الأخبار

المحاضرة (79)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

اتضح مما سبق بأن المفاهيم التي تأتي إلى الذهن في عالم العلم الحصولي أن هذه المفاهيم أعم من أن تكون كلية أو جزئية، والمقصود من الجزئية هي المفاهيم الخيالية أو الحسية. والفارق بين الكلي والجزئي وإن كان المشهور في الكلمات والمتداول في الكلمات أن الكلي هو الذي ما لا يمتنع صدقه، والجزئي ما يمتنع صدقه، هذا هو المتداول من الأخطاء الشائعة.

المفهوم بما هو مفهوم قابل للصدق، لا معنى … هذه قاعدة اعتبروها عقلية أو فلسفية في نظرية المعرفة … ما يصطلح عليه بأنه مفهوم فهو قابل للصدق، في قبال ما هو موجود يمتنع الصدق. إذن لا معنى لأن يقال … نعم، في أوائل الطريق نقول الكلي ما لا يمتنع، والجزئي ما يمتنع. لا لا. حتى مفهوم زيد عندما يأتي إلى الذهن يكون قابلاً للصدق على كثيرين. نعم، في حالة واحدة يمتنع صدقه على كثيرين وهو أنه لو صارت فيه إشارة حسية إلى الخارج عند ذلك … وإذا امتنع امتناعه من قبيل الوصف بحال متعلق الموصوف لا بحال نفس الموصوف. لا أن المفهوم يمتنع، المفهوم هنا امتنع بسبب ارتباطه بالواقع الخارجي.

إذن ما هو الفرق بين الكلي الجزئي؟

الجواب: المراد من الكلي هو المفهوم الذي لا توجد فيه لا طول ولا عرض ولا شكل ولا خصوصية أبداً، إنسان ما هي خصوصية الإنسان؟ لا توجد أي خصوصية. أما عندما تقول زيد عمرو خالد، ففيه خصوصيات فردية. إذن المفهوم الكلي ما لا توجد فيه خصوصية. والمفهوم الجزئي ما توجد فيه خصوصية. وبعبارة أخرى أن المفهوم الكلي هو الحاكي عن الجامع وراء الخصوصيات، المفهوم الجزئي هو الحاكي عن الخصوصيات. وإلا ليس الفرق بينهما أن أحدهما يمتنع والآخر لا يمتنع. هذه نقطة كقاعدة وأقوله باعتبار أنكم تعلمون أنتم من أول ما تدخلون تعريف علم الأصول إلى آخر ما تنتهون من بحث التعارض أنتم تعيشون مع هذه المفاهيم والاصطلاحات، فلا تتعاملون معها تعامل المبتدأين، يعني تتعاملون معها التعامل الموجود في منطق المظفر، منطق المظفر كتب لأول مرحلة، للصف الأول الابتدائي للمنطق. ولكن مع الأسف الشديد صار عندنا منطق المظفر للصف الأول والصف الخامس والكلية والدكتوراه والاجتهاد أيضاً كله منطق المظفر، مع أنه ليس هكذا، بينكم وبين الله الحلقة الأولى وخارج الأصول واحد، المعالم وخارج الأصول واحد؟ ولكن في المنطق صار هكذا، يعني منطق المظفر هو السطح وهو السطح العالي وهو الاجتهاد، وإلا عادة الذي يريد أن يتخصص في المنطق لا أقل في اعتقادي الشخصي ثلاث دورات يقرأ منطق المظفر ثم منطق الجوهر النضيد للعلامة ثم البرهان للشيخ، هذا القدر المتيقن أن يقرأ هذه الأمور الثلاثة.

وعلى هذا يتضح لنا أن المفاهيم كلية كانت أو جزئية مجردة عن المادة، ما معنى مجردة عن المادة؟ يعني لا توجد فيها خصائص المادة من المكان والزمان والتغير والتكامل والتحول والتغيير والتقشير، عبر عنه ما تشاء، هذه كلها لا توجد فيها هذه الأمور. وبهذا يتضح لكم نكتة إضافية وهي أن هذه المفاهيم من المحال عقلاً أن تكون مأخوذة من الأفراد الخارجية، لماذا؟ باعتبار أن الأفراد الخارجية مادية أو مجردة؟ مادية، وهذه المفاهيم مادية أو مجردة؟ مجردة، فإذا قلنا أنها مأخوذة من تلك يلزم أن يكون الأضعف وجوداً علة لما هو أقوى وجوداً. لأنه في مقام المقايسة بين المجرد والمادي أيها أقوى المجرد أم المادي؟ من الواضح أن المجرد أقوى من المادي. كيف يعقل أن يكون المعلول أقوى والعلة أضعف.

من هنا طرح هذا السؤال المركزي في نظرية المعرفة، وهذا الذي حير واقعاً الفكر البشري منذ 2500 سنة إلى يومنا هذا وسيبقى يحيره لا أعلم إلى كم سنة، وهو أنه من أين حصل الإنسان على هذه المفاهيم، اتضح أنه لا يمكن أن يحصل عليها من الخارج المادي، لا أن لا يحصل عليها من الخارجي، لا، من الخارج المادي. إذن من أين حصل عليها؟ طبعاً تنبع أهمية هذه المسألة أنه تترتب عليها مسألة مهمة أخرى وهي أنه ما هو ملاك الصدق في القضايا؟ ملاك الصدق في القضايا ما هو؟ هذا البحث سيأتي بعد ذلك.

في مقام الجواب هؤلاء قالوا بأن النفس عندما ترى هذه الأفراد الخارجية، يعني ترتبط بالواقع المادي من خلال الحواس، النظر والسمع … الحواس الظاهرية الإحساس اللمس الشم … سوف تكون هذه الارتباطات من خلال الحواس الظاهرية بالأمور المادية شرطاً معداً لكي ترتبط النفس بأمور أخرى. ومنها تحصل ما تحصل. إذن هذا المفهوم الكلي لم تأخذه النفس من الجزئيات وقشرته وألغت الخصوصيات فحصلت على المفهوم الكلي، لا أبداً. وإنما النفس لما كانت بأدواتها وحواسها ترتبط بالواقع المادي الخارجي. هذا سوف يكون شرطاً معداً (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) إلهي هذا الفلاح هو الذي يضع، يقول لا لا، هذا شرط معد حتى أفيض الوجود وإلا ليس هو الذي ينبتها ويحييها (يخرج الحي من الميت) ليس الزارع، الزارع ماذا فعل؟ هذه البذرة عندما كانت في المخزن غير متوفرة لاه الشرائط ولكن عندما وضعت في التراب توفرت لها الشرائط، شرائط ماذا؟ علل المعدة القابلية لإفاضة الوجود (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) أنتم كل ما يقوم به الرجل مع زوجه ماذا يفعل؟ هو أن ينتقل الماء من الصلب والترائب إلى الرحم والى قرار مكين, ولكنه أن يوجد هذا الموجود الذي الله سبحانه وتعالى بتعبيري وإن كان فيه سوء أدب عندما خلقه قال: عجيب أنا ما الذي خلقته ماذا فعلت (فتبارك الله أحسن الخالقين). هذه لم يقلها في مكان آخر إلا عندما خلق الإنسان. طبعاً المفروض هنا عندما قال (نطفة علقة مخلقة كسوناه لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر) لابد كان أن يقول (فتبارك الله أحسن المخلوقين) ولكن الله ماذا يقول هو يمدح الإنسان ولكن مدح نفسه لأنه هو الذي أوجد (فتبارك الله أحسن الخالقين) طبعاً يثبت أنه أحسن المخلوقين بقانون المشاكلة وبقانون الملازمة أيضاً في هذه الآية.

إذن النفس بهذه الأدوات والحواس ترتبط بالأمور المادية سمعاً شماً لمساً رؤية سماعاً فتتهيأ النفس، تتهيأ النفس بماذا؟ بأن ترتبط، بمن ترتبط؟ هذه النظرية تقول: أن لهذه الوجودات المادية وجودات مجردة في عوالم أخرى. تلك الوجودات المجردة يرتبط بها الإنسان فيأخذ منها ويتعرف على حقائق هذه الأفراد. إذن الذي يفيض الصور الكلية من؟ ذاك المبدأ الفاعلي، الذي هو الوجود المجرد لهذا الموجود، هو الذي يفيض علي صورة أو مفهوماً كلياً.

عند ذلك تنحل القضية لأن ذاك المبدأ الفاعلي علة أقوى وهذه الصور أضعف من تلك فذاك الفاعل وهذا … أنا أصير مبدأ قابلي لقبول تلك الصورة، بعبارة أدق، لأبين كلامهم بشكل واضح، بعبارة واضحة: يقول النفس بعد الارتباط بهذه الأمور المادية ترى حقيقة ومبدأ هذه الموجودات المادية، سموها أرباب الأنواع سموها مثل افلاطونية سموها بتعبير القرآن الكريم (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) إذن النفس ترتبط بهذا الشيء أو بخزائن الشيء؟ بخزائن الشيء. أي نحو من أنحاء الارتباط ترتبط بتلك الخزائن؟ ارتباط حضوري وليس ارتباطاً مفهومي. يعني تحضر عندها تلك الخزائن، النظرية فيها عمق لأنها من أهم النظريات المطروحة الآن في نظرية المعرفة عندنا … وإلا الغربيين مشكلة عندهم في قبول … خصوصاً إذا أنكروا المجردات، فلهذا أنكروا المفاهيم الكلية وقالوا لا يوجد عندنا مفاهيم كلية، وحقهم هذا، لماذا؟ عندهم فقط هذه المفاهيم التي هي المفاهيم الحسية المرتبطة بالحس لا أكثر من هذا. لأنه لا تفسير بناء على النظرية المادية للمفاهيم الكلية. النظرية الإسلامية قالت لا، هذه النفس ترتبط بل وترى خزائن هذا الشيء.

سؤال: هذه الخزائن موجود أو مفهوم؟ موجود. هذه الكلية من أين جاءت؟ يقولون: هذا الارتباط لما كان ارتباطاً ضعيفاً لا ارتباطاً قوياً فهو يرى الشيء من بعد وإذا رآه من بعد من قبيل أنك جنابك ترى شيئاً من بعيد في الواقع ترى شيء مخصوص ولكن لأنك لا تعرفه فيقبل الانطباق على الإنسان ويقبل الانطباق على الحيوان ويقبل الانطباق على الشجر أيضاً فتقول شيء، لا أن المرئي كلي، لا، المرئي شخصي بالعلم الحضوري، ولكن لأنك لم تره إلا من بعد فأنت يوجد عندك في ذهنك مفهوم كلي، ما معنى المفهوم الكلي بناء على ذلك؟ يعني أنه لم يميز متعلقه في الواقع الخارجي. لا أعلم هل استطعت أن أوصل الفكرة إلى الأعزاء، إذا لم استطع فهذا الوقت ذهب هباءاً.

مداخلة لأحد الطلبة: …

لا، ليس خيالاً، ما تقوله أنت يصير وهماً، ذاك ليس وهماً. تعالوا معنا إلى المثال لعله يتضح أكثر ، أنت عندما ترى شيئاً من بعيد هذا كلي أو جزئي؟ ولكن لماذا تقول ينطبق إذا لم تشخصه تقول يحتمل أن يكون إنسان ويحتمل أن يكون حيوان ويمكن أن يكون شجر، كيف يكون جزئي وقابل للانطباق على إنسان وحيوان وشجر؟ أين الإشكالية.

مداخلة لأحد الطلبة: …

غير مشخص ماذا يعني؟ يعني المدرَك كلي أو المدرَك كلي يصور عند نفسه؟ ليس المُدرَك كلي بل المدرَك موجود شخصي خارجي، ولكن لأنك لا تراه بكامل أبعاده فتصنع لنفسك مفهوماً قابل للانطباق على وعلى وعلى … وهذا الذي يقال ما يمتنع صدقه على كثيرين.

إذن بناء على هذه النظرية المشكلة والانقسام إلى – طبعاً في بعض فروض المسألة- الانقسام إلى الكلي والجزئي إنما مرتبط بالواقع الخارجي أو مرتبط المدرِك؟ المدرِك إن أدرك الشيء كاملاً بكل أبعاده فيحصل على صورة جزئية، أما إن لم يدركه من كل أبعاده فيصطنع فيصنع لها مفهوماً … هذا الذي نصطلح عليه بمفهوم الكلي. لا أن المدرَك كلي، لا لا، المدرَك حقيقي خارجي شيء واحد، حتى أقرب المطلب إلى أذهانكم إن شاء الله سيأتي في بحث العلم الإجمالي إذا وصلنا إلى هنا بإذن الله تعالى، هناك نقول عنوان أحدهما لماذا أنت توجد عنوان أحدهما الواقع الخارجي مشخص وهو أنه النجس واقعاً إما هذا وإما هذا، ولكن أنت تريد أن تعبر عن هذا المردد عندك، لا المردد في الواقع، في الواقع النجاسة مرددة؟ محال أن تكون في الواقع مرددة، هذه طاهرة جزماً وهذه نجسة جزماً، ولكنك لعدم العلم تعبر وتقول أحدهما، أين هذا أحدهما في الخارج؟ لا شيء في الخارج اسمه أحدهما. في الخارج هناك طاهر واقعاً ونجس واقعاً، في الكلي لا يوجد عندنا شيء له قابلية الانطباق، أنت ترى حقيقة من الحقائق وحيث أنك لا تستطيع أن تراها كاملة بكل أبعادها تصطنع لنفسك مفهوماً كلياً.

ومن هنا وجد العلم الحصولي، كيف وجد العلم الحصولي عند الإنسان؟ الإنسان وجد عنده العلم الحصولي ببركة العلم الحضوري ولكن ذلك العلم الحضوري كامل أو ناقص؟ واضح شفاف أو مغبر من الغبار؟ مغبر فأوجد لنفسه هذه المفاهيم.

هذا المعنى أعزائي صدر المتألهين في (الأسفار، ج1، ص288) في إشكالات الوجود الذهني، ولمراجعة هذا البحث في دروسي يبدأ من (درس 241 إلى درس 244) على الأقراص موجود هذا الدرس، وشرح الأسفار هذا إن شاء الله يقرر لأن الجزء الأول منه فقط يكون عشرة أجزاء. قال: (وتلك الذوات العقلية وإن كانت قائمة بذواتها متشخصة بأنفسها لكن النفس لضعف إدراكها) باعتبار أن ارتباطها بتلك الحقيقة ارتباط حضوري ولكن من بعدي، ضعيف، لأنها منغمسة في عالم المادة، يشغلها (أثقالتم إلى الأرض) (أخلد إلى الأرض) وهذا الاخلاد يعطيه مجال لأن يرتبط بالعالم الآخر أو لا يعطيه؟ نعم، في النوم قليلاً ينفك من هذا العالم فتجده يسيح في عالم المجردات، عالم ذاك الفضاء الآخر.

قال: (ولكن النفس لضعف إدراكها وكلالها في هذا العالم بواسطة تعلقها بالجسمانيات الكثيفة لا يتيسر لها مشاهدة تامة) وإلا يشاهدها مشاهدها حضورية كما الآن أنا أشاهدك، ولكن مشاهدة في عالم التجرد، وهذه مشاهدة في عالم الحس، وتلك مشاهدة في عالم التجرد، أنت الآن أمامي أقول فلان، هذا جزئي. أما إذا ابتعدت كيلو متر ووجدت شيئاً يتحرك هل استطيع أن أقول فلان؟ ماذا أقول؟ شيء، أترقى قليلاً وأقول حي، لماذا حي؟ لأنه يتحرك، ولكن حي لعله نبات لعله حيوان لعله إنسان، وإذا وجدت غيرها من الخصوصيات أقول هذا ليس نبات إما إنسان وإما حيوان، وإذا وجدته بشكل واضح يمشي على اثنين ولكن لا أعرفه من هو أقول زيد أو إنسان؟ ما هي المشكلة لماذا يتحول جزئي وكلي ونصف كلي؟ الجواب: لأن الرؤية غير واضحة، إذن الكلية والجزئية مرتبطة بأي نكتة؟ لا بالانطباق وعدم الانطباق، ولا بالخصوصية وعدم الخصوصية التي ذكرناها ثانياً، وإنما بوضوح رؤية المدرك وعدم وضوح رؤيته.

قال: (لا يتيسر لها مشاهدة تامة، بل مشاهدة ضعيفة وملاحظة ناقصة) ثم يضرب المثال الذي أشرنا (كإبصار في هواء مغبر من بعد أو كإبصار إنسان ضعيف الباصرة شخصاً فيحتمل عنده أن يكون زيداً أو عمرو أو بكراً أو خالداً أو يشك في كونه إنسان أو شجراً … والحاصل) هذه هي النظرية التي يؤسس لها الملة صدرا وبعد ذلك سيتضح إذا قرأتم عندنا التمهيد والفصوص يتضح أن منشأ النظرية هم العرفاء، كل هذه النظريات الحقيقية والتي له قيمة منشأه عند العرفاء، وإذا وجدتم شيء له قيمة في الفلسفة فهم عيال على العرفاء، حتى في أدق التفاصيل، هذا لا أدعيه أنا بل كل أساتذتنا يدعونه، لم أجد أحد يقول أن ملة صدرا أو غيره يوجد عنده مطلب غير موجود عند العرفاء لا أقل جذوره … عندما أقول عندهم يعني لا يتبادر أنه نقل النظرية، لا لا، بل مقصودي أن جذور النظرية موجودة هناك. (والحاصل أن النفس عند إدراكها للمعقولات الكلية) يعني المفاهيم الكلية، كيف تحصل على هذه المعقولات الكلية؟ تقول تشاهد ذوات عقلية مجردة، تشاهد لا أنها تعلم، ترى ولكن رؤية مجردة، كالرؤية التي تراها في النوم، فتلك الرؤية ليست بصرية … لأن الأعمى يرى رؤية ويرويها لك، فهو يرى، فتلك أي رؤية؟ تلك الرؤية الملكوتية المجرة ولا علاقة لها بهذا المعنى. أصلاً قد الأصم قد أنه يسمع في النوم، إذن ليست هذه، (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى).

يقول: (يرى ذواتاً عقلية مجردة لا بتجريد النفس إياها وانتزاعها معقولها من محسوسها كما هو عند جمهور الحكماء) لا يتبادر إلى ذهنك أن الإنسان يحصل المفاهيم الكلية المعقولة الكلية من تجريد المحسوس يقشره ويخرج منه كلي، لا أبداً. ليس من هذا، … يشير إلى بحث عميق وأنا أشير له على نحو الفتوى. في إدراك الكلي ليس الكلي ينزل إلى الإنسان فيحصل على علم كلي، بل الكلي لا يحصل إلا بصعود الإنسان إلى … ومن هنا بنى ملة صدرا الحركة الجوهرية، قال: أنا وأنت إلى الآن على المبنى المتعارف نقول العلم ينزل إلينا، هبطت إليك، أما على مبنى الحكمة المتعالية هبطت إليك أو ارتفعت إليها (إليه يصعد) ولذا عموم الناس حتى عموم العلماء غير الفلسفة والعرفان حتى عموم العلماء لا يدركون الكليات، يدعي هذا. بأي دليل؟ بدليل أنت تكلم معه في الأمور العامة الكلية بلا أمثلة قول مثل ماذا؟ فكلما تكلمت معه يسألك عن … هذا يدرك الكلي أو لا يدرك الكلي، وإلا لو أدرك الكلي فلا يحتاج إلى المثال. متى يحتاج إلى المثال، الطفل في عمر خمس أو ست سنوات هل تستطيع أن تتكلم بالمفاهيم الجزئية، كيف تستطيع أن تتكلم. بالمحسوسات تقول له أشتري لك مثل هذا، تقول له أشتري لك فلان …يعتني أو لا يعتني؟لا يعتني، لماذا، أين الإشكالية؟ الإشكالية لأنه لا تصور له عنها، أما عندما تأتي به إلى المحسوس وتقول له إذا نجحت أشتري لك واحدة مثل هذه، صار حساً فيؤثر. ونحن كثيراً صعدنا من أبحاثنا من المحسوس الخارجي إلى المفهوم الجزئي، فلهذا بمجرد أنتم في الأعم الأغلب، وأتصور أنكم لو ذهبتم إلى أولادكم تحسون هذه القضية 99% منهم ينزعجون من درس الرياضيات، ما هي مشكلة الرياضيات، لماذا؟ بحث تجريدي غير مرتبط بالواقع الخارجي. 99.99% يهربون من الفلسفة، فبدل أن يقول لا أفهم يقول لا تنفع. هذا المثل العراقي عندنا (ما ينوش العنب …) المشكلة هناك، هو لا يفهم، ولهذا تجدون بأن الفلاسفة في كتبهم هذه النقطة يركزون عليها، يقول هذا العلم لا يصلح له إلا من كان عنده لطف قريحة. إلا من تكون عنده عناية. طبعاً ملة صدرا يقول وأنا أوافقه أو لا ذاك بحث آخر، ملة صدرا يعتقد أن الناس ليسوا سواسية، ليسوا أفراد نوع واحد وإنما الناس أنواع جنس واحد، ونوع الحكماء يختلف عن نوع غيرهم. غيرهم أحذف المتعلق وإلا هو ذكر من هم.

إذن أعزائي ارجع إلى بحثي، إدراك الكليات … ينقل شيخنا الأستاذ شيخ جوادي يقول أنا سألت السيد الطباطبائي قلت له وصلت إلى أنك تدرك الحقائق المرسلة؟ الحقائق المرسلة يعني الكليات، قال: لا في جميع الأوقات، بعضاً وبعض. ولذا أنت الآن جرب نفسك وأدخل إلى وجدانك أي مفهوم كلي تريد أن تفهمه إذا لم تأت بمثاله لا تدركه. أجلس مع نفسك أي مفهوم، مفهوم الشجر مباشرة يأتي شيء له أغصان ولكنه غير شجر معين، ولكن لا تستطيع أن تفهم مفهوماً عاماً، بل تفهم المفهوم من خلال الأمثلة.

إذن مفاهيم الكليات التي تأتي لا تأتينا من خلال تجريد المحسوسات وتقشير المحسوسات، هذا المعنى الأعزاء إذا أرادوا الرجوع إليه في (نهاية الحكمة، المرحلة الحادية عشر، العقل والعاقل والمعقول، الفصل الأول، ص239) يقول: (فالمعلوم عند العلم الحصولي) فالمعلوم بالعلم الحصولي، المعلوم بأي شيء (بأمر له نحو تعلق بالمادة) يعني إذا أردت أن تعلم بشيء له فرد مادي، المعلوم ليس هو هذا المادي وقد جرد، هو موجود مجرد، المعلوم بالذات، المعلوم بالذات من هو؟ ليس المحسوس المجرد والمقشر. هذا المعلوم بالعرض. وبعد ذلك سيتضح هذا ليس معلوم بالعرض، هذا معلوم بالعرض لا معلوم بالعرض وسيأتي بحثه.

الآن على التصور الموجود أن هذا الموجود في ذهني أن هذا معلوم بالعرض وهذا معلوم بالذات، هذا المعلوم بالعرض معلومه بالذات لم يأت من هنا، معلومه بالذات موجود مجرد هو مبدأ فاعلي لذلك الأمر المجرد. يحضر بوجوده الخارجي للمدرك وهو علم حضوري.

إن قلت: إذا كان الأمر إذن لماذا أنا لا أدركه كاملاً. قال: (لأنه مدرك من بعيد)، هذا الذي قرأناه تفصيله … ولكن تفصيل ذلك البحث السيد الطباطبائي في (الأسفار، ج1، ص286) في حاشية (ص284 – 286) حاشية مهمة جداً، ولذا نحن قلنا أن من لا يفهم هذه الحواشي في الأسفار لا يمكن أن يدرس النهاية، النهاية عموماً هي عباراته التي حشى بها على الأسفار. يقول: (ثانيتهما أن معلوم هذا العلم) يعني المعلوم بالذات (هو الخارج المكشوف عنه هل هو المصداق المادي مثلاً والنفس تجرده عن العوارض المادية بعض التجريد فيحصل المفهوم الجزئي أو تمام التجريد فيحصل المفهوم الكلي كما هو المشهور) هذا هو المعلوم بالعلم الحصولي (أو أنه موجود مثالي أو عقلي تام الوجود قائم بنفسه والنفس إذا اتصلت من طريق الحواس نوعاً من الاتصال بالخارج المادي استعدت لأن تشاهد ذلك الموجود المجرد). فإذن الاتصال بالخارج ما هو؟ هو العلة لوجودها أو شرط معد لتحقق تلك الكليات والمفاهيم. أما المشهور فقال ماذا قال، أن الواقع الخارجي ما هو؟ علة موجدة ولكن بعض التقشير الجزئي يصير جزئي وبعد التقشير الكلي يصير مفهوم كلي. يقول: (لأن تشاهد هذا الموجود المثالي أو العقلي في عالمه) في أي عالم؟ عالم المجرد، إذن لا أن لمجرد يأتي إليك. وهذا معنى أنه كلما ازداد الإنسان علماً ازداد – بناء على الحكمة المتعالية- ازداد عروجاً إلى الملكوت وازداد قرباً من تلك العوالم. لا يمكن أصلاً. محال بناء على هذه النظرية أن يكون عالماً وأن يكون بعيداً، لا، العلم أصلاً لا يكون.

قال: (فتتحد به اتحاد المدرِك بالمدرَك فتأخذ صورة لنفسها) هذا علم حضوري (تجد به النفس عين هذا المعلوم) ولكن لماذا تجده كلياً؟ يقول لأن هذا الاتحاد اتحاد ضعيف وإلا لو كان كاملاً لاتحدت بالعقل الفعال على مباني المشائين وبالملك الموكل على اصطلاح …

إذن هذه هي النظرية التي ذكرها هؤلاء الأعلام. طبعاً هذه النظرية مع كل عمقها ودقتها لا يتبادر إلى الذهن أنها خالية عن الإشكالات والتأملات. هذه النظرية وإن كانت موفقة في تصوير المفاهيم الكلية الوجودية ولكنها عليها ألف إشكال وإشكال في المفاهيم الكلية العدمية التي لا مصداق لها في الخارج حتى ترتبط بها.

أولها مفهوم العدم، من أين أخذ الإنسان مفهوم العدم؟ ولذا هؤلاء حاولوا بكل ما أوتوا بقوة … هذا البحث موكول إلى بحث نظرية المعرفة ونحن أشرنا إلى هذا البحث في (ج1، الأسفار، ص288، في حاشية للسبزواري) (إن قلت ما يقول المصنف في المفاهيم الكلية المعدومة التي لا أرباب أنواع لها عند الحكماء) هذا كيف يصورها.

هذا هو الأصل الأول الذي نحتاج أن نتعرف عليه، إذن عندما نقرأ في كتب الفقه وفي كتب الأصول وفي كتب المنطق أن المفاهيم الكلية إذا قشرت 50% تصير جزئية وإذا قشرت 100% تصير كلية، هذا المفهوم ابتدائي لأول الطريق، لأواسط الطريق، وإلا عندما نصل إلى نهايات الطريق لابد أن نتعمق لأن هذه لا تستطيع أن تحل لنا مشكلة المفاهيم الكلية.

إذن إذا جاء الفقيه أو الأصولي ودخل إلى عملية الاستنباط وهذه المسألة لم ينقحها ولم يحققها. فإما جاهل بها وإما مقلد فيها، ولا طريق ثالث، إما أن يجتهد الذي هو حرام عنده الفلسفة وإما أن يقلد، وأما أن يقول لا احتاجها فنصف الأصول والفقه قائم عليها، أصلاً هذا بحثنا الوضع العام الموضوع له عام ووضع خاص … كلها قائمة على هذا البحث، وإما أن يقلد، يقلد من؟ إذا قلنا الفقهاء يقلدون الفلاسفة فهذا أمر معضل جداً. ولكن بالضرورة هو مقلد، نعم لا يقول أنه يقلد من ولكنه مقلد. هذا أصل.

أصل ثاني أعنونه وأتركه إلى غد، الأصل الثاني ما هو محكي هذه المفاهيم؟ أنت بأي طريق كان هذا المفهوم … بالتقشير حصلته كما يقول المشهور أو بالارتباط بالمبادئ المجردة لهذه الموجودات المادية كما تقول نظرية الحكمة المتعالية، بأي طريق وصلت إلى المفهوم، كلياً كان المفهوم أو جزئياً، معنى المفهوم أعزائي بالأمس ماذا قلنا، ما معنى مفهوم؟ يعني حاكٍ عن محكيه وعن مصداقه، وإلا إذا لم يحكي أساساً ليس بمفهوم، هذا من قبيل أنت تقول لي أربعة ولكنها ليس بزوج، أصلاً ليس بأربعة، أربعة يعني ماذا … وإن كان مع الفارق لأن الزوجية لازم والحكاية ليست بلازم، الحكاية مقوم، من قبيل الحيوان، من قبيل تقول لي إنسان ولكن لا حيوان ولا ناطق، إذن هذا إنسان أو ليس بإنسان؟ هذا ليس بإنسان. المفهوم قوامه وحقيقته، ذاتياته الحكاية، محكيه أين؟ ما الذي في ذهنك، ما هو المتداول؟ محكيه هو هذه المصاديق الخارجية، الإنسان ما هو محكيه؟ أنت وأنت، جيد لا مشكلة، واقعاً جملة من المفاهيم محكياتها واضحة.

سؤال: عندك مفهوم العدم في ذهنك أو لا؟ عندك مفهوم البطلان في ذهنك أو لا؟ عندك مفهوم الهلاك في ذهنك أو لا؟ عندك مفهوم الامتناع في ذهنك أو لا؟ هذه المفاهيم بمقتضى الأصل الذي قلناه وهو أنه ذاتيها الحكاية محكيه ما هو؟ أين محكيه؟ في الخارج، خلف لأنه إذا العدم صار له محكي خارجي فهو عدم أو وجود؟ وجود. إذا الباطل صار له محكي في الخارج صار حقاً وليس باطلاً.

ومنه أعزائي ينفتح باب هذا الذي أشرت له في القسم الأول كان مرتبط بهذا القسم بحث صدق القضايا بماذا؟ أنت عندما تقول زيد قائم، هذه القضية صادقة، ما معنى صادقة؟ تقرأ في المنطق وفي الفقه وفي الأصول في أي مكان، ماذا تقرأ؟ مطابقتها للخارج، فما هو مطابق للخارج فهي صادقة وغير مطابق …

سؤال: ماذا تقول في قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) هذه صادقة أو كاذبة، الله هنا صدق أو أنه لا يصدق علينا، أي منها؟ صادقة!! يعني لها مصداق في الخارج، هل هناك إلهين في الخارج!! كيف؟

ماذا تقول في اجتماع النقيضين محال، هذه قضية صادقة أو كاذبة. أين مصداقها؟ إلا أن تقول من قال أن كل مفهوم له مصداق، وهذا الذي أصلنا له قلنا محال، مفهوم وليس له محكي، أصلاً إذا لم يكن له محكي فليس بمفهوم، قوام المفهومية بالحكاية وبالإرائة. وهذا الذي بالأمس أشرنا له تفصيلاً، وقلنا أن المفهوم لا يُري مفهوماً آخر وإنما يُري مصاديقه ومحكيه، ومحكي مفهوم لا يمكن أن يكون مفهوماً آخر، ومن هنا جاءت إشكالية القسم الثالث. هذه فكروا بها اليوم وانظروا النتيجة التي تصلون لها، حتى تجدون أن كلمات الفقهاء والأصوليون وقولهم صدقها بكذا وصدقها بكذا … هذا الكلام كم له صحة، تبين أن الكلام المتداول على الألسنة في الأصل الأول ليس بصحيح.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات