوم واحد اذهب إلى الدرس بلا مطالعة، يعني معلوماتي هذه كلها تعيني إذا أردت أن أخدع الطالب، ولكن إذا أردت أن أفيد الطالب معلوماتي تعينني ليوم واحد، هذه ذكرياتنا عن السيد&.
فالسيد الخوئي بإمكانه أن يقول إما الصيغة الأولى فهي صيغة ثبوتية، أنا عندما أقول كلما قصدت معنى فأتلفظ بلفظ باعتبار أن قصد تفهيم المعنى هو علة وجود التلفظ باللفظ، لماذا عبرت بالصيغة الثانية؟ الجواب: لأنه في مقام الإثبات لا طريق لنا للكشف عن مقام الثبوت إلا … فإذن كلما ذكرت لفظاً فيكشف ذلك عن أني قاصد معنى معين.
إذن إلى هنا أعزائي اتضح لنا أن نظرية التعهد بصيغتها الثانية أيضاً تامة، وأيضاً نستطيع أن نكتفي هنا ولا ندخل أكثر.
ومما تقدم أتضح أيضاً بنحو الإجمال بأنه أساساً ما ذكره السيد السيستاني فيما ينسب إليه من (الرافد) حتى نكون دقيقين في العبارة، الإشكال غير وارد على سيده الأستاذ. في (الرافد، ص179) بعد أن يذكر الصيغتين كلما أردت تفهيم المعنى ذكرت اللفظ، كلما ذكرت اللفظ فأنا أريد تفهيم المعنى يقول (ويرد على كلتا الصيغتين أنهما غير وافيتين، لأن بينهما عموم من وجه، يعني قد يقصد تفهيم المعنى ولا يذكر اللفظ، بل يكتفي بالإشارة) سيدنا ومولانا هذا خلاف الغرض من الوضع، إذا كانت تكفي الإشارة فلا حاجة إلى اللفظ، السيد الخوئي قال أنا إنما ذهبت إلى اللفظ لأن الإشارة غير كافية، فكيف تنقض عليه بالإشارة، يتذكر الأعزاء عبارة السيد الخوئي بالأمس قرأناها في (ص45 من المحاضرات) قال: (بل الرجوع أن الإنسان بما أنه مدني يحتاج إلى آلات يبرز بها مقاصده وأغراضه ولما لم يمكن أن تكون الآلة الإشارة إذن احتاج إلى اللفظ، إذن كيف تنقض عليه تقول: إذن قد يقصد المعنى ولا يحتاج إلى اللفظ، هذا خلف حقيقة الوضع. وقد يقصد اللفظ ولا يريد … أصلاً خلاف الأصل في وضع الألفاظ، وإذا أراد لفظاً من غير قصد تفهيم معنى لابد ماذا يوجد؟ قرينة حالية لفظية سياقية وهكذا، وإلا الأصل … وإلا انهدم باب أصالة الظهور، أنا من أين أعلم أن هذه الألفاظ الواردة في القرآن الكريم كلها المولى قصد فيها تفهيم المعنى.
إذن هذا الإشكال بكلا بيانيه غير تام.
تعالوا معنا إلى الصيغة الثالثة، لو تنزلنا وثبت لنا بأن الصيغة الأولى والصيغة الثانية كلتاهما ساقطة، نحتاج إلى صيغة ثالثة. في الصيغة الثالثة في هذه الصيغة نتحول من البيان الإثباتي إلى البيان السلبي، بمعنى أني لا أذكر، نفي لا أثبات، لا كلما ذكرت لفظاً أريد به قصد تفهيم، لا لا، أني لا أذكر لفظاً إلا إذا كنت قاصداً تفهيم معنى معين. طبعاً عندما يقول إذا كنت قاصداً تفهيم معنى من المعاني يعني المعنى الموضوع له ذلك اللفظ، وبعبارة أخرى يعني المعنى الحقيقي له، لا الأعم من الحقيقي والمجازي.
في الصيغة الثالثة نقول: أنه … وهذا الذي أشار إليه كل من تكلم في هذه القضية، منهم السيد الحائري والسيد الهاشمي والشيخ حسن عبد الساتر، والصيغة الثالثة هي (وإن كانت القضية المتعهد بها أن لا يأتي باللفظ إلا حينما يكون قاصداً تفهيم المعنى) ما الفرق بين الصيغتين الأولى والثانية وهذه الصيغة الثالثة؟ أنه الصيغة الأولى والثانية قضية إثباتية موجبة، أما هنا سلبية.
هذا المعنى موجود في كلماته، يعني في (تقريرات الشيخ حسن، ج2، ص13) يقول: (الصيغة الثالثة وهو أن يتعهد الواضع بأن لا ينطق بلفظ أسد إلا حين يقصد فيها تفهيم معنى الحيوان المفترس فحينئذ يتعهد بأنه …).
وكذلك في تقريرات السيد الحائري، ج1، ص85) يقول: (أن يكون الشرط عبارة عن عدم كونه قاصداً لتفهيم المعنى والجزاء عبارة عن عدم التلفظ باللفظ) طبعاً هذا إشارة إلى الصيغة الأولى السلبية، ونستطيع أن نجعل الصيغة الثانية أيضاً سلبية، يعني إما أن نجعل قصد تفهيم المعنى أو عدم قصد تفهيم المعنى، هذه الصيغة الأولى. سلبها الصيغة الثالثة، أو نجعل اللفظ وقصد عدم اللفظ وعدم قصد تفهيم المعنى، لا يفرق كثيراً.
هذه الصيغة بشكل واضح جاءت في (وقاية الأذهان) هذه الصيغة الثالثة أنا لم أجدها في كلمات السيد الخوئي لعل الأعزاء بالمتابعة يجدونها، هذه الصيغة في (وقاية الأذهان، ص62و63) موجودة في جملة واحد، وهو أنه يقول: (أنه من الواضح أن السامع إذا عرف التزام المتكلم بأنه لا يطلق) إذن لا كلما أطلق، (لا يطلق لفظ الأسد إلا على ذلك الحيوان المفترس وأنه عند إرادته إفهامه هذا المعنى لا ينطق بغيره). هذه الصيغة الثالثة.
ما هو الإشكال الذي أشكل عليها، أيضاً هذه الصيغة الثالثة بتعبير السيد الشهيد ويرد عليها.
ما هو الإيراد والإشكال الوارد على هذه الصيغة؟
الإشكال الوارد عليها أنه لا يذكر اللفظ إلا إذا قصد المعنى، قلنا أي معنى؟ يعني المعنى الموضوع له والمتعهد بذكره، والموضوع له والمتعهد به ما هو؟ المعنى الحقيقي، هذا لازمه عدم صحة الاستعمال المجازي. لأنه هو في تعهده، والدلالة دلالة تصديقية، لا يستطيع أن يقول تصورية، لا أبداً، لأن الدلالة دلالة تصديقية متعهد هو، تعهده ما هو؟ أن لا يذكر لفظاً إلا إذا قصد معناه، أي معنى؟ معناه الذي تعهد به. والذي تعهد به أي معنى؟ المعنى الحقيقي، فإذن إذا ذكر لفظاً وأراد به غير معناه الذي تعهد به، فهذا داخل في التعهد أو خارج عن التعهد؟ خارج عن التعهد.
وبعبارة أخرى نستطيع أن نقرره بقياس استثنائي وهو: أنه لو كانت صيغة التعهد هي هذه للزم عدم صحة الاستعمال المجازي، والتالي باطل لأن اللغة من أولها إلى آخرها مملوءة بالاستعمالات المجازية، إذن فهذه الصيغة أيضاً باطلة.
هذا المعنى حتى تراجعوه بشكل واضح وصريح يقول: (فإن قيل كذا فالتعهد بذلك معقول …).
في يوم من الأيام الشيخ وحيد في درسه في المسجد الأعظم وكان الجو حاراً فهذا الباب الكبير كان مفتوح فالشيخ مشغول ببحث عميق، وفجأة جاء شخص بتعبير رسول الله مريض وبتعبيرنا مجنون فوقف يرقص ويحرك جسمه للشيخ، احتار الطلبة ماذا يفعلون له، واستمر على هذه الحالة. الشيخ صبر عليه كثيراً إلى أن الشيخ قال: كل مسانخ يميل إلى مسانخه (اين از سنخ ما است) نحن نرجو الله أن لا نكون … على أي الأحوال.
في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص85) يقول: (إلا أن هذا غير واقع خارجاً) الصيغة الثالثة (فإن هذا لا ينسجم مع الاستعمال المجازي الذي هو باب من أبواب اللغة والواضع حين الوضع بانٍ على الاستعمال المجازي، أو على الأقل يحتمل أنه يستعمل ذلك والعاقل الباني على الاستعمال المجازي كيف يتأتى منه التعهد بعدم استعمال كلمة أسد مثلاً إلا حين إرادة تفهيم معنى الحيوان المفترس).
ونفس هذا الكلام في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ص14) بشكل واضح ومفصل في صفحة ونصف، يقول: (وهذا النحو أيضاً باطل ولا يتصور فهناك إذن بحسب التحليل) هذا النحو الثالث باطل.
إذن فالصيغ الثلاث كلها باطلة، الصيغة الأولى معقولة ولكن غير مفيدة، والصيغة الثانية تحقق الدلالة ولكن غير عقلائية، والصيغة الثالثة بأن يتعهد متى ما كان غير قاصداً التفهيم لا يأتي باللفظ فإذا كذب الجزاء استكشف بذلك كذب الشرط، يعني قصد التفهيم وهذا نحو معقول ويحقق دلالة اللفظ ولكنه غير واقع خارجاً وذلك لأنه يستلزم تعهداً ضمنياً من الواضع بعدم الاستعمال المجازي وهذه هي الشقوق أو الصيغ الثلاث.
هذه هي الصيغة الثالثة.
هذا الإشكال وارد أو ليس بوارد؟
الجواب: أن هذا الإشكال وارد على نظرية التعهد ولكن غير وارد على السيد الخوئي، تقول كيف يعقل أن يكون الإشكال وارداً ولكنه غير وارد على السيد الخوئي؟
الجواب: السيد الخوئي أساساً لا يلتزم أنه يوجد عندنا استعمالات مجازية، وهذه طبعاً من أهم النظريات الموجودة في علم التفسير، طبعاً عندما نقول المجاز مرادنا المجاز بالمعنى الأعم، لا المجاز في قبال الاستعارة والتشبيه والكناية، لا لا، مرادنا من المجاز معناه الأعم لا معناه الأخص الذي في قبال هذه.
السيد الخوئي لا أقل عندما يطلق المجاز يقول المجاز إن لم نقل أنه غير موجود فلا إشكال أنه نادر الوجود خلافاً لما هو المشهور في الكلمات من أن اللغة العربية مملوءة مجازاً، هذه القضية الاخوة الذين يحضرون في بحث الفقه بحثنا هذه القضية مفصلاً وهي أن الألفاظ هي وضعت لمصاديقها المتعارفة المادية أو أن الألفاظ وضعت لمعنى مصاديقها أعم من أن تكون متعارفة أو غير متعارفة، يعني مرتبطة بهذا العالم أو غير مرتبطة، وعلى هذا المبنى توسعنا في قضية الرؤية، وقلنا أن الرؤية شاملة حتى للرؤية المسلحة في باب رؤية الهلال.
هذه هي النظرية المعروفة في أذهان الأخوة بنظرية المجاز السكاكي، في المجاز السكاكي ماذا يوجد؟ أعزائي في المجاز السكاكي لا يوجد استعمال مجازي، أبداً، الاستعمال استعمال حقيقي وإنما التنزيل أو الإدعاء أو الهوهوية أو الاعتبار – سمِ ما شئت- مرتبط بعالم المعنى أو بعالم المصاديق؟ بعالم المصاديق، إذن لا يوجد … اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي.
فإن قلت: بأنه يلزم التعهد أن لا يستعمل في المعنى المجازي السيد الخوئي؟
إذا كان مبنى السيد الخوئي في المجاز هو نظرية السكاكي هل يرد عليه إشكال السيد الشهيد أو لا يرد؟ نعم، يكون الإشكال إشكالاً مبنائياً، وأنتم تعلمون في البحوث العلمية لا مجال للإشكالات … يقول: نعم، هذا مبناي. نعم، من التزم بنظرية التعهد والتزم بالمجاز اللغوي المشهور إشكالك وارد عليه، ولكن أنا لم التزم بهذا، فإذن لابد أن نبحث عند السيد الخوئي أنه قائل بظاهرة المجاز بالمعنى المتعارف لها وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له كما هو الذي نقرأه في الكتب الأدبية هذا هو المجاز أو لا، في المجاز أيضاً استعمال اللفظ في غير ما وضع أو فيما وضع؟ فيما وضع له، ولكن يدعي أن هذا هو ذاك.
تعالوا معنا إلى السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص92) هذه عبارته هناك، يقول: (أن البحث عن ذلك يبتني على إثبات أمرين: الأول وجود الاستعمالات المجازية في الألفاظ المتداولة بين العرف) تحت عنوان استعمال اللفظ في المعنى المجازي، إلى أن يقول: (وحيث لم يثبت كلا الأمرين) يعني لم يثبت الاستعمالات المجازية في الألفاظ المتعارفة، بأي بيان؟ يقول: (ببيان … أما الأول فلإمكان أن نلتزم بما نسب إلى السكاكي من أن اللفظ يستعمل دائماً في المعنى الموضوع له) إذن هل يوجد عندنا استعمال مجازي بذلك المعنى المعروف أو لا يوجد؟ إذن بنفس التعهد، متعهد. تعهده أني لا أذكر اللفظ إلا إذا قصدت تفهيم المعنى. صحيح أو لا؟ وهو الآن يقول أنا لا أذكر اللفظ إلا إذا قصدت تفهيم المعنى، (غاية الأمر أن التطبيق قد يكون مبتنياً على التنزيل والادعاء بمعنى أن المستعمل ينزل شيئاً منزلة المعنى الحقيقي أو يعتبر) على الذي بيناه فيما سبق في كلام المرزا النائيني أن المجاز السكاكي هل هو تنزيل أو أن المجاز السكاكي هو الاعتبار، ذاك بحث آخر لا أود الدخول فيه. (يعتبره هو فيستعمل اللفظ فيه فيكون الاستعمال حقيقياً) ليس استعمالاً مجازياً، لا يوجد عندنا استعمال مجازي (ولا بعد فيما نسب إليه فإن فيه المبالغة في الكلام الجارية على طبق مقتضى الحال) يقول أساساً هذا لابد فيه، بل لعل الأقرب هو هذا، لماذا؟ يقول: لأنه إذا قلنا استعمل اللفظ في غير ما وضع له، أساساً ليس فيه طعم، لماذا؟ يقول: أنت إذا قلت علي جميل، ثم قلت قمر، واستعملت القمر في غير ما وضع له، بدلت اللفظ ما هي قيمته، أما متى له القيمة؟ عندما تريد أن تبالغ وتقول هذا هو ذاك، وهذا هو ذاك لا يكون إلا ماذا … وهذا انتصار لمدرسة مهمة في علم التفسير، لأن علماء التفسير عموماً … يكون في علمكم هذه هي نظرية العرفاء من أن الألفاظ نحن في اللغة لا يوجد عندنا، وهذا الإنسان كذا ابن تيمية من الملتزمين وكتب عنه دراسات متعددة أنه اساساً نحن لا يوجد عندنا مجاز في القرآن، ولكن هو يستعمله استعمال خاطئ، إذا مجاز وكناية واستعارة غير موجودة إذن يد الله أي يد؟ هذه اليد. لأنه يؤسس لتلك النظرية حتى يذهب إلى أين؟ لا تقول له يد يعني القدرة، أبداً، يد يعني ماذا؟ يد، لغة عربية (بلسان عربي مبين) وجه يعني وجه، يأتي يعني يأتي.
هنا يأتي الإشكال – أريد الخروج عن البحث قليلاً- الإشكال على العرفاء والفلاسفة؟
الجواب: يقولون لا، نحن اختلافنا معك أنت مادي صرف فكل المصاديق تجعلها … نحن نعتقد أفراد مادية وأفراد غير مادية، وهذا الذي لا ابن تيمية ولا تلامذته ولا الوهابية يستطيعوا أن يفهموا هذا المعنى … على أي الأحوال.
بعد أن يشرح النظرية كاملة يقول: (وهذا بخلاف مسلك القوم فأنه لا مبالغة فيه، إذ لا فرق حينئذ بين قولنا زيد قمر وقولنا زيد حسن الوجه أو بين قولنا زيد أسد وقولنا زيد شجاع، مع أن الوجدان خلاف ذلك) أنت عندما تقول زيد أسد يعني ماذا تريد أن تقول؟ يعني تريد أن تقول هذا هو ذاك، يعني مستعمل الأسد في الحيوان المفترس ولكنه الحيوان المفترس له مصداق واحد أو مصداقين.
وفي آخر المطاف (وقد تلخص من ذلك أن ما نسب إلى السكاكي من إنكار المجاز في الكلمة وأن جميع الاستعمالات بشتى أنواعها وأشكالها استعمالات حقيقية أقرب إلى الحق).
إذن السيد الخوئي ملتزم بالاستعمال المجازي أو غير ملتزم؟ إذن هذا الإشكال الذي أشكله السيد الشهيد وارد أو غير وارد؟
نعم، من يلتزم بنظرية التعهد ويلتزم بالاستعمال المجازي بهذه النظرية المشهور يرد عليه الإشكال، ولذا نحن قلنا بأن هذا الإشكال وارد ولكن لا يرد على السيد الخوئي. ونحن حديثنا الآن مع السيد الخوئي، فإذن الصيغة الثالثة أيضاً فيها مشكلة أو ليس فيها مشكلة؟ ليس فيها …
تبقى الصيغة الرابعة تأتي …
والحمد لله رب العالمين