الأخبار

المحاضرة (85)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الإشكال الذي ذكر على القسم الثالث من أقسام الوضع، وهو إذا تصور معنى عاماً فهل يمكن أن يضع اللفظ لما هو المحكي بذلك المعنى العام أو لا؟ فالمتصور هو المعنى العام واللفظ موضوع للمعنى الخاص، التفتوا جيداً للتعابير إذا عبر عنها بهذه التعبير فهي خاطئة، لماذا؟ باعتبار ما أشرنا إليه أن العلقة الوضعية إنما هي قائمة بين اللفظ وبين المفهوم، لا بين اللفظ والمصداق الخارجي. العلقة الوضعية قائمة بين طرفين، اللفظ والمعنى. لا اللفظ والمصداق الخارجي. فهل يمكن أن يتصور المعنى العام ولكن يضع اللفظ لا للخاص وإنما للمعنى الخاص وللمفهوم الخاص. هذا هو أصل الإشكالية التي قربناها في البحث السابق بشكل واضح والأعزاء الذين يريدون مراجعة هذه الإشكالية يراجعونها في (المنتقى، ج1، ص74) للسيد الروحاني حيث قال: (فقد يشكل في إمكانه بأنه حيث يعتبر لحاظ المعنى الموضوع له اللفظ في الوضع كما عرفت) لا يكفي أن تلحظ أو يكون الخاص هو المصداق الخارجي (وإنما الوضع فيها حكم والحكم لابد من تصور طرفيه وهو المعنى واللفظ، فإما أن يكون الخاص الذي يقصد وضع اللفظ بإزائه ملحوظاً) الخاص ملحوظ لا المصداق الخارجي (ملحوظاً مع لحاظ العام أو غير ملحوظ أصلاً) هذا من قبيل القسمة بين النفي والإثبات إما ملحوظ مع لحاظ العام أو غير ملحوظ (إما غير ملحوظ فباطل، لماذا؟ لأن الوضع يتقوم بتصور طرفي الحكم، وأما ملحوظ بلحاظ العام فهذا غير معقول، لماذا؟ لأن المفاهيم متباينة بتمام الذات كما أشرنا إليه تفصيلاً.

نفس هذا الإشكال ورد في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص88) وكذلك (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص115) وكذلك (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص77) وقريب من البيان المتقدم في الدرس السابقة يشير إليه مما ذكره عن العراقي، يقول: (وقد صور المحقق العراقي) هذا أنقله من (المنتقى) للسيد الروحاني، لأني لا يوجد عندي (بدائع الأفكار) للمحقق العراقي، المحقق العراقي عنده نهاية الأفكار ومقالات الأصول، ولكن هذه بدائع الأفكار بتقريرات مرزا هاشم الآملي.

يقول: (وقد صور المحقق العراقي الإشكال في الوضع العام والموضوع له الخاص بتقرير آخر أن العام باعتبار انتزاعه عما به الاشتراك بين الأفراد لا يصلح أن يكون وجهاً لأفراده) لماذا لا يصلح؟ لأن المشترك غير المختص والعام غير الأفراد، لأن العام يشير إلى ما به الاشتراط والأفراد تشير إلى ما به الاختصاص، فلا يمكن تصور العام الذي ما به الاشتراك ووضع اللفظ للخاص الذي ما به الاختصاص. قال: (بخصوصياتها ولا يكون تصوره) أي تصور العام (تصوراً للخاص بوجه) لماذ؟ (لا يصلح أن يكون وجهاً لأفراده لتقوم الأفراد بالخصوصيات المفروض إغفالها وتجريد الأفراد عنها في انتزاع المفهوم العام) طبعاً هذا على الكلام الذي تقدم فيما سبق بأنه أساساً أن الوصول إلى العام وحصول الإنسان على العام والكلي هل هو من خلال التجريد والتقشير ومن خلال رمي الخصوصيات أو بطريق آخر أشرنا إليه عندما تكلمنا في الأصل الأول. وبنفس هذا البيان تقدم عن السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص50) هذا هو الإشكال بحقيقته، وفي بعض الكلمات كالسيد الشهيد وغيره ذكرت إشكالات أخرى ولكن كلها مرجعها إلى هذا الإشكال الأساسي الذي أشرنا إليه.

ما هو الجواب؟

فيما سبق كنا نذكر أجوبة الأعلام ونعلق ع ليها، والآن سوف نذكر الجواب الذي نختاره وبعد ذلك سنعلق على كلمات الأعلام الذين أجابوا عن هذا الإشكال لبيان إمكانية الوضع العام والموضوع له العام، لأنا نتكلم الآن في أن هذا القسم الثالث ممكن أو ممتنع.

جوابنا يبتني على القسم الأول من الأصل الثالث والأصل الرابع. ما هو القسم الأول؟ بعبارة أدق النحو الثاني من القسم الأول من الأصل الثالث، ماذا كان؟ قلنا بأنه عندما نريد أن نضع اللفظ إما نضع اللفظ للمفهوم بما هو مفهوم وهذا على نحوين، وعبرنا عن القضية بأنها ذهنية، هذا على نحوين أنه ينظر إلى المعنى والمفهوم بنظرة ما فيه ينظر الذي هو النحو الأول، أو ينظر إليه بما به ينظر، يعني نتصور المفهوم العام. ولكن نريد أن نبين حكم المفهوم بما هو مفهوم أو حكم المفهوم بلحاظ ما يحكي عنه ذلك المفهوم؟ قلنا بلحاظ ما يحكي عنه ذلك المفهوم. هذا هو النحو الثاني من القسم الأول من الأصل الثالث.

سؤال: ما هو الأصل الرابع؟ يتذكر الأعزاء بالأمس أو في الدروس السابق قلنا أن الأصل الرابع وهو أن المعقولات تنقسم إلى أولية وإلى ثانوية، القسم الأول تقسيم بحسب اصطلاح الفلسفي الذي قلنا مرجعه إلى ما له بإزاء وما ليس له ما بإزاء، وهذا ليس محل كلامنا. إذن القسم الثاني ماذا …. الأصل الرابع باصطلاح المنطقي، يعني وصف المعقول بالأولي والثانوي وصف بحال نفس الموصوف، يعني أن المعقول الأولي معنى في الذهن والمعقول الثانوي معنى في الذهن أيضاً. كلاهما معقول. ولكن المعقول الثانوي يبين أحكام المعقول الأولي، بعبارة أخرى أن المعقول الثانوي يكون بمنزلة المفهوم والمعقول الأولي يكون بمنزلة المصداق. وقد اشرنا إلى هذه النقطة تفصيلاً في البحث السابق.

الآن نأتي إلى محل كلامنا وهو في الوضع العام والموضوع له الخاص، نتصور معنى عاماً من قبيل المعقول الثانوي أو الثاني المنطقي، لا المعقول الثاني الفلسفي، ثم نضع اللفظ بإزاء ماذا؟ لا بإزاء المعقول الثانوي المنطقي بل بإزكاء المعقول الأولي. ولكنه بأي نحو؟ بالنحو الذي تقدم في النحو الثاني من القسم الأول من الأصل الثالث. إذا يتذكر الأعزاء كنا نقول في البحث السابق التفتوا ودققوا وراجعوا هذا كان قصدي، لأنها أساساً نحن في الأصل الرابع قلنا يوجد عندنا نحوان من المفاهيم والمعقولات، معقولات حاكية وهي المعقول الثانوي ومعقولات محكية وهي المعقول الأولي. هنا نتصور المعقولات الحاكية بلحاظ ذاتها، يعني ما فيها ينظر أو ما بها ينظر؟ ما بها ينظر ونضع اللفظ للمحكي. هذا هو الجواب. وعلى هذا الأساس فالقسم الثالث من أقسام الوضع وهو الوضع العام والموضوع له الخاص أننا نتصور، الوضع العام يعني المعقولات الأولية المنطقية والموضوع له الخاص يعني المعقولات الأولية المنطقية. يعني بلحاظ اصطلاح المنطق، لا أنها منطقية لأنه أساساً المنطق لا يوجد عنده إلا معقولات ثانوية. ولكن بهذا الاصطلاح يعني جعل المفهوم هو المحكي لا الواقع الخارجي، حتى يرد علينا إشكال المستشكل إشكال السيد الشهيد بأنه لا علاقة بين اللفظ وبين الواقع الخارجي. لا، العلاقة قائمة بين اللفظ وبين المعنى الذهني، ولكن المعنى الذهني لا المعنى الذهني الحاكي وهو العام بل المعنى الذهني المحكي وهو الخاص. وبهذا انتهينا إن شاء الله تعالى بحسب المباني إلى إمكانية القسم الثالث من أقسام الوضع وهو الوضع العام والموضوع له الخاص. هذا جوابنا عن المسألة.

تعالوا معنا إلى أجوبة الأعلام لنرى أنهم وفقوا في الجواب عن ذلك أم لم يوفقوا؟ وإذا لم يوفقوا فما هي الإشكالات الواردة عليهم؟

الجواب الأول: ما ذكر في كتاب (الدراسات في علم الأصول، ج4، ص34) تقريرات السيد علي الهاشمي الشهرودي، سأقرأ الجواب وإذا كان هناك تعليق سوف نعلق على هذا الجواب. يقول: (هذا وفي كلا الأمرين ما لا يخفى) أنه ممكن أو ليس بممكن (فذكروا أن القسم الثالث ممتنع عقلاً) لماذا ممتنع عقلاً؟ للبيان الذي أشرنا إليه وهو أن المفهوم لا يحكي إلا عن مصداقه والوضع إنما هو علاقة بين اللفظ وبين المفهوم وبتصور المعنى العام لا يمكن الوضع للخاص الخارجي. (فإن الكلي) هنا السيد الخوئي خلافاً لما ورد في المحاضرات، وأنا لا أعلم هذه أي دورة، هذا الذي ورد في كلامه في الدراسات أدق بكثير مما ورد في المحاضرات، ولذا أنا الآن أنقل نظره وجوابه في الدراسات.

يقول: (الكلي تارة يلحظ من حيث هو) يعني المعنى الكلي إشارة إلى النحو الأول من القسم الأول في الأصل الثالث، أنت تنظر إلى الكلي لا بلحاظ الحكاية عن الأفراد بل بما هو هو، يعني ما فيه ينظر. (يلحظ من حيث هو، أي الطبيعة المهملة) ولذا إذا تتذكرون فيما سبق قلنا أن هذا النحو سمي عندهم بالقضية الطبيعية، وإن كان الأدق قلنا أنه لابد أن نسمي النحو الأول من القسم الثاني. (ولا تحمل على هذا الكلي حينئذٍ إلا الأحكام المختصة به) يعني ننظر إلى هذا المفهوم ونعطيه أحكام هذا المفهوم لا أحكام أفراد هذا المفهوم. (المعبر عنها بالمعقولات الثانوية). هذا إشارة إلى النحو الأول من القسم الأول من أقسام الحمل الذي أشرنا إليه. (وأخرى يلحظ بنحو السريان) أي الكلي الموجود، ما هو مراده من الكلي الموجود أو السريان؟ يعني يلحظ المفهوم الكلي ولكن يوضع لنفس المفهوم أو بلحاظ أفراده التي يسري فيها؟ … وهذا هو النحو الثاني من القسم الأول. (وحينئذ لا يحمل عليه إلا أحكام الأفراد) لماذا؟ لأن اللفظ لم يوضع للحاكي وإنما وضع للحاكي بلحاظ أفراده ومحكيه، فإذن الحكم للحاكي أو للمحكي؟ الجواب: للحاكي بلحاظ المحكي، لماذا نقيد؟ باعتبار أن القسم الثاني كان بلحاظ المحكي مباشرة. (وحينئذ لا يحمل عليه إلا أحكام الأفراد).

يقول: (ويعبر عنه) عن هذا النحو من القسم الأول، (ويعبر عنه في اصطلاح الأصوليين باللا شرط القسمي كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية) الأعزاء تذكروا الإشكال أو لا، وهو أن مقسم القضايا الحقيقية أين كان القسم الأول من القضايا أو القسم الثاني؟ كان النحو الثاني من القسم الثاني. وهنا جعله السيد الخوئي للنحو الثاني من القسم الأول. إذن أولاً إشكالنا الأول أن هذا على خلاف الاصطلاح المنطقي فإن القضايا الحقيقية مقسمها ليس هو الكلي بلحاظ الأفراد بل مقسمها هي الملحوظ فيها الأفراد، فالأفراد إما أن تحلظ بنحو الطبيعة، المحكي إما بنحو الطبيعة وإما بنحو الأفراد والأفراد إما شخصية وإما خارجية وإما حقيقية.

إذن التعليق الأول على هذا الكلام: أن هذا البيان على خلاف الاصطلاح ا لذي ذكره علماء المنطق.

(فيكون الحكم المترتب عليه مترتباً على أفراده، مثلاً) يضرب مثال القضية الحقيقية (لو قيل الخمر حرام فمعناه أن هذا الفرد منه حرام وذلك الفرد حرام … وبالجملة فكما) الآن يريد أن يطبق هذا على محل الكلام، يقول كما تصورنا في الكلي أنه يتصور الكلي بما هو هو ويتصور الكلي بلحاظ أفراده بتعبيره الكلي السرياني في المقام أيضاً كذلك مرة نتصور المعنى العام ونضع له اللفظ فالوضع العام والموضوع له العام، ومرة نتصور المعنى العام السرياني بلحاظ أفراده فنضع اللفظ بلحاظ الأفراد. إذن فالوضع العام والموضوع له الخاص تام.

سؤال: هذا الكلام تام أو غير تام؟

الجواب: نسأل منكم سيدنا أي أفراد تقصدون بالكلي السرياني، مقصودكم الأفراد الخارجية، فالجواب لا علاقة بين اللفظ وبين الأفراد الخارجية، مقصودك الأفراد التي هي معاني ذهنية فجاء في الجواب وجاء في البيان أو لم يأت؟ لم يأت في البيان، فبيان على أفضل التقادير بغض النظر أنه فيه إشكالية أنه على خلاف الاصطلاح، جواب ناقص أو جواب تام؟ جواب ناقص، لماذا؟ لأنه أنت تقول الكلي بلحاظ السريان للأفراد، أي أفراد؟ إن كان مقصودك الأفراد الخارجية يعني بلحاظ عالم نفس الأمر فالعلقة الوضعية قائمة بين اللفظ وبين المصاديق النفس الأمرية أو غير قائمة؟ غير قائمة. وإن كان بلحاظ المعاني التي في الذهني فبين أو لم يبين؟ لم يبين.

(وبالجملة فكما يأتي القسمان في غير الوضع) يعني في الكلي (يتصور في الوضع أيضاً فإذا تصور الواضع المعنى بنحو السريان يكون متصوراً للفرد) لا، الجواب كلا، أي فرد هذا الذي يتصوره، إذا كان مقصود الفرد المفهومي فهناك تباين بين المفاهيم، إذا كان يتصور الفرد الخارجي. صحيح يتصور لأن الكلي فان في أفراده ولكنه العلقة الوضعية قائمة بين اللفظ وبين الأفراد الخارجية أو غير قائمة؟ غير قائمة.

(وإذا وضع اللفظ له كذلك يكون الموضوع له ذوات الأفراد … فالصحيح إمكان الوضع العام والموضوع له الخاص …) هذا الجواب أولاً أنه فيه إشكالية، طبعاً هذا ليس إشكال وإنما على خلاف الاصطلاح، هذا أولاً. وثانياً أنه لم يعين لنا أنه الكلي السرياني إلى الأفراد أي أفراد هي. هل هي الأفراد بلحاظ عالم نفس الأمر أو هي الأفراد بلحاظ عالم المعنى. إذن هذا الجواب الذي ورد في الدراسات غير تام.

الجواب الثاني: وهو الذي ذكره السيد الروحاني في (المنتقى) السيد الروحاني وإن كان ظاهر عبارته أنه لا يريد أن يقول أن الإشكال وارد ونلتزم بالامتناع والاستحالة. ولكن مرجع كلامه إلى هذا. يعني بعد أن يذكر الإشكال من العراقي ومن السيد الخوئي أستاذه وغيرهم يقول بأن هذه الأجوبة كلها غير تامة. إذن ما هو الجواب؟ يقول: الجواب أننا لا نحتاج إلى أن نتصور المعنى الخاص لكي نضع اللفظ له، يعني تسليم بالإشكال أو رد للإشكال؟ هذا تسليم بالإشكال. هذا ليس جواباً عن الإشكال هذا قبول بالإشكال، لأن الإشكال كان يقول كيف يمكن أن تتصور المعنى العام ولكن تضع اللفظ للمعنى الخاص، هو يقول: لا نحتاج أن نتصور المعنى الخاص، يعني الإشكال وارد أو غير وارد؟ يعني الإشكال وارد. هذه عبارته في (المنتقى، ج1، ص75) قال: (والجواب أن يقال أن تحقق الوضع لا يتوقف على لحاظ الموضوع حتى إجمالاً) لأنه جواب آخر للسيد الخوئي وللعراقي ولغيره يقولون يكفي التصور الإجمالي للمعنى الخاص، كيف نتصور المعنى الخاص إجمالاً؟ قال: من خلال تصور المعنى العام فإنه إذا تصورنا المعنى العام فهو تصور تفصيلي للمعنى العام وتصور إجمالي للمعاني الخاصة. يقول أساساً لا نحتاج إلى تصور المعنى الخاص تفصيلاً لأنه مآله إلى الوضع العالم والموضوع له الخاص. ولا إجمالاً، لماذا؟ يقول: (بل يمكن الوضع في المقام لمعنى مع عدم لحاظه بالمرة أصلاً وذلك بواسطة الإشارة إليه بأدوات الإشارة كأسماء الإشارة). ما هو الجواب؟ يقول: أساساً لا نحتاج أن نتصور المعنى الخاص لا تفصيلاً ولا إجمالاً حتى نضع اللفظ له. إذن كيف تضع؟ يقول: نتصور المعنى الخاص بالإشارة إليه، وبعبارة أخرى المعنى الخاص متصور أو غير متصور؟ غير متصور وإنما يشار إليه إما بواحدة من أسماء الإشارة وإما بالموصول … الخ.

وعليه فلو ثبت لأنه غير معقول نقول بأنه بل بتوسيط الإشارة … (والحاصل أن الوضع بحكم كونه حكماً على الموضوع له لا يستدعي سوى تعيين الموضوع له، والتعيين كما يكون بواسطة إحضار نفس المعنى والحكم عليه مباشرة) كالوضع الخاص والموضوع له الخاص (كذلك يكون بواسطة الإشارة إليه بمشير ما بلا حضوره بنفسه في الذهن). هذا هو كلام السيد الروحاني.

السؤال: أنه بالإشارة ما هو المشار إليه، في النتيجة أنت تريد أن تشير لتضع اللفظ للإشارة أو للمشار إليه؟ لا إشكال ولا شبهة أنه لا يريد أن يضع اللفظ للإشارة، لأن الإشارة أسماء الإشارة الموصولات، وإنما يريد أن يضع … وكل ما تبدل هو المعنى العام والموضوع له الخاص صار عندنا الإشارة والمشار إليه، فتصور السيد الروحاني أنه حل المشكلة بتغيير الألفاظ، ونحن لا مشكلة عندنا، نسلم معك أنه عندنا إشارة وعندنا مشار إليه، الوضع وضع اللفظ لأي شيء؟ للإشارة؟ لا. للمشار إليه، هذا المشار إليه من هو الخارجي أو الذهني؟ هل هناك احتمال ثالث؟ فإن كان المشار إليه الخارجي يعني الفرد الخارجي فقد ذكرنا أن الوضع علاقة بين اللفظ الواقع الخارجي أو علاقة بين اللفظ والمعنى الذهني، أي منهما؟ الثاني. إذن لا يمكن أن يكون المشار إليه الأفراد الخارجية، يبقى عندنا المشار إليه الأفراد الذهنية. سيدنا، إذا صار المشار إليه أفراد ذهنية إذن هو متعقل أو غير متعقل؟ فلماذا تقول أنه غير متعقل؟ إذا صار المشار إليه … لا المصاديق الخارجية بل المصاديق الذهنية فإذا صارت مصاديق ذهنية صارت معقولات ذهنية، إذن متصورة أو غير متصورة، إذن لماذا تفترضون إذا استحال ذلك، بل هي متصورة. فلو ثبت عدم إمكان لحاظ الأفراد وتصورها وعدم كفاية تصور العام في لحاظها.

والغريب أنه عنده جملة في آخر هذا الجواب، يقول: (لأن الوضع كان بإزاء المفاهيم الجزئية المندرجة تحت العام) وهذا الذي نريد أن نقوله، إذن لماذا تفترض أنه غير ممكن. إذن المشار إليه إما الخارج فلا تتحقق العلقة الوضعية وإما الذهن فالمشار إليه إذن ما هو؟ متعقل في الذهن ومآله إلى الجواب الذي اشرنا إليه فيما سبق.

هذا هو الجواب الثاني.

الجواب الثالث: وهو الجواب الذي ذكره سيدنا الشهيد السيد الصدر، السيد الشهيد في تقريرات السيد الهاشمي عنده جواب وفي تقريري السيد الحائري والشيخ حسن عبد الساتر عنده جواب آخر، وبمقتضى القاعدة باعتبار أن ما كتب بتقرير السيد الحائري والشيخ حسن عبد الساتر هي الدورة الأولى وما مكتوب في تقريرات السيد الهاشمي في هذه المباحث هي الدورة الثانية، طبعاً هذه إلى أواسط مباحث الاشتغال وإلا ما بعد أواسط مباحث الاشتغال إلى آخر التعارض يعني الاستصحاب وغيرها هذه كلها لا توجد إلا دورة واحدة كما أشرنا إليه مراراً.

أنا سأنقل الجواب الذي ذكره بحسب الدورة الثانية وإلا بحسب الدورة الأولى توجد إشكالات أخرى الآن لسنا بصددها ولا تستحق لأنها تأخذ وقتاً طويلاً.

الجواب الذي انتهى إليه في الدورة الثانية وهو ما أورد في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص88 و 89) يقول: أولاً يقترح الجواب، يقول إذا أمكن هكذا نفعل نستطيع أن نصور المعنى العام والموضوع له الخاص. ثم يصير بصدد تطبيقه على المقام أنه ممكن أو لا. ما هو الاقتراح؟ يقول بعد أن يذكر الإشكال (لو أمكن أن يلحظ مفهوم الإنسان فانياً لا في أفراده الخارجية بل في المفاهيم الجزئية) يعني إشارة إلى أي نوع من القضايا؟ النحو الثاني من القسم الأول (لو أمكن أن يلحظ مفهوم الإنسان فانياً في المفاهيم الجزئية) لا في الأفراد الجزئية (ويوضع له اللفظ) يعني اللفظ لهذا العام بلحاظ أفراده بلحاظ المفاهيم الجزئية (ويوضع له اللفظ بهذا اللحاظ) أي لحاظ؟ لحاظ مفهوم الإنسان فانٍ في المفاهيم الجزئية (لحصل مدعي الوضع العام والموضوع له الخاص على مقصوده) إذا استطعنا أن نصور هكذا واقعاً أمكن أن نصور الوضع العام والموضوع له الخاص، ولكنه غير صحيح، لماذا غير صحيح؟ لأننا ذكرنا فيما سبق أن المفهوم العام … المفهوم الكلي والمفهوم الجزئي مفاهيم متباينة بتمام الذات. يقول: (ولكنه غير صحيح لأن المفهوم الكلي والمفهوم الجزئي في عالم المفهومية متباينان) وهذا التقريب من الإشكال يتجه الجواب عنه، ماذا يقول؟ يقول نستطيع أن نصور لكم مفهوماً عاماً حاكٍ عن … لا عن مصداق خارجي بل عن مفهوم جزئي. كيف؟ يقول: (بأن المفهوم العام الذي يتصوره الواضع في حالات الوضع العام والموضوع له الخاص ليس هو المفهوم العام المنتزع من الخارج ابتداء) لأن هذا هو المعقول الأولي الذي ينتزع من الخارج ابتداء، سيدنا إذن أي مفهوم عام؟ يقول: لا، مقصودي من المفهوم العام بلحاظ المعقول الثانوي لا بلحاظ المفهوم الأولي.

يتكلم على ما أسسنا له في الأصل الرابع. يقول: (ليس هو المفهوم العام المنتزع من الخارج ابتداء فحسب كمفهوم الإنسان الذي لا يصلح أن يكون فانياً إلا في الواقع الخارجي المنتزع منه) المفهوم المنتزع من الخارج لا يكون حاكياً إلا عن الأفراد الخارجية، (بل المفهوم العام المنتزع من نفس المفاهيم الجزئية التي يراد الوضع لها). يعني هذا المعنى العام معقول أولي أو معقول ثانوي؟ يقول: إذا كان مقصودكم تصورتم المفهوم العام والمعنى العام بما هو معقول أولي فلا يعقل أن يوضع للمعنى الخاص، أما إذا تصورتم مفهوم العام بما هو معقول ثانوي يمكن لكم أن تضعوا اللفظ لمعنى خاص ولمفاهيم جزئية.

(بل المفهوم العام المنتزع من نفس المفاهيم الجزئية التي يراد الوضع لها سيكون من المعقولات الثانوية).

سؤال: أي ثانوي هنا؟ ثانوي فلسفي أو ثانوي باصطلاح المنطقي؟ هذه ليست ثانوي الفلسفي وإنما ثانوي … لأننا قلنا في الفلسفي كلاهما منتزع من الخارج. (كمفهوم الجزئي من الإنسان ونحو ذلك، فأن هذا) يعني الجزئي (فأن هذا مفهوم منتزع عن مفهوم زيد وعمرو وخالد وهكذا). تقول زيد جزئي، زيد جزئي لا الخارج، مفهوم زيد ما هو؟ جزئي. مفهوم علي ما هو؟ جزئي. مفهوم عمرو جزئي وهكذا. قال: (وبحكم ذلك يكون صالحاً) يعني المفهوم العام (لأن يلاحظ) هذا المفهوم العام بما هو معقول ثانوي (لأن يلاحظ بما هو فانٍ في تلك المفاهيم وحاكٍ عنها ويوضع له اللفظ بهذا اللحاظ) أي لحاظ؟ (لحاظ المفهوم العام المعقول الثانوي الحاكي عن مفاهيم جزئية (فتكون العلاقة الوضعية قائمة بتلك المفاهيم) يعني اللفظ موضوع للمعنى الجزئي (وبذلك يتحقق الوضع العام والموضوع له الخاص).

ولذا السيد الحائري عندما يأتي إلى الجواب الذي ذكره في الدورة الأولى في الحاشية يقول: لسيدنا الأستاذ جواب آخر ذكره في تقريرات السيد الهاشمي. الأخوة الذين يريدون المراجعة في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص115) يقول: (ورد في تقريرات السيد الهاشمي حفظه الله في الجزء الأول، ص89 جواب على هذا الإشكال وهو أن المفاهيم العامة على قسمين: ما هو منتزع من المصاديق الخارجية كالإنسان وهذا هو الذي لا يمكن أن يكون الموضوع له فيه خاصاً، لأنه لا يفنى في مفهوم جزئي، بل هما مفهومان متباينان، والثاني ما هو منتزع من المفاهيم الجزئية) يعني من المعقولات الثانوية (كمفهوم الجزئي المنتزع من مفهوم زيد وعمرو لا من المصاديق) يعني المصاديق النفس الأمرية (فهنا بما أنه ليس المفهوم العام في عرض المفهوم الخاص) بل هو حاكٍ عنه ومرآة له منتزع من الخارج (بل هو منتزع من المفاهيم الجزئية فيكون وجهاً وعنواناً) لا للمصاديق الخارجية بل للمفاهيم الجزئية. (فبإمكان الواضع أن يضع اللفظ لتلك المفاهيم الجزئية التي تصورها إجمالاً، وبوجهها الذي هو المفهوم العام).

إذن الجواب الذي ذكره سيدنا الأستاذ جواب تام على المباني وإن لم يشر إلى الأصول الموضوعة لهذا الجواب التي أوضحناها تفصيلاً فيما سبق. تبقى أجوبة أخرى تأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات