الأخبار

المحاضرة (72)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في نظرية الاقتران أو القرن الأكيد التي أشار إليها سيدنا الشهيد، قلنا بأن هناك أصلاً انطلق منه السيد الشهيد ورتب على هذا الأصل قانونين وجدانيين.

الأصل هو أنه الإنسان إذا واجه شيئاً وحقيقة من حقائق هذا العالم فأنه ينطبع في ذهنه ويأخذ صورة ذهنية منه وهو المعبر عنه بالوجود الذهني. ورتب على ذلك بأنه إذا رأى ما يشابه ذلك ينتقل من الشبيه إلى الشبيه وهو القانون الأول. وكذلك إذا اقترن بذلك الشيء شيء آخر وإن لم يكن شبيهاً له فإذا اقترن بنحو مخصوص أيضاً ينتقل في ظروف خاصة من المقارن إلى المقارن. هذا هو الأصل وهذان هما القانونان اللذان تقدم الكلام عنهما في الدرس السابق. ثم حاول بيان أن عملية الوضع وأن العلقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى هي توسعة للقانون الثاني الذي أشرنا إليه، لا هو تطبيق من تطبيقات الأصل ولا هو مصداق وتطبيق من تطبيقات القانون الأول، بل هو تطبيق ومصداق من مصاديق القانون الثاني. ما هو القانون الثاني بنحو الإجمال كما أشرنا هو أنك إذا رأيت الأسد مراراً ورأيت أنه يصدر منه صوت مخصوص، هذا الذي تسميه الزئير، أو رأيت الحمار وصدر … أو رأيت أنه يصدر منه صوت مخصوص الذي نعبر عنه بالنهيق بحسب اللفظ، ولكنه كلما وجد هذا الحيوان وصدر منه صوت يصدر هذا الصوت المخصوص سواء كان الأسد أو الحمار أو الحصان أو العصفور ونحو ذلك. ومن الواضح ما هي العلاقة القائمة بين الزئير وبين الأسد، من الواضح ليست إلا علاقة المقارن بالمقارن، فإذا سمعت صوتاً كزئير الأسد تقول يوجد هناك أسد، كيف انتقلت من الصوت إلى صاحب الصوت؟ للاقتران الموجود بين الزئير وبين الأسد، ولم تنتقل من المشابه إلى المشابه.

السيد الشهيد يقول هذا القانون الثاني وهو القرن بين الصوت وبين الموجود، هذا القانون الثاني توسع فيه الإنسان فوضع أصواتاً خاصة وهو الألفاظ، لأن الألفاظ ما هي، الكلام ما هو؟ مجموعة أصوات خاصة تخرج بطريقة مخصوصة. هذه الألفاظ الخاصة قرنها بمعانٍ خاصة قرناً أكيداً في ظرف معين، عند ذلك وجدت العلقة لأن المفروض أن القانون الثاني قانون اعتباري أم قانون تكويني؟ ذكرنا في البحث السابق أن القانون الأول والقانون الثاني من القوانين التكوينية الوجودية، فالواضع يوجد مصداقاً لهذا القانون التكويني، النتيجة ما هي؟ أن العلقة بين اللفظ والمعنى تكون علقة اعتبارية أو علقة واقعية تكوينية؟ أتصور بأنه … ولذا بعد ذلك سيبين السيد الشهيد عندما يأتي إلى مميزات نظريته في القرن الأكيد، يقول نظريتنا تختلف عن نظرية الأصفهاني فإن نظرية الأصفهاني عملية الوضع فيها تنتج علاقة اعتبارية بين اللفظ والمعنى ولكنه نحن نقول تنتج علاقة وجدانية تكوينية وجودية بين اللفظ وبين المعنى.

ولأجل مراجعة هذا البحث يراجع (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص82) يقول: (ولما كان قد اعتاد) أي الإنسان (أن ينتقل من الأصوات) يعني كالزئير والنهيق وكأي صوت آخر (من الأصوات إلى أسبابها على أساس الاقتران الخارجي بين الشيء وبين الصوت الذي يخرج منه، فقد اتجه إلى توسيع نطاق الاستفادة من الأصوات واستخدامها في مجال تفهيم الآخرين أيضاً. باستخدام القانون الثاني) ما هو القانون الثاني؟ الانتقال من المقارن إلى المقارن لا من الشبيه إلى الشبيه. (عن طريق جعل لفظ أو صوتاً مخصوص مقترناً ومشروطاً بمعنى مخصوص اقتراناً أكيداً ناشئاً من التكرار أو نتيجة …) هذا مرتبط بالتعيين والتعين وله بحث آخر (وهكذا تولدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان وبدأت تتكامل وتتوسع من صيغ بدائية محدودة إلى صيغ متكاملة أكثر شمولاً واستعمالاً واستيعاباً للألفاظ والمعاني).

هذا هو حقيقة الوضع، وهو ماذا؟ وهو أن يوجد مصداقاً لقانون تكويني. عند ذلك تتحقق نتيجة عملية الوضع، العلاقة بين اللفظ والمعنى تكون علاقة واقعية أو اعتبارية؟ تكون علاقة واقعية غير قابلة للانفكاك بين اللفظ وبين المعنى. (هذا هو حقيقة الوضع فالواضع بحسب الحقيقة يمارس عمليه الإقران بين اللفظ وبين المعنى).

المورد الثاني (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص101) قال: (ثم أصبح البشر بالتدريج) من خلال ذلك الأمر الوجداني والقانون الثاني (متعوداً على دلالة الأصوات على المعاني) ولكن تلك الأصوات كانت دالة على أمر خارجي وهنا يجعل الصوت دالاً على أمر خارجي أو على أمر ذهني؟ على أمر ذهني. وعلى الاستفادة من قانون المقارنة لا من قانون المشابهة (فأصبحت الذهنية البشرية مهيأة للوضع بمعنى إقران لفظ بمعنى في الذهن للدلالة عليه).

إلى هنا تحصل ما هو مارد السيد الشهيد من نظرية القرن الأكيد، في جملة واحدة السيد الشهيد في المقام الأول من البحث وهو عرض النظرية يقول: أن هناك مجموعة من القوانين التكوينية التي خلقها الله في وجود الإنسان ليست بجعل جاعل، والواضع يستعين بإحدى أو ببعض هذه القوانين لإيجاد العلقة بين اللفظ وبين المعنى.

المقام الثاني من البحث: وهو ما هي الخصوصيات التي تترتب على هذه النظرية؟

يشير السيد الشهيد إلى خصوصيات ثلاث لنظريته تمتاز عن باقي النظريات:

الخصوصية الأولى: أن محصول وثمرة هذا القران والقرن بين اللفظ والمعنى هي الدلالة التصورية وليست الدلالة التصديقية، وبهذا تمتاز نظريته عن نظرية التعهد. إذن لو سألنا سائل ما الفرق بين نظرية التعهد ونظرية القرن الأكيد؟ الجواب: أن محصول نظرية التعهد الدلالة التصديقية ومحصول وثمرة وفائدة ونتيجة نظرية القرن هي الدلالة التصورية. وعلى هذا الأساس فمن أين سمع هذا اللفظ يتبادر ذهنه على المعنى، ولا حاجة له أنه يكون هناك قصد تفهيم المعنى أو لا يكون.

في (تقريرات الهاشمي، ج1، ص82) و (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص103) يقول: (أن الدلالة التي تتحقق بالوضع دلالة تصورية دائماً ولهذا لا فرق في انتقال السامع إلى المعنى بين أن يسمعه من لافظ ذي شعور أو من جهة غير شاعرة كالجدار لأن الاقتران الأكيد …).

الخصوصية الثانية التي يشير إليها: أن عملية الوضع هنا عملية تكوينية وبهذا تمتاز عن نظرية المحقق الأصفهاني الذي يرى أن العلقة بين اللفظ والمعنى علقة اعتبارية. هذا فارق مهم، إذن لو سألنا سائل ما هو الفارق بين نظرية القرن الأكيد ونظرية المحقق الأصفهاني؟ الجواب: أن نظرية الأصفهاني تقول أن العلقة بين اللفظ والمعنى علقة اعتبارية أما هنا السيد الشهيد يقول علقة وجودية تكوينية. أيضاً يرجعون إلى نفس المواضع (تقريرات الهاشمي، ج1، ص82) و (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص102) يقول: (إن الوضع ليس مجعولاً من المجعولات الإنشائية وإنما هو أمر تكويني) وبهذا تمتاز هذه النظرية عن نظرية الاعتبار للمحقق الأصفهاني إذن تمتاز عن نظرية التعهد بأمر وتمتاز عن نظرية الاعتبار بأمر.

الخصوصية الثالثة: وهي خصوصية تقريباً اتفق الجميع عليها وليست من اختصاصات هذه النظرية، وهي أن هذا الانتقال من اللفظ إلى المعنى لا يكون إلا لمن علم بالعلقة الوضعية بين اللفظ وبين المعنى، وإلا إذا كان هناك إنسان جاهل بعملية أو بالعلقة بين الوضع والمعنى فلا معنى للانتقال من اللفظ إلى المعنى، لماذا؟ لأن القوانين التي أشرنا إليها قوانين مرتبطة بعالم الذهن، يعني القرين والقرين بحسب عالم الذهن، المشابه والمشابه بحسب عالم الذهن، فلهذا من لم يعلم بعملية أو ارتباط اللفظ بالمعنى لا معنى للانتقال.

(ويستخلص مما سبق توقف فعلية الدلالة الوضعية على العلم بالوضع لأنه إنما تتحقق الدلالة بالإشراط والاقتران فلابد وأن يعيش الشخص ذهنياً حالة الإشراط والاقتران بين اللفظ وبين المعنى).

هذا هو المقام الثاني من البحث.

المقام الثالث من البحث: وهو أنه هل أن هذه النظرية وهي نظرية القرن أو الإقران بين اللفظ والمعنى بهذه الخصوصيات التي أشار إليها السيد الشهيد هل هي تامة وكاملة أم أنها ليست كذلك؟

هنا استميح الأخوة عذراً أن هذا البحث سوف يتأخر إلى أن أوضح ما أنا بصدد إيضاحه وهو أنه في النتيجة ما هو الحق في المسألة، لأنه نحن إلى الآن اتضح لنا أن نظرية المحقق العراقي لا يوجد فيها إشكال أساسي، قد تحتاج إلى بعض الترميمات ولكنه أصل النظرية وقوام النظرية والإطار العام للنظرية لا يوجد فيها إشكال، ويتذكر الأعزاء تفصيلاً قلنا لا يوجد وكل الإشكالات التي ذكرتها عنها أجبنا عنها ودفعنا.

وكذلك عندما وقفنا عند نظرية المحقق الأصفهاني وهي نظرية الاعتبار أيضاً قلنا أنه لا يمكن أن يرد عليها أي إشكال أساسي، فنظرية الاعتبار نظرية لا خدشة فيها.

ثم انتقلنا إلى نظرية التعهد لسيدنا الأستاذ السيد الخوئي هناك أيضاً قلنا أن هذه النظرية بحسب الظاهر لا مشكلة فيها إلا أنها وقع فيها خلط بين الوضع وبين الغرض المترتب على الوضع. وإلا مشكلة أخرى لا توجد في هذه النظرية وكل الإشكالات التي ذكرت إما من حيث الصيغة أو بشكل آخر كلها دفعناها.

أما النظرية الرابعة وهي نظرية الاقتران الآن أقول للأعزاء بنحو الفتوى وسيأتي بيانه، أن نظرية الاقتران أيضاً نظرية صحيحة بحسب ما أشارت إليه هذه النظرية وهي أن وضع اللفظ للمعنى استفادة من القوانين التكوينية الموجودة، لم يخالف أحد بعد السيد الشهيد أن هذا الكلام كلام صحيح، لأنه قضية وجدانية واقعاً أنه إذا قرن شيئان أحدهما بالآخر قرناً مخصوصاً فأن الإنسان إذا انتبه إلى أحدهما ينتقل إلى الآخر. أمر وجداني لا يحتاج إلى مزيد برهان ومؤونة كثيرة.

إذن ما هو الحق في المقام؟

قليلاً سنقف عند هذه النقطة ليتضح جيداً … لا فقط في هذا المورد كما عودنا الأعزاء أحاول أن أُأصل لهذه القضية حتى تنفعنا في موارد أخرى، وكم وجدت نظيراً لذلك، أولاً أنا أشير إلى مثالين وبعد ذلك انتقل إلى محل الكلام، يعني من الآن سنختار في النظرية المختارة في حقيقة الوضع، هذه العملية وهي اللغة في حياة الإنسان، ما هي؟ كيف وجدت؟ ما هي حقيقتها؟ ما هي النتائج المترتبة عليها؟ ما هو الغرض من … ونحو ذلك كل هذه نريد ضمن هذه العملية أن نفهمها.

في اعتقادي بنحو الإجمال: وهي أن عملية الوضع وعملية ارتباط الألفاظ بالمعاني وبشكل معاني ظاهرة اللغة في حياة الإنسان، واحدة من أهم الظواهر التي يعيش معها الإنسان إذا يتذكر الأعزاء بحسب تقسيم السيد الطباطبائي الظواهر أو الأمور الاعتبارية ما قبل الاجتماع والأمور الاعتبارية ما بعد الاجتماع من أهم الظواهر التي تحكم حياة الإنسان الاجتماعية هي ظاهرة اللغة. ولعله لا أبالغ إذا قلت أن اللغة أهم ظاهرة في حياة الإنسان ولكن مع الأسف الشديد أننا لم نهتم بهذه الظاهرة وأن هذه الظاهرة ما هي حقيقتها وما هي قوانينها وما هي كيفية تكاملها وتطورها، مع أنه أساساً كل شيء مرتبط بظاهرة اللغة، بينك وبين الله أنت تريد أن تتعامل مع الله، الله يريد أن يتعامل معك، تريد ان تتعامل مع إمامك، إمامك يريد أن يتعامل معك، تريد أن تتعامل مع مجتمعك، مجتمعك يريد أن يتعامل معك. الجميع والجميع إنما يتعاملون بعضهم مع بعض من خلال اللغة. لا شيء آخر. فإذا لم نفهم هذه الحقيقة بشكل واضح، إذن ماذا يحصل لنا، واقعاً كثيراً ما نخطأ مرادات المتكلم وماذا يريد أن يوصل لنا. ومن هنا الحق والإنصاف أن اللغة تحتاج إلى علم مخصوص بها وهو علم اللغة. ما هي هذه الحقيقة؟ وإلا أنت كيف أساساً هذا الذي يعبر عنه الآن في نظرية المعرفة في العصور المتأخرة وهي نظرية تعدد القراءات، هذه واحدة من الأمور المرتبطة بظاهرة اللغة في حياة الإنسان، أنه أساساً هل يحق أن نقدم قراءات متعددة لنص واحد، أو أنه لكل نص قراءة واحدة، أي منهما؟ هناك معركة، وعلى أساس ذلك نكفر بعضنا بعضاً، فيها آثار عقائدية وآثار فقهية، لأنه قد يأتي شخص ويقدم قراءة تنافي مسلمات اعتقادك، يعني ضروريات المذهب، فتخرجه عن المذهب. قد تنافي ضروريات الدين فتخرجه عن الدين، وقد تتهمه وتحكم عليه بأنه مرتد فطري. فيجب ماذا … القضية ليست بالبساطة التي نتصورها وهذه المعركة قائمة أعزائي. شئنا أم أبينا، رفعنا رؤوسنا لنرى هذه المعركة أو صرنا كالنعامة فوضعنا رؤوسنا في التراب هذه المعركة موجودة في الخارج، وهي أنه النص الديني الآن معركتنا في النص الديني يعني في القرآن وفي النصوص النبوية وفي النصوص الصادرة عن الأئمة عليهم السلام التي بالنسبة لنا تعد كالنص النبوي الصادر من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. أساساً هذه النصوص هل صممت من قبل واضعها ومن قبل منشئها ومن قبل مبينها صممت بنحو تكون لها قراءة واحدة قد تصيبها وقد تخطئها أو لا، أساساً صممت أنها تتحمل في كل زمان قراءة … أي منهما؟ من يستطيع أن يجزم بأنها هي النظرية الأولى، طبعاً يكون في علم الأعزاء، وهذا خارج بحثنا لأن هذه القضية مرتبطة بنظرية المعرفة ومن أعقد المسائل التي نعيشها في هذا الزمان، ولكن مع الأسف الشديد إلى الآن هذا البحث لم يأتِ كبحث علمي منهجي في حوزاتنا العلمية، وهو أن المولى سبحانه وتعالى عندما أنزل هذا القرآن بلسان عربي مبين هل صممه بنحو يحتمل قراءة واحدة فقط فكل قراءة غير تلك القراءة تكون باطلة وخاطئة. نعم، إذا كان متعمداً يكون مؤآخذاً وإذا كان مشتبهاً وقاصراً يكون معذوراً.

هكذا أم لا؟ يعني أن المصمم والمهندس الذي أوصل أو بين لنا هذا النص أنشأ هذا النص، هذا الكلام الإلهي صمم تصميماً يحتمل في نفسه قراءات متعددة طولية وعرضية، يعني ماذا طولية وعرضية؟ العرضية يعني في زمان واحدة ضمن ظروف موضوعية واحدة وشروط فكرية وثقافية هذا يقدم قراءة للنص وذاك يقدم قراءة أخرى، هذه القراءات قراءات عرضية، أما الطولية أساساً الظروف الاجتماعية والظروف الفكرية والظروف الثقافية والظروف الاقتصادية هذا البناء كله تبدل، سوف يعطيك قراءة غير القراءة السابقة هذه القراءة نعبر عنها قراءة طولية في قبال القراءة العرضية، أي منهما؟ مصمم على النحو الأول أو مصمم على النحو الثاني؟ فقط للفتوى وللاطلاع: جملة من المحققين الذين جاءوا إلى نظرية أن لهذا القرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن وإلى سبعين بطناً، قالوا هذه مرتبطة بنظرية تعدد القراءات، وليس المراد من البطن يعني البطن في عالم الملكوت، لا، بالنسبة إلى صدر الإسلام كان هناك ظاهر يعني كانت هناك قراءة، أما القراءات الأخرى في صدر الإسلام لم يكونوا يلتفتون إليها، فبالنسبة إليهم كانت باطن، ولكن نفس ذلك الباطن في ذلك الزمان في زمان آخر ينقلب إلى ظاهر. فقضية الظهور والبطون قضية نسبية وليست قضية مطلقة. طبعاً النظرية المشهورة في الظهور والبطون تقول أن البطون مرتبط بعالم التكوين والظهور مرتبط بعالم الظهور، ذاك مرتبط بعالم الملكوت وهذا مرتبط بعالم الألفاظ والقراءة.

أعزائي مسألة اللغة وظاهرة اللغة في حياة الإنسان من المسائل الأساسية وعلى أساسها أنت تستطيع أن تعين الطريق والقناة التي من خلالها تتعامل مع النص الديني بالمعنى الأعم بسواء كان نصاً دينياً قرآنياً أو نصاً دينياً نبوياً أو نصاً دينياً ولوياً.

ارجع إلى محل الكلام.

أنا معتقد بنحو الإجمال أن هذه الظاهرة وهذه العملية توجد فيها عدة حيثيات وعدة أبعاد من قبيل أن هذا الشيء، انظروا إلى هذا الشيء أمامي هذا الشيء يمكن أن تكون فيه عدة أبحاث، مرة أسأل عن حجمه ومرة أسأل أنه من الحجر أو من الورق، مرة أسأل عن كونه مادي أو غير مادي. وهذه الأسئلة المتعددة مرتبطة بأشياء متعددة أو مرتبطة بشيء واحد؟ مرتبطة بشيء واحد ولكن هذا الشيء الواحد يمكن السؤال عنه بأبعاد متعددة وحيثيات متعددة فإذا كان للشيء أبعاد متعددة وحيثيات متعددة وإن كان لعله في الواقع الخارجي هو شيء واحد. هنا إذا تعددت الحيثيات الأسئلة التي نسألها عن الشيء تكون واحدة أو متعددة؟ ولذا أنتم قرأتم في علم المنطق بشكل تفصيلي أنه قد نسأل عن الشيء بـ (هل هو). وقد نسأل عنه بـ (لم هو) وقد نسأل عنه بـ (كم هو) وقد نسأل عنه ـ (أين) وقد نسأل عنه بـ (متى). سؤال: أنه لماذا نسأل عن الشيء بأسئلة متعددة مع انه في الواقع هو شيء واحد؟ الجواب: لأن هذا الشيء في أبعاد متعددة وفيه حيثيات متعددة فبكل سؤال من الأسئلة أريد أن اكتشف نقطة مظلمة أو غير واضحة بهذا السؤال أريد أن أجعلها واضحة. فإذا سألنا بسؤال هل هو ولم نسأل بسؤال لم هو قد يتضح لي بعد ولكن الأبعاد الأخرى للشيء تبقى مبهمة وتكون غائمة.

أنا معتقد أن عملية الوضع وبعبارة أدق أن ظاهرة اللغة فيها أبعاد متعددة وكل بعد من هذه الأبعاد يوجب علينا السؤال عنه بمقتضى تلك الحيثية وبطبيعة الحال عندما تتعدد الحيثيات وتتعدد الأسئلة تكون الأجوبة واحدة أو متعددة؟ لأن هذا يسأل عن شيء وذاك يسأل عن شيء آخر. إذن السؤال عن الجواب الأول شيء والجواب عن السؤال الثاني شيء ثانٍ.

أنا أتصور أن الأعزاء اتضح لهم ما أريد أن أقوله في هذا، وهو أن أعلامنا قدس الله أسرارهم أن كل واحد منهم نظر إلى هذه الظاهرة من زاوية معينة ومن حيثية معينة وأغفل باقي الحيثيات والزوايا، فعندما أجاب ذاك أجاب شيء آخر.

من باب تلطيف الأجواء: مولوي في هذه المنظومة، مولوي في هذه الأبيات الشعرية الغريبة العجيبة العرفانية، يقول أن مجموعة من النمل في ليلة ظلماء وقعوا على فيل، فمجموعة من النمل وقعت على اذنه ومجموعة ثانية وقعت على خرطومه ورابعة وقعت على بطنه وأخرى وقعت على ذيله، فبدأ كل واحد يسأل الآخر أنت أين؟ يقول أنا الآن أعيش في حالة من الخرطوم، قال له: كذاب، أين الخرطوم مسطح لأنه يعيش على الظهر أو على الأذن وهذه مسطحة فمولانا وقع النزاع بينهم ليلاً إلى الحراب فيما بينهم، ذاك يقول له أنت كافر وذاك يقول له أنت كافر، ذاك يقول له اسطواني وذاك يقول له مسطح، هذا يقول له مدور وذاك يقول له كذا … وإذا أصبح الصباح عليهم وجدوا من قال بالمسطح معه حق ومن قال أسطواني كان معه حق ومن قال أنه مدور كان معه حق. ولكن كل واحد كان ينظر إلى الشيء من خلال المكان الذي هو عليه. ذلك مبلغهم من العلم. لا أريد أن أدخل في نظرية المعرفة. تقول لي سيدنا … الكل صحيح. لا لا أبداً، القضية أعمق من هذا بكثير.

أنا أتصور بأن الأعلام الأصوليين بأنهم وقعوا على الفيل وكل واحد منهم على جانب، هذه الظاهرة فيها أبعاد ثلاثة أو أربعة، المحقق العراقي سأل سؤالاً وبين حيثية من حيثيات ظاهرة الوضع. والمحقق الأصفهاني أشار إلى حيثية أخرى. والمحقق والسيد الخوئي أشار إلى حيثية ثالثة، والسيد الشهيد أشار إلى حيثية رابعة. والكل على حق ولكن لا على انفراد وإنما المجموع هو الحق. يعني لو كنا نحن فقط وقول المحقق العراقي كلامه حق من وجه وتام من وجه وناقص من وجوه أخرى. وهكذا المحقق الأصفهاني كلامه تام وحق من وجه وناقص من وجوه أخرى، وهكذا كلام السيد الشهيد وهكذا كلام السيد الخوئي.

الآن إذا تسمحوا لي تطالعون هذا المورد لأن له مثل هذا المثل استعمله أين؟ في مباحث العلم الإجمالي، في مباحث العلم الإجمالي عندنا مشكلة مرتبطة بحقيقة العلم الإجمالي، لا يوجد إنسان إلا عندما تقول له علم إجمالي المفهوم واضح في ذهنه، ولكنه على القاعدة الأصوليون قالوا أساساً تحليل العلم الإجمالي أصلاً محال، لأن فيه تناقض، كيف في تناقض؟ قالوا أنت تقول علم، يعني نور أو ظلمة؟ نور. وضوح أو إبهام؟ وضوح. الإجمال هو الإبهام. كيف يكون مبهم وغير مبهم. أصلاً هذا الكلام معقول؟! غير معقول. ما معنى قولهم علم إجمالي. من هنا دخلوا في تحليل هذه الظاهرة، ما هي هذه الظاهرة؟ حقيقة العلم الجمالي ما هي؟

وجدت نظريات ثلاث، ومعركة قائمة بين الأصوليين ورتبوا كثيراً من أحكام وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية رتبوها على بيان حقيقة العلم الإجمالي، أصلاً العلم الإجمالي ما هو، كما هنا بحثوا أن نظرية الوضع تنتج الدلالة التصديقية أو تنتج الدلالة التصورية، هل هي أمر اعتباري أم هي أمر وجودي، إذن ليست القضية هكذا بحث تجردي أو بحث نظري أو بحث ترفي، لا ليس بحث ترفي، بل فيه آثار تترتب عليه.

هذا إن شاء الله تعالى أنا في يوم غد أبين لكم المثال حتى لا يصير أعقد من الممثل، أبين لكم المثال وأبينه بنحو الإجمال ثم أرجع إلى محل الكلام لنرى ما هي التساؤلات المرتبطة بظاهرة اللغة في حياة الإنسان وأن كل علم من هؤلاء الأعلام أشار إلى جهة دون جهات أخرى.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات