بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
الواقع أن البحث في نفس الأمر يعد من الأبحاث المهمة والأساسية في مجالات كثيرة، على مستوى البحوث المنطقية نحتاج إلى هذا البحث، على مستوى البحوث التوحيدية والكلامية نحتاج إلى هذا البحث، على مستوى مناط الصدق في القضايا نحتاج إلى هذا البحث، وهكذا.
ومن هنا كما أشرت بالأمس قلت أن جملة من الأعلام كتبوا رسائل مستقلة في مبحث نفس الأمر، والأعزاء إذا أرادوا مراجعة هذا البحث في كتابنا (مدخل إلى مناهج المعرفة عند الإسلاميين) هناك توجد رسالة في ما يقارب ثمانين صفحة، تبدأ من (ص100) من الكتاب (نظريات في حقيقة نفس الأمر) النظرية الأولى هي أن نفس الأمر هو العقل الفعال عند المشائين، واحدة من النظريات تقول أن نفس الأمر هو العقل الفعال، أو بتعبيرهم العقل العاشر من العقول المعروفة عند المشائين، طبعاً هذه النظرية أشكل عليها العلامة الحلي وبعد ذلك أشكل الدواني على الحلي وبعد ذلك أشكل الشيرازي على الحلي وبعد ذلك أشكل الطباطبائي على الشيرازي والقائمة تطول بين الأعلام أنه ما هو الحل لهذه القضية. هذه هي النظرية الأولى.
النظرية الثانية: وهي بحد ذات الشيء نفس الأمر حده.
النظرية الثالثة: وهي نظرية السيد الطباطبائي في (نهاية الحكمة، ص15) (والذي ينبغي أن يقال بالنظر إلى الأبحاث السابقة …) يعني تقريباً في (المرحلة الأولى، الفصل الثاني).
والنظرية الرابعة في المقام هي النظرية الموجودة للعرفاء وهي أن المراد من نفس الأمر يعني الأعيان الثابتة. النظرية الرابعة نظرية العرفاء وهي أن المراد بها الأعيان الثابتة.
طبعاً هذه النظرية التي أشرت لها أنا بالأمس غير موجودة في مدخل إلى مناهج المعرفة عند الإسلاميين التي تبدأ من ص100 إلى ص180.
ولمراجعة هذه النظرية إجمالاً وإلا التفصيل الذي ذكرته بالأمس غير موجد حتى هنا، هذا أشرت له في (شرح الأسفار، ج2، ص131) حيث قلنا أن المراتب خمسة المرتبة الأولى مرتبة الوجود الكتبي، مرتبة الوجود اللفظي، مرتبة الوجود الذهني، ومرتبة عالم نفس الأمر والمرتبة الخامسة الواقع العيني. إذن ميزنا هناك بين عالم نفس الأمر أو لوح نفس الأمر أو لوح الواقع وبين الواقع العيني ولا يتبادر إلى الذهن أن الواقع العيني هو نفس الأمر، بل قلنا أنهما يختلفان بالبيان الذي تقدم.
السؤال المطروح هنا كما أشرنا بالأمس وهو أنه ما هو المراد من نفس الأمر؟
قلنا المراد من نفس الأمر يعني محكي المفاهيم، أنت عندما تقول مفهوم يعني يحكي عن شيء، يعني مصداق، محكي، هذا المحكي أين موقعه؟ لا يمكن أن يقال أن محكي المفاهيم هو الواقع العيني، هذا غير معقول وغير ممكن، لماذا؟ باعتبار أن هناك جملة من المفاهيم وليس لها محكي في الواقع العيني، مع أنها مفاهيم لها حكاية عن مصاديقها. وخصوصاً إذا انتقلنا إلى عالم القضايا، فإن القضايا لا إشكال ولا شبهة أن هناك جملة من القضايا الصادقة التي يستحيل أن يكون لها ما بإزاء في الواقع العيني، مع أنها قضايا صادقة، صدقها بماذا؟ بمطابقتها. المطابق أين؟ القضية الفرق بين الصدق والحق أنه إذا نظرت إلى القضية تقول صدقها بمطابقتها فالواقع الخارجي يكون مطابَق أو مطابِق؟ يكون مطابَق، فإذا نظرت إلى القضية تصير صدق، وإذا نظرت إلى الخارج أو المطابَق يكون حقاً، فتقول هذه قضية صادقة وهذه قضية حقة. ما الفرق بين الصادقة وبين الحقة؟ الصادقة إذا نظر إليها مطابِقة والواقع النفس الأمري مطابَق، وإذا نظر إلى ذلك المطابَق يعبر عنه بأنه حق.
إذن وبتعبير الحكيم السبزواري في (الأسفار، ج1) قال: (إن المراد بالتحقق في نفس الأمر الوقوع فيه أعم من وقوع الوجود) إذا كان المصداق له وجود خارجي (أو وقوع العدم) لماذا؟باعتبار أننا قلنا أن مطابق أي مفهوم إنما هو بحسب ذلك المفهوم، فمطابق مفهوم العدم ليس هو الوجود وإلا للزم أن يكون المصداق مسانخاً للمفهوم أو مخالفاً للمفهوم؟ مخالفاً، مع أن كل مفهوم إنما يسانخ ويحكي مصداقه الخاص به، محال أن مفهوم يحكي مصداقاً مناقضاً له وإلا لا هذا مفهوم ذاك ولا ذاك مصداق هذا. هذا مضافاً إلى أنه لو كان الأمر كذلك لما استقر حجر على حجر، إذا كان بالإمكان أن نحكي بمفهوم غير مصداقه بل مصداقه المناقض وأن يكون المصداق مناقضاً للمفهوم إذن لماذا صار مفهوم ذاك المصداق وذاك مصداق هذا المفهوم.
إذن قاعدة وهي التي أشار لها الحكيم السبزواري وهذا بحث تكراري ولم ندخل بعد في بحثنا الأصلي. ولذا تجدون أن الحكيم السبزواري بالأمس قرأنا العبارة عبارته كانت دقيقة جداً جداً وهي أنه عبر وقال (فإن كل مصداق لابد أن لا ينازع طبيعته) طبيعة ذلك المفهوم الحاكي عنه (وإلا أرتفع الموضوع من البين وظهر الخلف). إلى هنا استطعنا أن نوصل الفكرة إلى الأعزاء؟ وهو أن الواقع النفس الأمري سنخ واقع أعم من المفاهيم الوجودية والمفاهيم العدمية، أعم من المصاديق التي لها وجود في الخارج والمصاديق التي ليس لها وجود في الخارج.
إذا اتضحت هذه الحقيقة لأنه واقعاً هذه من المسائل – من باب التمثيل- مسألة نفس الأمر من الأبحاث التي هي باب ينفتح منه ألف باب، وما لم تدرك هذه القضية كونوا على ثقة أنتم في التوحيد عندكم مشكلة وفي المنطق عندكم مشكلة في البرهان عندكم مشكلة، والآن سأشير إلى بعض المصاديق إن وسع الوقت.
إذا اتضحت هذه تعالوا إلى علم من أعلامنا وهو السيد الطباطبائي وتلميذه السيد الطباطبائي شيخنا الأستاذ الشيخ جوادي، السيد الطباطبائي في (حواشيه على الأسفار، ج6، ص15) في الطبعة المؤلفة من تسعة مجلدات، يقول: (نقيم برهاناً لإثبات واجب الوجوب) أنتم تعلمون أن البراهين لإثبات واجب الوجود كثيرة جداً، وعندهم قاعدة وهو صحيح أن البرهان لإثبات واجب الوجوب كلما كان أقل مقدمات كان أتقن وأسد. يعني مرة أن تريد أن تثبت واجب الوجود تأخذ عشر مقدمات، بينك وبين الله كم أصل موضوعي تحتاج لإثبات واجب الوجود، على سبيل المثال ملا صدرا عندما يريد إثبات واجب الوجود في برهان الصديقين يقول أولاً لابد من إثبات أصالة الوجود، ثانياً لابد من إثبات التشكيك في الوجود، ثالثاً من إثبات أن هذا التشكيك هو التشكيك الخاصّي يعني الوحدة ترجع إلى الكثرة والكثرة ترجع إلى ماذا … فإذا جاء أحد وقال أن هذه المقدمة لا أقبلها فينتهي البرهان.
برهان النظم أن تقول أن وجود النظم يدل على ناظم حكيم، يقول: أولاً ثبت العرض ثم انقش أولاً ثبت لي أن في هذا العالم نظم وعندها أقبل منك وجود ناظم حكيم، هذا العالم مليء بالشرور والتناقضات والأمراض والظلم وسحق الغني للفقير والقوي للضعيف، عشرات النقوض يقيمها عليه، أنت مع ذلك تقول انظر إلى حكمة الباري. يقول لك: أين هي؟!
ولذا قالوا في محله في إثبات واجب الوجود قالوا أن البرهان كلما كان، واقعاً نحن لو كنا قد دخلنا في أبحاث إثبات واجب الوجود في الحوزات العلمية لما كنا نقول لا حاجة إلى الكلام ولا حاجة إلى الفلسفة، لماذا قلنا هذا الكلام؟ لأننا لا نعلم الاختلافات الموجودة هناك، نتصورها مسلمات، لا والله أقسم لكم لو كنا قد دخلنا في تلك الأبحاث كما في نظريات الأصول والفقه هناك أربعة عشر رأياً لصار هناك ثمان وعشرون رأياً. وهذه هي طبيعة العلم، لا تتصور أن هذا جديد، لا أبداً، طبيعة العلم هي الاختلاف.
ولذا السيد الطباطبائي يدعي أنه أنا وصلت إلى برهان لإثبات واجب الوجود لا يحتاج إلى أي مقدمة، هذه الدعوى دعوى كبيرة جداً، وعظمية جداً إن تمت، ولذا شيخنا الأستاذ الشيخ جوادي في (شرحه على الأسفار، ج6، الجزء الأول منه، ص177) يقول: (ان چه در تقرير برهان صديقين از نظر مرحوم استاذ علامه طباطبائي امده است اسد البراهين است بقول مطلق) أسد البراهين هو بالقول بالمطلق، وهو أخصر البراهين بقول مطلق، لماذا شيخنا؟ يقول باعتبار أنه لا يتوقف على أي مقدمة.
إذا اتضح هذا المعنى تعالوا معنا إلى عبارة السيد العلامة لنرى هذا الفتح الجبار الذي إلى يومنا هذا من كتب عن السيد الطباطبائي من أهم انجازاته في المعارف التوحيدية يقولون برهان الصديقين الذي اخترعه السيد الطباطبائي، إلى الآن من توفي السيد الطباطبائي إلى يومنا هذا تقريباً توجد ألف دراسة في العالم الطباطبائي، والرجل يستحق واقعاً. ودعوتنا لأولئك الذين يهتمون بأعلامنا في العراق كالسيد محمد باقر الصدر ومحمد كاشف الغطاء وهذه الطبقة أيضاً يقدمون عنهم دراسات علمية في هذا المجال، يقول: (نبدأ من الواقعية … أن كل ذي شعور) كل من عنده عقل، ومن لا عقل له بتعبير بهمن يار أنك ومن يستحق الخطاب، وإلا ليس كل أحد يستحق الخطاب (إن كل ذي شعور مضطر إلى إثبات الواقعية وهي لا تقبل البطلان) الواقعية، إلى الآن لا نعلم عن أي واقعية يتكلم واقعية الواقع العيني او واقعية واقع نفس الأمر، لأننا أثبتنا واقعيتين واقعية العينية الخارجية وواقعية نفس الأمر، والتي جعلناها دائرتين (وهي لا تقبل البطلان والرفع لذاتها حتى أن فرض بطلانها مستلزم لثبوتها ووضعه) يعني ماذا؟ التفت إلى النكتة، يقول أنت عندما تقول أنا أنكر كل واقعية، نقول هذا إنكارك لكل واقعية واقعاً أو وهماً. ماذا يقول؟ واقعاً، يقول أنت إذن أردت أن تنكر الواقعية فأثبت الواقعية. إذن الواقعية قابلة للإنكار أو غير قابلة للإنكار؟ (فهي ثابتة حتى في فرض إنكارها). يقول: (مستلزم لثبوتها ووضعها فلو فرضنا بطلان كل واقعية كانت حينئذٍ كل واقعية باطلة واقعاً) لا باطلة وهماً. أي الواقعية ثابتة. وكذا السفسطائي الذي ينكر كل شيء، نقول هذا إنكارك لكل شيء إنكار واقعي أو إنكار وهمي، إذا كان وهمي فلا قيمة له، وإذا كان واقعي إذن من إنكارك كل واقعي تثبت واقعية هذا الإنكار.
(وكذا السفسطائي لو رأى الأشياء موهومة أو شك في واقعيتها فعنده الأشياء موهومة واقعاً والواقعية مشكوكة واقعاً أي هي ثابتة من حيث هي مرفوعة، وإذ كانت أصل الواقعية لا تقبل) تقبل العدم أو لا تقبل العدم … أصل الواقعية تقبل العدم أو لا تقبل؟ محل أن تقبل العدم، لأنه حتى في فرض عدمها فهي عدم واقعاً، لا تقبل العدم والبطلان لذاتها، التفت إلى النتيجة (إذن فهي واجبة بالذات) إلى هنا لا مشكلة في هذا. ما معنى واجبة بالذات؟ يعني مجعولة أو غير مجعولة الواقعية؟ لا مشكلة عندنا … نحن بالأمس ثبتنا أن الواقعية مجعولة أو غير مجعولة؟ غير مجعولة، أزلية أو غير أزلية؟ أزلية. (فهناك واقعية واجبة بالذات والأشياء التي لها واقعية مفتقرة إليها في واقعيتها قائمة الوجود بها).
السيد العلامة تحول من الواقعية إلى … قال الواقعية واجبة بالذات، تبين أن مقصوده من واجبة بالذات يعني واجبة الوجود، بدليل ماذا؟ قال كل الواقعيات الأخرى، أي واقعيات؟ يعني هذه الموجودات قائمة بها، إذن من هنا يظهر أن أصل وجود واجب الوجود ضروري بالذات.
المقدمة كانت أصل الواقعية قابلة للإنكار أو غير قابلة للإنكار؟غير قابلة للإنكار، ما هي النتيجة؟ إن واجب الوجود موجود، هذه المقدمة تنتج هذه النتيجة أو لا تنتجها؟ ماذا تقولون؟ مولانا الواقعية التي أثبتها أي واقعية هذه؟ الواقعية واقعية الواقع العيني أو واقعية نفس الأمر، أي منهما أثبته بالمقدمة؟ الواقعية التي قلت حتى مع فرض إنكارها فهي ثابتة، هذه أي واقعية حتى مع إنكارها هي ثابتة هذه أي واقعية؟ واقعية النفس أمري التي قلنا واقعية كل شيء ماذا … حتى مع إنكارها فهناك واقعية للإنكار. نعم، ولكن هذه الواقعية مساوية لواقعية الوجود الخارجي أو أعم، ومع إثبات الأعم يثبت الأخص. هذا الذي لم يلتفت إليه … ولذا إذا وجدتم أن البحث صعب كثيراً فلا تستغربون، لأن السيد الطباطبائي لم يلتفت له والشيخ الجوادي الذي يفتخرون بأنه أهم برهان الصديقين هو برهان السيد الطباطبائي أيضاً لم يلتفت، إلا أن هناك ثغرة بين المقدمة وبين النتيجة.
المقدمة هي أن الواقعية ضرورية، النتيجة هي ماذا؟ واجب الوجود موجود، وواجب الوجود مساوٍ للواقعية النفس الأمرية أو أضيق وجوداً ودائرة؟ وإثبات الأعم يثبت الأخص أو لا يثبت الأخص؟ هذا أولاً هذا الإشكال الأول.
الإشكال الثاني: سيدنا الحكيم السبزواري والحق معه ماذا قال؟ قال: لابد من وجود سنخية بين المفهوم وبين المصداق، إنكار الواقعية يمكن أن يخرج من بطنه إثبات واجب الوجود؟ هل هناك سنخية بين الإنكار والإثبات أو لا سنخية؟ المفهوم ما هو؟ إنكار الواقعية، المصداق ما هو؟ إثبات أو إنكار؟ لزم لا هذا مفهوم ذاك المصداق ولا ذاك مصداق ذاك المفهوم. إذن هذا البرهان في اعتقادنا ساقط من الناحية العلمية وإن كان كما قلت أن شيخنا الأستاذ الشيخ جوادي يقول أسد وأخصر وأتم البراهين … لأنه يكون في علم الأخوة لبرهان الصديقين هناك تسعة عشر أو عشرين تقرير وبيان، الشيخ جوادي يقول أهم بيان لبرهان الصديقين وأكلمه برهان العلامة، ولهذا البرهان منشأه فيه مغالطة وهي الخلط بين الواقعية النفس أمرية التي هي الأعم والواقعية العينية الخارجية التي هي أضيق دائرة والأعم لا يمكن أن يثبت الأخص.
ولأضرب لكم مثالاً مرتبط بعلم المنطق حتى تعرفون أن هذه القضية تلازمك إلى آخر عمرك إذا أردت أن تصير محققاً هذه موجودة، لابد أن تعين موقفك هذه من القضايا التي لا يمكن أن تمر عليها مرور الكرام.
في المنطق قرأتم بأن البرهان على نوعين، أهمية البرهان في المنطق الأرسطي أنه يفيد اليقين، ونحن كل الذي عمرنا نقضيه كله حتى نصل إلى اليقين، وغير معلوم أننا نصل، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول سأوصلكم إلى اليقين. يصل الإنسان إلى اليقين لا شك في ذلك ولكن هل يستطيع أن يصل إلى اليقين في الدنيا أم أين يصل؟ (ربنا أبصرنا وسمعنا) فبصرك اليوم حديد. ولكنه في الدنيا أقل ما قسم بين العباد اليقين، المنطق الارسطي يقول نحن همنا الوصول إلى اليقين. ما هو الطريق للوصول إلى اليقين؟ أعزائي لا الجدال ولا المغالطة ولا ولا الشعر ولا … وإنما الذي يوصل إلى اليقين هو البرهان، ما هو الطريقي البرهاني؟ عندنا طريقين لا ثالث لهما، إما الطريق اللمي وإما الطريق الإني. وقد قرأتم في منطق المظفر. ما هو الطريق اللمي؟ هو أن تسير وأن تصل إلى المعلول من خلال علته يعني بعد أن تتعرف على العلة تصل إلى المعلول. الإني ما هو؟ إن تسير من المعلول إلى العلة. ومثاله العرفي واضح، إذا علمت بوجود النار علمت بوجود الدخان، لأن الدخان معلول للنار. ولكن هذا السير سير من العلة إلى المعلول، هذا المثال العرفي … إما الإني أنك ترى الدخان فتصل إلى العلم بوجود النار، والدخان معلول … مثاله المعروف في المنطق وهو أن هذه الحديدة حارة وكل ما هو حار فهو متمدد، إذن هذه الحديدة متمددة، هذا البرهان لمي لأنه من النار وصلت إلى التمدد، والتمدد معلول للنار. والعكس أيضاً صحيح وهو تقول هذه الحديدة متمددة وكل ما متمدد فقد مسته النار إذن هذه الحديدة مستها النار. هنا متمددة الذي هو الحد الأوسط معلول أو علة؟ معلول والعلة هي النار.
من الأصول الثابتة في علم المنطق أن البرهان الإني لا يفيد اليقيد، نحن نريد الوصول إلى اليقين يقولون أن البرهان الإني لا يفيد اليقين. أعرف أن البحث ثقيل ولكنه بقدر ما يمكن ببياني أريد أن أوصل المطلب إلى الأعزاء حتى تعرفون أهمية بحث نفس الأمر. يقولون أن البرهان الإني لا يفيد اليقين، لماذا؟ يقولون أولاً لغو وثانياً يلزم منه دور. أنا لااريد أن أدخل في الدور لماذا، ولكن اللغوية، يقول أنت عندما تقول من المعلول إلى العلة أنت فرضت أن هذا معلول والمعلول ما هو معناه؟ ما معنى معلول؟ يعني له علة، إذن لا شيء غير موجود حتى تستدل عليه فهو تحصيل للحاصل. ولذا السيد الطباطبائي في (الميزان في حواشيه، ج3، ص396) من الأسفار، ج3 هذه عبارته يقول: (وذلك أن العلم بالمعلول لا يتم إلا مع العلم بوجود علته قبله فيكون إثبات وجود العلة بالمعلول ثانياً لغواً لا أثر له) إذن البرهان الإني يفيد اليقين أو لا يفيد اليقين؟ ولذا عبارته واضحة وصريحة في (نهاية الحكمة، ص6) يعني في المقدمات يقول: (وقد تحقق في كتاب البرهان من المنطق أن السلوك من المعلول إلى العلة لا يفيد يقيناً). إذن البرهان الإني خرج من القائمة، هل تعلم ما معنى أن البرهان الإني خرج من القائمة؟ العالم ممكن وكل ممكن حادث، إذن العالم حادث. العالم حادث، قياسات مركبة، وكل حادث يحتاج إلى محدث، فالعالم … جنابك وصلت إلى برهان وجود الله من أي برهان؟ هذا لمي أو إني؟ من العالم للوصول إلى إثبات أنه له … العالم فيه نظم وكل ما فيه نظم فيحتاج إلى ناظم حكيم عالم، ولبطلان الدور والتسلسل في محله إذن العالم من نظمه تصل إلى ماذا … هذا برهان لمي أن إني؟ فتبين أن كل براهين القرآن تفيد أو لا تفيد؟ ماذا نفعل؟ ندعي أن القرآن من أوله إلى آخره فيه براهين لإثبات وجود الله، ولذا أصحاب المسلك المشائي الصرف التزموا وقالوا أن هذه ليست براهين بل هي كلها جدال بالتي هي أحسن. (سنريهم آياتنا في الآفاق) يقولون: نعم، هذه ليست أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة، هذه ليست حكمة. (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وهذه (وجادلهم بالتي هي أحسن) هذه جدال لإسكات الآخر وإلا فهي ليست برهان لإثبات الوجود. تقول: هل هناك من يصرح بهذا؟ واقعاً هكذا، هناك كتاب قيم – الأخوة لا يقرأون الفارسية مع الأسف مع أن الكثير من تراثنا مكتوب بالفارسية- كتاب اسمه (تبيين براهين إثبات خدا) هذا الكتاب من الكتب المهمة للطلبة من أمثالكم، مهم جداً لأن هذا الكتاب أخيراً مكتوب كتاب في الغرب يقول أهم البراهين لإثبات وجود الله ثمانية أو عشرة. وكلها بحثوها بحثاً منطقياً استدلالياً وبينوا الخلل فيها. فإذن النظرية التوحيدية أين برهاننا؟ يقول فطرة أو وجدان فهو حر، أما البرهان فأين البرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
في هذا الكتاب وهو للشيخ جوادي، الشيخ جوادي وجد خطورة هذا الكتاب فاضطر أن يقرر البراهين وبعد ذلك يحاول بما أمكن أن يجيب على هذه البراهين.
البرهان الأول برهان الإمكان والوجوب، البرهان الثاني برهان الحركة والحدوث، البرهان الثالث برهان الإمكان الفقري، الرابع برهان الوجود لأنسلن، الخامس برهان الصديقين، السادس برهان النظم، السابع برهان المعجزة، الثامن … ثم يدخل في نظرية كانت وغيرها التي هي برهان التجربة الدينية وبرهان الأخلاق وبرهان الفطرة. هذه وجدانيات وليست براهين بذاك المعنى.
هنا عندما يصل إلى برهان النظم في (ص246) يقول: (ارزش جدلي برهان نظم) إذن برهان النظم قيمته قيمة جدلية (بر همين أساس قرآن كريم در برابر مشركان ووثنيين حجاز كه جمعيت كثير از مردم بودن ومحيط ان نازل شد تشكيل مي دادن بجدال احسن ميبردازن) إذن يعتمد إلى الجدال الأحسن ليس في قبال إقامة البرهان. المشكلة من أين جاءت؟ المشكلة فرضوا أن هذه البراهين كلها براهين إنية والبرهان الإني لا يفيد اليقين إذن هذه لها قيمة أو ليست لها قيمة؟ ليست لها قيمة؟
ولأعمق لك الإشكال أكثر، لا أريد تخريب دين الناس ولكن أريد أن أبين عمق القضايا، نحن نعيش العولمة، يعني ماذا؟ يعني القرية الكونية، يعني لا تستطيع أن تغطي رأسك، الآن كونوا على ثقة منذ خمسة أشهر يقول أحد الفيزيائيين الكبار في بريطانيا استدل على نفي وجود الله لا على يقول لا يوجد دليل على وجود الله، وفرق كبير بين عدم وجود الدليل وبين وجود الدليل على العدم. وكونوا على ثقة مجموعة من المتخصصين في بريطانيا وفي المغرب وفي عمان بعثوا لي ممثلاً عنهم قبل شهرين يقولون عندما قرأنا بعض كتاباتك في التوحيد وجدنا أنه لا طريق لدفع هذا الإشكال إلا … قالوا لأننا لا نعرف نقرأ الفارسية، والعربية نتمنى أن تكتب لنا مقالاً لأن هذه الآن تدرس في الجامعات الأوربية وطلابنا هناك ويأتي وهو معبأ بدليل على عدم وجود الله. أخي العزيز أنت إذا جاءك شاب جامعي تقول له أنت كافر ملحد نجس ابتعد عني. هذه كانت طريقة أهل البيت مع الديصاني وغيره، اقرأوا تاريخ الإمام الصادق لأنه كان يعيش حالة الإلحاد وحالة الإنكار، لابد من جواب.
ولأعمق الإشكال، الطريق لإثبات وجود الله إما طريق إني وهو يفيد اليقين أو لا يفيد اليقين؟ لا يفيد اليقين. يبقى الطريق لإثبات وجود الله طريق لمي، ما معنى اللمي؟ هو السير من العلة إلى المعلول، الله ما هي علته حتى نصل له من خلالها، إذن البرهان اللمي يصلح لإثبات وجود الله أو لا؟ عندنا طريقان لإثبات وجود الله إما إني وهو لا يفيد اليقين، أو لمي وهو السير من العلة إلى المعلول، هذا لابد أن تفترض في الرتبة السابقة أن الشيء له علة والله له علة أو ليس له علة؟ إذن يوجد برهان لمي أو لا؟ ولذا السيد الطباطبائي التزم وقال لا يوجد برهان لمي ولا إني لإثبات الله.
فلهذا من هنا وهناك بتعبيري أنا رقعوا لنا برهان اسمه برهان الملازمات، خنثى، لا هو لمي ولا هو إني. هذا كله من ضيق الخناق في هذه المباني المنطقية.
هذه القضية لا وقت لي الآن لأن أدخل في الجواب عنها، نؤجلها ثلاثة أو أربعة أيام … السيد الصدر& اللهم أحشرنا مع السيد أبو جعفر، هذا الرجل أنا بغض النظر عن البعد العلمي الذي واقعاً قل نظريه في عالمنا، كان عنده أخلاقيات وعنده رهافة حس وعواطف جياشة واقعاً أنا لا أقول قل نظيرها بل أقول لم أر في حياتي، يعني كنت تجلس معه كنا نعيش في زمان الاستبداد والطاغوت، تقول له سيدنا حدث كذلك وحدث كذلك فيبدأ بالبكاء، ولهذا كان المقربون منه لا ينقلون له الكثير من القضايا، عندما أراد أن يصلي على السيد مصطفى، السيد الإمام هو يصلي ولكن السيد أبو جعفر يبكي على جنازة السيد مصطفى في الصلاة، عنده رهافة حس عجيبة. قلت له يوماً وسألته بعض الأسئلة عن الأسس المنطقية، أنا أسأل هذه الأسئلة الله يعلم أنا كنت دون العشرين من العمر، كنت أطالع هذا الكتاب وأسأل السيد الشهيد لأني حضرت عنده في هذا العمر. السيد الشهيد سألني يوماً وقال لي: سيدنا أنت تفهم هذه؟ قلت: نعم، سيدنا. قال لي: أنا أريد أن أفهم هذا. قال: الحمد لله. أنت كتبت هذا الكتاب حتى لا يأخذ الطلبة حاشية ملة عبد الله ويضعوها تحت أبطهم ويذهبون يميناً وشمالاً، لا أقل يقرءون العالم ماذا يحدث فيه الآن من الفكر.
في يوم ما سألته: سيدنا إلا يمكن أن تقول لي ما هي قصة هذا الكتاب. قال: قصة هذا الكتاب أنا عندما قرأت نظريات (تراندد رسل) في الاحتمال وجدت بيني وبين الله إشكال يقضي على برهان النظم الذي اعتمده القرآن الكريم. وأهم برهان في القرآن لإثبات وجود الله يقوم على النظم، ولذا في الأسس المنطقية يقول في آخر المطاف، أهم برهان هو برهان … ولكن أعلام مدرسة قم يعتبروه من الجدل. الآن لا أريد أن أدخل في مقايسة بين هذه المدرسة وبين هذه المدرسة.
قال: عندما قرأت وجدت أن الإشكال إشكال … وإذا تريدون أن تعلمون إجمال عن إشكالية برهان النظم لـ (تراندد رسل) موجود في أول الفتاوى الواضحة في الحاشية، السيد الشهيد عندما يذكر برهان النظم يذكر في صفحتين إشكالية تراندد رسل وما هي.
يقول: وهذه الإشكالية عاشت معي سنين ليل نهار. يقول وأنا أجلس على الطعام ولكن إشكالية رسل تشغلني إلى أن وجدت حلها في الأسس المنطقية. باعتقاده هو.
نعم، بعض الإشكاليات من الناحية النظرية، لأنه لابد من أن نميز بين البعد النظري وبين البعد الإيماني، على البعد الإيماني أنت اليوم جنابك لابد أن تصلي، أما على البعد النظري واقعاً لابد أن تعرف الدليل. نعم بإمكان أن تقلد وتقول اللهم أحييني على ما أحييت عليه علي بن أبي طالب وأمتني. نعم، تستطيع أن تقلد، لا مشكلة، أنا في اعتقادي لا مشكلة، وإن كان في هذه المسألة لا يمكن، ولكنه هو ممكن.
تقولي لي: هذه المسائل أنا لا استطيع أن أحلها، أعتمد على العالم.
أعزائي هذه القضايا وأمثالها ليس لها حل إلا من خلال فهم حقيقة نفس الأمر، وما لم تفهم لا نستطيع أن نجيب على تساؤل أن البرهان الإني لا يفيد اليقين ولا أن البرهان اللمي لا يجري في الله. بعد هذا البيان بيان نفس الأمر سيتضح لكم أن كل البراهين القرآنية في واقعها براهين لمية، ولا يلزم منها أن يكون أن الله له علة. ويأتي.
والحمد لله رب العالمين