بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
اعتذاراً للأخوة نحن مضطرين أن نعيد بعض ما ذكرناه عن الاتجاه الذي اختاره صاحب الكفاية.
وهذا الاتجاه هو الذي وقع عليه النقض والإبرام وكتبت فيه مئات الصفحات. إلى يومنا هذا، يعني مما ذكره صاحب الكفاية إلى يومنا هذا لعله إذا أردنا أن نجمع كلمات الأصوليين الذين تكلموا في هذا الاتجاه الثاني لعلها تكون مئات الصفحات والنقض والإبرام والإشكال والدفاع وغير ذلك.
صاحب الكفاية يدعي بأنه أساساً فيما يتعلق بمعنى الحروف ومعنى الأسماء من حيث المعنى معنى واحد، يوجد معنى في الذهن هذا المعنى الواضع عندما يأتي ليضع بإزاء ذلك المعنى لفظاً بدل أن يضع لفظاً واحد يضع لفظين، ولكن أحد هذين اللفظين يدخل في دائرة الأسماء وهو الابتداء مثلاً، والآخر يدخل في دائرة الحروف وهو (من) وهكذا باقي الحروف، عندما يأتي إلى الظرفية هناك معنى في الذهن يضع في قبال هذا المعنى كلمتين، لفظين أحدهما الظرفية والآخر (في) وهكذا.
إذن إذا نظرنا إلى المعنى فهو واحد حقيقة، أما إذا نظرنا إلى الألفاظ التي وضعت بإزاء ذلك المعنى فهو واحد أو متعدد؟ متعدد. وكلا هذين اللفظين يؤديان معنى واحد حقيقة لا فرق بينهما. من هنا ورد الإشكال وأشرنا إليه مرة أو مرتين، قلنا إذا كان كذلك فهذا مآله إلى الترادف فكما يصح في المترادفين استعمال أحدهما محل الآخر فليجز في المقام والتالي باطل، نرى أنه بالوجدان لا يجوز استعمال الابتداء مكان (من) أو استعمال (من) مكان الابتداء. إن صح التعبير وبطريق إني نستكشف المعنى ليس واحد، وإلا لو كان معنى واحداً وهذان مترادفان لأمكن استعمال أحدهما محل الآخر.
أجاب صاحب الكفاية عن ذلك بأنه نحن نقول: نعم، المعنى واحد ولكن هذا المعنى الواحد ملحوظ بلحاظين لا بلحاظ واحد، فإذا لاحظنا هذا المعنى الواحد باللحاظ (أ) فقد وضع له (من) وإذا لاحظناه باللحاظ (ب) فقد وضع له الابتداء. وهذا هو السبب أنه نجد أنه لا يمكن استعمال أحدهما محل الآخر لاختلاف اللحاظ. وهذا هو الذي جاء في كلمات صاحب الكفاية بأنه المعنى الحرفي هو المستعمل باللحاظ الآلي المندك الاندكاكي الفنائي يعني ضمن الجملة، أما بخلاف الابتداء فأنه ملحوظ باللحاظ الاستقلالي، يعني في نفسه أو في غيره؟ في نفسه. ولذا عبارته واضحة جداً فهنا إذا سألت أن المعنى أخذ فيه الآلية أو الاستقلالية؟ يقول: أبداً أبداً، المعنى لا الآلية جزء فيه ولا الاستقلالية جزء فيه، أمران عارضان من الخارج، أمران عرضيان لا أمران ذاتيان، وبهذا سوف يختلف هذا الاتجاه عن الاتجاه الثالث، فالاتجاه الثالث يقول أن الآلية مقومة للمعنى، وأن الاستقلالية مقومة للمعنى، هو ماذا يقول؟ يقول: لا الآلية ولا الاستقلالية مقومة للمعنى. في (ص12) من الكتاب قال: (وبالجملة ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء إلا الابتداء … فكما لا يعتبر في معناه) يعني معنى لفظ الابتداء (لحاظه في نفسه مستقلاً كذلك لا يعتبر في معناها) يعني كلمة (من) (لحاظه في غيرها عادة) لا الآلية ولا الاستقلالية مأخوذتان في المعنى، المعنى عارٍ عن الآلية والاستقلالية، الآلية والاستقلالية لحاظان ذاتيان أو عرضيان؟ لحاظان عرضيان.
ومن هنا يجاب على سؤال آخر: وهو أن الآلية التي في الغير، معناه في الغير، والاستقلالية الذي معناه في نفسه، هل هما جزءان في المعنى أو ليسا كذلك، مأخوذان قيداً في المعنى أو ليسا مأخوذين كذلك؟ الجواب: ليسا مأخوذين، لماذا؟ لأنه لو أخذت الآلية قيد في المعنى لكان المعنى واحداً أو المعنى متعدداً؟ لأنه المعنى بشرط الآلية معنى والمعنى بشرط الاستقلالية معنى آخر، والمفروض هو يعتقد أنهما معنيان او معنى واحد؟ من هنا اضطر صاحب الكفاية وذهب إلى أنه أساساً الآلية والاستقلالية، يعني في نفسه وفي غيره، هذان قيدان في الوضع لا في المعنى الموضوع له اللفظ. يعني ماذا؟ يعني الواضع وضع (من) بهذا اللحاظ فإذا استعمل في غير هذا اللحاظ فالواضع واضع أو لم يضع؟ فيكون مهمل. الواضع وضع كلمة الأسد للدلالة على الحيوان المفترس في الليل فقط افترضوا، قيدها في الليل، في النهار كلمة الأسد تدل على الحيوان المفترس أو لا تدل؟ لماذا؟ لأن الواضع قيد عملية الدلالة بقيد، ففي غير ذلك القيد اللفظ لا يدل. هذه أحفظوها جيداً، ولذا إذا استعمل المستعمل (من) في الابتداء باللحاظ الاستقلالي أصلاً يوجد وضع أو لا يوجد وضع؟ وإذا استعمل الابتداء باللحاظ الآلي يوجد وضع أو لا يوجد وضع؟ فهو مهمل، أصلاً لا معنى، الاستعمال خاطئ.
إذن يتلخص مبنى صاحب الكفاية في النقاط التالية:
النقطة الأولى: المعنى واحد أو متعدد؟ واحد.
الثانية: الذي يدل على هذا المعنى واحد أو متعدد؟ متعدد، فهو إما بلحاظ آلي وهو الحرف وإما بلحاظ استقلالي وهو الاسم.
هذان وهما الآلي والاستقلالي قيدان في المعنى أو قيدان في عملية الوضع؟ قيدان لا في المعنى بل في عملية الوضع، ولذلك قال: (قلت الفرق بينهما) يعني الآلية والاستقلالية (إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع) هذا له وضع وذاك له وضع آخر وإن كان المعنى الموضوع له واحد أو متعدد؟ المعنى الموضوع له واحد (حيث أنه وضع الاسم) يعني لفظ الابتداء (ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه) وهذا هو اللحاظ الاستقلالي (والحرف) يعني ووضع الحرف (ليراد منه معناه لا كذلك) يعني لا بما هو هو وفي نفسه بل بما هو في غيره (كما مرت الإشارة إليه فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع لا في المعنى الموضوع له اللفظ) لماذا هذا الإصرار؟ لأنه قائل أن المعنى واحد، وإذا ذهب بالقيد إلى المعنى يتعدد … وهذا خلف ما فرضه … يقول: (فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون) يقول وهذا هو السبب أنه لا يجوز استعمال أحدهما محل الآخر، لأنه إذا استعملت الذي في غيره في موضع الذي في نفسه يوجد وضع أو لا يوجد وضع؟ استعمال مهمل، لا يوجد وضع، أصلاً لم يضع الواضع (من) إلا في المورد الذي في غيره، فإذا استعملته في نفسه فهل يصح أو لا يصح؟ صحيح أو مجازي؟ الجواب: لا حقيقي ولا مجازي، لماذا؟ لأنه أساساً لم يضع، لا أنه وضع. هذه واحدة من الإشكالات التي ستأتي بعد ذلك، لماذا لا يصح استعماله مجازاً؟ هنا جوابه.
قال: (وهذا فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجباً لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع آخر وإن اتفقا) يعني الآلية والاستقلالية والاسم والحرف (فيما له الوضع) وإن كان المعنى واحدا (وقد عرفت أن بما لا مزيد عليه أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته) هذا كلام صاحب الكفاية.
إذن إلى هنا اتضح أنه في الاتجاه الثاني المعنى واحد والاختلاف في الآلية والاستقلالية مرتبط بعالم اللحاظ لا بعالم المعنى الموضوع له اللفظ.
وهذا الكلام تام أو لا؟
كلمات الأعلام في هذا المجال كثيرة جداً لا أريد الدخول فيها تفصيلاً ولكن بالقدر الذي تتضح الرؤية للأعزاء.
الإشكال الأول في المقام هو إشكال تلميذه المحقق الأصفهاني الكمباني في (نهاية الدراية) أنا أبين أولاً إشكال المحقق الأصفهاني بقياس استثنائي ثم أطبق عبارته. الإشكال هذا … الأخوة الذين في المنطق مهم كثيراً، بإمكان أي معنى من المعاني وأي استدلال من الاستدلال تستطيع أن تصبه في قياس، أما شرطي وإما استثنائي وإما اقتراني … . لو كان المعنى واحداً، في المقدمة المحقق الأصفهاني يريد أن ينكر أن المعنى الموضوع له واحد، لأنه أس الاتجاه الثاني قائم على هذا، أن المعنى واحد، يريد أن يبرهن المحقق الأصفهاني محال أن يكون المعنى واحداً، يقول: (لو كان المعنى) هذا القياس غير موجود في كتابه، أنا أبينه ثم أطبق العبارة، لو كان المعنى فيهما، يعني الحرف والاسم، واحداً وكان الاختلاف باختلاف اللحاظ وهو خارج، يعني اللحاظ، خارج عن المعنى، لو كان قياس استثنائي، للزم أن يكون الواقع الخارجي كذلك. لأن اللحاظ مرتبط بعالم الوجود الذهني، يقول: لو كان في الواقع الذهني كذلك لكان ينبغي في الواقع الخارجي أن يكون كذلك، والتالي باطل فالمقدم مثله.
أعيد القياس الاستثنائي: لو كان المعنى في الاسم والحرف واحد والاختلاف بينهما بحسب اللحاظ الخارج عن المعنى للزم أن يكون الواقع الخارجي كذلك. والتالي باطل فالمقدم مثله، في أي قياس استثنائي تعلمون لابد من إثبات أمرين: أولاً إثبات الملازمة وثانياً إبطال اللازم، هذا قانون في القياس الاستثنائي. ما هو وجه الملازمة؟ لماذا إذا كان في الذهن المعنى واحد ويختلفان في اللحاظ لابد أن يكون الخارج أيضاً كذلك؟ يقول: باعتبار أن الذهن إنما هو انعكاس للخارج فإذا كان الذهن كذلك فلابد أن يكون في الخارج كذلك، إذن لابد في الخارج … أن المعنى الحرفي في الخارج إذا لاحظته (أ) يكون حرفياً وإذا لاحظته (ب) يكون استقلالياً، والتالي باطل، لماذا؟ لأنه محال المعنى الحرفي في الخارج ينقلب عما هو عليه، إذن في الذهن أيضاً المعنى الحرفي باللحاظ يتبدل عما هو عليه أو لا يتبدل؟
أعيد: أقول بأنه الملازمة وجه الملازمة أن الذهن انعكاس للخارج، لأنه قلنا لو كان في الذهن كذلك لكان في الخارج كذلك، لماذا؟ لأن الذهن انعكاس للخارج. فكل ما يوجد في الذهن فهو انعكاس عما الواقع الخارجي، تعالوا معنا إلى الواقع الخارجي لنرى أن الواقع الخارجي يقبل أن ينقلب الواقع الخارجي من معنى (أ) إلى معنى (ب) أو لا يقبل؟ لماذا؟ لأنه انقلاب عما وقع عليه، فإذا لا يقبل في الخارج إذن لابد أن لا يقبل في … لماذا؟ باعتبار أن الذهن انعكاس له، إذن المعنى الذي في الخارج أو الحقيقة التي في الخارج حيث أنها يستحيل أن تنقلب عما هي عليه إذن في الذهن باللحاظ لا يمكنها أن تنقلب عما هي عليه.
من خلال قراءة العبارة سوف تتضح … المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية، ج1، ص51) طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام، في الحاشية رقم 18 يقول: (تحقيق المقام يتوقف على تحقيق المعاني الحرفية والمفهومات الأدوية) يعني أداتية (وبيان المراد من عدم استقلالها في المفهومية فنقول: الذي ينساق إليه النظر الدقيق بعد الفحص والتدقيق أن المعنى الحرفي والاسمي متباينان بالذات) خلافاً لما يقوله شيخنا الأستاذ أنهما معنى واحد حقيقة، لا، هما متباينان حقيقة (لا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد) كما يقول صاحب الكفاية (والبرهان على ذلك هو أن الاسم والحرف لو كانا) قياس استثنائي (أن الاسم والحرف لو كانا متحدي المعنى) كما قال صاحب الكفاية (وكان الفرق) يعني بينهما (بمجرد اللحاظ الاستقلالي والآلي) وهما خارجان عن المعنى، هذا مقدم الشرطية، جوابها (لكان طبيعي المعنى الوحداني قابلاً لأن يوجد في الخارج أيضاً على نحوين) ببرهان أن الذهن انعكاس للخارج (كما يوجد في الذهن على طورين) فكيف أن المعنى الواحد في الذهن إذا لاحظته كذا يكون حرف وإذا لاحظته كذا يكون اسم، ينبغي أن يكون الواقع الخارجي أن المعنى إذا كان كذا يكون اسم وإذا كان … والتالي باطل، لماذا باطل؟ مع أن المعنى الحرفي لا يوجد في الخارج إلا على نحو واحد وهو الوجود لا في نفسه. أصلاً لا أنه تارة بهذا اللحاظ يوجد هكذا وبهذا اللحاظ يوجد هكذا. (ولا يعقل أن توجد النسبة في الخارج بوجود نفسي).
هذا كلام الشيخ الأصفهاني. إذن الشيخ الأصفهاني أدعى عدة ادعاءات:
الادعاء الأول: قال أن الذهن انعكاس للخارج.
الادعاء الثاني: أن الخارج المعنى الحرفي يوجد بطورين أو بطور واحد؟ بطور واحد، النتيجة إذن في الذهن أيضاً لا يمكن أن يوجد إلا بطور واحد ولا يمكن أن يختلف باختلاف اللحاظ.
هذا إشكال المحقق الأصفهاني على هذا. طبعاً يأخذ نتيجة بعد ذلك، ما هي النتيجة؟ النتيجة التي يأخذها واضحة، يقول فإذا كان الخارج كذلك إذن المعنى الحرفي في الذهن أيضاً لابد أن يكون مبايناً للمعنى الاسمي، لماذا؟ لان هذه حقيقته في الخارج فعندما يأتي إلى الذهن أيضاً يكون كذلك، إذن المعنى الاسمي والمعنى الحرفي واحد أو متباينان بالذات؟ ذات في غيره وهذا في نفسه، وهذا هو الاتجاه الثالث.
سيدنا الشهيد الصدر أشكل على ذلك في (تقريرات بحث السيد الهاشمي، ج1، ص234) قال: (ولكن لا مأخذ لهذا الأصل الموضوعي المزعوم) أي أصل موضوع؟ أن الذهن انعكاس للخارج. يقول هذا الأصل ليس له أي دليل، أنا لا اريد أن أعلق، وإلا لو أردت التعليق لبقينا ثلاثة أيام في هذا البحث، أساساً ما هي العلاقة بين الوجود الذهني وبين الوجود الخارجي، هذه كلها مأخوذة كمفروضات أما من الفلسفة وإما من المنطق وإما من نظرية المعرفة، الشيخ الأصفهاني يقول أن هناك تطابق على أن هذا انعكاس، السيد الصدر يقول لا يوجد تطابق. سؤال: الحق مع من؟ بيني وبين الله لا هذا يستدل ولا ذاك يستدل، كلاهما يبتني على أصل موضوعي، أنت جنابك تأتي كمحقق كما ذكرنا مراراً في السنوات الماضية، جنابك تأتي كمحقق تريد أن تبحث المسألة واقعاً إما أن تقلد المحقق الأصفهاني أو تقلد محمد باقر الصدر، أو تذهب وتصير محقق يعني تذهب وتقرأ المسألة بأنه أساساً الذهن، في العام الماضي ذكرناه الأمر، الذهن هو انعكاس للواقع الخارجي أو لم نوافق على هذا؟ قلنا بأنه أساساً الصور الذهني لا تؤخذ من الواقع الخارجين لماذا؟ لأنه قد الواقع الخارجي معدوم والصور الذهني … فإذا كانت مأخوذة من الواقع الخارجي كيف يمكن أن يكون المعلول موجودا والعلة … إذن من أين نأخذ هذا الأصل … ذهبنا إلى مسألة نفس الأمر وغيرها …
المهم نحن الآن نفترض … ولهذا لا نريد أن ندخل في الأصول الموضوعة للبحث بل نتكلم على ما هو عليه.
قال: (ولكن لا مأخذ لهذا الأصل الموضوعي؛ إذ لا برهان على ضرورة التطابق بين الوجود الذهني والوجود الخارجي، بل البرهان على خلافه فإن العرض لحاظه في الذهن يمكن أن يكون مستقلاً عن موضوعه مع أنه في الخارج لا يوجد إلا قائماً في محل وفي موضوع). العرض في الذهن البياض تستطيع أن تتصوره في نفسه، بغض النظر عن الشيء المتصف بالأبيضية، أما في الخارج البياض يمكن أن يوجد أو لا يمكن أن يوجد؟ لا، البياض لا يوجد في الخارج إلا مع وجوده لنفسه أو لغيره؟ وجوده لغيره. هذا بيانه هنا.
وأوضح منه ما ذكره في تقريرات السيد الحائري (ج1 من القسم الأول، ص127) قال: (أقول: أننا وإن كنا نؤمن على ما سوف يتضح أن المعنى الحرفي لا يوجد في الذهن إلا آلياً) يعني نؤمن بالاتجاه الثالث ولكن لا بهذا الطريق الذي ذكره المحقق الأصفهاني (لكن البرهنة على ذلك بأن وجوده الخارجي لا يكون إلا آلياً غير صحيحة، إذ لا برهان على ضرورة كون أقسام الوجود الذهني مطابقة لما في الخارج، بل نبرهن على خلافه وذلك بالتمثيل بالأعراض فالبياض مثلاً لا يوجد في الخارج إلا في محل لكنه يوجد في الذهن تارة في محل حينما يتصور الجسم الأبيض وأخرى مستقلاً حينما يتصور نفس البياض) الآن لا نريد أن ندخل في بحث تفصيلي مع السيد الشهيد، أن العرض في الخارج يوجد في محل وفي الذهن يوجد مستقل، أو قائم بالنفس، ذاك بحث آخر لا نريد الدخول فيه. هذا إشكال السيد الشهيد على المحقق الأصفهاني، وهو أنه شيخنا حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء، لماذا أنه إذا كان في الخارج في محل فلابد أن يكون في الذهن كذلك، لا، قد يكون في الخارج لغيره ولكنه في الذهن يكون لغيره أو لنفسه؟ يكون لنفسه. قد يكون في الخارج مرتبطاً بالغير ولكن في الذهن مستقلاً عن الغير، هذا مثال.
هذا الإشكال الحق والإنصاف أنا لا أعلم أن سيدنا الشهيد قرأ عبارة المحقق الأصفهاني إلى الآخر أو لم يقرأ؟ لأنه عندما تقرأ عبارة المحقق الأصفهاني التي تبدأ من (ص51 إلى وسط ص57) يعني هذا الكلام الذي أشكل عليه سيدنا الشهيد مرتبط بالخمس أسطر الأولى من التعليقة وباقي هناك خمس صفحات تكلم … ولذا بشكل واضح وصريح يقول: مقامنا ليس من قبيل الأعراض لأن العرض له حكمه الخاص فكيف ينقض عليه السيد الشهيد بالعرض. أصلاً يبين الفرق بشكل تفصيلي بين العرض وبين المعنى الحرفي وبعبارات واضحة.
يقول: (منه ظهر أن تنظير المعنى الاسمي والحرفي بالجوهر والعرض غير وجيه) وإذا كان التنظير غير وجيه فالإشكال بالعرض وارد عليه أو غير وارد؟ هو يقول المعنى الاسمي والمعنى الحرفي بحث والجوهر والعرض له بحث آخر.
ما هو الفرق بينهما؟ في جملة واحدة وتوضيحه يأتي يوم غد.
ما هو الفرق بينهما؟ يقول في المعنى الاسمي والحرفي في الاسمي في نفسه والحرفي في غيره، له نفسية أو ليست له نفسية؟ أبداً، الحرفي ليست له أي نفسية، لا ذهناً ولا خارجاً. أما في العرض في نفسه محفوظ في الجوهر والعرض إنما الاختلاف لنفسه ولغيره، فإذن العرض في نفسيه إذا كان له نفسية فيمكن أن ينظر إليه بنحو الاستقلال، أما النحو الحرفي فله نفسية أو ليس له نفسية؟ لا يمكن، إذن كيف يقاس هذا … وبعبارة أخرى: أن العرض ليس في هويته وحقيقته محتاج إلى الغير، في وجوده الخارجي محتاج إلى الغير، وكم فرق، والمعنى الحرفي في هويته … فهل يمكن أن ينقض على المعنى الحرفي بالعرض؟ وتوضيحه يأتي.
والحمد لله رب العالمين