بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
ما دام انتهى بنا البحث إلى البحث في نفس الأمر، فاستميح الأخوة عذراً أن أخذهم بعيداً عن بحث علم الأصول، ولكنه بحث يستحق أن نقف عنده ولو ليوم أو يومين لا أكثر. هذا البحث له آثار محورية وإن صح ا لتعبير مفتاحية، باب ينفتح منه ألف باب، في معارف التوحيد، وإذا الأخوة يصبروا معنا قليلاً ستتضح لهم آثار هذا البحث في مسائل التوحيد التي تعد محور عقيدتا أول الدين معرفته. وأساساً الله سبحانه وتعالى إنما يداع الناس يوم القيامة على حسب معرفتهم وعلى حسب ما يعرفون، يغفر للجاهل سبعون ذنب ولا يغفر للعالم ذنب واحد. العلم كما عليك فيه الغرم لك فيه الغنم، وإلا إذا مشيت سبحت واستغفرت لك السموات والأرض والحيان هذا الامتياز لا يعطى لكل أحد، الله سبحانه وتعالى هذا الامتياز إنما أعطاه لأهل العلم (إنما يخشى الله من عباده العلماء) طبعاً هذه الآية المباركة تعلمون أن فيها قراءتان، القراءة الأولى(إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) واقعاً العلماء الحقيقيون يخشون ربهم، ولكنه هناك قراءة أخرى بالضم (إنما يخشى اللهُ من عباده …) هذه القراءة ما هو منشأها؟ منشأها أن هؤلاء العلماء هم الذين يهدون الناس وهم … لا أن الله يخشاهم وإنما يخشى على عباده من العلماء. فالوظيفة العلمية وظيفة خطيرة جداً.
نرجع إلى أصل الإشكال الذي اشرنا إليه فيما سبق ألخصه في جمل حتى تكون على بينة من الأمر ومن الإشكال. خلاصة ما تقدم حتى الأعزاء الذي لم يكونوا حاضرين في الدرس السابق تكون المسألة واضحة بالنسبة لهم.
قلنا أن المفيد من أنحاء الاستدلال هو الاستدلال البرهاني، في قبال الاستدلال الخطابي الشرعي الجدلي، هذا هو الذي يعتمد وهو الاستدلال البرهاني لا غيره من أنواع الاستدلالات الخمس المعروفة في المنطق الارسطي. وإن الاستدلال البرهاني ينقسم إلى لمي يكون السير فيه من العلة إلى المعلول، يعني نثبت المعلول من خلال معرفة العلة، وبعبارة أخرى نجعل الحد الأوسط في البرهان العلة حتى نصل إلى المعلول. وإلى إني وهو السير من المعلول إلى العلة، يعني نجعل المعلول حداً أوسط.
ثالثاً وأن البرهان الإني لا يفيد اليقين، بحسب المنطق الارسطي، لماذا؟ لإشكالين أساسيين:
أولاً: لأنه دوري. ثانياً: لأنه لغو لا أثر له.
وتحقيق هذه المسائل … يعني في هذا اليوم أو اليومين القادمين أود أن أبين مسألة اجتهادية في علم المنطق، أنتم إلى الآن قرأتم المنطق ولكن مسألة اجتهادية في علم المنطق إلى الآن لم نقرأ، عادة نقرأ عموماً نقرأ سطح المنطق، أما اجتهاد في المنطق نحن لا نقرأ، نقرأ في الأصول، أما في المنطق فلا، هذه المسألة حتى تعرفون المنهج الصحيح فيها في عملية استنباط المباحث المنطقية.
النقطة الرابعة: أن البرهان اللمي لا يجري في الحق تعالى، لماذا لا يجري؟ لأننا ذكرنا أن اللمي هو السير من العلة إلى المعلول، والله ليس له علة خارجية بل هو علة كل شيء، ولذا تجد أن الأعلام صرحوا بهذا المعنى مثلاً الشيخ الرئيس في كتابه (المبدأ والمعاد، ص33) بتحقيق عبد الله نوراني قال: (إنّا أثبتنا الواجب الوجود لا من جهة … فلم يكن القياس دليلاً ولا كان أيضاً برهاناً محضاً، فالأول) يعني الحق تعالى (ليس عليه برهان محض) لماذا؟ يقول لأنه لا سبب له. إذا أردنا برهان حقيقي لابد أن يكون برهان لمي لأن الإني لا يفيد، إذن يمكن إقامة برهان من الدرجة الأولى على الله سبحانه على إثباته وجوده أو لا يمكن؟ يقول: لا يمكن، لماذا؟ لأنه لا سبب له (بل كان قياساً شبيهاً بالبرهان) هذا الذي يسموه قياس الملازمات يعني أن تنتقل من لازم إلى لازم آخر، يعني أن الحد الأوسط لا علة ولا معلول وإنما الحد الأوسط لازم والنتيجة لازم آخر، هذا كلام الشيخ.
وكذلك ما ذكره في (التعليقات) بتحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي، هذا الكتاب يعد من أهم كتب الشيخ، ومن أخريات ما كتبه الشيخ، ولكنه هذا الكتاب كان مشكوك الحال أنه منسوب إلى الشيخ هل هو صحيح أو لا؟ أحد الأعزاء المحققين من أساتذة جامعة بغداد أخيراً حقق في هذا الكتاب وبعثي ليس نسخة من التحقيق، الحق والإنصاف ثبت بشكل واضح ودقيق أن هذا الكتاب للشيخ، في التعليقات طبعة عبد الرحمن بدوي، في (ص70) قال: (الحق ما وجوده له من ذاته فلذلك الباري هو الحق وما سواه باطل كما أن واجب الوجود لا برهان عليه) لماذا لا برهان عليه؟ أما البرهان الإني فلا ينفع اليقين وأما البرهان اللمي فلا سبب له) إذن ما هو الطريق إليه؟ يقول: (ولا يعرف إلا من ذاته كما قال شهد الله أنه لا إله إلا … ) فهو الشاهد وهو المشهود له. هذا هو المورد الثاني.
المورد الثالث ما ورد في (الأسفار، ج6، ص27) لصدر المتألهين، يوجد بحث تفصيلي يراجعه الأخوة يقول: (ثم استشكلوا في كون البيان) أي بيان؟ البيان الذي تقدم لإثبات وجود الحق (برهان، بأن الاحتجاج والبرهان منحصر في الإني واللمي، والواجب تعالى ليس معلولاً لشيء أصلاً) إذن يمكن إقامة البرهان اللمي عليه أو لا يمكن؟ لا يمكن بل هو علة لجميع ما عاده فكل ما يستدل به على وجوده يكون دليلاً إنياً وهو لا يعطي اليقين). فإذن لإثبات وجود الله إما إني وهو لا يعطي اليقين وإما لمي والله ليس له علة. ولذا هنا السيد العلامة الطباطبائي وجد أنه قد انسد الطريق لإثبات الله برهانياً، نعم تبقى الفطرة والوجدان وهي أبحاث أخرى، مباشرة في الحاشية يقول: (فيه) نعم لا يوجد إني ولا لمي ولكن يوجد برهان الملازمات (إن الذي لا يفيد اليقين هو ما كان السلوك فيه من المعلول إلى العلة لتوقف العلم بوجود المعلول على العلم بوجود العلة فلو عكس لدار وأما لسلوك من بعض اللوازم العامة التي لا علة لها كلوازم الوجود إلى بعض آخر فهو برهان إني مفيد لليقين كما بين في علم المنطق) هذا الذي اشرنا أنهم اختاروا طريقاً ثالث لإثبات وجود الواجب سبحانه وتعالى.
طبعاً أنا أكابر القوم أشرت إليهم، وإلا تبعاً لذلك الشيخ جوادي ومصباح وآخرين كلهم على هذا المسلك.
وهذه إن صح التعبير هذه هي المدرسة القمية في هذه المسألة وهي أنه لا يمكن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى لا بالبرهان اللمي لأن الله لا سبب له، طبعاً السيد العلامة عنده دعوة أوسع من هذا طرحناها في محلها، أساساً يقول في الفلسفة ليس عندنا برهان لمي، كل الفلسفة لا فقط إثبات وجود الله، والبرهان الإني لا يفيد، إذن الفلسفة كلها لا يوجد فيها إلا برهان الملازمات العامة. بينك وبين الله هذا البحث أين والبحث الذي قاله سيدنا الأستاذ من أن المنطق يعرفه حتى الصبيان والمجانين، أنه لا يحتاج أن نقرأ منطق لأنه من المسلمات، أهذا هو من المسلمات. في النتيجة هذا هو كلام المناطقة أن اللمي كذا والإني كذا، إذن المشكلة في مباحث العقيدة قبل أن نصل إلى مباحث الفقه.
ما هو الجواب؟ هذا الكلام من هؤلاء الأعلام الكبار هل هو كلام تام أو ليس بتام؟
أعلم أن في هذا تكرار مقدار ما ولكني مضطر له للتوضيح حتى تترابط الأبحاث. ما معنى أنه في اللمي أن الأوسط علة وأنه في الإني أن الأوسط معلول؟ نحن يوجد عندنا في كل قياس ثلاثة أركان، الركن الأول الصغرى الركن الثاني الكرى الركن الثالث الأوسط، الذي يربط الأكبر بالأصغر هو الأوسط، هذا الأوسط – التفتوا جيدا- عندما يقول المناطقة لابد أن يكون علة، ليس مراد المناطقة كون الأوسط علة يعني علة للأكبر في نفسه، أو علة للأصغر في نفسه، بل هو علة لإثبات الأكبر للأصغر، يعني لا كان التامة، بل كان الناقصة. احفظوا هذا الأصل، ولذا في بعض الأحيان قد يكون الأوسط معلولاً للأكبر أو للأصغر، ولكن علة لثبوت الأكبر للأصغر، ولا أريد الدخول في التفاصيل.
يعني مثلاً تقول هذا المثال المعروف: هذا الماء حار، وكل ما هو حار مسته النار، إذن هذا الماء مسته النار. هذا المثال الإني. أما المثال اللمي فهو: هذا الماء مسته النار، وكل ما مسته النار فهو حار. إذن هذا الماء حار. النار إلى نسبتها إلى حرارة الماء، هو ليس علة للماء، ولا علة للحرارة، وإنما هو علة لإثبات الحرارة …طبعاً هو أيضاً علة للحرارة ولكن صار علة بعنوان إثبات الحرارة للماء، والعكس أيضاً كذلك، أنه تجعل الحد الأوسط الحرارة التي هي معلولة ولكنه تجعل الأكبر يعني أن الماء مسته النار. إذن أعزائي في الاستدلال المنطقي وهذا المعنى موجود في (الإشارات والتنبيه، المنطق، ج1، ص306) بشكل تفصيلي، يقول: (إن الحد الأوسط إن كان هو السبب في … لوجود الحكم) ما هو الحكم (وهو نسبة أجزاء النتيجة بعضها إلى بعض كان البرهان برهان لم) إذن البرهان اللمي ما هو ؟ ما يكون سبباً في الواقع لا سبب في علمي. علة وجودة لا علة علمية. هذا الذي يعبرون عنه عالم الثبوت وعالم الإثبات الذي قرأتموه في منطق المظفر. (وهو أن الحد الأوسط إذا كان علة وجودية لثبوت الأكبر للأصغر فهو لم، وإذا كان معلولاً وجودياً لثبوت الأكبر للأصغر فهو إن).
إلى هنا أعزائي لا يوجد بحث بين المناطقة إنما الكلام كل الكلام يبدأ من هنا، هذه أي علية إذا صارت حد أوسط علة أو صارت معلول يصير عندنا برهان إن وبرهان لم، أي علية؟ أعزائي العلية والمعلولية على نحوين:
لأنه بعد ذلك سنثبت لكم آثار هذا البحث، تارة تطلق العلية والمعلولية بلحاظ الوجود العيني، كما تجدون في النار وفي الحرارة، فإن النار شيء والحرارة شيء … ومثال أوضح من هذا الله سبحانه وتعالى ومخلوقاته، الله شيء ومخلوقاته شيء آخر، فهذه اثنينية تحليلية عقلية أو اثنينية خارجية؟ اثنينية خارجية، يعني بحسب الوجود الخارجي يوجد عندنا العلة وجود والمعلول وجود آخر. هذه عبروا عنه العلية والمعلولية بحسب الواقع العيني. حتى نميز عن العلية والمعلولية بحسب الواقع النفس الأمري. هذا النوع الأول.
النوع الثاني جنابك تقول الأربعة زوج علة أن الزوجية ثابتة للأربعة ما هي؟ الله جعلها زوجاً، ما هي العلة؟ العلة أنه أربعة، ولكن في الواقع الخارجي الأربعة واقعة هنا والزوجية واقعة هنا، أو أنه في الواقع الخارجي لا يوجد عندنا إلا حقيقة بحسب الواقع العيني ولكن بحسب الواقع النفس الأمري واحد أو اثنان؟ الزوجية والأربعة واحد أو اثنان؟ هذه الاثنينية بحسب الواقع العيني أو بحسب الواقع النفس الأمري، إذن عندنا نوعان من … ولأقرب المطلب أكثر إلى ذهن الأعزاء صفات الله الله سبحانه وتعالى إذا لم يكن ثابتاً صفاته ثابتة؟ فبأي شيء تثبت صفاته؟ الله وصفاته اثنين أو واحد؟ هنا يأتي البحث الأول في أي عالم تتكلم، إذا تتكلم في عالم الواقع العيني فصفاته عين ذاته وذاته عين صفاته، بعضها عين البعض الآخر، وأما إذا تتكلم بلحاظ عالم … كما عبروا بلحاظ عالم المفاهيم بما هي مفاهيم لها قيمة، المفاهيم بما لها من محكيات، محكياتها أين موجودة، محكياتها في الواقع العيني أو محكياتها في الواقع … يعني العلم هو القدرة أو العلم غير القدرة؟ العلم غير القدرة في عالم المفاهيم، لا قيمة لعالم المفاهيم والألفاظ، العلم غير القدرة واقعاً العلم غير القدرة يعني بحسب الواقع النفس الأمري هذان اثنان أو واحد، الذات والصفات بحسب الواقع النفس الأمري واحد أو اثنان؟ اثنان.
سؤال: من علة لمن؟ الصفات علة للذات أو الذات علة للصفات؟ الجواب: لو لم تكن الذات موجودة لا توجد الصفات، مثل الزوجية والأربعة فلو لم تكن الأربعة فلا زوجية.
إذن أعزائي يمكن أن نتصور تعدد ولكن تعدد لا في الواقع العيني وإنما في الواقع النفس الأمري. إذا اتضحت هذه الكبرى … وهذا ما عبرت عنه بالمسألة الاجتهادية في علم المنطق، هؤلاء المناطقة عندما يقولون بأن الحد الاوسط إذا كان علة للنتيجة فهو لمي وإذا كان معلول للنتيجة فهو إني، مقصودهم أي علة وأي معلول العيني أو النفس الأمري؟ إذا كان مقصودهم العيني فلابد أن يكون الحد الأوسط وجود والنتيجة وجود آخر، لأنا نريد اثنينة خارجية، وإذا كان مقصودهم الاثنينية بحسب الواقع النفس الأمري فهل تشترط الاثنينية بين العلة وبين النتيجة أو لا تشترط الاثنينية، يعني لا تشترط الاثنينية الخارجية ولكن تشترط الاثنينية الواقعية النفس الأمرية.
إذن لابد السؤال الأول الذي نسأله للمناطقة نقول لهم: أنتم تقولون أن الحد الأوسط إذا كان علة للنتيجة أي علية مقصودكم علية بحسب الواقع العيني أو علية بحسب الواقع النفس الأمري. الجواب: يصرح هؤلاء، طبعاً أعلامهم كالشيخ في المنطق يصرح أن المقصود العلية والمعلولية بحسب الواقع النفس الأمري لا بحسب الواقع العيني الخارجي. لعله بحسب الواقع العيني الخارجي العلة والأكبر والأصغر جميعاً موجودة بوجود واحد، ولكن مع ذلك برهان لمي. أضرب لكم مثالين:
المثال الاول: انظروا إلى هذا: (زيد إنسان) وكل إنسان حيوان، إذن زيد حيوان. هذا ثبوت الحيوانية لزيد ما هو علته؟ كونه إنسان، وإلا إذا لم يكن إنسان فلا يكون حيواناً. هذا أي برهان؟ يقولون هذا برهان لمي، تقول بأي سبب؟ يقول لأن الإنسان التي هي الحد الأوسط صارت علة لثبوت الحيوانية لزيد، تعالوا بحسب الواقع الخارجي زيد إنسان وحيوان ثلاث وجودات أو وجود واحد؟ إذن هذا التعدد هنا تعدد بحسب الواقع العيني أو تعدد بحسب الواقع النفس الأمري؟ من الواضح بحسب الواقع النفس الأمري.
المثال الثاني: الإنسان حيوان، وكل حيوان فهو جسم، الإنسان جسم. الآن عندما تأتي إلى الخارج إنسان وحيوان وجسم وجود واحد أو وجودات متعددة؟ وجود واحد، هذا البراهين أي نوع من أنواع البراهين؟ يقولون هذا برهان لمي، أين يقول؟ في كتاب (المنطق، ج3، ص80) للشيخ. يعني منطق الشفاء يقول: (إن جميع ما هو سبب لوجود المطلوب) سبب ليس للعلم بالمطلوب بل سبب لوجود المطلوب يعني البرهان برهن لمي، لأنه إذا كان للعلم بالمطلوب فهذا مقام الإثبات، ولكنا نتكلم في مقام الثبوت. مثاله ما هو؟ يقول: (مثاله أن الحيوان محمول على زيد بتوسط حمله على الإنسان) هذا المثال الذي ضربناه.
سؤال: إذا اتضح إلى هنا أن المدار في العلية الواقع النفس الأمري لا العلية بحسب الواقع العيني الخارجي، إذن قولهم الله لا سبب له إذن لا برهان لم عليه، هذا الكلام صحيح أو باطل؟ الله لا سبب له يعني لا سبب خارجي له. ونحن نبحث في البرهان اللمي عن أن الله له سبب خارجي، نبحث عن العلة والمعلولية بحسب الواقع العيني أو بحسب الواقع التحليلي، أي منهما؟ إذن كل هذا الكلام الذي صدر من هؤلاء الأعلام لا برهان لم عليه، لماذا؟ قالوا لأنه لا سبب له، مولانا من قال لكم أن البرهان اللمي يبحث عن العلية والمعلولية العينية، يبحث عن العلية والمعلولية النفس الأمرية. ابحثوا لي هل أنه يوجد برهان لمي بهذا المعنى الذي أشرنا إليه، يعني علية ومعلولية بحسب الواقع العيني.
تعالوا إلى المثال الذي أشكلوا عليه: قالوا العالم ممكن وكل ممكن محتاج إلى واجب فالعالم محتاج إلى واجب، قالوا: هذا برهان إني يفيد اليقين أو لا يفيد اليقين؟ قالوا لا يفيد اليقين، الجواب: هذا أوضح برهان لمي لإثبات الواجب سبحانه وتعالى. كيف؟ قرأتم في علم المنطق علة احتياج الممكن إلى العلة ما هو؟ ماذا قرأتم في الفلسفة، ما هي علة احتياجنا إلى الواجب، ما هي علة الاحتياج؟ الإمكان، كما يقول الحكماء، حدوث يقوله المتكلمون أما الفلاسفة فيقولون الإمكان.
العالم ممكن هذا الإمكان الذي وقع حد أوسط علة أو معلول؟ يعني ما دمت أرى هذا الوجوم على وجوهكم إما أن أقطع البحث وإما أن أضطر أن أعيد البحث خمسين مرة، والأمر لكم، لأنه إلى الآن لم يتضح لي بأن هذا الموضوع اتضح للأعزاء أو لا. ينبغي أن تجيب في موضع الجواب وأن تسكت في موضع السكوت، بعضكم يتكلم في موضع السكوت ويسكت في موضع الجواب. أنتم تلاحظون أني في أبحاث أخرى لا أسأل أما هنا فأني أسأل لأني أريد أن أجعل هذه قاعدة وأنتقل إلى المرحلة اللاحقة للبحث، وإلا إذا لم تتضح هذه لا نستطيع الانتقال.
الأعلام حكمائنا قالوا العالم ممكن وكل ممكن يحتاج إلى علة أو إلى الواجب، فالعالم يحتاج إلى الواجب. قال هذا سير من المعلول إلى العلة. فهو برهان إني لا يفيد اليقين. الجواب: إذا نظرت إلى الواقع العيني فهو سير من المعلول إلى العلة، أما في البرهان نحن ننظر إلى الواقع العيني أو إلى الواقع النفس الأمري؟ في الواقع النفس الأمري، في الواقع النفس الأمري العالم ممكن، الإمكان علة أو معلول؟ علة لاحتياج العالم إلى … ولذا انظروا إلى هذه العبارة من السيد الطباطبائي في (نهاية الحكمة، ص62، المرحلة الرابعة، الفصل السادس) قال: (وهل علة حاجته إلى العلة هو الإمكان أو الحدوث، قال: جمع من المتكلمين بالثاني والحق هو الأول وبه قالت الحكماء) إذن الإمكان علة أو أن الإمكان معلول؟ إذن إذا أخذناه في الحد الأوسط يكون برهان لمي أو برهان إني؟ نعم، هؤلاء أذهانهم الشريفة ذهبت إلى العلة والمعلول بحسب الواقع العيني وهم أسسوا في علم المنطق أنه لابد أن يكون بحسب الواقع … وكم له من نظير، علماء الأصول في كثير من الأحيان يحققون مبنى أصولي ويأتون في علم الفقه إما أن ينسوا القاعدة أو أنهم يطبقوها بالعكس. هؤلاء أيضاً وقعوا في هذه الإشكالية وهو أنهم أسسوا القاعدة في علم المنطق ولكن عندما جاءوا إلى التطبيق في البحث العقائدي نسوا ما حققوه في علم المنطق فتصوروا أن العلية والمعلولية في الحد الأوسط بحسب الوجود الخارجي لا بحسب التحليل النفس الأمري. مع أنهم هم قالوا في المنطق العلية والمعلولية بحسب الواقع النفس الأمري.
إذن إذا كان الأمر كذلك عندنا برهان لمي على إثبات وجود الله؟ نعم، ولكن البرهان اللمي ما يكون الحد الأوسط علة تحليلية نفس أمرية لثبوت المحمول أو الأكبر للأصغر. العالم ممكن، وكل ممكن يحتاج إلى واجب، فالعالم يحتاج إلى واجب. إذن برهان الإمكان وبرهان النظم هذه براهين إنية أو براهين لمية؟ الجواب: على المبنى، إذا صار مبناك أن الحد الأوسط لابد أن يكون علة بحسب الوجود الخارجي فهذه براهين إنية. إما إذا صار المبنى في علم المنطق بحسب التحليل النفس الأمري فهو برهان اللم. والأمر إليك ماذا تختار في علم المنطق، ولا تقول أنه في علم المنطق نقلد، لا، لا تستطيع أن تقلد لأن المسألة خلافية في علم المنطق لابد أن تذهب إلى هناك وترى أنه أي هذا … هذا المعنى أنا عرضت له في الإلهيات بالمعنى الأخص يعني في (شرح النهاية، ج1، ص49) طبعاً البحث يبدأ قبل ذلك، يقول: (تحصل إلى هنا أننا إذا اشترطنا في البرهان اللمي أن يكون الحد الاوسط علة خارجية لوجود النسبة بين أجزاء النتيجة فالحق مع الحكماء) يعني مع الطباطبائي ومع ملة صدرا ومع الشيخ، لماذا؟ لأن الحق ليست له علة خارجية. (وأما إذا لم نشترط ذلك وقلنا أن المراد من علية الأوسط للنتيجة هو العلية بلحاظ عالم الاعتبارات العقلية النفس أمرية كما ذهب إليه أساطين المنطق فلا يمكن قبول ما ذكره العلامة في المقام وعليه يكون برهان الصديقين برهاناً لمياً) لا إنياً حتى تقول لا يفيد اليقين، ولا برهان الملازمات العامة. وبحمد الله تعالى وجدت أن لنا ناصر في هذا المجال ولذا في (تجريد الاعتقاد) أشار إلى أن برهان الإمكان والوجوب قال: (وهذا استدلال لمي) جملة من المحشين والمقررين والشارحين لتجريد الاعتقاد أشكلوا على عبارة العلامة، قالوا هذا ليس برهاناً لمياً لأن البرهان اللمي لابد أن يكون من العلة إلى المعلول والله ليس له علة؟ الجواب: لا، نحن لا نبحث عن العلة الخارجية بل نبحث عن العلة التحليلية.
إذن إلى هنا مشكلة البرهان اللمي لإثبات وجود الواجب انحلت ولكن على هذا المبنى، وقد يأتي من يقول لا، أنا مبناي في علم المنطق لابد أن تكون العلية بحسب الواقع الخارجي فهذا حر، ولكن كلام لم يقل به أحد من أساطين علم المنطق.
فائدتان – أعنونها وسيأتي التحقيق فيها يوم غد- :
من القواعد المهمة في علم التوحيد في علم معارف التوحيد وعليه تبتني عشرات المسائل في معارف التوحيد أن التركيب ينافي الوجوب والغنى الذاتي. فلهذا في أي مورد لزم التركيب قالوا لزم الاحتياج لأن كل مركب محتاج إلى أجزائه، إذن الله ليس مركباً، فنفوا كل أنواع التركيب عن … وهذه واحدة من أهم الأدلة لنفي الماهية عن الواجب. قالوا إذا قلنا أن الله له ماهية إذن يكون مركب من ماذا وماذا، والتركيب ينافي الغنى إذن الواجب لا ماهية له وراءه …. الآن نقلتكم من عالم المنطق إلى عالم البحث الكلامي والعقائدي.
السؤال المطروح: أي تركيب ينافي الوجوب الذاتي، مطلق الذاتي الأعم من الخارجي والنفس الأمري أو خصوص التركيب الخارجي العيني ينافيه؟ المشهور بين الحكماء مطلق التركيب، لم يميزوا بين نوعين من التركيب، هذا التركيب ينافي وذاك التركيب لا ينافي. ولكننا مختارنا خلافاً للمشهور إن لم أقل مجمع عليه والحمد لله أن الإجماع في الفلسفة والكلام ليس بحجة، وإلا لكانت مشكلة كبيرة. للمجمع عليه بين الحكماء أنا معتقد أن التركيب بحسب الواقع العيني ينافي الوجوب والغنى الذاتي، أما التركيب بحسب الواقع النفس الأمري لا ينافي الوجوب. والدليل إجمالاً .. .والشاهد أن الصفات والذات واحدة أو متعددة؟ اتفاق الكلمة أن الذات والصفة أحدهما غير الآخر، ولكن أحدهما غير الآخر أين؟ في الواقع العيني؟ لا، بل في الواقع النفس الأمري، إذا كان مطلق التركيب ينافي الوجوب إذن الواجب لا ينبغي أن يكون مركباً من الذات والصفات، والتالي باطل جزماً فالمقدم باطل. إذن ليس مطلق التركيب ينافي الوجوب. وإلا ينبغي أن تلتزموا أنه لا ميز بين الذات والصفات مع أن الأعلام جميعاً قالوا بأنه يوجد اختلاف مفهومي، وليس مرادهم من المفهوم هذا المفهوم في الذهن، بل المفهومي بحسب محكي هذه المفاهيم، يعني واقعها النفس الأمري، يوجد اختلاف، جزماً يوجد اختلاف بين العلم والقدرة، إذن الله بحسب الواقع النفس الأمري بسيط أو مركب؟ لا أقل مركب من الذات والصفات الذاتية خمسة أو ثلاثة أو سبعة فهذا ليس مهم. فهو بسيط بحسب الواقع النفس الأمري أو مركب؟ إذن لا مجال لمن قال بأنه الله لابد أن يكون بسيطاً مطلقاً أن يثبت هذا التركيب مع أنه يلتزم بهذا.
إذن الذي ينافي الوجوب الذاتي ما هو؟ ليس مطلق التركيب ولو كان تركيباً نفس أمري واقعي، وإنما الذي ينافي الوجوب الذاتي هو الواقع العيني هذا الذي ينافي الوجوب لماذا، لأنه إذا صار بحسب الواقع العيني مركب من أجزاء أو مركب من محدد فكل مركب محتاج. أين؟ محتاج في الوجود العيني إلى أجزائه والمحتاج يتناسب مع الوجوب والغنى أو لا يتناسب؟ لا يتناسب. أما إذا حصلت حاجة بلحاظ الواقع ونفس الأمر ينافي الوجوب الذاتي للواجب أو لا ينافي. إذن نحن من المفصلين بين التركيب في الواقع النفس الأمري لأنه لا ينافي الوجوب وبين التركيب في الواقع العيني فأنه ينافي الوجوب.
فائدة ثانية تبقى وسنرجع إلى بحثنا الأصلي.
والحمد لله رب العالمين