بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قلنا بأن الصيغة الرابعة التي ذكرها السيد الشهيد أورد عليها بإشكالين:
الإشكال الأول: طبعاً مضمون الصيغة الرابعة كما أشرنا إلى ذلك بالأمس أنه في الصيغة الرابعة أن المتكلم وأن الواضع يتعهد بأنه كلما ذكر اللفظ يريد به المعنى الحقيقي، إلا إذا ذكر قرينة فأنه يريد به المعنى المجازي، هذه الصيغة أورد عليها السيد الشهيد بإشكالين:
الإشكال الأول: قال: بأن هذا منقوض في الموارد التي يذكر اللفظ الواضع، يذكر اللفظ ولا يذكر القرينة ومع ذلك لا يريد المعنى الحقيقي كما لو كان قصده الإبهام والإجمال ونحو ذلك، إذن هذه غير مطردة أنه كلما يذكر قرينة يريد المعنى الحقيقي، أمامكم في مورد الإجمال لم يذكر القرينة ومع ذلك لا يريد المعنى الحقيقي.
الإشكال الثاني الذي أورده ويحتاج إلى توضيح كما وجدت من خلال بعض الأسئلة، يقول السيد الشهيد أن الواضع عندما يقول ما لم أذكر القرينة أي قرينة مراده من ذلك، هل خصوص القرينة المتصلة، أو الأعم من القرينة المتصلة والقرينة المنفصلة. فإن كان مراده الأول يعني خصوص القرينة المتصلة فهذا لازمه عدم استعمال المجازي مع القرائن المنفصلة، والمتعهد والواضع لم يتعهد بذلك، وإن كان مراده الأعم من المتصلة والمنفصلة يعني كلما ذكرت اللفظ ولم أنصب قرينة أريد المعنى الحقيقي لم أنصب قرينة لا متصلة ولا منفصلة.
السيد الشهيد& هنا هكذا يقول: أولاً: أعزائي البحث في القرينة المنفصلة يكون على نحوين:
النحو الأول: يكون الشك في كان التامة للقرينة المنفصلة، يعني أشك أن الشارع نصب قرينة أو لم ينصب. قرينة منفصلة، أشك في ذلك.
النحو الثاني: أنه يوجد كلام بنحو منفصل ولكن لا أعلم أنه قرينة على هذا الكلام أو ليس قرينة على هذا الكلام. وهذا أيضاً شك في القرينة المنفصلة ولكن بتعبيرنا شك في كان الناقصة لا شك في كان التامة. والذي يصطلح عليه بقرينية المنفصل. مرة الشك في أصل وجود القرينة المنفصلة ومرة الشك في قرينية هذا الكلام الموجود، مثاله الواضح عند الأعزاء أن تأتيك رسالة من صديق، مرة تشك أن هذه الصفحة لها صفحة ثانية لكن لم تصل لي، هذا كان تامة. ومرة لا، الصفحة مكتوبة من أولها إلى آخرها ولكن آخر سطرين منها غير واضح للقراءة، فإن هنا ليس شك في أصل القرينة بل شك في قرينية هذا الكلام أنه قرينة أو ليس قرينة. وحديثنا هنا عند الشك في القرينة المنفصلة هو في القسم الأول لا في القسم الثاني.
قد يقال: إذا شككنا في القرينة المنفصلة أنها موجودة أو لا ننفيها بأصالة عدم القرينة المنفصلة. هذه أصالة عدم القرينة المنفصلة إنما موردها في كان التامة لا في كان الناقصة.
إذا اتضحت هذه المقدمة نأتي إلى محل الكلام نسأل هذا السؤال، هذا كلام صدر من الواضع ولا يوجد فيه قرينة متصلة ولكن نحتمل وجود قرينة منفصلة هل يمكن أن نستند إلى أصالة عدم القرينة المنفصلة لحمل هذا الظهور على المعنى الحقيقي أو لا يمكن؟
الجواب: السيد الشهيد يقول: لا يمكن، لماذا لا يمكن؟ لأن المفروض أن أصالة عدم القرينة المنفصلة إنما يصار إلى هذا الأصل بعد تمامية أصالة الظهور، يعني هذا الكلام فيه ظهور ونشك، ظهور في المعنى الحقيقي ونشك توجد قرينة منفصلة على الخلاف حتى يكون معنى مجازي أو لا توجد فننفيه بأصالة عدم القرينة المنفصلة. هذا لا يمكن السيد الشهيد يقول. لماذا؟ يقول لأن المفروض أن هذا الظهور لكي يتم مقيد بقيد، ما هو قيده؟ عدم وجود القرينة المنفصلة. إذن أنت ثبت الظهور أولاً حتى تنفي به ماذا؟ عدم القرينة المنفصلة والمفروض في المقام الظهور تام أو غير تام؟ غير تام، إذن لا يمكن نفي القرينة المنفصلة بأصالة عدم القرينة المنفصلة.
هذا الإشكال الثاني.
في مقام الكلام والتأمل في كلام السيد الشهيد فيما يتعلق بالإشكال الأول أشرنا إليه بالأمس، إنما الكلام … وأنا أتصور أن الإشكال الثاني هو الإشكال الأساسي.
نحتاج إلى مقدمة في بيان دور القرائن بالنسبة إلى الظهورات. القرينة كما تعلمون إما متصلة وإما منفصلة، أما القرينة المتصلة إذا جاءت في كلام ماذا تفعل؟ قلنا للكلام ثلاث ظهورات: الظهور التصوري، الظهور التصديقي الأول، الظهور التصديقي الثاني. القرينة المتصلة ماذا تفعل؟ تهدم الظهور التصوري؟ الجواب: كلا، يبقى الظهور التصوري على حاله، ماذا تفعل؟ تهدم الظهور التصديقي الأول والظهور التصديقي الثاني، يعني تهدم المراد الاستعمالي والمراد الجدي.
سؤال: ما معنى تهدم؟ يعني تكون حاكمة، القرينة تكون حاكمة على ذي القرينة، على الظهور؟ الجواب: تحقيقه في محله، لا، تكون واردة على الظهور، يعني تعطي للظهور مجالاً أن ينعقد أو لا ينعقد الظهور؟ التفتوا لي جيداً، في القرينة المتصلة القرينة المتصلة لا تهدم أصل المقتضي للظهور التصديق الأول والثاني، وهذا هو معنى الورود، وهذا بحثه في محله.
نأتي إلى القرينة المنفصلة، أعزائي القرينة المنفصلة الآن صدر مني كلام وبعد يوم أو يومين أو شهر أو سنة أو مئة سنة باعتبار أن كلمات الأئمة فيها قرائن منفصلة، القرينة التي تأتي بعد 220 سنة، كيف تحل إشكالية تأخير البيان عن وقت الحاجة ذاك في محله.
القرينة المنفصلة ماذا تفعل؟ أعزائي يوجد اتجاهان في القرينة المنفصلة:
الاتجاه الأول: وهو المشهور بين المحققين أنه لا تتصرف في أي ظهور من الظهورات الثلاثة، الظهور الوضعي قائم يعني الدلالة التصورية قائمة، الدلالة التصديقية الأولى يعني المراد الاستعمالي قائم، الدلالة التصديقية الثانية المراد الجدي قائم. إذن عندما تأتي القرينة المنفصلة ماذا تفعل؟ لا تتصرف في الظهور لأن الظهور بمجرد تمامية الكلام انعقد، تتصرف في الحجية أن هذا الظهور حجة يمكن الاحتجاج به أو لا يمكن الاحتجاج به، إذن القرينة المتصلة كانت تتصرف في الموضوع، أما القرينة المنفصلة تتصرف في الموضوع أو في المحمول؟ أنت عندما تقول الظهور حجة، هذه القرينة المتصلة ماذا تفعل أين تتصرف؟ في الموضوع، أما القرينة المنفصلة تتصرف في المحمول.
هذا هو المشهور.
المرزا النائيني لا يوافق على هذا، ما هو مبنى المرزا النائيني؟ المرزا النائيني يقول: أساساً بتمامية الكلام تنعقد الدلالة التصورية والدلالة التصديقية الأولى، أما الدلالة التصديقية الثانية فهي متوقفة على عدم وجود القرينة المنفصلة. فإذا جاءت لا تهدم الحجية بل تهدم الدلالة التصديقية الثانية، لا تهدم الحجية، الحجية بطبيعة الحال إذا لم يوجد مراد جدي تكون سالبة بانتفاء الموضوع. ولذا هو معتقد أن الظهور أو موضوع أصالة الظهور يتركب من جزأين: المقتضي وهو أن لا يوجد قرينة متصلة، يعني ظهور الكلام، وعدم وجود القرينة المتصلة حتى يتم المقتضي. ولكن وعدم المانع، عدم وجود القرينة المنفصلة وإلا إذا جاءت القرينة المنفصلة تهدم الظهور التصديقي الثاني. ولذا هو يقول لكي نتمم الظهور هذا الموضوع شككنا في القرينة المتصلة ننفيها بأصالة عدم القرينة المتصلة، شككنا في المنفصلة ننفيها بعدم وجود القرينة المنفصلة.
أي مبنى صحيح أو غير صحيح، هذا إن شاء الله تعالى في كتابنا (الظن، ص258 وما بعد) تفصيلاً أشرت إلى هذا البحث، وهنا أجمله للأعزاء الكرام حتى يتضح المطلب لهم.
سؤال: إذا اتضح ذلك تعالوا إلى إشكال السيد الشهيد&، تقول: سيدنا السيد الخوئي إما ينتخب المبنى المشهور وإما ينتخب مبنى النائيني؟ إما أن يعتقد بنظرية المشهور أو يعتقد بنظرية النائيني؟ إذا كان مبناه نظرية المشهور فأساساً القرينة المنفصلة لها علاقة بالظهور أو لا علاقة لها بالظهور؟ ماذا قلنا قبل قليل، لها علاقة أو ليس لها علاقة؟ إذن كيف يتوقف هذا الظهور على عدم وجود القرينة المنفصلة؟ المفروض أن القرينة المنفصلة ماذا تفعل؟ تهدم الظهور أو تهدم الحجية؟ ومع وجود القرينة المنفصلة لا ينهدم أصل الظهور وإنما تنهدم الحجية.
إذن عندما يكمل الواضع كلامه ولا يوجد فيه قرينة متصلة إذن انعقد في المعنى الحقيقي، لا يتوقف على شيء آخر. بمجرد أن تم كلامه والمفروض توجد قرينة متصلة أو لا توجد؟ لا توجد، إذن انعقد ظهور في المعنى الحقيقي أو لم ينعقد؟ إذن لا يتوقف على شيء آخر. يعني حتى لو كان صاحب نظرية التعهد قائل بأن محصول الوضع الدلالة التصديقية الثانية لا الأولى، أيضاً بمجرد تمامية الكلام ينعقد الدلالة التصديقية الثانية فضلاً عن الأولى. قد يقول قائل: مبناه يكون مبنى المرزا النائيني، السيد الخوئي؟
الجواب: المرزا النائيني يقول أن القرينة المنفصلة تهدم الظهور التصديقي الأول والثاني أو تهدم الظهور التصديقي الثاني، ماذا قلنا؟ قلنا تهدم الظهور التصديقي الثاني، ونظرية التعهد يقول محصول عملية الوضع ما هو؟ محصول عملية الوضع هو الدلالة التصديقية الأولى. إذن بمجرد تمامية الكلام الظهور التصديقي الأول قد تحقق، فعندما تأتي القرينة المنفصلة تهدم الظهور التصديقي الأول أو لا تهدم؟ لا تهدم.
إذن سواء كان مبنى السيد الخوئي هو نظرية المشهور أو نظرية المرزا فالظهور تم قبل مجيء القرينة المنفصلة. فلا يتوقف تمامية الظهور على عدم وجود القرينة المنفصلة.
ارجو أني استطعت إيصال المطلب إلى الأعزاء
عبارة السيد الشهيد كانت هكذا، قال: الظهور لا يتم إلا مع عدم القرينة المنفصلة.
الجواب: الظهور تام قبل وجود القرينة المنفصلة.
إذن هذا الإشكال الثاني أيضاً غير وارد على الصيغة الرابعة.
طبعاً في المقام السيد الحائري حاول محاولة أن يجيب عن الإشكال الأول الوارد على الصيغة الرابعة، وقلنا يوجد إشكالان للسيد الشهيد الإشكال الأول والإشكال الثاني، أجاب السيد الحائري في (حاشيته على التقريرات) إن الإشكال الأول قابل للدفع، لماذا قابل للدفع؟ قال: لأن الأصل في الكلام هو الإبهام أو الوضوح؟ يعني كل متكلم عندما يتكلم بلفظ قاصد الإبهام أو قاصد الوضوح، وقصد الإبهام نادر جداً، إذن يحمل على … إلا إذا دلت قرينة بأنه يريد الإبهام. إذن هذا لا ينقض علينا بأنه قد لا يذكر القرينة ويريد الإبهام، يقول: هذا صحيح ولكنه هذا كثير الوقوع أو قليل الوقوع؟ قليل الوقوع، إلا إذا ثبت أن الكاتب أو المتكلم أو المؤلف أصلاً بانٍ على أن يبهم في كلامه وأن يلغز في كلامه حتى تصير عنده رياضة ذهنية – بالحمل على الصحة- . يعني أأتي إلى الكفاية أنظر ضمير واحد في عشرة شروح يعطون سبعة احتمالات، هذا ما هو محمله؟ ما هو محمله؟ لعله حمل على الصحة أقول أنا، وإلا احتمال أنه لم يكن عربي فارسي فتختل هذه الضمائر قليلاً، والعلامة لم يكن واقعاً في الكتابات القديمة لم تكن عناية بهذه القضية، يعني مثلاً قواعد اللغة العربية أن ترجع الضمير إلى أقرب المراجع، بينك وبين الله في الكتب الأصولية يلتزمون بهذا أو لا يلتزمون؟ فالحمل على الصحة أنه يريد أن يروض ذهنه. بحث آخر لا، نسى القاعدة. ذكر المطلب في أول الصفحة وأرجع الضمير عليه بعد ثلاث صفحات، موجود في الرسائل أو غير موجود في الرسائل، وقد قرأتم الرسائل. ولذا أنا أتذكر شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد كان يقول أن عمق الرسائل بهذا، لا مشكلة في هذا. أن الرسائل من امتيازاته أنه أنت المبتدأ والخبر لا تجده في مكان واحد، هذا وجه. أن المبتدأ في مكان والخبر بعد ثلاث صفحات. ويندفع بما ذكرناه، هذا ذكرناه يقوله … يتضح … ويتضح مرتبطة بالاندفاع، ممكن أو غير ممكن؟ إذا صار بناء الكتابة على هذا واقعاً بلي. أما لسان عربي مبين، هذا يحتمل فيه أو لا يحتمل؟ هذا لا يحتمل. (أوتيت جوامع الكلم) يعني ماذا؟ يعني أدق المعاني في أوضح الألفاظ. هذه جوامع الكلم، وإلا إذا صار أدق المعاني وكل عبارة تحتاج إلى فتحها تحتاج إلى فتح 350 برغي لم تصر هذه جوامع الكلم.
ارجع إلى المطلب.
السيد الحائري يقول بأن هذا الإشكال الأول إنما يرد أين؟ إذا لم يكن الأصل عدم الإبهام، وعدم الإجمال، والأصل كذلك هو أن لا يكون إلا نادراً لغرض ما يكون كذلك.
عبارته مختصرة جداً في (مباحث الأصول، ج1، ص86) في سطرين لا أكثر، قال: (كأن يستثنى أيضاً فرض تعلق غرضه بالإجمال أو الإهمال) أصلاً المتكلم غرضه ماذا (فقد يذكر اللفظ ولا يريد الحقيقي ولا يذكر قرينة) غرضه هذا أصلاً (ويستعان في مقام تتميم الدلالة) يعني على المعنى الحقيقي (بالبناء على عدم إرادة الإجمال أو الإهمال) الأصل أنه لا يريد الإهمال ولا يريد الإجمال. سيدنا هذا الأصل العقلائي من أين أصله؟ يقول: (على أساس الندرة هذه الحالة) نادرة كثيرة، ونحن لا نتكلم في الرياضيات بل نتكلم في العقلاء والأعراف. نعم، في الرياضيات لابد أن تأتي هذه الدقة العقلية أما في المتكلم العرفي والمتكلم العادي فهذا غير موجود.
إذن ننفي الإشكال الأول بأصالة عدم الإهمال وعدم الإجمال.
سيدنا من أين جئت بهذا الأصل؟ يقول: لندرة قصد الواضع الإجمال والإهمال.
طبعاً هذا الجواب جواب تام عن الإشكال الأول، واقعاً جواب متين تام، ولكن يمكن تعميمه للإشكال الثاني أيضاً، يمكن تعميمه للإشكال الثاني وهو قلت لكم نحن الآن لا نتكلم في الشارع بل نتكلم في الواضع واللغة، الأصل عند المتكلم في اللغة العربية أن يعتمد القرائن المنفصلة أو القرائن المتصلة. أي منهما؟ لا يوجد أحد أصلاً لعله قبيح إذا قال أحد الآن شيئاً وبعد أسبوع … إذن بنفس البيان نقول لندرة الاعتماد على القرائن المنفصلة. فإذا لم توجد قرينة متصلة في الكلام فتم الظهور، فإن احتملنا، يقول: لا قيمة له لأن الأصل عدم الاعتماد على القرائن المنفصلة. وهذا بيان بهذا التتميم نجيب عن الإشكال الأول والإشكال الثاني ببيان واحد.
إذن فتحصل إلى هنا:
أولاً: أن جميع الصيغ الأربع تامة في نظرية التعهد. الصيغة الأولى والصيغة الثانية والصيغة الثالثة والصيغة الرابعة، يعني بعبارة أخرى نظرية التعهد بأي صيغة جاءت من هذه الصيغ فهي صحيحة.
وثانياً: لو تنزلنا وقلنا أن هناك إشكالاً على الصيغة الرابعة والثالثة فلا إشكال في صحة الصيغة الأولى والصيغة الثانية، وهذا كافٍ لتصحيح نظرية التعهد، لماذا أقول كافي، لأن السيد الشهيد إلى الآن لم يشكل على نظرية التعهد إلا من خلال الإشكال على الصيغة، فإذا صححنا الصيغة يوجد عنده إشكال او لا يوجد؟ ونحن لا أقل صححنا الصيغة الأولى والصيغة الثانية.
وثالثاً: وهذا كلام جديد، حتى لو سلمنا مع سيدنا الشهيد أن الصيغ الأربع بتمامها باطلة، ومع ذلك لا يستلزم ذلك بطلان نظرية التعهد، لماذا؟ لأنه نبحث لك سيدنا عن صيغة أخرى خامسة وسادسة وعاشرة لنصحح النظرية، أنت كل إشكالاتك انصبت على الصيغة وهذا من قبيل ما يقال في محله: بطلان الدليل لا يثبت لنا بطلان المدلول والمدعى، قد يكون المدعى صحيح ولكن الدليل قاصر، هذا أين ينفعنا؟ ينفعنا في مواضع متعددة منها التوحيد ومنها مسألة إثبات وجود الله. الآن كتب متعددة مكتوبة جاءوا إلى أهم أدلة إثبات وجود الله برهان الحدوث وبرهان الإمكان وبرهان النظم، واحدة واحدة ماذا فعلوا لها؟ بتعبيرنا لم يبقوا لها باقية، الكتاب موجود الآن ولا أريد أن أذكر الأسماء الآن خشية أن تطالعوه وتخلقوا لي مشكلة … أصلاً كل الأدلة لا ثمان أدلة ذكر في الكتاب، أصلاً لا ثمان أدلة عشر، ليس عشرة، عشرين. بطلان الأدلة يدل على عدم وجود الله؟ لا أبداً، أنت لم يصل إليه فهمك من الأدلة هذا. في المقام أيضاً أعزائي نفس الكلام بطلان الصيغة لا يستلزم بطلان أصل النظرية، لعل النظرية … إلى الآن لم يتضح لنا ما هو إشكال النظرية، كل ما وقع الإشكال عليه هو الصيغ الإثباتية للتعبير عن هذه النظرية، ولهذا اعتقد أن سيدنا الشهيد ملتفت إلى هذه النكتة وإن لم يشر إليه في التقريرات، انتقل إلى إشكال آخر على نظرية التعهد غير الإشكالات المرتبطة بالصيغة.
ولذا تعبيره في التقريرات: يقول الكلمة الأولى كذا، الكلمة الثانية كذا. في (ص87 من تقريرات السيد الحائري): (الكلمة الثانية أنا لو غضضنا النظر عن الكلمة الأولى) الكلمة الأولى ماذا كانت؟ الإشكال على صيغة النظرية. الآن نرفع اليد عن الإشكال الأول نقول افترضوا أن الصيغة صحيحة لذا يقول: (وفرضنا تمامية إحدى الصيغ الأربع) كما نحن فرضنا، يقول يوجد إشكال آخر، يعني لو جاء أحد ودافع عن الصيغ كما دافعنا، سيدنا عندك إشكال آخر؟ يقول: نعم، عندي إشكال آخر. وبيانه قياس من الشكل الثاني، واحد درس المنطق عند استاذه ثم بعد أن انتهى من الكتاب الأستاذ قال للطالب اذهب في السوق امشي واسمع الناس ثم تعالى غداً وقل لي هل يفهم الناس المنطق أو لا يفهمونه. لأنه عملية تفكير هي، المفروض أن كل أحد عندما يريد أن يقوم بأبسط الأعمال عنده منطق، ولكن منطق كل إنسان بحسبه. هذا جاء إلى السوق وقف، فرأى أن الصانع جاء متأخراً عن أستاذه فقال له أستاذه اليوم جئت متأخر وإذا تكرر منك فتعلم ماذا افعل. عجيب هذا قياس استثنائي ولكن الأستاذ غير ملتفت، وبالعكس إذا جئت في أول الوقت كذا، قياس من الشكل الأول أو من الشكل الثاني.
أعزائي إذا تريدون أن تعرفوا أنكم فهمت المنطق ولو الحد الأدنى اذهبوا إلى كلمات الأعلام انظروا تستطيعون أن تحولوها إلى أقيسة أو لا تستطيعون … إذا ما استطعتم إذن إلى الآن أنت عرفت شيئاً من المنطق أو لم تعرف؟ لم تعرف. ولذا لا تستطيع … ولذا إذا الأعزاء يلتفتون نحن في كتاب (شرح الأسفار، كتاب المعاد، ج1) لا يوجد بحث ومطلب في الأسفار إلا وحولناه إلى شكل قياس، حتى يتدرب الطالب. السيد الشهيد الآن يقول كلامي، قياس من الشكل الثاني، طبعاً يكون في علمكم هذه القياسات يمكن تبديلها بعضها ببعضها، لا يتبادر عندما أقول ثاني يعني لا يمكن تحويلها إلى أول أو إلى قياسات أخرى.
ما هو القياس؟ يقول في جملة واحدة فيها صغرى وكبرى، يقول: (العلقة بين اللفظ والمعنى لا تحتاج إلى فهم متعمق واستنتاج على أساس المنطق الارسطي) إذن المقدمة الأولى العلقة بين اللفظ والمعنى لا تحتاج إلى فهم عميق. ما هو دليل هذه المقدمة؟ بدليل أنه يوجد عند الأطفال تجدون أنهم يضعون الألفاظ للمعاني ويفهمون أيضاً، في عمر السنتين الطفل عندما تقول له أمه أتريد ماءاً يقول الطفل: نعم. إذن يفهم هذه العلقة بين الألفاظ والمعاني. فيما بينهم أصلاً يضعون ألفاظاً لأمور عندهم. المجانين أيضاً كذلك فيما بينهم أيضاً عندهم قدرة على التواصل. ولنصعد أعلى مقصودي للأسفل، الحيوانات أيضاً فيما بينها تتواصل.
إذن المقدمة الأولى أن العلقة بين اللفظ والمعنى لا تحتاج إلى فهم عميق، بشهادة الوجود عند الأطفال والقاصرين والمجانين بل الحيوانات.
ونظرية التعهد، بالنحو الذي شرحناه الصيغ بقينا فيها مدة حتى نفهم أي صيغة. ونظرية التعهد تحتاج إلى فهم عميق. صحيح، احذف ماذا يكون؟ إذن العلقة بين اللفظ والمعنى ليست نظرية التعهد. أو ليست قائمة ومستنتجة من نظرية التعهد. طبعاً هذا البيان لم يأت في كلام السيد الشهيد ولكنه هو قياس من الشكل الثاني.
ولذا عبارته في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص80) قال: (أن الدلالة اللغوية على أساس هذه النظرية تتضمن عملية استدلالية وانتقالاً منطقياً من أحد طرفي الملازمة التعهدية إلى طرفها الآخر) هذه إشارة إلى المقدمة الثانية (مع) المقدمة الأولى (مع أن نشوء ظاهرة اللغة في حياة الإنسان منذ عهوده الأولى) يعني كان يعرف هذه الاستنتاجات المنطقية أو لا يعرفها؟ (وقبل تتكامل مدركاته، بل يبرهن) لا يساعد على هذا الافتراض (بل يبرهن على أن عملية الوضع وإيجاد العلقة الوضعية في مجال المحاورة لا تتوقف على تعقيدات ومصادرات عقلائية. هذا بشكل واضح هنا.
وكذلك في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص87) قال: (أن هذه العلقة تحصل عند الطفل فهو يفهم جملة من الكلمات قبل تحقق أي قدرة له على الاستدلال والاستنتاج) وهذا المعنى أيضاً بشكل تفصيلي في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج1، ص19) قال: (ولم يستنتج ذلك استنتاجاً ارسطياً) قياس وتعهد وملازمة وشرط وتالي وعلة ومعلول وشرط اللفظ أو شرط قصد تفهيم المعنى … الخ.
وعلى هذا الأساس على نفس السير سار الشيخ إسحاق الفياض وبنفس الكلمات من غير الإشارة إلى المصدر في (المباحث الأصولية، ج1، ص140) نفس العبارات الموجودة في تقريرات السيد الهاشمي، قال: (أن الوضع موجود منذ نشوء ظاهرة اللغة في مجتمع الإنسان البدائي لأن الإنسان في العهود الأولى لا يدرك ما عدا إحساساته الأولية ومتطلبات حياته الضرورية) طبعاً الآن أنا لا أريد أن أناقش المثال، هذا المثال أصلاً في نفسه فيه إشكال، لأننا نعتقد أن البشرية بدأت بالإنسان البدائي أو بدأت بالمعصوم؟ يعني ماذا بدأت؟ هذا التعبير من أين جاء؟ هذا تأثراً بنظريات الآخرين، الداروينية، بدائي بدائي ماذا يعني؟ الذي بدأ الحياة من هو؟ آدم، نبي معصوم عنده خمسة وعشرين من حروف الاسم الأعظم.
مداخلة لأحد الطلبة …..
أنا قلت هؤلاء فقط؟ من يقول هذا الكلام؟ لا يفرق لي كثيراً.
نعم، هؤلاء بإمكانهم أن يقولوا أنه عندما بدأت الحياة ثم انتقلت إلى مواضع أخرى، أولئك … وإلا أصل الحياة … فإن كثير من المعارف إنما بدأت بنبوة معصومة. ولا أريد الدخول لأن السيد الطباطبائي ماذا يعتقد في مسألة أن أول موجود وجد على الأرض هو الإنسان أو كانت هناك موجودات في أدنى مستوى أو لا؟ طبعاً ليست نظرية دارون، لأن السيد الطباطبائي لا يعتقد بنظرية دارون يقول لأن تحول الأنواع ممتنع عقلاً، ولكنه نوع آخر من التحول يعني يبدأ بدائي ثم يصل إلى التكامل، هذا … بحث آخر لا ندخل في التفاصيل، ولذا قلت بأنه لا إشكال عندي على المثال، لا أريد أن أدخل في بحث المثال.
هذا هو الإشكال الذي ذكره سيدنا الشهيد وجاءت في كلمات الأعلام الآخرين، هذا الإشكال الثاني تام أو لا؟ يحتاج إلى بيان.
والحمد لله رب العالمين