بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
اتضح إلى الآن أن هناك فرقين أساسيين بين المعاني الحرفية والمعاني الاسمية، أما الفرق الثالث بين المعاني الحرفية والمعاني الاسمية، مما لا ريب فيه أن للمعاني الاسمية تقرراً في مرتبة الماهية قبل الوصول إلى وجودها، يعني الآن إذا اردنا أن نتكلم بلغة الماهيات الحقيقية أنت تستطيع أن تضع يدك على أي ماهية حقيقية بنحو المعنى الاسمي وتقول هذه ذاته وذاتياته، بغض النظر عن أنه موجود أو غير موجود، الإنسان ما هو الإنسان؟ تقول حيوان ناطق. موجود أو معدوم، هذه رتبة لاحقة، قد يكون موجوداً وقد يكون معدوماً، لا علاقة له. لا الوجود شرط لتعقل ماهية الإنسان ولا العدم شرط لتعقل ماهية الإنسان، بل ماهية الإنسان لها تعلق وإدراك سواء كانت موجودة أو لم تكن موجودة. والدليل على أنها غير مأخوذة في الماهية أنت تحمل الوجود والعدم على الماهية، تقول: الإنسان موجود، الإنسان معدوم. ومن الواضح أن الوجود والعدم محمول ومن الواضح ثبوت شيء لشيء فرع لثبوت المثبت له، أولاً لابد أن تثب الموضوع ثم تقول إما موجود وإما غير موجود.
إذن من أهم خصائص المعاني الاسمية أن لها تعقل وإدراكاً بذاتها وذاتياتها قبل الوصول إلى مرحلة الوجود والعدم. قبل الوصول لا أقل إلى مرحلة الوجود، طبعاً نفس هذا الكلام يمكن أن يقال في المعاني الاسمية لا الحقيقية بل الاعتبارية أيضاً، لأنه في المعاني الاسمية الاعتبارية أيضاً نحن نستطيع أن نصور ذاتيات ولكن ذاتيات اعتبارية بمنزلة الأجناس والفصول، على سبيل المثال الإلزام أنت عندما تأتي إلى الوجوب الذي هو أمر اعتبار لا الوجوب الفلسفي بل الوجوب الفقهي، الوجوب الذي هو أمر وحكم اعتباري، إلى الحرمة الذي هو أمر اعتباري، هذان ما هي ذاتيات الوجوب والحرمة؟ الجواب: ذاتياتهما ما هو بمنزلة الجنس الإلزام، في الوجوب يوجد إلزام وفي الحرمة يوجد إلزام، هذا بمنزلة الجنس، وبمنزلة الفصل هذا إلزام بالفعل وذاك إلزام بالترك، فالفعل والترك بمنزلة الفصول المقومة للوجوب والحرمة.
إذن الوجوب الآن موجود في الشريعة أو غير موجود، هذا يكشف لك أن الوجوب له تقرر عقلي فتسأل أن الشريعة فيها وجوب أو ليس فيها وجوب؟ أن الشريعة فيها حرمة أو ليست فيها حرمة، من قبيل هناك تسأل إن الإنسان موجود أو غير موجود.
إذن من أهم خصائص المعاني الحرفية أنها متعقلة في نفسها بلا حاجة إلى الغير، بغض النظر عن الغير.
سؤال: هل المعنى الحرفي كذلك أو لا؟
الجواب: هنا يظهر الفارق الثالث، أن المعنى الحرفي ليس كذلك، ليس له تعقل في نفسه وإنما تعقله بتوسط الغير، إذن بغض النظر عن نفسه له ذاتيات أو ليست له ذاتيات؟ لا ذاتيات له. متى تتحقق ذاتياته أو ما هو منزلة ذاتياته؟ إذا وجد الغير، أما إذا لم يكن الغير فله تعقل أو ليس له تعقل؟ ليس له تعقل. لماذا؟ باعتبار أننا ذكرنا في بحث الأمس أن الطرفين في قولنا الماء في الإناء أو النار في الموقد، هذان الطرفان هما بمنزلة الجنس والفصل للمعنى الحرفي، فإذا كان بمنزلة الجنس والفصل فهل يمكن أن يتعقلا من غير الجنس والفصل أو يمكن أن يتعقلا؟ محال أن يكون تعقلهما … هل يمكن أن تتعقل الإنسان من غير الحيوانية والناطقية؟ غير ممكن أن يتعقل. فإذا فرضنا أن الماء والإناء أن النار والموقد دورهما بالنسبة إلى الحرف (في) دور الحيوان والناطق بالنسبة للإنسان، فمن المحال أن يتعقل المعنى الحرفي (في) من غير هذين الطرفين. وهذا معناه أن المعنى الحرفي ليس له تعقل في نفسه قبل وجوده في الغير.
وهذا هو الفرق الثالث بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي. وإذا يتذكر الأعزاء هذا هو البيان الأول الذي ذكرناه عن النائيني في التمييز بين الإخطارية وبين الإيجادية، هذا تحقيقه وتعميقه. ولذا النائيني في (فوائد الأصول، ص35 و 36 و37) أنا أقرأ بعض العبارات، يقول: (أن الاسم ما دل على معنى في نفسه أو قائم بنفسه) ما معناه؟ (هو أن المعنى الاسمي مدرك من حيث نفسه) أبداً، يحتاج إلى الغير للإدراك أو لا يحتاج؟ لا يحتاج. (وله تقرر في وعاء العقل) نتصوره كاملاً (من دون أن يتوقف إدراكه على أمر آخر، حيث أنه بنفسه معنى يقوم بنفسه في مرحلة التصور والإدراك وله نحو تقرر وثبوت سواء) لا فرق أن يكون معنى جوهري الذي وجوده في نفسه لنفسه أو أن يكون معنى عرضياً وجوده في نفسه لغيره. كلاهما له تقرر في نفسه، البياض له تقرر بغض النظر عن الغير، البياض له معنى في الذهن فهو متقرر، نعم عندما يريد أن يوجد في الخارج يحتاج إلى الحائط أو إلى الورق أو إلى الثوب حتى يعرض عليه لأنه بحسب الوجود محتاج إلى الغير. (وأما معنى قولهم: إن الحرف ما دل على معنى في غيره) ما هو المعنى الحرفي؟ قال: (فالمراد منه أن المعنى الحرفي ليس له نحو تقرر وثبوت في حد نفسه إذا أخذ منه أطرافه) لماذا؟ باعتبار أن الأطراف بالنسبة للمعنى الحرفي كالجنس والفصل بالنسبة إلى المعنى الاسمي، إذا أخذت الجنس والفصل من المعنى الاسمي فهل يمكن أن تتصور المعنى الاسمي أو لا يمكن؟ محال أن تتصور. إذا أخذت الحيوانية والناطقية من الإنسان هل يمكن أن تتصور الإنسان؟ محال. كذلك الأطراف بالنسبة إلى المعنى الحرفي نسبته إلى المعنى الحرفي الأطراف نسبتها نسبة الجنس والفصل في المعنى الاسمي. (بل معناه قائم بغيره).
ومن هنا … هذا الغير ما هو؟ هذا الغير هو الأطراف، إذن إذا وجدت الأطراف المعنى الحرفي يخرج من القوة إلى الفعل فيظهر معناه. أما إذا لم يوجد الغير فلا يظهر معناه. (في) تفيد الظرفية بالمعنى الحرفي لا بالمعنى الاسمي، بالمعنى الاسمي مفهوم من المفاهيم في الذهن. ولذا هناك هذه الظرفية والاستعلاء بينها مشتركات وهي معنى حرفي وبينها مختصات ما هي؟ واحدة تفيد الظرفية وأخرى تفيد الاستعلاء، هذا معنى اسمي لا مشكلة فيه. نحن نتكلم في المعنى الحرفي، المعنى الحرفي لـ (في) لا يظهر إلا إذا وجد الماء والإناء، النار والموقد، زيد والبيت، وهكذا. لا زيد والبيت أو النار والموقد فيها ظرفية ومظروفية، لا لا، عندما تأتي (في) تعطيهم ماذا … وإلا قل زيد بيت، قل نار موقد، هل هناك ظرفية ومظروفية؟ غير موجودة. ولهذا قلنا فيما سبق أن المعنى الحرفي يعطي معنى جديداً للمعنى الاسمي. ولولاه لما وجد هذا المعنى، ولكنه بمفرده يستطيع أن يعطي هذا المعنى أو لا يستطيع؟ نعم، بالاستناد إلى الغير مفهوماً ووجوداً.
ولذا يقول: (وأما الثانية فكمعاني الحروف حيث أن استعمال ألفاظها موجب لإيجاد معانيها) معاني الحروف (من دون أن يكون لمعانيها نحو تقرر وثبوت مع قطع النظر عن الاستعمال) وإلا إذا لم يكن استعمال فليس لها معنى.
ولذا عبارة سيدنا الأستاذ السيد الشهيد الصدر في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص241) لتقرير هذا المطلب تقرير واضح وفني وبيّن، حيث يقول: (أن التقرر الماهوي للمفهوم الحرفي في طول عالم الوجود) بعد الوجود تتقرر له ماهية (وأما التقرر الماهوي للمفهوم الاسمي فعالم الوجود في طوله) إذن في المعنى الاسمي الماهية ثم الوجود، أما في المعنى الحرفي الوجود ثم يتحقق المعنى الحرفي. ولذا تجدون الفلاسفة، طبعاً هذا مأخوذ من الحكمة المتعالية، هذا البيان كما في (نهاية الحكمة، المرحلة الثانية، الفصل الثاني [الأول] من المرحلة الثانية) يقول: (خامساً أن الوجودات الرابطة لا ماهية لها). لا ماهية لها قبل الوجود، لا تقرر لها أصلاً. إنما تتقرر حقيقتها بعد الوجود، وإلا قبل الوجود ما هي ماهيتها؟ لا ماهية لها، أصلاً لا وجود لها. هذا سنخ معاني، لا تعبرون ماهيات لأن ذهنكم يذهب إلى الماهيات الحقيقية وكلامي في الأعم من الماهيات الحقيقية والماهيات الاعتبارية، سنخ معانٍ أو سنخ أمور تظهر معانيها بعد الوجود. وهناك سنخ أمور لها معاني قبل الوجود. وهذا هو الفارق الثالث بين المعاني الاسمية والمعاني الحرفية.
فائدة وتذييل:
وجودات عالم الإمكان وجوداتها وجود معنى حرفي أو معنى اسمي؟ ما هو مبناكم أدام الله ظلكم؟ ماذا تقولون؟ في النتيجة لابد أن تختار إما أن الموجودات الإمكانية يعني أنا وأنت والسماء وغيرها إما معاني وجودات اسمية وإما وجودات حرفية، فإن قلت أنها وجودات اسمية إذن لها تقرر ماهوي قبل الإيجاد، أما إذا قلت أنها وجودات حرفية إذن لها تقرر قبل الإيجاد أو ليس لها تقرر؟ يظهر أن هنا أثر كبير.
وحيث ان الحكمة المتعالية تعتقد أن الوجودات الإمكانية جميعاً هي وجودات حرفية رابطة إذن لها ماهيات قبل الوجود أو ليست لها ماهيات، يعني يتعقل ماهياتها قبل الوجود أو لا يتعقل، تقول لهم: إذا كان الامر كذلك فلماذا أنت يا أصحاب الحكمة المتعالية تقولون هذا وجوده جوهري وهذا وجوده عرضي. يقول: هذه الوجودات إذا قسناها إلى الله فلا ماهيات لها، أما إذا قسنا بعضها إلى بعض فالقياس ماذا يفعل؟ هذا قائم في هذا، هذا يصير جوهر وهذا يصير عرضاً.
يقول: (إن المفهوم … فحدود الجواهر والأعراض ماهيات جوهرية وعرضية بقياس بعضها إلى بعض) يصير عندنا جوهر وعرض، أما (وروابط وجودية بقياسها إلى المبدأ تبارك وتعالى) فإذا نظرت إليها وقست فيما بينها يصير عندك جوهر وعرض، وإذا قستها إلى الله لا جوهر ولا عرض. (إن نشأة الوجود لا تتضمن إلا وجوداً واحداً وهو المعنى الاسمي) وهو الواجب (والباقي) كل عالم الإمكان (روابط) الأخوة الذي حضروا اليوم في درس الفقه يقول: (روابط ونسب). يعني معاني حرفية.
إذن لها ماهيات أو ليس لها ماهيات؟ هذا بحث في محله لابد أن يدرس.
إذن الفرق الثالث بين المعاني الاسمية والمعاني الحرفية هو أن المعنى الاسمي له تقرر في نفسه في مقام التعقل. وهذا بخلافه في المعنى الحرفي فأنه ليس له تقرر قبل الوجود.
وهذا البحث عرض له المحقق الأصفهاني في (بحوث الأصول، ص25) قال: (فليس للنسبة) يعني المعنى الحرفي (الحقيقية) يعني المعنى الحرفي بالحمل الشائع (وجود نفسي) ليس له وجود في نفسه لا محمول لا عيناً ولا ذهناً (بل وجودها بعين وجود طرفيها) ذهناً وعيناً. يعني حتى في مقام التعقل لها تقرر أو ليس لها تقرر؟ لا. حتى في مقام التعقل تقررها بطرفيها. فضلاً عن الوجود الخارجي.
الفرق الرابع: أنتم عندما تأتون إلى المعاني الاسمية تجدون أن المعنى الاسمي في الذهن له حالتان، هذه أبحاث حتى تعرفون كيف تتداخل أبحاث نظرية المعرفة مع الفلسفة ومع المنطق لفهم المباحث الأصولية. وإلا إذا لم يوجد هناك وقوف على المباني المعرفية والمنطقية والفلسفية لا يمكن فهم الأبحاث الأصولية.
المعاني الاسمية لها حالتان:
الحالة الأولى: أن ينظر إلى هذا الذي في ذهني بما هو وجود من وجودات هذا العالم. هذا الذي أنتم تعبرون عنه علم، أن الإنسان قبل العلم له حالة وبعد العلم له حالة أخرى، ومن هنا تجدون أن الوجود الذهني أو العلم له تأثير … أنت الآن بينك وبين الله تصور في ذهنك العسل تجد أن اللعاب يبدأ يجتمع في فمك، تصور الحامض تجد أثره، تصور مشهداً مؤلماً كمشهد كربلاء بينك وبين الله تنقبض نفسك أو لا، تصور مشهداً آخر تنبسط وتنشرح نفسك. هذا معناه نحو من الوجود. هذه حالة للمعنى الاسمي الذي له تقرر.
إذا نسبنا هذه الصورة إلى الوجود الخارجي، ما هي النسبة بينهما؟ الجواب: نسبة المماثل إلى المماثل. هذا فرد من الوجود وذاك فرد من الوجود، هذا قسم من الوجود وذاك قسم آخر من الوجود. ولهذا أنت تقرأ في الفلسفة الموجود إما ذهني وإما خارجي، وقد قرأتم أن التقسيم قاطع للشركة، يعني هذا سنخ من الوجود وذاك سنخ. ولذا يعبرون عن النظر إلى المعنى الاسمي بهذا اللحاظ يقولون نسبته إلى الوجودات الآخر نسبة المماثل إلى المماثل، هذا فرد من الوجود وهذا فرد من الوجود.
نعم، الفرق بينهما هذا قائم بالنفس وذاك ليس قائماً، هذا خارجي وذاك ذهني.
الحالة الثانية: أن لا تنظر إليه بما هو وجود، بل تنظر إليه بما هو صورة حاكية عن خارجها. أنت الآن تستطيع أن تنظر … مراراً ذكرنا هذا المثال لكم، قلنا مرة تمسك المرآة أمامك وتنظر فيها لترى صورتك فيها، هنا المرآة تكون حاكية عنك. ومرة تنظر إلى المرآة ذهبت إلى السوق وتريد شراء مرآة وتدقق في المرآة فيها نتوء أو فيها نقطة سوداء أو لا توجد، تحكي أو لا تحكي؟ اصلاً ترى صورتك أو لا ترى صورتك؟ لا ترى صورتك. في النظرة الأولى نعبر عنه ما فيه ينظر، تنظر له، وفي النظرة الثانية ما به … تجعله آلة للنظر إلى الغير، فهنا تكون الصورة الذهنية أو الوجود الذهني حاكي عن الوجود الخارجي.
ما الفرق بينهما؟ الجواب: في الحالة الأولى لا توجد حكاية، وفي الحالة الثانية توجد حكاية. وفرق آخر بين الحالتين: في الحالة الأولى الوجود الذهني جزئي متشخص، وفي الحالة الثانية كلي يحكي عن أفراده، ما يقبل الانطباق على كثيرين. هذا في المعنى الاسمي.
إذن المعنى الاسمي له حالتان في الوجود الذهني: حالة به يُنظر فيكون حاكياً، وحالة فيها يُنظر فيكون وجوداً جزئياً خارجياً لا يحكي عن غيره.
سؤال: هل المعنى الحرفي أيضاً في الذهن له حالتان أو ليس له كذلك؟ الآن المعنى الاسمي صار له حالتان، حالة فيه يُنظر وحالة به يُنظر، عندما يكون فيه يُنظر جزئي متشخص لا يحكي عن غيره، بل يحكي عن نفسه. أما حالة به يُنظر، عندما صار به يُنظر يكون كلياً قابل للصدق على كثيرين.
ولذا إذا تتذكرون في العام الماضي قلنا مفهوم الإنسان خذه في ذهنك، مرة تنظر إليه بما هو مفهوم قائم بالنفس فهو جزئي وخارجي، ومرة تنظر إليه بما هو حاكٍ عن أفراده الخارجية فهو كلي.
سؤال: الإنسان جزئي أو الإنسان كلي؟
مداخلة لأحد الطلبة: …
أحسنتم … هذا ما قرأتموه في منطق المظفر وغيره، إذا نظرت إليه بما فيه يُنظر فهو جزئي شخصي، وإذا نظرت ما به يُنظر فهو كلي. فلا تنافي بين قولنا الإنسان جزئي والإنسان كلي. وقد يعبر عنهما بتعبير آخر: الإنسان بما هو مفهوم كلي، وبما هو مصداق جزئي. وقد يعبر عنهما بتعبير ثالث يقال: الإنسان بالحمل الأولي كلي وبالحمل الشائع جزئي.
تعالوا الآن معنا إلى المعنى الحرفي، المعنى الحرفي ما هو؟ هل له حالتان؟ الجواب: لا يكون للمعنى الحرفي في الذهن إلا حالة واحدة، ما هي؟ أن يكون جزئياً أبداً، وشخصي، لا يكون إلا بالحمل الشائع، لا يمكن أن يكون مفهوماً حاكياً عن غيره، لماذا؟ لما أشرنا إليه مفصلاً في الفرق الأول، قلنا في الفرق الأول ما الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي؟ قلنا في المعنى الاسمي إخطاري يمكن أن يأتي مفهومه، أما في المعنى الحرفي إيجادي يعني هو هو، فإذا صار هو هو فنسبته إلى النسبة في الخارج نسبة الكلي إلى أفراده أو نسبة المماثل إلى المماثل؟
ومن هنا نجد أن هؤلاء يعني المرزا النائيني … إن شاء الله هذه التحقيقات التي أشرنا لها، ليست تحقيقات وإنما البيانات العميقة لكلمات النائيني بعد ذلك إن شاء الله تعالى في الأبحاث القادمة عندما نأتي إلى كلمات السيد الخوئي عند ذلك نتعرف أنه واقعاً وقف على مراد النائيني أو أنه فسر كلامه بتفسير ساذج وبسيط فأشكل عليه بعدة إشكالات، هذا بحثه بعد ذلك سيأتي.
هذا المعنى وهو أن الفارق بينهما ذلك، هو ما أشار إليه المحقق النائيني في (فوائد الأصول، ج1، ص44) قال: بأنه اساساً (لابد أن يعلم أن المفهوم لا موطن له إلا العقل وموطن المصداق هو الخارج، ولا يعقل اتحاد ما في العقل مع ما في الخارج إلا بالتجريد وإلقاء الخصوصية، ولا يمكن إلقاء الخصوصية في الحرف لأن موطنه الاستعمال وهو قوامه، فالتجريد وإلقاء الخصوصية خروجه عن كونه معنى حرفياً). يعني أنت بمجرد أن جردته عن وجوده اللاحق به وأردت أن يكون حاكياً عن الخارج، عند ذلك هو هو أو ليس هو هو؟ ليس هو هو.
إذن المعنى الرابع للفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي أن المعنى الاسمي في الذهن له حالتان: إحداهما يكون وجوداً والآخر يكون مفهوماً، أما بخلافه في المعنى الحرفي فليس له إلا حالة واحدة. ولكنه هنا تتولد عندنا إشكالية مهمة، وهو إذا كانت النسبة يعني الظرفية يعني (في) غير حاكية عن الخارج إذن كيف تكون جملة (النار في الموقد) أو (الماء في الإناء) حاكية عن الواقع الخارجي، أنتم قلتم أن المعنى الاسمي يحكي الواقع الخارجي، أما المعنى الحرفي يحكي أو لا يحكي؟ لا يحكي، إذن كيف تكون هذه الجملة حاكية عن الواقع الخارجي. وهذا إشكال مهم لابد أن نشير إليه في غد.
والحمد لله رب العالمين