الأخبار

المحاضرة (83)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

اتضح لنا بالأمس بأنه ما هو المشهور بين الحكماء من أن مطلق التركيب منفي عن الواجب، هذا الكلام غير دقيق. وأن الصحيح كما نختار ذلك هو أن التركيب إذا كان في الواقع العيني فهو ينافي الوجوب والغنى بالذات، أي نحو من أنحاء التركيب العيني، أي نحو من أنحائه، لأن التركيب له أقسام متعددة. أما إذا كان التركيب باصطلاحهم هم إذا كان التركيب تركيباً تحليلياً بحسب العقل الذي نعبر عنه نحن بحسب الواقع النفس الأمري، إذا كان التركيب تركيباً تحليلياً عقلياً نفس أمري فهذا لا ينافي الوجوب بالذات وذكرنا شاهد على هذه الحقيقة قلنا لم يختلف أحد من الموحدين، لأقولها بالعموم، من فلاسفة ومتكلمين وعرفاء أن الواجب سبحانه وتعالى بحسب التحليل له ذات وله صفات. لا خلاف في هذا. إلا من أنكروا وقالوا أن الله فقط ذات وليس له صفات كما هي نظرية النيابة للمعتزلة. قالوا الله ذات لا صفات له، نعم هذه الذات سنخ ذات تقوم مقامها، فعلها فعل من يماك الصفات، طبعاً أنا أتصور أن مشكلتهم كانت هذه وهي أنهم جاءوا إلى الواقع العيني الخارجي وجدوا ذات واحدة بسيطة، ولكن هذا التركيب أين يذهبون به، هذه نكتة نفس الأمر والتحليل النفس الأمري ليس واضحة في أذهانهم فلذا نفوا. نعم، حكمائنا الإمامية قالوا أن الاختلاف مفهومي ولكن بحسب الواقع العيني بسيط. اختلاف مفهومي يعني ماذا؟ يعني مفهوم القدرة غير مفهوم العلم، المفهوم بما هو مفهوم له قيمة من غير محكيه أو مع محكيه؟ مع محكيه، يعني مفهوم العلم بما له حكاية عن هذا المفهوم، يعني مصداق العلم. مصداق القدرة. مصداق السمع. هذه متعددة أو واحدة؟ لا إشكال ولا شبهة أن العلم شيء والقدرة شيء آخر. بأي برهان؟ ببرهان أنه ينفكان عندي وعندك. السمع شيء والبصر شيء آخر، بأي برهان: ببرهان الانفكاك فقد يكون الإنسان سميع وليس ببصير، وقد يكون بصير وليس بسميع، وقد يكون عالم وليس بقادر، وقد يكون قادر وليس بعالم. هذا كله يكشف عن أن هذه الأمور واحدة أو متعددة. هذا التعدد بأي لحاظ؟ بلحاظ الواقع العيني يلزم التركيب في الواجب، بلحاظ عالم المفهومية المفهوم بما هو مفهوم خصوصيته الحكاية، المفهوم بغير حكاية ليس بمفهوم. إذن التعدد يذهب إلى أين؟ إلى الواقع النفس الأمري. إذن الواجب سبحانه وتعالى بلحاظ الواقع النفس الأمري مركب أو بسيط؟ مركب. هل أن هذا التركيب ينافيه؟ الجواب، كلا، وقد أصلنا الأصل وهو أن التركيب الذي ينافي الغنى ويوجب الفقر هو في الواقع العيني لا في الواقع النفس الأمري.

فائدة أخرى: هذه القضية دققوا فيها قدر ما تستطيعون، وهي قضية محورية في معارف التوحيد، فأنت في النتيجة إما أن تؤمن بأن الله كذا أو تؤمن أن الله … هاتان صورتان إن صح التعبير، هاتان لوحتان هذه لوحة وهذه لوحة ثانية. هل أن الله سبحانه وتعالى له ماهية أو ليس له ماهية؟ أعزائي في المقدمة لابد أن تعرفوا أن الماهية لها اصطلاحات متعددة، طبعاً المشهور في كلماتهم الماهية بالمعنى الأخص والماهية بالمعنى الأعم، ونحن بينا تفصيلاً في شرح الأسفار، ج1 أن الماهية لها اصطلاحات ثلاث لا اصطلاحين: الماهية بالمعنى الأعم والماهية بالمعنى الأخص والماهية بالمعنى الخاص. وهي كثير من الاشتباهات ناشئة من عدم التفريقي بين أقسام الماهية. ولا أريد الدخول إلى هذا البحث لأنه يجرنا إلى مكان آخر.

قد تطلق الماهية ويراد منها أمر وجودي، وقد تطلق الماهية ويراد منها أمر عدمي. ما معنى أمر وجودي؟ هذا الذي أنت تسأله في البحث المنطقي السؤال بـ (ما هو) الماهية هي ما يقع في جواب السؤال بـ (ما هو). فتقولون هذا ما هو؟ يقولون إنسان. بينكم وبين الله إنسان أمر وجودي أو أمر عدمي؟ لا إشكال ولا شبهة لا هو مفهوم عدمي ولا هو مفهوم منافق. لأن المفاهيم على ثلاث أنحاء: مفاهيم وجودية كالإنسان، مفاهيم عدمية مثل العدم والبطلان، مفاهيم منافقة يعني ظاهرها وجودي ولكن باطنها عدمي. كما تقول زيد أعمى، أصلاً العمى وصف تصف به … حمل به، ولكن باطنه ليس ببصير ولذا ترجع هذه المفاهيم التي ظاهرها وجودي إلى أمر عدمي. عاجز، جاهل، هذه مفاهيم ليس فيها ظهورها ليس عدمي ولكنك ترجعها إلى أمور عدمية، هذه مفاهيم منافقة ظاهرها وجودي وباطنها عدمي.

الإنسان مفهوم وجودي، وهي ماهية.

نظرية أخرى وهي مشهورة في كلمات صدر المتألهين ومن بعد صدر المتألهين يقول عندما نقول ماهية مرادنا من الماهية حد الوجود، حتى أنه من باب تقريب المعقول أو تشبيه المعقول بالمحسوس هذا أمر وجودي، ولكن عندنا نصل إلى نهاية وجوده ماذا يصير؟ هذا الحد أمر وجودي أو عدمي؟ حد، لفظاً أمر وجودي ولكن يشير باطناً إلى انتهاء الوجود، فلهذا أنا قلت أن هذه مفاهيم منافقة، الحد أمر ظاهره مفهوم وجودي ولكن باطنه ماذا … تريد أن تقول أن وجوده هنا انتهى، ماذا يعني انتهى؟ وجود هذا موجود أو غير موجود؟ إذن صار أمراً عدمي.

ولذا قالوا بأن الماهيات أمور عدمية، ومن هنا ارتاحوا وقالوا بأن الجعل لا يتعلق إلا بالأمور الوجودي وإلا الماهيات أمور عدمية فلا يتعلق بها الجعل.

نحن لسنا من القائلين بأن الماهيات أمور عدمية، بل نحن من المعتقدين أن الماهيات أمور وجودية، كالإنسان وكالبقر وكالسماء وكالماء كالأرض، هذه كلها مفاهيم وجودية لا عدمية ولا منافقة. إذن أنا عندما أبحث أن الواجب له ماهية أو ليس له ماهية، لا ماهية بمعنى الأمر العدمي يعني انتهاء الوجود حتى تقول ليس لصفته حد محدود، الله إذا كان له ماهية إذن يكون محدوداً وهو ينافي لا تناهيه.

إذن لنحرر محل النزاع لكي لا يأتي أحد ويقول أن السيد يقول الله محدود، لأنه قال بالماهية والماهية أمر عدمي إذن الله محدود بحد عدمي فيكون مثلي ومثلك. الجواب: لا، مع أني معتقد أن الله سبحانه وتعالى لا متناهي ومع ذلك لابد أن نبحث أن له ماهية أو ليس له ماهية. إذن ليس الماهية بالمعنى العدمي وإنما الماهية بالأمر الوجودي، هذه نقطة.

النقطة الثانية: أن الواجب سبحانه وتعالى له ماهية أو ليس له ماهية؟ أعزائي توجد أقوال ثلاثة في المسألة:

القول الأول: أن له ماهية وهو المشهور بين كلمات المتكلمين، عندما أقول المتكلمين مرادي متكلمي أهل السنة.

القول الثاني: وهو المشهور بين الحكماء والفلاسفة، وعندما أقول فلاسفة لا أقصد فلاسفة الشيعة بل أعلم، وليس مقصودي فلاسفة المشاء بل أعم منهم مشاء وإشراق وحكمة متعالية … هذا القول الثاني.

القول الثالث: ما نختاره والذي سيتضح لاحقاً.

أما القول الثاني وهو قول الحكماء، يقولون أن الواجب لا ماهية له، أما بالمعنى العدمي فواضح لأنه لازمه المحدودية والله ليس بمحدود. أما بالمعنى الوجودي فلازمه أن الماهية هي الوجود أو غير الوجود؟ الإنسان نفس الوجود أو الإنسان شيء والوجود شيء آخر؟ قالوا لو قلنا أن الواجب له ماهية للزم أن يكون مركباً من وجود وماهية. وكل مركب ينافي الوجوب بالذات، إذن الواجب لا ماهية له.

ولمراجعة هذه الأبحاث تفصيلاً في (الأسفار، ج6، الفصل الخامس في أن واجب الوجود إنيته ماهيته) وبتعبير آخر ليس له ماهية وراء وجوده الخاص. بخلاف الممكنات فأن لها وراء وجودها ماهية وهي إنسان وبقر وسماء، هذا البحث يبدأ من (ص48) إلى (ص57). ولمراجعة هذا البحث في دروسنا الموجودة على الكاسيت من الدرس حيث درسنا مقدار من الجزء السادس من الأسفار من الدرس (68) إلى الدرس (79). والأفضل أن أقول من الدرس (64) إلى الدرس (79) يعني خمسة عشر درساً في أبحاث الماهية. وكذلك في (الأسفار، الفصل التاسع في أنه تعالى بسيط الحقيقة، ص100- 105) ودروسنا يمكن مراجعتها من الدرس (130) إلى الدرس (135). وكذلك في (ج1 من الأسفار، في أن واجب الوجود إنيته ماهيته بمعنى أن لا ماهية له سوى الوجود الخاص، ص96 – 122) بحث تفصيل. في دروسنا في الجزء الأول من الدرس (68) إلى الدرس (83).

خلاصة هذه الأقوال الثلاثة بإمكان الأعزاء مراجعتها في (شرح نهاية الحكمة، ج1، ص157) (الأمر الثاني: الأقوال في المسألة … القول الأول قول من يقول أن الواجب له ماهية وهو قول المتكلمين) ولكن بهذا القيد صرحوا أو كلامهم يتضمن (قالوا بزيادة الوجود على الماهية عيناً) أين؟ في الواقع العيني، بأي دليل هذا أقوله؟ لأن كل الأدلة التي ذكرها المشاؤون بعد ذلك أرادوا أن ينفوا الزيادة العينية. هذا يكشف أنهم فهموا من كلام المتكلمين الزيادة العينية، يعني بعبارة أخرى من قبل المحمول بالضميمة من قبيل البياض والجدار، فهموا من كلام المتكلمين هذا المعنى فلهذا أشكلوا عليهم بهذا الإشكال.

وفي (ص159) (القول الثاني وهو نظرية مشهور الحكماء قال الشيخ أن الأول لا ماهية له وراء الإنية وقال ملة صدرا … وقال في الإشارات والتنبيهات … وقال في الحكمة المتعالية) الأخوة كلها يرجعون إليها. هذه أقوال ثلاثة.

نحن ماذا نعتقد؟ نحن نعتقد أما قول الحكماء أن الواجب لا ماهية له فالجواب الواجب له ماهية. وأما قول المتكلمين بأن الزيادة عينية فالجواب الزيادة نفس أمرية. وإلا بحسب الوجود الخارجي الله سبحانه وتعالى ليس مركب من وجود وماهية، بحسب الواقع العيني وجود بسيط بكل معنى البساطة. نعم، بحسب الواقع النفس الأمري العقل يحلل هذا الوجود إلى وجود وإلى ماهية. طبعاً أنا لا أتكلم الآن في البراهين العقلية يراجعها الأخوة هناك أنا ناقشت كل أدلة الحكماء أن القائلين بنفي الماهية عن الواجب، كل أدلتهم موجودة في النهاية تقريباً أربعة أو خمسة موجودة وتفصيلاتها موجودة في (شرح النهاية، ج1). ولكنه من باب الشاهد …

مداخلة لأحد الطلبة: …

لا، لا ماهية له، يقولون من باب السالبة بانتفاء الموضوع، وأنا أقول من باب السالبة بانتفاء المحمول، يعني هو يقول ماهيته إنيته فيفسر يقول بمعنى لا ماهية له، لا أن له ماهية ولكن ماهيته عين وجوده. يعني لو سألته: الله هل يُسأل عنه ب( ما هو) أو لا يُسأل؟ يقول: لا يُسأل، لماذا؟ لأنه سالبة بانتفاء الموضوع ليس له ماهية حتى يسأل عنه بـ ( ما هو)، أما الممكنات فيُسأل عنها بـ (ما هو).

رواية واحدة أنا أنقلها من أصول الكافي وهي من غرر الرواية. لا تقول لي السند، لأن مبناي في مثل هذه القضايا ليس السند، خصوصاً في القضايا العقائدية أساساً السند لا قيمة له إذا كان المضمون ضمن القواعد الصحيحة العقلية.

الرواية واردة في كتاب (أصول الكافي، كتاب التوحيد، باب إطلاق القول بأنه شيء، الرواية السادسة) عن أبي عبد الله الصادق أنه (قال للزنديق حين سأله ما هو) الزنديق أول ما جاء إلى الإمام سأله قال له الله موجود الله ما هو، لم يأت الجواب بأن الله ليس له ما هو، أبداً. قال: (هو شيء بخلاف الأشياء) هذا الحديث لو كان قد بحث في حوزاتنا العلمية إذا نحن أخرجنا من الاستصحاب خمسين مجلد كان يخرج من هذا الحديث مثله.

يقول: (ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية غير انه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول أنه سميع بصير. قال: هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، يسمع بنفسه ويبصر بنفسه) هذه إشارة إلى البساطة بلحاظ الواقع العيني ولكن يثبت التعدد النفس الأمري. نعم، لا يقول له بصر وسميع، لا، سميع وبصير، ولكن بنفسه بصير لا بجزء منه بصير وبجزء آخر سميع حتى يلزم التركيب الخارجي. قال: (ليس قولي أنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر) أنا عندما قلت بصير بنفسه أنت يذهب ذهنك أن بصره شيء ونفسه شيء آخر، يقول لا، (ولكن أردت عبارة عن نفس) أنا أريد أن أعبر وهو شيء آخر. (إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً فأقول أنه سميع بكله) هذه الروايات التي وردت قالت أنه عالم لا جهل فيه، لا جزء منه عالم. (سميع بكله) مباشرة الإمام× دفع دخل مقدر، لأنه إذا قال بكله يعني له أجزاء. قال: (لا أنه الكل منه له بعض) لا يتبادر من ذلك عندما أقول كل تستطيع أن تجزئه (ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك إلا أنه هو السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى. قال له السائل: فما هو) لم يكتف السائل، الإمام عليه السلام تفصيلاً يقول (قال له السائل: فإنا نستطيع أن نتوهمه أو لا) يعني نتصوره (قال: نعم. فقال له السائل فإنا لم نجد موهوماً إلا مخلوقاً) كما نعبر أن ذاك الزنديق لم يكن عادياً (قال أبو عبد الله لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعاً لأنا لم نكلف غير موهوم) هذا الذي قال عنه الرضا× كما ميزتموه بأدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مردود إليكم، ولكن لا طريق لنا، ليس لنا طريق آخر لمعرفته. ولكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك به تحده الحواس … (قال له السائل: بهذا البيان فقد حددته إذ أثبت وجوده) أنت بمجرد أن أثبت وجوده صار محدودا. قال أبو عبد الله: لم أحده ولكني أثبته) هذه من مبارك الروايات التي ورد فيها اجتماع النقيضين ممتنع. إذا سألك أحد هل عندنا رواية في اجتماع النقيضين (إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة) هذا أصل يبني عليه الإمام الرضا في توحيد الصدوق (قال له السائل: فله إنية ومائية؟) الإنية يعني الوجود والمائية ما هو. هنا الحكماء الذين فسروا والمتكلمين من الشيعة الذين فسروا هذه الرواية من أصول الكافي واقعاً وقعوا في حيرة، وفي آخر المطاف فسروا المائية بالوجود فقالوا له إنية وإنية، لأن الإمام يقول (لا يثبت الشيء بإنية ومائية) أصلاً شيء بلا ماهية ممكن أو غير ممكن، هنا ملة صدرا يقول نحن ثبت لنا أن الواجب ليس له ماهية، إذن ما معنى المائية هنا. يقول: الجواب أن المراد من المائية هنا المائية بالمعنى الأعم، والمعنى الأعم يعني الوجود. إذن الله لا يثبت الشيء إلا بإنية وإنية. والأمر إليك أن هذا تفسير يمكن أن يحمل عليه الكلام ولكن من باب ضيق الخناق … وهذه واحدة من القواعد التي أنا أبني عليها يكون في علمكم، منهجي منهج عقلي في العقيدة، ولكن منهج عقلي تعليقي لا منهج عقلي تنجيزي، وبهذا اختلف عن المشائين، المشائين يقولون أن المنهج عقلي تنجيزي، ماذا يعني؟ إذا قال العقل جئت إلى الآية والرواية ألوي عنقها لتصح مع مبناي. ولذا هم يأتون إلى النصوص لتأييد ما عندهم لا لمعرفة صحة ما عندهم. أنا أعتقد لا، إذا أسسنا قاعدة، لأن هذه القاعدة العقلية قاعدة نظرية وليست قاعدة بديهية، وإذا صارت نظرية فقد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، معصومة أو غير معصومة؟ غير معصومة، فإذا وجدت أن النصوص القرآنية والنصوص الروائية ليست مورد أو موردين تصطدم مع قاعدتي، هذا لابد أن يكون منبهاً لي على أن ما أسسته تام أو ليس بتام؟ وهذا الذي فعله محمد باقر الصدر سيدنا الأستاذ، ماذا فعل في قاعدة قبح العقاب بلا بيان، نفس هذا الكلام، قال أنا آمنت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولكن عندما جئت إلى المسائل الأصولية وجدت مورد بعد آخر يصطدم مع القاعدة العقلية، الأعلام يعني المنهج العام في علم الأصول صاروا بصدد التوجيه في النص النقلي حتى ينسجم مع القاعدة العقلية. أنا قلت: لا، هذه منبهات أن القاعدة العقلية يوجد فيها خلل. هذه رواية من الروايات … طبعاً روايات كثيرة من قبيل هذا.

إذن أنا معتقد كما قلت هذا المعنى في (شرح نهاية الحكمة، ج1، ص164) قلت: (القول الثالث المختار في المسألة أما المأخوذ من الأول فهو قبول أن للواجب تعالى ماهية بالمعنى الأخص ولكن ماهية بالمعنى الأخص بحسب التحليل الواقعي النفس الأمري) لا بحسب الوجود الخارجي. (والمأخوذ من الثاني) يعني من نظرية الحكماء، هذا مأخوذ من كلام المتكلمين الذين قالوا أن الواجب له ماهية ولكن اتفق معهم له ماهية ولكن اختلف أن الماهية خارجية. (وأما المأخوذ من الحكماء والمتروك، أما المتروك أنه ليس له ماهية) لا، له ماهية. والمقبول منه أنه بسيط بحسب الواقع الخارجي.

يبقى سؤال أخير في هذا البحث، وهو أنه هل يمكن لأحد أن يعرف ماهية الحق سبحانه وتعالى؟ يعني نحن الآن عن كل شيء نسأل ما هو، ولعلنا في بعض الموجودات نستطيع الوصول وإن كان متعذر أو متعسر ولكنه نستطيع الوصول إلى معرفة ماهية ذلك الشيء، فهل يمكن السؤال عنه بما هو؟ الجواب: نعم، يمكن السؤال. ولا يأتي الجواب أنه لا ماهية له, يأتي الجواب بأن له ماهية على مبنانا لا على مبنى الحكماء. ولكن هل يمكن التعرف عليه أو لا يمكن؟ الجواب: هنا يمتاز الواجب عن الممكن، أنه في الممكن يمكن التعرف ولكنه في الواجب يستحيل التعرف على ماهيته. وجوده تعرفنا عليه، الله عنده وجود وله تحقق. أما ماهيته ما هي؟ هذه الأدعية عندما تقرءونها التفتوا إلى هذا النص وأنه في أكثر من ورد جاء (يا من لا يعلم ما هو إلا هو) هذه من المناطق المغلقة، هذه الخطوط الحمراء، (ويحذركم الله نفسه) هذه ليست يحذركم يقول إذا جئتم أفعل بكم ما أفعل، لا لا، هذا بيان لحقيقة، يقول هذا المكان والموقع يمكن الوصول إليه أو لا يمكنكم، أنا أنبهك هذا الموقع لا تبحث عنه، هذه الدائرة لا تتعب نفسك، لماذا؟ لأن لا تصل إليها. سلام الله على إمام التوحيد (لا يرقى إلي الطير، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير) يعني أنتم لا تتصورا أن تصلوا إلى قمة علي، لا، ذاك في قمة لا يمكن الوصول إليها. نعم، كل الذي تستطيع أن تعرف من علي أنه قف في سفح معارف علي عليه ينحدر منه عليك شيء، لأنه من المظاهر بل المظهر الأتم بعد خاتم الأنبياء والمرسلين. المظهر الأتم للاسم الأعظم الإلهي.

هو المظهر الأتم ولهذا قال (ما لله آية أكبر مني) سلام الله عليك يا أمير المؤمنين. عشت مظلوماً واستشهد مظلوماً وإلى يومنا هذا بقي مظلوماً وأنا لا أعلم أنه في عصر الظهور ماذا سنعرف عن علي×، واطمأنوا أن كثيراً من المصائب والابتلاءات التي يعيشها شيعته – غير شيعته له حساب آخر- أنها مرتبطة بأنهم لم يعطوا أهل البيت حقهم في المعرفة، لأنه إذا لم يعرفوهم يظلمونهم حقهم – لا في السلوك- في المعرفة ولعله ينطبق عليهم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ولذا واقعاً هذه القضية … في المعارف التي تنقل عن مقاماتهم إذا ما استطعنا استيعابها لا تحاول أن تنفيها. قل أنا لا استطيع أن اعتقد، لا تعتقد فلا مشكلة، ولكنه لا تستهزأ ولا تسفه ذلك الرأي، لا تتهم القائلين بذلك بأنهم غلاة أو جهلة أو أو … كما مع الأسف الشديد البعض منا يجعل عقله هو الميزان العام لكل شي.

النتيجة التي ننتهي إليها وهي أنه نحن نعتقد … أما ما هي الآثار؟ فالآثار ما شاء الله أنا طرحتها في الجزء الأول يرجعون، آثار نفي الماهية عن الواجب وآثار إثبات الماهية للواجب، هذه كلها ببركة هذا التحليل النفس الأمري الذي نحن انتهينا إليه وإلا إذا لم نصل إلى هذا الموقع الوسط بين المفاهيم وبين الواقع العيني الذي اصطلحنا عليه بالواقع النفس الأمري الكثير من هذه المسائل غير قابلة للحل. هذا هو تمام الكلام في الأصل الثاني.

الأصل الثالث: إذا تتذكرون قلنا هناك جملة من الأصول أو بعض الأصول أحاول أن أجعل هذا الأصل الثالث آخر الأصول حتى ننتهي.

الأصل الأول كان متعلقاً بأنه كيف يحصل الإنسان على المفاهيم الكلية. الأصل الثاني كان متعلقاً بملاك أو ما هو محكي المفاهيم والقضايا.

الأصل الثالث: محل حديثنا أين؟ أن الوضع عام والموضوع له خاص. أصلاً بحثنا في عالم القضايا، لأن إذا تتذكرون نحن في مسألة الأقسام الأربعة قلنا يوجد حاكم ويوجد طرفان، الطرف الأول الموضوع والطرف الثاني المحمول أو بتعبير آخر المعنى واللفظ. وكل المشكلة في تصور الموضوع حتى يوضع اللفظ لهذا الموضوع، يعني المحمول يعني اللفظ. الآن تعالوا معنا القضايا لها تقسيمات كثيرة في علم المنطق أنا أشرت الى بعضها في كتابنا المختصر في شرح المنطق، أشرت الى أن أقسام القضية كثيرة، يعني أقسام القضية بلحاظ موضوع القضية، أقسام القضية بلحاظ محمول القضية، أقسام القضية بلحاظ النسبة القائمة، أقسام القضية بلحاظ الجهة، أقسام القضية بلحاظ المادة … الآن في هذا الأصل الثالث أريد أن أشير للأعزاء الى أقسام القضية بلحاظ الموضوع الذي هو محل كلامنا، لأنه ما هو معنى الوضع العام والموضوع له الخاص، يعني المعنى المتصور عام ولكن اللفظ يوضع لذلك العام أو لبعض أفراده ومصاديقه؟ هذا القسم الثالث، ولذا أنا أريد أن أتكلم عن التقسيمات بلحاظ موضوع القضية، لا بلحاظ المحمول ولا بلحاظ النسبة ولا بلحاظ الجهة.

يوجد قسمان أساسيان لهذه القضايا:

القسم الأول: وهو أن يكون الملحوظ في القضية المفهوم بما هو مفهوم، يعني نريد أن نضع اللفظ أو نريد أن نضع المحمول نحمل المحمول على هذا الموضوع، الموضوع ما هو؟ نفس المفهوم، في المحمول نريد أن نبين حكم ماذا؟ لا حكم المصاديق، لا حكم الأفراد، بل نريد أن نبين حكم المفهوم نفسه. هذا القسم يكون بنحوين:

النحو الأول: أن ينظر الى المفهوم بقطع النظر عن محكيه، أنا أنظر له. نظري إليه، لا للمفهوم بما له من الحكاية، لا لا، المحكي مغفول عنه، النظر الى المفهوم. عادة المثال الذي تعرفوه أضربه، أنه تأخذ المرآة أمامك مرة تريد أن ترى فيها صورتك ومرة ذاهب للسوق لا لأن ترى صورتك فيها بل تريد أن ترى نفس المرآة. ولذا عبروا عن هذا النحو الأول قالوا ما فيه ينظر. أنا أنظر له. وأعطيه حكماً.

النحو الثاني: أيضاً للمفهوم ولكن للمفهوم بلحاظ ما فيه ينظر، بل بلحاظ ما به ينظر. الحكم ليس لما أنظر بالمفهوم. الحكم للمفهوم ولكن بهذا اللحاظ، ليس الحكم للمحكي، أبداً، بل الحكم للمفهوم ولكن المفهوم بأي لحاظ؟ اللحاظ الأول ما فيه ينظر، واللحاظ الثاني ما به ينظر.

أضرب مثال واضح للأعزاء، مفهوم الإنسان في الذهن، مرة تنظر إليه بالنحو الأول وهذا مفهوم الإنسان في الذهن كلي أو جزئي؟ كلي إذا حكى أما إذا لم تأخذ حكايته؟ موجود من موجودات هذا العالم قائم بالنفس، ولذا تعبر عنه كيف نفساني، يعني عرض، يعني قائم … والكيف النفساني هل يمكن أن يكون كلياً؟ أبداً. إذن إذا لاحظت مفهوم الكلي ونظرت إليه بما فيه يُنظر فهو موجود شخصي جزئي يختلف كأي مفهوم من موجودات هذا العالم. وبهذا اللحاظ يسمى علماً. أما أخرى تنظر إليه لا بما فيه يُنظر، بل تجعله آلة لأن تنظر من وراءه الى محكيه. فماذا يكون هنا جزئي أو كلي؟ هنا يكون كلياً، إذن مفهوم الإنسان جزئي أو كلي؟

يقولون بأن المحقق الطوسي كان يبحث عنه ذاك المغولي، كلما حاولوا أن يجدوه فلم يجدوه، كان أحد أهل العلم جالس، قالوا يقينا أن الطوسي يريد أن يهرب من أحد أبواب المدينة، كل من أراد أن يخرج من أبواب المدينة هذه كم، فإذا أجاب أي جواب أتركوه يذهب، أما إذا أجاب أحد عدة أجوبة فأتوا به. هذا يعلم الشرطة، أحد العلماء. فعندما وصل المحقق الطوسي الى الباب يريد أن يخرج قالوا له هذه كم، قال إذا هذه نربطها تكون سبعة، إذا نفصلها تكون اثنين، إذا نقلبها تكون ثمانية. فأتوا به فتبين لهم أنه الشيخ الطوسي.

فإذا سألت أنت أحد العوام، يعني مبتدأ في طلب العلم، الإنسان في الذهن كلي أو جزئي بماذا يجيب؟ … من المسلمات وإذا قلت له لا …. يقال أن السيد الخوئي صار عنده بحث مع أحد، فطال البحث فعجز ذلك الشخص عن الاستمرار فمد يده على عصاه فيقال بأن السيد الخوئي قال لم يثبت أن العصا أحد الأدلة. بعض الأحيان العصا تكون أحد الأدلة.

ارجع الى بحثي: الجواب: تقول له إن نظرت الى مفهوم الإنسان بلحاظ ما فيه ينظر فهو شخصي لا جزئي، لأن الجزئي فيه اصطلاحات متعددة، شخصي أصلاً هو وجود من موجودات العالم. ولكن وجود قائم بالنفس. وإن نظرت إليه بلحاظ ما به ينظر فيكون كلياً. هذا هو القسم الأول بلحاظ الموضوع. القسم الثاني يأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات