بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين
قلنا بأنه: المنهج المختار عندنا في اختلاف الأحاديث في المقام الأوّل وفي المرحلة الأولى أن تثبت أنه يوجد تعارضٌ أو لا يوجد تعارض؟ وهذه مسألة أساسية ما لم نلتفت إليها فنتصور أو نتوهم أن هناك اختلافاً وتعارضاً وفي الواقع أنه لا يوجد أي تعارضٍ وأي اختلاف؛ لأن أحد الخبرين مرتبط بموضوع والخبر الآخر مرتبط بموضوعٍ آخر.
وقلنا لتوضيح هذه الفكرة: لا بأس بالإشارة إلى بعض العوامل الأساسية التي تبين لنا ضيق دائرة الروايات المتعارضة والمتخالفة.
العامل الأوّل: أشرنا إليه في الأبحاث السابقة وعامل الزمان والمكان, وهذا الذي مع الأسف الشديد قد توجد هناك إشارة وشذرات في بعض الكلمات ولكنه لم ينظر إليه كعامل أساسي ومن هنا جرّدت الروايات عن الزمان والمكان ثمَّ أوقع التعارض في النسبة بينهما فوق التعارض بينها, يعني الرواية الواردة عن أمير المؤمنين جرّدت من ظروفها, والرواية الواردة عن الإمام الصادق جرّدت من ظروفها, ثمَّ قيل وقع التعارض بين ما قاله الإمام الأوّل والإمام السادس, وهكذا باقي الأئمة, مع أنه ليس الأمر كذلك, ينبغي لمن يريد أن يتوفر على آليات الاجتهاد أن يقف على الزمان والمكان, وقلنا: المراد من الزمان والمكان, يعني الظروف المحيطة بعالم صدور النص.
ولا يقول لنا قائل: سيدنا من أين جئت بلفظ الزمان؟ قرأنا للأعزة لا أقل موردين أو ثلاثة أن الإمام يقول: >في زمان, وفي زمان آخر< كما قرأنا في ذلك.
العامل الثاني: نستطيع أن نعبّر عنه بالعامل الذي يميّز بين العناوين الأولوية والعناوين الثانوية.
يميز بين العناوين الأوّلية والعناوين الثانويّة, فإنه لكل عنوانٍ حكمه الخاص به, إذا كان الموضوع ألف فحكمه نوعٌ, وإذا كان الموضوع باء فحكمه نوعٌ آخر, ماذا تقولون في أنه يجوز شرب النجس أو لا يجوز؟ ماذا يقول القائل؟ الجواب: (كلام أحد الحضور) أحسنتم بحسب العنوان, فإن كان العنوان عنوان اختياري والظرف ظرف اختياري فالحكم لا يجوز, وإن كان العنوان عبروا عنه ثانوياً يعني لو لم يشرب لهلك لمات لأصيب بعاهة و… إلى غير ذلك, لا فقط يجوز بل يجب لو لم يشرب لعوقب على ذلك, هناك لو شرب يعاقب, وهنا لو لم يشرب لعوقب, أيهما الأصل أيهما الفرع؟ الجواب: في الأحكام الأولية والثانوية الأصل بطبيعة الحال هو العنوان الأولي, نعم تلك العناوين الثانوية قد تطول أيضاً وقد تكون لها مصاديق كثيرة ولكنه يوجد تنافي أو لا يوجد تنافي؟ الجواب: لا تنافي, فإنَّ هذا الحكم لعنوانٍ لموضوعٍ وذاك الحكم لموضوع آخر, فإذا لم تلتفت جنابك أن هذا الحكم الذي صدر من الإمام ألف كان للموضوع الأوّل وأن الحكم الذي صدر من الإمام الآخر كان للموضوع الثاني إما لحذف القرائن إما وإما .. لأي سببٍ كان فأنت توقع بينهما التعارض, مع أنهما هما متعارضان أو ليسا بمتعارضين؟ ليس بمتعارضين, ومن هنا لابدَّ أن نلتفت إلى مسألة ظروف صدور الرواية أيضاً بشكل من الأشكال يرجع إلى العامل الأوّل.
طبعاً, والعناوين الثانوية عشرات العناوين فقط أنا أشير للأعزة بإمكانهم أن يرجعوا إلى هذا الكتاب الذي أشرنا إليه ويكون بأيديهم لأنه مفيد وهو (أسباب اختلاف الحديث, ص450) العناوين الثانوية التفتوا إليها: (العسر, الحرج, الضرر, الإكراه, الاضطرار, مقدمة الواجب, السهو, الجهل, الخطأ, الغفلة, النسيان, النوم, السكر, الإغماء, الجنون …) وعشرات العناوين هذه كلها الإمام (عليه السلام) يذكر حكماً ولكنّه مقصوده أحد هذه العناوين الثانوية ولكنه باعتبار أن السائل هو مبتلى بها فلا يقول بأنه أنا كنت في الحالة الكذائية والإمام أفتاني كذا فيذكر الحكم سألته وقال لي, والإمام في الوسط إما سأله أو مطلّع من القرائن على حاله وأجابه.
وعندنا شواهد في الروايات على هذا, عندنا شواهد كثيرة في الروايات على هذا المعنى, أنا أشير إلى شاهد واحد لأن الوقت لا يسع لأن نذكر شواهد كثيرة. هذه (وسائل الشيعة, ج13, ص124, بعبارة أخرى: كتاب الحج, الباب العاشر من أبواب كفارات الاستمتاع, الرواية 17394) الرواية لعلها معتبرة, >عن أبي أيوب, قال حدثني سلمه ابن محرز أنه كان التمتع حتّى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثمَّ رجع إلى منى ولم يطف طواف النساء< أكمل أعمال الحج حج التمتع ولكنّه بقي عنده طواف النساء, فرجع إلى منى باعتبار أنه لابدَّ عده بيتوته, فوقع على أهله قبل طواف النساء >فذكره لأصحابه, فقالوا: فلان قد فعل مثل ذلك, فسأل أبا عبد الله فأمره أن ينحر بدنة, قال سلمه: فذهبت إلى أبي عبد الله الصادق فسألته< هذه فتوى من؟ فتوى الأصحاب, سألهم قالوا أن الإمام الصادق ماذا قال؟ اذهب بدنة, السائل ذهب لمن؟ إلى الإمام >فسأل أبا عبد الله فأمره أن ينحر بدنه, قال سلمه: فذهبت إلى أبي عبد الله الصادق فسألته, فقال: ليس عليك شيء, فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما قال لي (عليه أفضل الصلاة والسلام)< أنه لا يوجد شيء عليّ >قال: فقالوا: اتقاك وأعطاك من عين كدره< يظهر أن هذه ظاهرة التقية في ذلك الزمان كانت شائعة بين الأصحاب, >فرجعت مرةً أخرى إلى أبي عبد الله (عليه السلام)< هذا ماذا يكشف لكم أعزائي؟ كونوا على ثقة جداً مسألة مهمة, أنا أريد أن أأخذ البعد الاجتماعي لها, أنه باب الإمام الصادق كان مفتوح للجميع أنه مباشرةً ماذا؟ وإلا لو كان هناك صعوبة في الاتصال بالإمام الصادق (عليه السلام) بيني وبين الله كلّ ما من مسألة يذهب إلى الإمام الصادق طيب ليس سهلاً, هذا يكشف لك أنه الباب ماذا لا أقل للمحيطين به كان مفتوحاً, >فرجعت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إني لقيت أصحابي, فقالوا: اتقاك وقد فعل فلان مثل ما فعلت, فأمره أن ينحر بدنه, فقال: صدقوا, وما اتقيتك< ما نقلوه عني صحيح وأيضاً هذه الفتوى الثانية أو الجواب الثاني ليس من عين كدرة ليس من تقية >ولكن< التفتوا جيداً هذا الذيل إذا هذا السائل لم يرجع إلى الإمام نحن هذا الذيل ما كنّا نفهمه, فنقول يوجد تعارض في الرواية, أنظروا ماذا يقول الإمام >ولكن فلانٌ فعله متعمداً وهو يعلم وأنت فعلته وأنت لا تعلم< ذاك حكم هذا حكم آخر, ذاك حكم العالم العامد هذا حكم الجاهل القاصر ما هي علاقة أحدهما بالآخر, هذا موضوع ذاك موضوع آخر.
الآن سؤال: لو أن هذا الشخص لم يرجع إلى الإمام مرةً ثانية ماذا نقول؟ نقول يوجد تعارض في الروايات, روايات قالت أنه ينحر بدنه وروايات قالت ليست عليك شيء ونجلس في الحوزة ولا عمل لنا ستة أشهر نبحث في التعارض بين الروايتين, انتهت القضية.
إذن أعزائي, التفتوا أريد أن أصل إلى قاعدة من الرواية, وإلا ليس همي أن أقرا الرواية, >قال: فلانٌ فعله متعمداً وهو يعلم< ليس بناسي >وأنت فعلته وأنت لا تعلم, فهل كان بلغك ذلك؟ قال: قلت: لا والله ما كان بلغني, قال: فليس عليك شيء<.
وهذه مسألة عدم العلم والجهل في أحكام الحج من أوسع الأبواب التي نحن نضيق فيها على الحجاج بلا موجب, في الأعم الأغلب الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) يقول له ما تدري عليك شيء أو ما عليّ شيء؟ الشارع عنده مشكلة مع من؟ مع شخصين:
الشخص الأوّل: العالم الذي لا يبالي, يدري ولكن قال الله كريم, هذا يحاسب.
الشخص الثاني: هو أنه واقعاً يدري أنه يوجد حكم هنا, ولكنّه يتماهل بقصد إن شاء الله الله يقبل, هذا مقصر لابدَّ أن يحاسب, أما الإنسان الذي بكل وجوده ذاهب ويريد أن يعبد الله ويريد أن يتعبد لله وقام بعمل جهلاً, فمولانا لابدَّ هكذا عيد, وهكذا احتياط, وهكذا اذبح وهكذا… أبداً أبدا, هذا الذي أنا اصطلح عليه بالجاهل القاصر, يعني ماذا؟ يعني: قام بالعمل متعبداً له, نعم عليه أن يتعلم, ولكن ما تعلم لا لأنه متعمد ومقصر ومتماهل أبداً أبدا, عمل العمل وما كان في ذهنه أن هذا ما يجوز, هذا لا عليك شيء. على أي الأحوال.
إذن, التفتوا, أن الإمام يميز بينهم بشكل واضح بين عنوان يعلم وعنوان لا يعلم >قلت: والله ما كان بلغني, فقال: ليس عليك شيء<.
إذن أعزائي هذه العناوين الثانوية مهمة جداً لابدَّ أن يلتفت إليها.
أنا في هذه العناوين الثانوية ضربت هذا كمثال حتّى أنتقل إلى عنوان ثانوي أهم, وهو عنوان التقية, في بحث التقية يوجد أو في التقية كعنوان ثانوي, من الواضح, ما يستطيع أحدٌ أن ينكر دور التقية في اختلاف الأحاديث, نعم قد يختلف هذا العالم مع هذا العالم في دائرة أو في سعة هذه الدائرة وضيقها ولكن لم يختلف أحدٌ من العلماء أو لم يقع أي تشكيك من أحد من العلماء أن للتقية دوراً في اختلاف الأحاديث, الآن ما معنى التقية ذاك بمعناه العام لعله نوفق أن نشير إليه.
نعم, ذهب بعضٌ إلى أنّه هو أهم عوامل اختلاف الأحاديث, بل ادعى صاحب الحدائق هو العامل الوحيد لاختلاف الحديث, طبعاً هذه جداً فيها مغالاة, ولكنه هذه دعوى, ولذا عبارته في (الحدائق, ج12, ص108) هذه عبارته, يقول: [والأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية] التفتوا إلى العبارة [التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كلّ بليّة] أصلاً ما وقع الاختلاف إلاَّ بسبب التقية, لا بسبب الكذب على الأئمة, طبعاً مقصوده الروايات الواردة أين؟ في الكتب الأربعة لا مطلقا, هذه يقول ليس الاختلاف فيها بسبب الكذب أو بسبب النقل عن المعنى, أو بسبب تقطيع الرواية, أبداً أبدا ليست هذه العوامل, العامل الأصلي ما هو؟ التقية. هذه عبارته هنا, في (ص108, ج12).
وعنده عبارة أخرى لعله أوسع من ذلك في (المقدمات, ج1, في المقدمة الأولى, ص8) يقول: [ولعلك بمعونة ذلك تعلم أن الترجيح بين الأخبار بالتقية أقوى المرجحات] في باب الترجيح إذا كان هو العامل الأوّل للاختلاف إذن في باب التعارض العامل الأوّل للترجيح هو ماذا؟ التقية, وهذا بحثه سيأتي أين وهذا الآن لم ندخل فيه, أين نقف عنده؟ في باب الترجيح, لأنه تعلمون أنه واحدة من المرجحات >خذ بما خالف العامة< الآن هذا المرجح تامٌ أو لا, نحن لا نوافق على هذا المرجح يكون في علمكم, إلاَّ في دائرة ضيقة جداً جداً.
وإلا أنا ما أتصور واقعاً أعزائي إن شاء الله تفصيليه يأتي ما أريد أن استبق البحث.
أنا ما أتصور أن الأئمة (عليه أفضل الصلاة والسلام) كانوا جالسين في بيوتهم وكانوا واضعين -التعبير من عندي- واضعين إلى جانبهم صفحة كمبيوتر يضغطون هكذا يرون من من علماء السنة قالوا حرام حتّى ينسجموا معهم, هو أين كان يوجد اتفاق بين علماء السنة حتّى انه الإمام ينسجم معهم, عشرات المذاهب في زمانهم فقهياً موجودة أن يتفق يخالف العامة يعني ماذا؟ ماذا العامة كان عنوان مجمع عليه متفق عليه حتّى الإمام إما يتفق معه أو يختلف معه. هذه مخالفة العامة له بحث آخر سيأتي إن شاء الله له معنىً آخر إذا استطعت أن أبينه في الوقت المناسب.
إذن الترجيح بمخالفة العامة بالمعنى التقليدي أنه أنت قال الإمام كذا أنا أذهب أبحث عن شخص من فقهاء العامة أقول وحيث ينسجم مع فلان إذن هذه الرواية قيلت تقية, لا لا, هذا الأصل أبداً نحن لا نوافق عليه.
وهكذا شمة إشارة إجمالية عندنا هذا في (كتاب الزكاة والخلاف في مواردها) هناك بينّا كبرى التقية, الأعزة بإمكانهم يراجعوه في هذه الرسالة التي وزعت على الأعزة. المهم.
يقول: [ولعلك بمؤونة ذلك تعلم أن الترجيح بين أخبار التقية والمرجحات فإنَّ جُل الاختلاف الواقع في أخبارنا, بل كلّه عند التأمل والتحقيق إنَّما نشأ من أين؟ من التقية] عند ذلك تبحث عن عوامل أخرى أو لا؟ الآن انظروا المنهج الذي نحن نختاره ما هو؟ لا أقل العامل الأوّل ذكرنا عامل الزمان والمكان هذا محذوف كاملاً, عامل العناوين الثانوية هذا محذوف كاملاً, وعشرات العوامل الأخرى التي سنشير إليها.
ومن هنا دخلت الشبهة على جمهور متأخري أصحابنا فظنّوا أن هذا الاختلاف إنَّما نشأ من دسّ أخبار الكذب في أخبارنا, توهم كاسد هذا لا توجد في أخبارنا أخبار كاذبة, واقول مرة أخرى مراده من الأخبار ليس مطلق الأخبار يعني الكتب الأربعة لأنه بالنسبة إليه قطعية الصدور, فوضعوا هذا الاصطلاح يعني الصحيح والحسن والثقة وغيره, [فوضعوا هذا الاصطلاح ليميزوا بها صحيحها عن سقيمها وغثها عن سمينها وقوى الشبهة فيما ذهبوا إليه شيئان] يدخل في بحث بودي الأعزة يراجعوا هذا البحث.
إذن, بناء على هذا الكلام يتضح لنا أن مسألة التقية لها دورٌ في اختلاف الحديث, قد تقول سيدنا, أنت قلت قبل قليل: ليست مرجحات, أقول: لا, لا تخلطون بين البحثين, البحث الأوّل: أن التقية لها دورٌ في اختلاف الحديث أو ليس لها دور, هذا بحث وهذا مما لا أشك فيه, البحث الثاني: هل أن التقية من المرجحات أو لا, هذا الذي عندي فيه كلام, لا تخلط بين البحثين, لا تقول بأنه يوجد تهافت في كلامكم سيدنا, أبداً, أنا الآن أبحث البحث الأوّل والبحث الثاني موكولٌ إلى ماذا؟ إلى باب التراجيح إلى باب المرجحات, عندي إشكال أين؟ في البحث الثاني لا في البحث الأوّل.
البحث الأوّل لا إشكال ولا شبهة أن واحدة من أهم أسباب اختلاف الروايات عندنا هو وجود التقية, أدّت إلى اختلافات كثيرة في النصوص, طبعاً يكون في علم الأعزة لا فقط عندنا, حتّى في روايات أهل السنة, أيضاً موجودة, وروايات صريحة موجودة أنه تقية تقية, نعم هذه ليست مختصة بمدرسة أهل البيت, نعم لعل الدائرة في مدرسة أهل البيت ما هي؟ أوسع, والسبب واضح, لأنهم كانوا أقليّة في الأعم الأغلب, كانوا مطاردين في الأعم الأغلب, كانوا محاربين كانوا يقتلون في كلّ مكان, طبيعي هذا, أنه الضغوط تكون, الآن أنت تعيش في دولة بينك وبين الله تعيش في دولة أنت جزء من السلطة ومؤيد للسلطة كيف تعيش؟ وتعيش في دولة أنت معارض للسلطة تعيش بشكل واحد أم بشكلين؟ خصوصاً إذا كانت القضية قضية عقائدية ودينية وفكرية وثقافية وأيدلوجية تعيش بشكل واضح ممكن أصلاً؟ الإخوة الذين عايشين في العراق وعايشين في سوريا وعايشين في بعض دول الخليج يعرفون جيداً هذا الحق, أنه لا يستطيع أن يظهر, لا بالضرورة الآن يخاف على نفسه, يخاف على عمله يخاف على حياته الاجتماعية يخاف على وظيفته, يخاف .. لا يعطوه ..
إذن القضية لا يصير خلط بين المقام الأوّل من البحث والمقام الثاني من البحث.
المقام الأوّل من البحث هل للتقية دورٌ في اختلاف الأحاديث؟ الجواب: نعم, بلا ريب.
السؤال الثاني أو المقام الثاني: هل أن التقية من المرجحات أم لا؟ عندنا بحثٌ يأتي في محله, يعني إذا وقع التعارض بين طائفتين من الروايات هل معنى ما خالف القوم له اعتبارٌ أكثر مما وافق القوم؟ هذا معنى الترجيح, رواية موافقة ورواية معارضة هذه المعارضة للقوم والموافقة للقوم هل تعطي ميزة وامتياز للمخالف على الموافق أو لا تعطي؟ القائل بالترجيح يقول نعم تعطي المخالفة للقوم هذا امتياز للرواية المخالفة, والرواية الموافقة هذا موافقتها تضعيفٌ لها, نقطة سلبية في تلك الرواية الموافقة هذا معنى الترجيح, نحن حديثنا أين الآن؟ في المقام الأوّل وليس في المقام الثاني, هذه النكتة أحفظوها لنا.
الآن تعالوا إلى المقام الأوّل.
المقام الأوّل: ما هي أسباب التقية في المقام الأوّل التي أدّت إلى وقع الاختلاف في الروايات وصارت سبباً وعاملاً أساسياً في وقوع الاختلاف بين الروايات.
أنا أشير إلى بعض هذه الأسباب وإلا استقصائها يخرجنا كثيراً من البحث.
السبب الأوّل: في جملة من الأحيان أن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لخوفٍ على السائل كانوا يقولون له افعل كذا ولا تفعل كذا, الإمام هو لم يخالف وليست القضية قضية عامة وإنما السائل يعيش ظروفاً خاصة أدّى بالإمام أن يقول له أفعل أو لا تفعل؟ أنا أقرأ لكم موارد ثلاثة أمثلة ثلاثة لا أكثر, طبعاً أمثلتها كثيرة ولكن أنا أشير لكل قضية مورد.
المسألة الأولى: وهو البحث السياسي, شخصٌ يريد أن يعمل في السلطة والإمام (عليه السلام) يقدم له توصيات خاصة, هذه الروايات الواردة في باب الوضوء إذا تتذكرون المرتبطة بعلي بن يقطين وبغيرها وغيرها, هذه ليست قضية عامة, هذه مرتبطة بمن يريد أن يقوم بدورٍ في أجهزة الدولة التي هي تعارض عقيدة هذا الإنسان, الرواية موجودة في (وسائل الشيعة, ج1, ص434) الرواية: >عن أحمد بن سليمان عن داود الرقي, قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك كم عدّة الطهارة< إنسان يريد أن يتطهر مرّة يصب مرتين في الوضوء >فقال: ما أوجبه الله فواحدة وأضاف إليها رسول الله واحدة<, >هذه فرض الله وسنة نبيكم< الآن هذه السنة التي بينها رسول الله إما قد تكون واجبة وإما أن تكون مستحبة, وهذا إن شاء الله بحث آخر سنقف عنده من عوامل اختلاف الأحاديث. >واحدة لضعف الناس, ومن توضأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له< باطلة, >أنا معه في ذاك حتّى جاءه< السائل يقول داود الرقي, يقول أنا معه في هذا المجلس حتّى جاءه داود ابن زربي >فسأله عن عدّة الطهارة, فقال له: ثلاثاً ثلاثا< وأنا جالس في المجلس ولست خارجه, >من نقص عنه فلا صلاة له< الآن التفتوا الآن نحن مباشرة ماذا نفعل؟ هذه رواية وهذه رواية ماذا بينها؟ تعارض, >قال: فارتعدت فرائسي< أنا قبل دقيقتين وليس في مجلس آخر الإمام يقول لي الثالثة باطلة, هنا يقول إذا تركت الثالثة يقول وضوئك باطل, >وكاد أن يدخلني الشيطان فأبصر أبو عبد الله الصادق إليّ وقد تغير لوني فقال أسكن يا داود< اهدأ >هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق, قال: فخرجنا من عنده وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر< من؟ المنصور, بيته بجانب إحدى مصايف الخلفية, أين هناك, الآن هو أيضاً لابدَّ أن نبحث عن تاريخه أنه ماذا كان دوره الذي أبو جعفر المنصور عنده اهتمام خاص بمن؟ بهذا الرجل, يقول: >وكان قد ألقي إلى أبي جعفر أمر داود ابن زربي وأنه رافضي يختلف إلى جعفر ابن محمد, فقال أبو جعفر المنصور: إني مطلّع إلى طهارته كيف يتوضأ, فإنَّ هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإني لأعرف طهارته< لأنه قبل سقوط بني أمية العلاقات بين العباسيين وبين أهل البيت بين بني هاشم كانت علاقة طيبة ما كانت مشكلة, >فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإني لأعرف طهارته حققت عليه القول< يعني ثبت لي >قتلته< الآن قلت لكم لابدَّ أن نذهب إلى التاريخ لنعرف ما هي أهمية هذا الرجل >فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبق داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبد الله (عليه السلام) فما تم وضوئه حتّى بعث إليه أبو جعفر فدعاه, قال: فقال داود: فلما أن دخلت عليه رحب بي قال: يا داود قيل فيك شيءٌ باطل وما أنت كذلك, قد أطلعت على طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة, فاجعلني في حلٍ وأمر له بمائة ألف درهم, قال: فقال داود الرقي, التقيت أنا وابن داود الزربي عند أبي عبد الله الصادق فقال له داود ابن زربي جعلت فداك حقنت دمائنا في دار الدنيا ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة, فقال: أبو عبد الله فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لداود حدث داود الرقي بما مرّ عليكم حتّى تسكن روعته< هذا الشك الذي دخل قلبه حتّى يطمأن أنه نحن أفعالنا قائمة على أسس, >فقال: فحدثته بالأمر كله, قال: فقال ابو عبد الله لهذا أفتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو, ثمَّ قال يا داود ابن زربي توضأ مثنى ومثنى<.
التفت اخرج حاشية مختصرة اضرب حاشية في التحت هكذا خطين: هذا منشأ ابن الجنيد يقول بأنه أئمة أهل البيت أصحاب رأي يفتون الناس, هذه الروايات منشأها, الإمام ما يقول هذا حكمُ الله في اللوح المحفوظ, يقول ماذا؟ أفتيت, على أي الأحوال.
قال: >لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو ثمَّ قال يا داود ابن زربي توضأ مثنىً مثنى ولا تزدن عليه فإنَّك إن زدت عليه فلا صلاة لك<. جيد.
الآن هنا نحن داود الرقي كان جالس بالمجلس وبعد ذلك فهمنا القضية, من يقول بأنه ما عندنا عشرات الروايات الإمام أفتوى بها على أساس ماذا؟ على أساس حقن الدماء.
إذن إذا جاءت رواية لكم وتجدوها على خلاف القواعد على خلاف كذا لا تقولون أنها توجد تعارض بينها, اذهب وأقرأ صدور ظروف هذه الرواية لترى بأنه لماذا صدرت هذه الرواية مع أنه عشرات الروايات من نفس الإمام صادرة على خلافها, مباشرة لا تجردها عن ظروفها وتقول وقع التعارض, هذا هو المثال الأوّل للخوف على الشخص الذي كان عامل سياسي.
المورد الثاني والثالث إن شاء الله يأتي.
والحمد لله رب العالمين.