الأخبار

المحاضرة (91)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في معاني الحروف والهيئات وبالخصوص معاني الحروف، يعني ما هو معنى (من) وما هو معنى (على) وما هو معنى (في) وهكذا ما يلحق الحروف من الهيئات كما يقال اسم الفاعل واسم المفعول ونحو ذلك. قلنا فيما يتعلق بهذا البحث وهو بحث في الأصل مرتبط بفقه اللغة ولكن علماء الفقه وعلماء الأصول لحاجتهم إلى هذا البحث المرتبط بفقه اللغة اضطروا إلى أن يبحثوا هذه المسألة في علم الأصول، وإلا ليست هي من مقدمات عملية الاستنباط، إلا في بعض فروضها كما سيتضح البحث لاحقاً. نحن مراراً ذكرنا للأعزاء أن علماء الأصول بحثوا مسائل من عدة أنواع، نوع منها احتاجوا إليها ولم يجدوها في علم آخر، نوع منها وجدت في علم آخر ولكن اختلفوا في طريقة بحثها، فبحثوها عندهم، وإن كانت مرتبطة بعلم آخر، نوع ثالث بحثها الآخرون واتفقوا معهم ولكن هناك حيثية في المسألة لم يلتفت إليها أولئك فبحثوها من تلك الحيثية التي هي مورد الحاجة.

ومن هنا عبرنا عن علم الأصول بأنه علم أشبه بعلم كشكولي، لا يوجد له لا موضوع واحد ولا محمول واحد ولا منهج واحد ونحو ذلك. ولذا قد تجد مسألة في علم الأصول تبحث بحثاً بمنهج عقلي ومسألة أخرى تبحث بمنهج نقلي ومسألة ثالثة تبحث بمنهج عقلائي أو عرفي ومسألة رابعة تبحث بمنهج لغوي وفقه اللغة. وإذا كان لعلم الأصول موضوع واحد فيكون له محمول من سنخ الموضوع وله منهج واحد. إذن تعدد الموضوعات وتعدد المحمولات وتعدد المناهج يكشف عن أن علم الأصول ليس علماً بالمعنى المصطلح عليه في فلسفة العلم.

على كل الأحوال لا يهم كثيراً، ولكن يهم في هذه الجهة وهو أنه أساساً لا يتبادر إلى الذهن أننا نسوق جميع مسائل علم الأصول بسوق واحد وبمنهج واحد وباستدلال واحد.

الاتجاه الأول في معاني الحروف وما يلحق بها، إذا قلنا معاني الحروف يعرف الأعزاء يعني وما يلحق بالحروف من الهيئات.

الاتجاه الأول أساساً أنكر أن يكون لهذه الحروف أنها موضوعة لمعنى، من قال؟ قالوا أو الكلام، من قال لكم أن الحروف موضوعة لمعنى من المعاني؟ هنا يأتي هذا السؤال إذن لا دور لها، يقول: لا، لها دور الحروف، ولكن دورها على حد دور الحركات الإعرابية، ليس أكثر من هذا، كيف أن الحركات الإعرابية ليست موضوعة لمعاني بل تعين حالات المعاني الاسمية، أن هذه الحالة … كيف أن القيام والجلوس والنوم والاضطجاع تبين حالات زيد، زيد قائم غير زيد جالس وغير زيد نائم وغير زيد آكل، هذه تبين حالات زيد، كذلك الحركات تبين حالات الاسم، هذا الاسم إذا كان مرفوع فله حكم وإذا كان منصوباً فله حكم وإذا كان مجرور فله حكم وإذا كان حال فله حكم … (من وعلى وفي …) حكمها حكم الحركات، فكما أن الحركات غير موضوعة لمعاني في اللغة كذلك الحروف غير موضوعة لمعان في اللغة. هذا هو الاتجاه الأول الذي يتذكر الأعزاء أن سيدنا الأستاذ السيد الخوئي في (ج1، ص35) أشار إلى هذا المعنى قال: (فإن المعن الاسمي تارة يلاحظ بما أنه عين) شيء خارجي ومن حيث هو فيقال (وأخرى يلاحظ بما هو أين فيقال، فلفظ في يكون علامة) كما أن حركة الضمة تكون علامة. (فلفظ في يكون علامة على أن الدار ملحوظة ظرفاً لا استقلالاً كما أن الرفع يؤتى به ليكون علامة على الابتداء أو على الفاعلية إلى غير ذلك ففي الحقيقة ليس للحروف معنى أصلاً). إذن لم توضع.

السيد الخوئي على طريقته قال بأنه هذا الكلام كلام لا يمكن أن يقبل، ذكر في (المحاضرات، ج1، ص59) تقريرات الشيخ الفياض، قال: (وعليه فلا معنى للقول بأنها لم توضع لمعنى) بل نسب هذا القول قال (بل يشبه الجمع بين المتناقضين) هذا القول مآله إلى التناقض، ثم قال: (وعلى كل حال فبطلان هذا القول من الواضحات). الآن لا أريد أن أقول قاعدة كلية ولكنه وهذا ديدن المحققين، أعزائي لا يمكن، يعني لطبيعة الأوضاع، أن أحداً يتكلم بكلام يكون جامعاً مانعاً رافعاً للإبهام ورافعاً للالتباس ورافعاً للتشابه … حتى القرآن الكريم، هذا أمامكم القرآن الكريم يتكلم مباشرة يجد أن هذا الكلام فيه التباس، مباشرة يضع إلى جنبه (ليس كمثله شيء) وإلا لو كان قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان) جامع مانع لا لبس فيه ولا تشابه ولا .. كان يحتاج إلى قوله (ليس كمثله) أو لا يحتاج؟ لماذا؟ لأن هذه هي طبيعة اللغة. أنا عندما أقول إذا نظرنا إلى المحققين لا يذهب ذهنك أنه أنا كأنه بالكناية أريد أن أقول أن السيد الخوئي ليس من المحققين، ليس هكذا بل طبيعة البحث هي هذه. أعزائي قاعدة أحفظوها جيداً ومهمة، وهي: صحيح أننا نقول انظر إلى ما قيل ولا علاقة لك بمن قال، ولكن هذا الكلام ليس مطلقاً تام، ولو على نحو الموجبة الجزئية، يعني ماذا؟ يعني أنا عندما أجد أن الشخص المتكلم متخصص في مجال بحثه ويقول كلام هل يمكن أن أتصور أن هذا الكلام وكأنه صادر من إنسان عادي في الشارع، هذا ممكن؟ أقول أنا لا علاقة لي من المتكلم، لا لا، المتكلم له دور مهم في ماذا يريد أن يقول.

أضرب لكم مثالاً على سيدنا الأستاذ السيد الخوئي، إذا كان السيد الخوئي يتكلم في مسألة أصولية هل يمكن لنا أن نقول لا علاقة لنا بمن المتكلم، هل يمكن هذا الفرض؟ هذا المتكلم أحد أعلام هذا الفن وأحد أساطين هذا الفن، إذن قد أن كلامه فيه محمل غير الذي أنت تقرأه، فيه محمل آخر، ولكن نفس هذا الكلام لو صدر من إنسان غير متخصص مباشرة تقول أن بطلان هذا من البديهيات.

وهذا الذي أشرت له أنا في العام الماضي في بحث مرتبط بوحدة الوجود قلنا أن السيد الحكيم قدس الله نفسه في كتابه المستمسك عندما جاء إلى مسألة وحدة الوجود قال لحسن ظنها بهؤلاء الأكابر القائلين بوحدة الوجود، هؤلاء ليسوا أناس عوام لا يفهمون شيئاً وإنما أناس أكابر في هذا المجال، أصحاب فن في هذا المجال، إذن لابد أن عندهم مقصد عباراتهم لم توصلهم إليه. لماذا قدمت هذه المقدمة؟ قدمت هذه المقدمة لأن هذا الكلام منسوب إلى المحقق الرضي، والمحقق الرضي في مجال اختصاصه حجة أو ليس بحجة؟ حجة، واللطيف أنه ليس أنا أقول، هذه عباراته السيد الخوئي يقول (ما نسب إلى الرضي من أنها ليست إلا علائم). إذن لا يمكن ببساطة أن نقول وهذا لازمه الجمع بين النقيضين وبطلانه من … هذه ليست طريقة تحقيقية. إذن أعزائي لا يمكن ببساطة أن نقول هذا بطلانه من الواضحات.

ما هو الإشكال على هذا القول؟ في جملة واحدة وهو أنه في النتيجة، هذا خلاصة كلامي، في النتيجة أن هذه الحروف وجودها كعدمها أو ليس كذلك، لا يمكن لأحد أن يقول أن وجود هذه الحروف في الجملة كعدم وجودها، سرت من البصرة إلى الكوفة، بينك وبين الله هذه نفس مضمون (سرت بصرة كوفة) نفس المضمون؟ لا يمكن لأحد أن يقول أن وجود هذه الحروف كعدم وجودها. والتالي باطل، إذن لابد أن يكون لهذه الحروف دور، وإلا لو لم يكن هناك أي دور للزم أن يكون وجودها كعدمها، والتالي باطل، قياس استثنائي فالمقدم مثله، وهو ليس وجودها كعدمها. إذن ما هي النتيجة؟ إذن لهذه الحروف دور في تكوين الجملة، إذن لها معنى. هذا كلام السيد الخوئي. لأنه إن لم يكن لها معنى إذن ليس لها دور، والتالي باطل، ثبت لها دور إذن لها معنى.

ولذا قال: (لأن الخصوصيات التي دلت عليها الحروف والأدوات هي بعينها المعاني التي وضعت الحروف بإزائها لعدم كونها مأخوذة … فانحصر أن يكون الدال عليها هو الحروف ومن الواضح أن دلالتها عليها ليست إلا من جهة وضعها بإزائها فلا معنى للقول أنها لم توضع لمعنى وإنما وضعت لكذا بل هذا يشبه الجمع بين المتناقضين) إذن بطلان هذا القول من الواضحات.

هذا كلام السيد الخوئي. هذا الكلام تام أو ليس بتام؟

الجواب: على السيد الخوئي أن يثبت لنا أنه إذا كان للحروف دور إذن لابد أن تكون موضوعة لمعنى، وهذا بيّن في كلامه أو لم يبين؟ لم يبين. يعني من أين تقول إذا كان لها دور إذن هي موضوعة لمعنى، هذا من أين؟ لا أقل تقريرات البحث لا تشير، لعله بيني وبين الله السيد قدس الله نفسه عنده بيان لهذا المطلب ولكن البحث أين الآن؟ نرجع نقول مقام … هذا الكتاب، وإلا قد الآن من عليائه في عالم البرزخ يقول أن هناك بيان فني أنه إذا كان له دور فلابد أن يكون للحروف معنى، ولكن هنا لم يبين.

إذن كلامنا الابتدائي مع مثل هذا الاستدلال أنه لم يتضح لماذا إذا كان هناك دور فلابد أن يكون هناك موضوعة لمعنى، لعله يكون له دور وليس موضوعاً لمعنى، كما هو في الحركات، الحركات لها دور وليست موضوعة لمعنى، لا دليل على أنها موضوعة لمعنى. ولذا اضطر السيد الخوئي قدس الله نفسه في الحركات أن يقول موضوعة لمعاني، لماذا؟ لأنها إذا كان عندنا شيء له دور وليس موضوعاً لمعنى فلتكن الحروف منها. ولذا عبارته يقول: (ومنه ظهر حال المقيس عليه وهو حركات الإعراب بلا زيادة ونقيصة) أن هذه أيضاً موضوعة لمعنى، مع أن هذا خلاف المتفق عليه في فقه … بين المحققين والمتخصصين في فقه اللغة أن الحركات ليست موضوعة لمعاني، أن الحركات موضوعة لمعنى؟ لا أبداً، وإنما موضوعة لحالات المعنى الاسمي. على أي الأحوال. هذا الكلام ليس مهم.

إذن هذا الكلام في نفسه تام أو ليس بتام؟ الجواب في كلمة واحدة: تارة يدعى أن هذه الحروف لا دور لها، لا أنها لا معنى لها، وهذا كما قال سيدنا الأستاذ السيد الخوئي باطل بالوجدان اللغوي، وإلا لو لم يكن لها أي دور كان ينبغي أن يكون وجود هذه الحروف كعدم هذه الحروف، والتالي باطل فالمقدم مثله. إذن لها دور. ولكن الكلام ما هو دورها؟ عندما ندقق في كلمات من نسب إليه هذا القول أو اختاروا هذا القول نجدهم أنهم لا يقولون أنه لا معنى لها أصلاً، يقولون لا معنى لها في نفسها، هي لو سألنا هل (من) موضوعة لمعنى؟ يقول لا، ليس (من) موضوعة لمعنى، بمثال أوضح عندما نأتي إلى قولنا (سرت من البصرة إلى الكوفة) على طريقة تعدد الدال والمدلول (سرت) تدل على معنى (بصرة) تدل على معنى (كوفة) تدل على معنى، (من، إلى) هل هي موضوعة لمعنى أو ليست موضوعة لمعنى؟ هذا القول يقول لا، ليست بإزاء معنى من المعاني، تلك كل واحدة بإزاء معنى من المعاني (سرت) بإزاء معنى (بصرة، كوفة) بإزاء معنى، (من وعلى) هل هي بإزاء معنى أيضاً؟ يقول: لا ليست بإزاء معنى. ولكن لها معنى لا بإزائها، هذا المعنى يظهر من تكوين الجملة، فهي موضوعة بإزاء معنى ولكن بإزاء معنى استقلالي أو بإزاء معنى ضمني داخلي تكويني غيرها، أي منهما؟ إذن القائل بأنها كالحركات لا يريد أن ينفي كونها معنى، بل يريد أن ينفي كونها لها معنى مستقل، في قبال ماذا؟ في قبال الاتجاه الثاني وبعد ذلك سيأتي يقول أساساً (من) موضوعة لمعنى مستقل، بعد ذلك سيأتي صاحب الكفاية يقول: أن (من) والابتداء موضوعة لمعنى واحد، عندك معنى هذا المعنى تارة تعبر عنه بالابتداء وأخرى تعبر … يعني مرة تعبر عنه بالاسم ومرة تعبر عنه بالحرف، فالاتجاه الثاني يرى أن (من) موضوعة لمعنى مستقل، وهذه يقول لا، ليست موضوعة لمعنى مستقل في نفسه، وإنما ضمن الجملة فإذن هو معنى مستقل أو معنى ضمني؟

أضرب لكم مثالاً: الهيئة لها معنى أو ليس لها معنى؟ يمكن أن تكون مستقلة؟ أنت حتى تقول هيئة اسم الفاعل، هذه الفاعل مادة من المواد، اعطني هيئة بلا مادة، تستطيع أو لا تستطيع؟ محال، لماذا؟ لأن طبيعة الهيئة لا تتحقق إلا من خلال …

تعالوا إلى البحث الفلسفي تستطيع أن تجد لي مادة بلا صورة؟ تنفك المادة عن الصورة أو لا تنفك؟ لا أقل في عالمنا، قالوا يستحيل انفكاك المادة عن الصورة، أصلاً طبيعة المادة لا يمكن أن توجد، لأن المادة هي الاستعداد، والاستعداد يحتاج إلى الفعلية والفعلية هي الصورة، ولذا لا يمكن أن تجد مادة بلا صورة من الناحية الفلسفية، كما لا يمكنك أن تجد هيئة بلا مادة في اللغة، كذلك لا يمكن أن يكون للحرف معنى إلا ضمن … في نفسه أو في غيره؟ في غيره. ولذا تجد أن المحقق الرضي، لم أكن أملك كتابه، المحقق الراضي، ولكنه السيد الحائري في (مباحث الأصول، الجزء الأول من القسم الأول، ص122) نقل عبارته في الحاشية، قال: (فالحرف وحده لا معنى له أصلاً) يعني لو نظرت له وحده له معنى أو ليس له معنى؟ بخلاف الاتجاه الثاني الذي يقول أن (من) له معنى. (إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على أن في ذلك الشيء فائدة ما) ماء مثلاً، زرع مثلاً، (فإذا أفرد عن ذلك الشيء بقي غير دال على معنى أصلاً). فإذا نظرنا إليه في نفسه له معنى أو ليس له معنى؟ لا معنى له، أما إذا نظرنا إليه بما هو في غيره له معنى.

إذن السؤال: الحروف لها معاني أو ليس لها معاني؟ ما هو الجواب؟ أين التناقض سيدنا؟ فإذا قلنا في غيرها لها معنى في مفردها … اليست من شرائط التناقض الوحدات، هنا كل الوحدات مجتمعة أو ليست مجتمعة، فهؤلاء قالوا لا معنى لها، يعني في نفسها، لها معنى يعني في غيرها، يلزم التناقض أن لا يلزم التناقض؟ لا. وبطلانه من الواضحات؟!

نعم، إذا جاء أحد من الشارع وقال بأنه الحروف لها معنى، لا معنى لها، نقول له هذا تناقض، لماذا؟ لأن هذا لا يعرف وحدات ولا اجتماع النقيضين ولا … هذا تهافت وتناقض. المتكلم من هو المحقق الرضي صاحب فن، والشاهد على أن هذا الكلام أصيل ومتين أنك تجد أن المحقق الإيرواني صاحب الحاشية على المكاسب وهي من أهم الحواشي، هناك في حاشيته على الكفاية التي قلت أن المطبوع منها أكثر من جزء أو لا، عندي أنا فقط الجزء الأول، (نهاية النهاية في شرح الكفاية، ج1، ص10 و 11) يقول: (إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: التحقيق أن الحروف لا وضع لها أصلاً) هذا نفي أنها موضوعة لمعنى مستقل (وإنما الوضع للهيئات التركيبية الدالة على أنحاء الروابط الخاصة) يعني عندما صارت في تركيب فتعطي معنى (فلابد في إفادة المعاني الجملية) الجملة، القضية (من تعلق الأوضاع بمفاهيم هي ذات ربط في أنفسها ليكون الربط مأخوذاً في بطن أنفسها) يعني ما هو؟ يعني ضمني، فإن المعنى الجملي هو كذلك، بمعنى أنه هذه الجملة تعطي معنى واضح وبسيط وأنت بحسب التحليل أجعله ابتداء وانتهاء وسير وبصرة … (ينحل إلى أمور متعددة من جملتها الربط فلم يكن حينئذ بد من إنكار الوضع للحروف بنحو مستقل والالتزام بالوضع للمركبات وضعاً نوعياً غير الوضع المتعلق بموادها … وظني أن حسبان الوضع للحروف) يعني من أدعى أن الحروف موضوعة للمعاني كما هو الاتجاه الثاني (ناشئاً مما يرى من حصول الاختلاف في المعنى باختلاف الحروف فيظن استناد ذلك إلى معنى الحروف) مع أنه هو ليس مستنده هذا الاختلاف إلى معنى الحروف، مستند إلى الربط القائم في الجملة. يقول: هؤلاء وجدوا عندما يقول (على) غير عندما يقول (في) فتصورا أن منشأ هذا الاختلاف هو الحروف موضوعة، يقول: لا، هذا ليس منشأه الحروف بل منشأه هو الربط القائم بين هذه الجمل. يقول: (ولعل هذا معنى قوله: والحرف ما أوجد معنى في غيره) إذن هو له معنى في نفسه أو ليس له معنى في نفسه؟ في نفسه لا معنى له، أما في غيره له معنى، إذن إذا قلنا في نفسه لا معنى وفي غيره له معنى، لا يلزم التناقض. (بلا وضع والحرف ما أوجد معنى في غيره يعني أوجد معنى في متعلقاته بإيجاده هيئة خاصة فيها كان لها بتلك الهيئات وضع يخصها وبما …).

وبهذا يتضح أن ما ذكره السيد الشهيد الصدر في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص233) قال: (وإن أريد به) بأي اتجاه؟ بالاتجاه الأول الذي قال أن الحروف لا معنى لها (وإن أريد به أن الحرف ليس دالاً مستقلاً) نفس كلام الرضي الذي قرأناه قبل قليل (كما هو الحال في الاسم فإن الاسم دال مستقل، بل يستحيل أن يكون إلا دالاً ضمنياً) وهذا اتضح من بيان المحقق الرضي ومن بيان المحقق الإيرواني، ومنه يتضح أن هذه نفس نظرية الرضي والإيرواني، (إلا ضمنياً والدال المستقل هو المجموع المركب من الحرف والاسم) ولعل هذه من أهم خصائص اللغة العربية. أنكم تجدون بأنه أساساً هو بنفسه له معنى أو ليس له معنى؟ إذا صار في …. غريب كثيراً هذا … هذه مولانا استفاد منها ملة صدرا أين؟ في نفسه الممكن موجود أو غير موجود؟ في نفسه … لا معدوم، في غيره؟ … ولذا إلى الآن كثير من الأعلام … تكلمت معهم أنا يقول لا أتعقل، أصلاً هو غير موجود وهو موجود. نفسها. ولذا هناك كلمة للسيد الطباطبائي قرأتها عنه يقول من يضمن لي أن يفهم الوجود والمعنى الحرفي والوجود الرابط لملة صدرا أضمن له أن يفهم ربع الفلسفة، لأن هناك عشرات ومئات المسائل متوقفة على الوجود الرابط. ولعل في كلمات إمام التوحيد إمام المؤمنين إشارة إلى هذا المعنى عندما قال (كل قائم في سواه فهم معلول). كل قائم في نفسه؟ لا، لا يوجد عندنا موجود في نفسه إلا وجود الحق سبحانه وتعالى. وبهذا تمتاز … لنخرجكم قليلاً عن المعاني الحرفية، هذه مع كل احترامي لكل الأعلام هذه آثار الشمولية التي أدعو إليها، الآن واحدة من أهم امتيازات نظرية الحكمة المتعالية أسس مباني الحكمة المتعالية عن المشائية هو في هذا، أنتم تعلمون في الفلسفة نقسم الموجودات إلى كم قسم؟ وجود في نفسه بنفسه لنفسه، هذا وجود الواجب. وجود بنفسه في نفسه بغيره، هذا ممكن. ثم وجود الجوهر الذي هو في نفسه، ثم وجود الرابط …. وجود العرض الذي هو في نفسه لغيره، ثم الوجود الرابط الذي هو في غيره بغيره لغيره.

ملة صدرا يقول عندنا نحوان من الوجود: إما في نفسه بنفسه لنفسه أو في غيره بغيره لغيره. لا جوهر ولا عرض. طالع اليوم النهاية أو البداية … الوجود إما مستقل وإما رابط والسلام. هذه دائرة المقولات كلها تكون في خبر كان على مبنى الحكمة المتعالية. ولذا أشكل على السيد الطباطبائي قالوا له سيدنا أنت كتبت الحكمة المتعالية على أساس الحكمة المتعالية، فلماذا جعلت مرحلة المقولات، أجاب عنه في مقدمة المرحلة وفي آخر المرحلة، قال: على ما هو المشهور بين حكماء المشاء.

وهذه قضية إذ استوعبتموها، أنا بالأمس بعض الأخوة لعله فهم كلامي خطأ عندما قلت أن هذه الأبحاث لا فائدة منها، كثير من هذه الأبحاث لا فائدة منها قد تكون لا توجد فائدة فقهية أو أصولية ولكنها قد تكون فوائد كلامية وعقدية وفلسفية، ومن هنا أنا قلت أن علم الأصول لابد أن لا يقرأ وهدفه كونه مقدمة لمسائل الفقه، لابد أن نوسع أوفق المسائل الأصولية لتنفعنا في العقائد و لتنفعنا في التفسير و لتنفعنا في الأخلاق و لتنفعنا في الكلام و لتنفعنا في الفلسفة … هذه القواعد افتحوا أفقها ولا تضيقوها. نعم، بعض مسائلها مرتبط بالفقه الأصغر ولكن ليست كل مسائلها كذلك.

إذن فتحصل إلى هنا أن هذا الاتجاه … طبعاً لم أكمل عبارة السيد الشهيد يقول: (والدال المستقل هو المجموع المركب من الحروف والاسم فهذا) إذا كان مراد القائلين بهذا الاتجاه والنظرية علامية الحروف أو اتجاه أنها كالحركات، إذا كان مرادهم فهذا معنى دقيق عميق هو الذي يقتضيه منهجنا العام في تحقيق المسألة، وبعبارة أخرى يقول سوف يكون هذا هو مرتكزنا فيما سنختاره في معنى الحروف. الاتجاه الثاني يأتي غد.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات