الأخبار

المحاضرة (70)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الإشكال الثاني الذي ذكره سيدنا الشهيد+ وهو أن تحليل عملية الوضع بهذه الطريقة التي ذكرها صاحب نظرية التعهد أمر عميق ودقيق ويحتاج إلى استنتاج منطقي وتكامل إنساني، وحيث أننا نجد أن هذه العلقة ليست كذلك، حيث أنها موجودة عند الأطفال وعند الصغار وعند المجانين ونحو ذلك، إذن عملية الوضع ليست هي نظرية التعهد. شرحنا هذا الكلام بشكل واضح بالأمس. طبعاً لا يخفى على الأعزاء هذا الإشكال هو الإشكال الذي ذكره السيد الشهيد على أستاذه المحقق الأصفهاني. إذا تتذكرون في (المحاضرات، ج1، ص41) قال: (إن تفسيرها بهذا المعنى تفسير بمعنى دقيق بعيد عن أذهان عامة الواضعين غاية البعد ولاسيما القاصرين منهم …).

وكذلك ذكره في (ص43) قال: (عين الإيراد الذي أوردناه على القول الثاني أن تفسير الوضع بهذا المعنى على فرض صحته في نفسه تفسير بمعنى دقيق خارج عن أذهان عامة الواضعين).

نفس هذا الإشكال ذكره السيد الشهيد على استاذه السيد الخوئي. قلت بأنه نفس الإشكال الذي أورده الشهيد على السيد الخوئي، السيد الخوئي كان قد أورده على الآخرين.

الإشكال الذي أورده سيدنا الشهيد على السيد الخوئي هنا هو نفس الإشكال الذي أورده السيد الخوئي على العراقي وعلى الأصفهاني. فهل هذا الإشكال وارد على السيد الخوئي أو غير وارد؟

أعزائي إذا تتذكرون نحن في الدرس (62) واليوم نحن في الدرس (70) في الدرس 62 قلنا بأنه لابد من التمييز بين مقامين من البحث. المقام الأول عملية وضع الألفاظ للمعاني، هذه العملية التي قد تتحقق بنفسها، اصلاً كل هؤلاء الأعلام قائلون أنها تحتاج إلى واضع أو لا تحتاج؟ إن شاء الله في تقسيم الوضع سيأتي أنه وضع تعييني ووضع تعيني. أصلاً لا يوجد واضع هو ينوضع بنفسه. أو كان الواضع من الأطفال أو كانوا من المجانين أو كانت من المؤسسات والمراكز والمجامع العلمية، كل هذه تقع في المقام الأول يعني في دائرة وضع الألفاظ للمعاني. بعد أن تحققت هذه الظاهرة يأتي صاحب التحليل صاحب البحث العلمي العميق ليحلل هذه الظاهرة، يعني تحليل الظاهرة بعد وقوعها، وكم له نظير، قلنا أن هناك ظواهر يفهمها حتى الحيوانات هذا الحيوان واقف هنا يأكل بمجرد أن يصل إلى اذنه صوت ماذا يفعل؟ إما يهرب وإما يجده يلتفت يميناً ويساراً ليعرف أن هذا الصوت من أين جاء. هذا من فهمه العلية والمعلولية حتى يقول أن لكل أثر مؤثر، أصلاً يفهم هذا؟ الجواب: يقولون أن هذا غير متوقف على أن يفهم نظرية العلية والمعلولية، هذه الظاهرة ظاهرة فطرية يفهمها حتى الحيوان فضلاً عن الطفل. الطفل يلعب عمره سنتين بمجرد أن يدق الباب ماذا يفعل … ما هو الجواب؟ الجواب هو قبل الدق لم تكن هناك ظاهرة تستدعيه أن يفتح الآن توجد ظاهرة دق الباب، وحيث في فطرة الطفل أنه هذا الدق لابد له من داق.

سؤال: قل له بابا أنت كيف عرفت أن الدق يحتاج إلى داق؟ الجواب: يقول هذا ليس عملي، هذا عملك أنت ابحث.

اجتماع النقيضين كل القضايا العقلية قبل أن تكون عقليات هي فطريات بالمعنى العام للفطري لا الفطريات في مقابل الأوليات، لا، التفتوا بالمعنى الذي يقوله القرآن فطري، تعملون أن الفطريات في الاصطلاح المنطقي غير (فطرت الله التي فطر الناس عليها) لا يتبادر إلى الذهن وكم خلطوا بين هذه. الطفل يأتيك ويقول لك أريد حلوى، وأنت تقول له مد يدك في جيبي تجد ما تريده. فإذا مد يده في جيبك ولم يجد ماذا يفعل؟ يقول: لا فرق بينهما أو يعترض عليك. هذا منشأ الاعتراض ما هو؟ الجواب: منشأ الاعتراض أن هناك تناقض، أنت قلت يوجد وهو لم يجد. ويجد يجتمع يوجد ولا يوجد أو لا يجتمع؟ هذا درس منطق المظفر والوحدات التسع مثلاً؟! لا يا أعزائي، وظيفة المنطقي يأتي ليفسر هذه الظاهرة.

مئات السنين قبل نيوتن كان يجدون أن الأشياء من أعلى تقع إلى الأسفل، ولكن لفتت انتباههم أو لم تلفته، أساساً لو كنت تسأل هذا السؤال يقال لك عجيب سؤالك. أما نيوتن سأل هذا السؤال وانتهى إلى قضية الجاذبية. تقول لي: هذا الطفل عندما يرمي الشيء فيرجع إليه أو يرميه إلى الأسفل يفهم الجاذبية؟ لا، لا يفهم الجاذبية، هذا عمل نيوتن.

أعزائي أعلامنا الكبار كل الأعلام السيد الخوئي والسيد الصدر هؤلاء كلهم قالوا يوجد مقامان من البحث: السيد الخوئي ليس متحدث في المقام الأول من البحث حتى تقول حتى يفهمه الصبيان والمجانين وأن البشرية في ابتدائها وضعت ولا يوجد عندها تعهد. وإنما يتكلم عن تحليل هذه الظاهرة، وإلا سيدنا مولانا السيد الصدر بعد ذلك سيأتي ويحلل نظريته على أساس القرن الاكيد، وعندما أشرح لكم النظرية تجدون أن هناك قوانين ثلاث من أهم القوانين التكوينية، بينك وبين الله الواضع ملتفت إلى هذه القوانين. أقول للسيد الشهيد حتى إلى الزمان التي أنت تتكلم العلماء لم يلتفتوا إلى هذه القوانين، ولكن كانوا يضعون الألفاظ للمعاني.

ولذا أنا فيما سبق ذكرت للأخوة:

[كثير من الأمور هي خلط بين المقام الأول والمقام الثاني، كثير من الأبحاث التي يقال عنها هذه أبحاث لغوية لماذا جاءت إلى علم الأصول؟ هذه أبحاث كلامية. الجواب: أن البحث اللغوي أو العرفي أو العقلائي أو أي باب آخر شيء وما يبحثه الأصولي في علم الأصول شيء آخر. الكل يعلم أن المعلول يحتاج إلى العلة، لماذا نحن سنتين ندرس الأسفار في الجزء الثاني نظرية العلل؟ ذاك الذي يفهمه الجميع المقام الأول من البحث، والذي يبحث عنه في الجزء الثاني من الأسفار المقام الثاني من البحث. نعم، أنت بإمكانك أن تقول أنا اكتفي … هذا من حقك، ولكن ليس له حق أن تعطي وجهة نظر في المقام الثاني من البحث. إذا أنا حللت وقلت أن نظرية العلية والمعلولية مرجعها إلى التشأن وإلى بينونة الصفة لا إلى بينونة العزلة لا تقول أنت كافر. لماذا؟ لأنه أنت أساساً تفهم الظاهرة في المقام الأول من البحث، وهذا الذي أنا أقوله مرتبط بالمقام الثاني من البحث. فأنت تعطيني حكم شرعي مرتبط بالمقام الأول وترتبه أين … وهذه كل الأحكام الصادرة في كتاب الطهارة والنجاسة والكفر فيها هذا الخلط. هو أساساً إلى الآن غير متصور أن القائل بوحدة الوجود ماذا يريد أن يقول؟ بأي دليل أقول لا يعلم؟ لذا عندما يريد أن يقول يحتمل ثمان احتمالات، لماذا يحتمل؟ لأنه اساساً لا يعلم أن هذا ماذا يريد أن يقول، فيحتمل هكذا ويحتمل هكذا، وهذه كلها لابد أن يكون لها بحث تفصيلي في محلها].

ارجع إلى محل كلامي.

هذا ا لإشكال من السيد الشهيد على السيد الخوئي غير وارد، لماذا؟ باعتبار أن فيه خلطاً بين أصل الظاهرة وتحليل الظاهرة. ولذا إذا تتذكرون أعزائي عندما أشكل السيد الخوئي على الأصفهاني والعراقي نحن هذا الإشكال كنقض ذكرناه على السيد الخوئي، قلنا له سيدنا هذا الإشكال إن تم هنا فأنه يرد عليك ماذا؟ في نظرية ا لتعهد. وإن قلت أن هذان مقامان ندافع عنك أيضاً. ولذا السيد الخوئي هو في النتيجة يرد عليه إشكال ولكن لا بالطريقة التي ذكرها السيد الشهيد وهو أنه سيدنا يرد عليك نقض أنت قلت أن تلك عميقة لا يفهمها. سيدنا نظرية التعهد يعني الإشكال إشكال مبنائي يكون ولكن حيث أننا نحن هناك دفعنا إشكال السيد الخوئي على الأصفهاني والعراقي هنا أيضاً ندافع عن السيد الخوئي ونقول أن إشكال السيد الشهيد غير وارد عليه.

إشكال آخر عبروا عنه بالإشكال الثالث: أصل الإشكال للمحقق الإيرواني صاحب (حاشية المكاسب) التي هي من أفضل الحواشي ولعلها قيمة جداً راجعوها. في (نهاية النهاية في شرح الكفاية، ج1) عنده بيان يقول: بناء على نظرية التعهد فالعلقة تكون بين اللفظ والمعنى أم بين اللفظ وقصد تفهيم المعنى) من الواضح بناء على نظرية التعهد العلقة ليست بين اللفظ والمعنى وإنما هي بين اللفظ وبين قصد تفهيم المعنى. والتالي باطل بالوجدان فالمقدم مثله. هنا المحقق الإيرواني لا يبين لماذا والتالي باطل. يكفي أن يقول وجداناً، يقول وجداناً نحن نجد بالوجدان أن العلقة ليست بين اللفظ وقصد تفهيم المعنى وإنما هي بين اللفظ والمعنى. إذن هذا اللازم الباطل نستكشف منه بطلان الملزوم.

ولكنه تأكيداً وتوضيحاً وتعميقاً لإشكال الإيرواني هو أن يقال أن مراده من الوجدان هذا المعنى حتى لا تصير القضية كل واحد يدعي الوجدان، أن المراد من الوجدان أننا نجد بالبداهة أن اللفظ إذا سمع حتى من اصطكاك حجرين ينتقل الذهن إلى المعنى، وهذا يكشف عن أنه إذن محصول عملية الوضع هي الدلالة التصورية وليست الدلالة التصديقية، وهذا هو أحد الإشكال التي ذكرها السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ج1، ص61) عنده إشارة هناك، يقول: (أن ذلك يستلزم أن يكون مدلول اللفظ هو نفس إرادة التفهيم لا المعنى) يعني العلقة ليست تكون بين اللفظ والمعنى، بل العلقة بين اللفظ وإرادة تفهيم المعنى وقصد تفهيم المعنى، نفس هذا الكلام في (نهاية النهاية) للإيرواني، يقول: (وعلى ما افاده) بعد أن ينقل نظرية النهاوندي صاحب (تشريح الأصول) يقول: (وعلى ما أفاده يكون معنى جملة زيد قائم إرادات ثلاث: إرادة لتفهيم لفظ زيد وإرادة لتفهيم لفظ قائم وإرادة لتفهيم معنى زيد قائم. ثم يقول (وهو بمعزل عن مفاد تلك الجملة) لا ليس الأمر كذلك (لأن المستفاد منها هو ثبوت القيام لزيد لا إرادة تفهيم ثبوت القيام لزيد).

الأعلام فسروها وأوضحوها وأضافوا عليها هذه وأنا أضفت عليها.

إذن الإشكال الثالث ملخصه هذا: أننا نجد بالوجدان أن الذهن ينتقل من اللفظ إلى المعنى بلا حاجة إلى قصد تفهيم المعنى. ولكن نظرية التعهد تقول لا، لا ينتقل. وهذا خلاف الوجدان، أنت لو سمعت هذا اللفظ من النائم أيضاً ينتقل ذهنك إلى المعنى. هذا الإشكال أعزائي السيد الخوئي+ … الجواب عن الإشكال الثالث … السيد الشهيد لم يتعرض له لأنه ليس إشكالاً اساسياً باعتبار أن السيد الخوئي صاحب النظرية ملتفت وأجاب عن الإشكال.

ما هو الجواب عن الإشكال؟ السيد الخوئي يقول: أنت تتوهم أن محصول عملية الوضع هي الدلالة التصورية، لا. محصول عملية الوضع هي الدلالة التصديقية ولكن لما تحققت هذه الدلالة التصديقية فيحصل ربط وأنس ذهني بين اللفظ وبين المعنى، فبمجرد أن تسمع اللفظ ينتقل ذهنك إلى المعنى. أنت لم تبرهن على أن هذه الدلالة التصورية قبل التصديقية، أين برهانك؟! كل ما قلته … يعني أنا أريد أن أعمق جواب سيدنا الأستاذ السيد الخوئي أقول: أنت كلما أشكلت به قلت نجد بالوجدان عندما نسمع باللفظ يذهب ذهننا إلى المعنى. أقول هذا محصول تلك الدلالة التصديقية نظرية التعهد. ولذا هو في (المحاضرات، ج1، ص48) يقول: (وأما ما ربما يتوهم هنا) الإشكال الذي اشرنا إليه (من أن العلقة الوضعية لو لم تكن بين الألفاظ والمعاني على وجه الإطلاق) يعني من غير حاجة إلى قصد تفهيم المعنى (فلا يتبادر شيء من المعاني منها، والتالي باطل) لأننا نجد يتبادر (إذن فإذا صدرت عن شخص بلا قصد تفهيم أو عن شخص بلا شعور واختيار فضلاً عما إذا صدرت … مع أنه لا شبهة في تبادر المعنى منها وانتقال الذهن إليه في جميع هذه الصور، أما ما ربما يتوهم فمدفوع بأن تبادر المعنى فيها) في الصور (وانسباقه إلى الذهن غير مستند إلى العلقة الوضعية) وإنما مستندة إلى ذلك التعهد بعد أن تحقق بكثرة الاستعمال أنت يحصل لك الدلالة، فهذه من موارد ترتب الدلالة التصورية على الدلالة التصديقية لا العكس كما هو المشهور، أن الدلالة التصديقية مترتبة على الدلالة التصورية (بل أن ما هو من جهة الانس الحاصل بينهما بكثرة الاستعمال أو بغيرها وذلك لأن الوضع حيث كان …).

إذن هذا الإشكال إشكال لا يستحق الوقوف عنده كثيراً.

بقيت مجموعة من التأملات ذكرها السيد الروحاني أنا أتصور أنها لا تستحق أن نقف عندها، يراجعها الأعزاء واتضح ا لجواب عنها مما تقدم.

سؤال: هل هذه النظرية تامة أو غير تامة؟

أعزائي في البداية اريد أن اُأصل أصلاً أساسياً: ليس بالضرورة كلما كانت هناك دعوى في نفسها معقولة ثبوتاً فهي بالضرورة أنها تمثل الرأي الصحيح، أنت قد تحتمل في قضية من القضايا احتمال، أقول لك: نعم احتمال، ولكن ما الدليل أن هذه الظاهرة هذا الذي أنت تقول، ولأطبقه على الكلام، السيد الخوئي يقول بأن حقيقة الوضع مرجعها إلى نظرية التعهد، أقول: في نفسه احتمال وارد، لا إشكال فيه، ولكنكم تتذكرون فيما سبق في نظرية العراقي في نفسها قلنا معقولة أو غير معقولة؟ قلنا أيضاً معقولة. كلام الأصفهاني قلنا أيضاً معقول. لمن يريد أن يقول هذا هو الصحيح، يعني يعين هذا التفسير في قبال تلك التفاسير لابد أن يكون دليله دليلاً يثبت هذا وينفي ذاك. وإلا إذا لم يكن الدليل كافياً فهل مجرد احتمال المعقولية ثبوتاً معناه صحة التفسير وتعينه إثباتاً، هل هناك ملازمة، هذه قاعدة أحفظوها لأن الكثير يغالط ويقول ما المحذور فيه. لا، الكلام لا محذور فيه، ولكن ما الدليل على أن هذا التفسير له.

يعني في كثير من الأحيان أنت عندما تناقش شخصاً وتقول له أن هذا ليس هكذا، يقول: ما المحذور فيه. الجواب: لا محذور فيه. ولكن أنت تدعي أن هذه الظاهرة فقط هذا تفسيرها، وباقي التفاسير باطلة، تحتاج دليل على تعين هذا التفسير، إذن لابد أن نرجع إلى دليل السيد الخوئي لنرى أن الدليل أساساً يصحح هذا التفسير فضلاً عن أنه يعين هذا التفسير في قبال التفاسير. إذن نحن مدخلنا صار واضحاً، لا مدخلنا صيغ نظرية التعهد، لا مدخلنا أن هذا عميق وكذا. مدخلنا أنه نأتي إلى الدليل الذي ذكره صاحب النظرية للتعهد لنرى أمرين:

الأول: أنه أساساً يصحح هذه النظرية أو لا علاقة له بالنظرية، لا يصحح النظرية، وعلى فرض أنه يصححها يبطل الآخرين، يجعلها متعينة في قبال التفاسير الأخرى أو ليست متعينة. فعلى أفضل التقادير إن صح الدليل يقول تفسير صحيح، ولكن لا ينفي التفاسير الأخرى، ولكن السيد الخوئي بصدد ماذا؟ هو أن هذا التفسير هو التفسير الصحيح وأن تفسير الأصفهاني والعراقي تفسيران باطلان وغير صحيحين.

تعالوا معنا إلى دليل هذه النظرية. دليل هذه النظرية كما أشار إلى ذلك صاحب النظرية يعني النهاوندي في (تشريح الأصول) يقول: (الدليل على ذلك أن الغرض من الوضع يترتب على التعهد) إذن الوضع هو التعهد (ولهذا أن الغرض من الوضع وثمرته تترتب على التعهد وبيانه أن غير الواضع إذا علم منه ذلك التعهد وعلم منه بتلك الإرادة المستقرة المطلقة ينكشف لهذا الغير عند تلفظ الواضع باللفظ المخصوص أنه أراد تفهيم المعنى).

إذن ما هو الدليل على صحة هذا التفسير وتعينه؟ قالوا: انظروا إلى الغرض الذي من أجله ولد ظاهرة الوضع في حياة الإنسان، والغرض الذي من أجله تحققت هذه الظاهرة هي الدلالة التصورية أو الدلالة التصديقية؟ قلنا مراراً أنه الإنسان عندما يدخل في حياة اجتماعية ماذا … ولذا السيد الخوئي بشكل واضح وصريح أشار إلى هذه القضية في (المحاضرات، ص44) عندما جاء إلى هذه النظرية قال: (ويرشد إلى ذلك الغرض الباعث على الوضع بل الرجوع إلى الوجدان …) قلنا أن هذا الوجدان لا ينفعنا كثيراً، المهم الغرض، ما هو الغرض؟ أن الإنسان بما أنه مدني يحتاج في تنظيم حياته المادية والمعنوية إلى آلات يبرز بها مقاصده وأغراضه ويتفاهم ولما لم يمكن أن تكون تلك الآلة الإشارة ونحوها لعدم وفائها بالمحسوسات فضلاً عن المعقولات فلا محال تكون هي الألفاظ التي يستعملها في إبراز مراداته ومن هنا) أي من أن الغرض منه قصد التفهيم وإبراز المقاصد (ظهر أن حقيقة الوضع هي التعهد).

استدلال السيد الخوئي هذا، يقول لما كان الغرض هذا إذن حقيقة الوضع هي … لما كان الغرض ذاك إذن حقيقة الوضع هذا …

والشيخ الفياض أيضاً عندما جاء إلى هذا أيضاً أشار إلى هذه النكة التي أشرنا إليها وهي في (ص141) يقول: (وهو أن الغرض من وراء الوضع والدافع إليه هو التفهيم والتفهم بين أهل كل لغة … ومن الواضح أن الوضع يتبع الغرض الداعي إليه سعة وضيقاً فلا يمكن أن تكون دائرة الوضع أوسع من دائرة الغرض وإلا كان لغواً) هذه إضافة (وعلى هذا فلا محال تختص العلقة بما إذا قصد المتكلم تفهيم المعنى من اللفظ).

ثم أشكل الشيخ إسحاق الفياض على ذلك، ما هو الإشكال؟ العبارة هذه يقول: (ومن الواضح) هذا من الواضح إلى الآخر غير موجود في كلمات العلمين يعني لا النهاوندي ولا السيد الخوئي. (ومن الواضح أن الوضع يتبع الغرض الداعي إليه في السعة والضيق وحيث أن الغرض هو قصد تفهيم المعاني) إذن الوضع لابد أن يكون دلالة تصديقية لا دلالة تصورية. فماذا أشكل على ذلك؟ هذا إشكاله: قال: (مدفوع) هذا الكلام (بأن الغرض من الوضع وإن كان ذلك إلا أنه ليس بمثابة العلة التامة بحيث يدور الوضع مداره وجوداً وعدماً وسعة وضيقاً بل هو بمثابة الحكمة الموجبة له) وإذا صارت حكمة موجبة له إذن فلا محذور في أن يكون الوضع أوسع دائرة من الغرض. هذا إشكال الشيخ إسحاق الفياض.

تعالوا معنا إلى أصل كلام النهاوندي والسيد الخوئي وإشكال الشيخ إسحاق الفياض.

حتى يتضح المطلب بودي أن أبين ثلاثة أو أربعة أصول ليس هنا أيضاً، على القاعدة أنا عندما أأصل أصلاً استفيد منه في المقام وفي أمور أخرى، سأبين الإشكال بنحو يتضح به عدم تمامية الاستدلال ويتضح به عدم تمامية إشكال الشيخ إسحاق على السيد الخوئي.

الأصل الأول: الفواعل على نوعين: فاعل علمي وفاعل غير علمي. هذه بالنظرة السطحية، من قبيل الإنسان فاعل لعلمه دخل في إيجاد الفعل، فلهذا يسموه فاعل علمي، لماذا فاعل علمي؟ لأنه لولا هذا العلم لأوجد الفعل أو لا يوجده؟ لا يوجده. وفاعل غير علمي وهي النار مثلاً، فإن النار فاعل أيضاً تحرق، ولكن علمي أو غير علمي؟ غير علمي. طبعاً هذا كما قلت على النظرة السطحية وإلا بناء على التحقيق القرآني (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) لا يوجد عندنا فاعل علمي وفاعل غير علمي، الكلي فواعل علمية ولكن العلم له مراتب متعددة، هذا بحث آخر.

إذن الفاعل على نحوين، تعالوا إلى الفاعل العلمي، هذا الأصل الأول. والفاعل العلمي على أقسام: فاعل علمي بدئه وحشره بنحو واحد، وفاعل علمي بدئه بنحو وحشره بنحو آخر. أما القسم الأول من قبيل الملائكة فأنها فاعل علمي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولكنه يوجد عندهم تكامل أو لا يوجد عندهم تكامل؟ لا يوجد عندهم تكامل. لا يخرجون من القوة إلى الفعل، بدأهم يعني جبرائيل مذ وجد فهو على هذا المستوى لا يزيد ولا ينقص، ما من إلا له مقام معلوم. نصعد ننزل؟ أبداً. أما الإنسان فهو فاعل علمي ولكن في صراط التكامل، أين يصل؟ إما أن يصل إلى قاب قوسين أو أدنى أو يصل إلى فرددناه أسفل سافلين. ذاك يصعد وهذا ينزل. إلى هنا هذا الأصل الثاني.

الأصل الثالث: هذا الفاعل العلمي الذي هو في صراط التكامل لكي يصل إلى كماله المطلوب يحتاج إلى حركة، ولذا قالوا الحركة بالمعنى الفلسفي خروج الشيء من القوة إلى الفعل، إذن الإنسان وهو في هذه النشأة في أي حركة علمية يعني على أساس تحريكه العلم تكون لأجل الوصول إلى كمال هو فاقد له. هذا أيضاً أصل واضح، وإلا لا يتحرك، لماذا يشرب الماء؟ إذا لا يحس بحاجته إلى الماء وأنه يرفع العطش يتحرك لشرب الماء أو لا يتحرك؟ لا يتحرك. لماذا يهرب من الحيوان المفترس؟ لأنه يعلم أنه كذا وإلا إذا لم يعلم به لا يهرب وهكذا.

إذن من الذي يخرج الفاعل العلمي – أحفظوا هذا الأصل الثالث أو الرابع- الواقع في صراط التكامل من القوة إلى الفعل، من الذي يخرجه؟ يخرجه الغاية والكامل المتصور عنده، يعني ذلك الكمال الذي هو فاقد له يتصوره ثم يصدق به فيحرك الفاعل لإيجاد الفعل حتى تحصل عنده ماذا … يحصل له ذلك الكمال وتلك الغاية.

إذن الغاية التي هي الكمال المطلوب، الغاية هي علة لفاعلية الفاعل، يعني ماذا؟ يعني علة لإخراج الفاعل من القوة إلى الفعل. ومن هنا عبروا قالوا أن الغاية هي علة فاعلية لفاعلية الفاعل. وإلا إذا الغاية غير موجودة هذا الفاعل يتحرك أو لا يتحرك؟ لا يتحرك.

الآن كاملاً هذا ينطبق على محل كلامنا، لماذا؟ لأنه عنده غرض وهو ماذا؟ إيجاد العلاقة مع الآخرين، وكماله في هذا الاجتماع وفي هذا التفاهم وفي هذا التواصل، هذا كماله. إذن يريد أن يصل إلى هذا الكمال، لأن كماله يتحقق بالتواصل مع الآخرين، ينطبق على محل الكلام.

ولكن هنا أشكل إشكال وهو أنهم قالوا أن الغاية والكمال والهدف متأخر وجوداً عن الفعل، هذه مرتبة. تأخر الكمال والغاية عن الفعل، وتأخر الفعل عن الفاعل، لأن كل فعل متأخر عن فاعله، وتأخر فاعلية الفاعل عن الذي صار علة فاعلية له التي هي الغاية، وهذا يلزم أن يكون المتأخر متقدماً والمتقدم متأخراً. هذه من أعقد الإشكالات التي ذكرت في الغاية والعلة الغائية، ولذا نحن في محله في نهاية الحكمة عندما جئنا إلى هذه العبارة للسيد العلامة في (نهاية الحكمة، ص181) قلنا هذه العبارة إما أن توجه وإما إنها غير تامة، هذه العبارة يعني (الفصل الحادي عشر من المرحلة الثامنة) (فقد تبين أن لكل فاعل) يعني فاعل علمي واقع في صراط التكامل بالبيان الذي تقدم (لكل فاعل غاية في فعله) لماذا يقول … حتى نخرج الحق سبحانه وتعالى، وإلا الله فاعل علمي أو ليس فاعل علمي؟ يفعل لغاية هو فاقد لها أو غني عن العالمين؟ ومن هنا قال الأشاعرة قالوا إذن الله يفعل لا لغاية، مشكلتهم هنا، لماذا تورطوا في أن الحق لا غاية له، قالوا: لأنه إنما يسعى الموجود للوصول إلى غاية فاقد لها والمفروض أنه فاقد لشيء أو ليس بفاقد؟ إذن الحق لا غاية له.

المعتزلة قالوا: نعم، له غاية ولكن الغاية لفعله لا لذاته، (خلقت الجن والإنس ليعبدون) العبادة ليست غاية الفاعل بل غاية الفعل، وكلاهما باطل، وتحقيقه في محله.

ولكن عندما ترجع إلى شرح التجريد يقول ذكر الأشاعرة كذا وذكر المعتزلة كذا والحق مع المعتزلة.

نحن نسأل أن الفاعل ما هي غايته، أنت تجعل لي غاية للفعل، بينك وبين الله هذا جواب عن السؤال. نحن نسأل أن الله له غاية أو ليس له غاية، بتعبيرنا العرفي المعتزلة ضحكوا على الأشاعرة، قالوا له غاية ولكن للفعل، وهذا ليس بجواب، لأنه هذا معناه إذن له غاية أو ليس له غاية، وهذه هي نظرية الأشاعرة، أنت عندما قلت أنه الغاية لفعله إذن هو له غاية أو ليس له غاية، وهذه هي نظرية الأشاعرة. على أي الأحوال.

ارجع:

فقد تبين أن لكل فاعل غاية في فعله وهي العلة الغائية للفعل وهو المطلوب. العلة الغائية ما هي؟ هي التي تحرك فاعلية الفاعل، فكيف يمكن أن تكون الغاية التي هي متأخرة بمراتب أن تكون علة … ولذا في (ص182) يقول: (وأما قولهم أن العلة الغائية علة فاعلية لفاعلية الفاعل فكلام لا يخلو عن مسامحة) بحث طويل كان عندنا مع السيد العلامة هناك، وهو أنه كيف أنت تصور لنا أن الغاية هي العلة الغائية والعلة الغائية هي علة فاعلية لفاعلية الفاعل، هذا يلزم منه أن يكون المتقدم متأخر والمتأخر متقدم.

هذا الإشكال يبقى إلى غد.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات