الأخبار

تعارض الأدلة (22)

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

قلنا: من أهم الأبحاث لتضييق دائرة الروايات المتعارضة والمتخالفة أن نقف على أنواع الأحكام الشرعيّة الثابتة في الشريعة. وما لم نتوفر على هذا الأصل المهم لا نستطيع أن نتعرف على مسألة لماذا تختلف الروايات فيما بينها.

وأشرنا إلى أنّ الأحكام الموجودة في الشريعة المشرّعة والتي هي جزءٌ من الشريعة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل: هي التشريعات الصادرة من الله سبحانه وتعالى.

القسم الثاني: التشريعات الصادرة من النبي الأكرم’, وهي التي عبّر عنها بالنصوص بأنها سنّة في قبال الفرض, لا سنّة في قبال الفريضة ولا سنّة في قبال الكتاب. قلنا: أن السنة لها اصطلاحات ثلاثة:

الاصطلاح الأوّل: السنة في قبال الكتاب >كتاب الله وسنة نبيه<.

الاصطلاح الثاني: السنّة في قبال الفريضة, يعني: المستحب في قبال الواجب.

الاصطلاح الثالث: السنّة في قبال الفرض, يعني التشريع الصادر من النبي في قبال التشريع الصادر من الله. وهذه السنة أعم من أن تكون واجبة أو أن تكون مستحبة, وأعم من أن تكون حكماً تكليفياً أو أن تكون حكماً وضعياً.

ثمَّ صرنا في هذه الجهة, قلنا: هل توجد جهة اشتراك بين فرض الله وسنّة النبي, يعني التشريع الصادر من الله والتشريع الصادر من النبي أو لا؟ قلنا: توجد جهة اشتراك وجهة افتراق.

أما جهة الافتراق فقد أشرنا إليها, في باب الصلاة أشرنا, في باب الحج أشرنا, في باب الجهاد أشرنا, قلنا الفروق الموجودة بين هذه التشريعات الصادرة من الله والتشريعات الصادرة من النبي.

وأما جهة الاتفاق, فهي أنها جزءٌ من الشريعة وأنها يجب التسليم لها على حد التسليم والطاعة لتشريع الله ولفرض الله.

إذن التفتوا إلى هذه النكتة, من حيث الطاعة والمعصية, ومن حيث التسليم والإنكار لا فرق بين تشريع الله وتشريع النبي’. يعني: العقوبة المترتبة على مخالفة تشريع النبوي على حد العقوبة المترتبة على مخالفة تشريعٍ إلهي, لا فرق بينهما. التسليم الواجب علينا إزاء التشريع النبوي على حد التسليم الواجب علينا إزاء تشريعٍ إلهي, لا فرق بينهما من هذه الجهة.

والرواية لم نقرأها في الدرس السابق, الرواية واردة في (الكافي, ج1, طبعة دار الحديث, رقم الحديث 697, كتاب الحجة, باب التفويض إلى رسول الله, الحديث4) الرواية هناك طويلة, يقول: >وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان< هذا تشريع >فرض ربكم<, >وسن رسول الله صوم شعبان وثلاثة أيام< سنّ هنا يعني: ليس بمعنى جعله مستحباً, سنّ يعني شرّع رسول الله >صوم شعبان وصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر< شرّع, أما مستحب أو واجب؟ هذا من دليل آخر وليس من هذه الرواية.

لا يستدل أحد, كما استدل البعض, أن صوم شعبان مستحب, لا لا, واستدل بهذه الرواية, لا, هذه الرواية طبعاً من الروايات المعتبرة, سنّ هنا ليس بمعنى أنه جعله مستحباً, سنّ يعني شرّع, بأي قرينة؟ بقرينة >وفرض الله في السنة< إذن السنّة هنا جاءت في قبال الفرض, لا السنة في قبال الفريضة والوجوب.

>وحرّم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها, وحرّم رسول الله المسكر من كلّ شراب, فأجاز الله له ذلك, وعاف رسول الله أشياء وكرهها لم ينه عنها نهي حراماً, إنَّما نهى عنها نهيَ إعافةٍ وكراهةٍ ثمَّ رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه< لا فرق من هذه الجهة, >ولم يرخص لهم رسول الله فيما نهاهم عنه نهي حرامٍ ولا فيما أمر به أمر فرضٍ لازمٍ, فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام, لم يرخص فيه لأحدٍ ولم يرخص رسول الله لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عزّ وجلّ, بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلاَّ للمسافر< فلذا الحاضر كما يجب عليه فرض الله يجب عليه سنة رسوله وهما الركعتان الأخيرتان >وليس لأحدٍ< التفت جيداً إلى هذه الجملة, حتّى تعرف القاعدة >وليس لأحدٍ أن يرخص ما لم يرخصه رسول الله< يعني: إذا أوجب شيئاً رسول الله هل توجد صلاحية للإمام الذي بعده أن يرخص أو ليس له صلاحية؟ ليس له صلاحية, مغلق هذا الباب.

إذا حرّم شيئاً رسول الله هل يستطيع بعد ذلك يقول كما فوّض إليه التحريم أنا أريد أن أحلل, هل يحق؟ أبداً, أبداً.

ولذا قلنا: أن ما شرّعه رسول الله ما سنّه رسول الله تشريعاً وجوباً أو استحباباً حرمةً أو كراهةً تكليفاً أو وضعاً جزءً من الشريعة إلى أن يرث الله الارض ومن عليها. ولذا قلنا أنها من الأحكام ماذا؟ نعم, إذا ثبت التفويض للأئمة بعد رسول الله قد يشرعون شيئاً إضافياً, ولكن لا يستطيعون أن يمسوا ما شرّعه رسول الله’. واضحة هذه الحقائق. هذه من مفاتيح فهم تشريعات النبي والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

>قال: ما لم يرخصه رسول الله, فوافق أمر رسول الله أمر الله عزّ وجلّ, ونهيه أي نهي رسول الله نهي الله عزّ وجلّ< التفت إلى محل الشاهد جيداً هذا كله قرأته لهذه الجملة, احفظها جيداً >ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى<.

لا يقول لنا قائل: الآن الركعة الأولى والثانية درجة أهميتها مائة, والركعة الثالثة والرابعة درجة أهميتها كم؟ ستين, فمعصية الأولى عقوبتها مائة, ومعصية الثانية ..؟ لا لا, التسليم لرسول الله على حد التسليم لله تعالى, والطاعة لرسول الله على حد الطاعة لله تعالى, والمخالفة لرسول الله على حد المخالفة لله تعالى.

ولذا نحن نعتقد كيف أن من خالف رسول الله عالماً عامداً وأنكر ما أوجبه يكون خارجاً عن الدين, يكون خارجاً عن الإسلام, إذا ثبت عند شخص أنه نصب الإمامة من بعده لأحدٍ وقال مع علمي بأنه فعل ذلك أنكر, أيضاً لا يبقى على الإسلام. نعم, إلاَّ إذا كان جاهلاً فله حديثٌ آخر.

إذن أعزائي, من حيث التسليم لا فرق بين الفرض الإلهي والتشريع النبوي من هذه الجهة. جيد.

التساؤل اللاحق: وهو أن هذا التفويض الذي ثبت للنبي, هذا الذي دخلنا إليه في الدرس السابق, أن هذا التفويض الذي ثبت من الله لرسوله في دائرةٍ من دوائر التشريع, هل هي ثابتة للأئمة من بعده (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أو لا؟

الآن, إذا يتذكر الأعزة, قلنا في البحث السابق, أنه هنا لابدَّ من البحث في أمرين:

البحث الأوّل: هذه -هذه المسألة- مرتبطة بمسألة معرفة الإمام, من أهم الواجبات في الإسلام كيف يجب >أول الدين معرفته< كما تجب معرفة الله, الآن أي وجوب فرضتَ, الآن ليس بحثنا في سنخ الوجوب, أي وجوب فرضت, كما فرضنا أنّ معرفة الله واجبة, وكما هو معلومٌ أنّ معرفة النبي واجبة, كذلك معرفة الإمام واجبة. أي نوع.

طبعاً هنا دعني أبين لك نكتة, المراد من المعرفة ليس العلم, المراد من المعرفة في الروايات في الأعم الأغلب يعني التصديق الإيمان, التفت لا أنه أعرفه, طيب الآن كثير من الكفار, كثير من البوذيين لعله عنده دكتورا في شخصية رسول الله, إذن يعرف رسول الله أو لا يعرف؟ يعرف بحسب العلم هو يعرف رسول الله, ولكن ليس المطلوب هو المعرفة يعني العلم, المطلوب هو التصديق الإيمان, الذي هو أمرٌ اختياري للمكلف. {آمنوا} إذا لم يكن اختيارياً لا معنى للأمر بالإيمان.

>أول الدين معرفته< الآن إذا حملنا المعرفة على العلم هذه مقدمة للتصديق, والشاهد على ما أقول: أنه في أكثر الروايات التي قالت أن المعرفة واجبة, جعلت في مقابل المعرفة الإنكار, والإنكار لا يقع في مقابل المعرفة بمعنى العلم, وإنما يقع في قبال الإيمان يقع في قبال التصديق, وإلا في قبال المعرفة بمعنى العلم يقع عدم العلم الجهل يقع. الذي هو يقع في قباله الإنكار هو ماذا؟ التصديق الإيمان.

إذن نحن عندما نقول أن المعرفة واجبة, لا يذهب ذهنك بأنه يعني نقرأ كتاب عن الأئمة لا, أن المعرفة واجبة يعني يحصل بعد هذه المعرفة يحصل الإيمان والتصديق. هل الروايات واردة؟ نعم الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أكدوا هذه الحقيقة بشكل واضح وصريح. هذه في (أصول الكافي) يوجد بابٌ مستقل في هذا الباب (اسمه تحت عنوان: باب معرفة الإمام والرد إليه) والمراد من المعرفة إما المعرفة كمقدمة وتمهيد للتصديق وإما يراد من المعرفة نفس التصديق والإيمان. (كتاب الحجة, باب معرفة الإمام, الرواية الثالثة من هذا الباب) الأحاديث متعددة, الرواية: >عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة, قال: قلت لأبي جعفر: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟< التفتوا, لا إشكال ولا شبهة أن معرفة الله واجبة أو غير واجبة؟ نعم واجبة, والمراد من المعرفة هناك يعني التصديق لا مجرد المعرفة وإن كان ينكر وجوده, والقرآن استعمل هذا المعنى قال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} المراد من اليقين هنا ماذا العلم؟ الجحود لا يقع في قبال العلم, في قبال العلم يقع الجهل, إذن الجحود المراد من اليقين يعني ماذا؟ التصديق الإيمان {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا} يعني مع أنه يوجد عندهم علمٌ ولكنّهم أنكروا.

قال: >فقال: أن الله عزّ وجلّ بعث محمداً’ إلى الناس أجميع رسولاً وحجة لله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمدٍ رسول الله واتبعه وصدّقه< التفتوا >واتبعه وصدّقه فإنَّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه, ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهم, قال: قلت: فما تقول فيمنَ يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله أيجب على أولئك حق معرفتكم أيضاً؟< عموم المسلمين, >قال: نعم< يجب عليهم معرفتنا, والمراد من معرفتنا يعني ماذا؟ التصديق بنا, التفتوا إلى استدلال الإمام كيف يستدل, >قال: نعم, أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلان< نعم, عندما تصل إلينا تقولون لا يشترط الإيمان, أما عندما تصل إليهم ماذا؟ يشترط الإيمان, هذه كيف؟! عندما نقول لهم تجب معرفة الإمام يقولون ليس من أصول الدين ليس من أركان الإيمان, أما عندما تصل تريد تمس الصحابة تصير كافر, طيب إذا لم تكن من أركان الإيمان لماذا مسهم يؤدي إلى ماذا؟ إلى الخروج عن الإسلام, لماذا؟ هذا معناه أنّه وإن لم يصرحوا ولكن جعلوا فلاناً وفلان من أركان الإيمان عندهم. >قال: أليس هؤلاء يعرفون< من الواضح مراده من يعرفون يعني يؤمنون يصدقون >يعرفون فلاناً وفلانا؟ قلت: بلي, قال: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء< يعني أمر فطري >والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلاَّ الشيطان لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلاَّ الله عزّ وجلّ, فمعرفتنا فطرية< أما معرفتهم منشأها شيطان. هذه رواية.

رواية أخرى: وهي الرواية الأولى وهي من أهم الروايات التفتوا جيداً, إخواني وأعزائي, مسألة معرفة الإمام هي صلب معارف مدرسة أهل البيت, تقع في العمق من معارف أهل البيت, أساساً معرفة الله لا تستقيم إلاَّ بمعرفة هؤلاء, فكلما ازددت معرفة بهؤلاء ازددت معرفة بالله, والنصوص لا تواتر, فوق التواتر, >من عرفنا فقد عرف الله, ومن جهلنا فقد جهل الله< والنصوص بألسنة متعددة, أضرب لك بعض الألسنة مثال, الوقت لا يسعني أنا كنت قد نقلت ست سبع روايات.

الرواية الأولى: >عن أبي حمزة قال لي أبو جعفر: إنَّما يعبد الله من يعرف الله< المراد من المعرفة هنا يعني العلم >فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالا< إذا لم يعرف الله عبادته ماذا؟ لعله يأتي بشيء يتصور يقرب وإذا هو يبعد, ويترك الشيء باعتقاد أنه يبعد وهو في الواقع يقرب, إذا أنت ما تعرف الحق سبحانه وتعالى >قلت: جعلتُ فداك فما معرفة الله؟< انظروا واقعاً والله أنا بعض الأحيان أتأسف هذه الأبحاث لم توجد في حوزاتنا العلمية, لماذا نحن ثلاثة وثلاثين سنة فقط نعيش مع >لا تعاد< ومع >لا تنقض اليقين بالشك< ومع >رفع ما لا يعلمون< هذه كلها جيدة, ولكن لماذا لا نعيش في أضواء ونور هذه النصوص؟ >قال: فما معرفة الله< يا ابن رسول الله أنت تقول من عرف الله عبده وهو مهدي, أما من لم يعرف الله عبده فهي عبادة ضلال >قال< انظروا التعبير تبدل من المعرفة إلى التصديق, هذا الذي قلناه >قال: تصديق الله عزّ وجلّ< هذه معرفة الله, عرّف, بسم الله الرحمن الرحيم, ما هي معرفة الله؟ >قال: تصديق الله عزّ وجلّ, وتصديق رسوله, وموالاة علي والإتمام به وبأئمة الهدى< عجيب, واقعاً عجيب, معرفة الله ما هي علاقتها بعلي؟ الجواب: لأنه >من عرفنا فقد عرف الله< من جهلنا يتوهم أنه يعرف الله, لا يعرف الله, الدليل؟

هذا أمامك أذهب أنت إلى مدارس المسلمين انظروا في التوحيد ماذا فعلوا؟ أليس القرآن بأيديهم؟ كان بأيديهم أو ليس بأيديهم؟ لا والله, كتبوه مائة وخمسين تفسير, أليست روايات السنة بأيديهم؟ أليست لهم عقول؟ إذن لماذا صاروا مجسمة لماذا؟ أين الإشكالية؟ ليس القرآن بأيديهم؟ بأيديهم, ليست السنة بأيديهم؟ بأيديهم, لا توجد لهم عقول؟ لا والله, لهم عقول, لكنهم فقدوا البوصلة, من؟ أهل البيت, هؤلاء يهدون الطريق إليّ, {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} هذا الطريق هذا الصراط المستقيم. هذه أيضاً رواية.

الرواية الرابعة: >سمعت أبا جعفر يقول: إنَّما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت, ومن لم يعرف الله عزّ وجلّ ولا يعرف الإمام منّا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله الضلالا< هو بتوهم أنه ماذا؟ مثل الذين كانوا يعبدون الأصنام, هؤلاء تتصورون بأنه ما كانوا يعبدون الحق؟ لا والله, كانوا يعبدون, ولكنّه تاهوا, ضلوا الطريق.

أختم حديثي بهذه الرواية القيمة التي هي آخر الروايات, >سمعت أبا عبد الله الصادق× يقول: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين, فقال: يا أمير المؤمنين {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} فقال: نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم, ونحن الأعراف الذي لا يُعرف الله عزّ وجلّ إلاَّ بسبيل معرفتنا, ونحن الأعراف يعرفنا الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط, فلا يدخل الجنة إلاَّ من عرفنا وعرفناه< عرفنا يعني: كتب كتاب عنّا, >آمن بنا وائتم بنا< وعرفناه يعني ماذا؟ يعني: صدقّنا إيمانه بنا, وإلا قد يكون مدعياً كذبا, >ولا يدخل النار< أنظروا معنى, أنه قلنا يقع في قبال معنى العرفان ماذا >ولا يدخل النار إلاَّ من أنكرنا وأنكرناه< إذن المراد من المعرفة ماذا؟ ليس العلم, المراد من المعرفة التصديق.

سؤال: يا ابن رسول الله لماذا أنتم لا يعرف الله إلاَّ بسبيل معرفتكم؟ لماذا أصلاً؟

التفتوا ماذا قال الإمام ولست أنا, >قال: إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه< لو أراد أن يعرف الناس نفسه من غير سبيل معرفتنا كان ممكن أو ممتنع؟ لا, ممكن, إذن لماذا؟ يقول: حكمته اقتضت ذلك, >ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه< هو جعلنا ذلك, ولو شاء لم يفعل وحيث أننا نعتقد أن هذا النظام هو النظام الأحسن, إذن ما فعله ما هو؟ ليس في الإمكان أبدع مما كان, >فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون< ثمَّ قال أصلاً (عليه أفضل الصلاة والسلام) >فلا سواءٌ< لا يستويان لا يستوون .. هذا القرآن هذه مضمون تلك الآيات >فلا سواءٌ من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيونٍ كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافيةٍ تجري بأمر ربها لا نفاد لها ولا انقطاع<.

سؤال: إذن معرفة الإمام ما هي؟ واجبة, ومن أهم, الآن ندخل إلى بحثنا, ومن أهم دوائر معرفة الإمام أن نتعرف أنه فوض إليهم أمر التشريع أم لم يفوض؟ هذه قضية مهمة في معرفة الإمام, من عرفهم بهذه الدرجة فهو درجة من المعرفة, من لم يعرفهم فهي درجة أخرى من المعرفة.

ولذا أنا أجعل هذه الأبحاث ليس داخلة في أصل الإيمان بأئمة أهل البيت وإنما داخلة في كمال الإيمان بهم, يعني: لو أن شخصاً جاء وقال أنا أؤمن بالأئمة وأنهم مفترضوا الطاعة وأنهم … ولكن لا أقبل هذا الذي تقولون, نقول بلي: أنت حققت الحد الأدنى من المعرفة الواجبة, ولكن وفوقها درجات, التي مرتبطة بكمال الإيمان, طيب ما هي ثمرة ذلك؟ قد يقول شخص: أن شخص إيمانه الحد الأدنى, وشخص إيمانه الحد الأعلى؟

الجواب: نقضاً وحلاً, ما هي الفائدة أن الإنسان يحقق معرفته بالله أكثر وأعمق ما هي الثمرة؟ هذه القضايا لا يبحث فيها, هي في نفسها كمال لا أنه لأجل ماذا, هذه ليست لأجل ماذا, كما أن كلّ ما ازدادت معرفة الإنسان بالله, كلما ازدادت معرفة الإنسان بالنبي, كلما ازدادت معرفة الإنسان بالقرآن, هي كمالٌ في نفسه كذلك كلما ازدادت معرفة الإنسان بالإمام هي كمالٌ في نفسه, ناهيك أن قيمة العمل إنَّما هي بقيمة المعرفة.

فإذا هذه ركعتين صلاتك, ركعتين صلاة إذا قبلت, الله يعطي الجنة في قبالها, روايات عندنا, ركعتين الله كم كرم إلهي ونحن كم مقصرين, ركعتين إذا تمت تكون موجبة.

سؤال: أي جنة, هذه الجنة توجب, الجنة الأدنائية أو الجنة الأعلائية؟ الجواب: الجنة التي توجبها الركعتان بحسب المعرفة, فكلما ازدادت المعرفة ازدادت قيمة العمل, كلما قلّت المعرفة, قلّت قيمة المعرفة, >اقرأ وارقه< هذه اقرأ واضحة أمامكم ليست المراد اقرأ يعني القراءة التي يقرأها حتّى الذي هو مبغضٌ وناصبي, يعني أولئك الذين حاربوا علياً في النهروان, خوارج كانوا وهؤلاء مدحهم أمير المؤمنين, اقرأ نهج البلاغة انظر ماذا قال عنهم, أنه سجودهم ماذا, قرآنهم ماذا … وإلى آخره, ولكن يتجاوز تراقيهم أو لا يتجاوز؟ لا يتجاوز, ما هي قيمة هذه القراءة, المراد من اقرأ يعني ماذا؟ القراءة بالحمل الشائع, يعني: المعرفة, كلما, هذه الجنة عدد مراتب الجنة على عدد آيات القرآن, روايات في (أصول الكافي, ج2) اقرؤوها, فكلما ازددت معرفة بالقرآن ازددت درجة يوم القيامة, كلما ازددت معرفة بالإمام.

ولذا تجدون أعزائي, بينكم وبين الله يعني ضربة علي يوم الخندق مع ضربة أي صحابي آخر, من حيث البُعد الظاهري ما الفرق بينهما؟ لا فرق, ولكنّه ضرب علي يوم الخندق ماذا؟ تعادل, وفي بعض النصوص عندنا, تفضل, عبادة الثقلين, عبادة, عجيب, طيب هي ضربة؟ الجواب: البحث ليس في البُعد الكمي, البحث في روح العمل والمعرفة هي روح العمل.

إذن إذا وقفنا عند هذا البحث الأساسي في معارفنا الدينية وهي معرفة النبي وهي معرفة الإمام, أولاً: فيها آثار فقهية, أنه فوض إليهم أو لم يفوض إليهم, وثانياً: إذا عرفنا أنه فوض إليهم فهي درجة من المعرفة, وإن لم يفوض إليهم فهي درجة أخرى من المعرفة. جيد.

تعالوا معنا إلى النصوص التي هي في مسألة التفويض, الروايات كثيرة في هذا الباب الإخوة يراجعونها. هذه الروايات قراناها في (بصائر الدرجات) هذه الطبعة المعروفة التي قراناها للأعزة, لأنه طبعاتها متعددة, وأخيراً مطبوعة طبعة جديدة أيضاً للأبطحي في مجلدين, لعله أنا بعدُ لم أتصفحها جاؤوا لي بنسخة منها, أردت أن أرى بأنه أيهما أدق, هذه الطبعة انتشارات المكتبة الحيدرية, الطبعة الأولى, (ج2, ص237).

الرواية الأولى: >فما فوض الله إلى رسوله فقد فوّضه إلينا<.

في الدرس السابق قلنا: هذه >فما فوّضه< ضمير فوضه لمن يرجع؟ يرجع إلى الله أو يرجع إلى الرسول؟ إذا أردنا أن نتكلم بلغة أنه المرجع أقرب المراجع فلابدَّ أن يرجع إلى النبي, فما فوّضه الله إلى رسوله فقد فوّضه رسوله إلينا. صحيح.

ولكنّه قد يقول قائل: لا, لأنه نتكلم في تفويض الله نتكلم في الفاعل لا في الذي فوّض إليه, فما فوض الله إلى رسوله فقد فوضه الله إلينا, وصحيح.

ولكن ما المرجح؟ واقعاً لا يوجد مرجح, إذن كلا الأمرين محتمل هنا, أن التفويض من الله لرسوله وللأئمة فيكون من قبيل نصب الإمامة لعلي وأهل البيت, يعني الناصب الذي نصب من؟ هو الله, ولكن المبلغ هو ماذا؟ كذلك هنا نقول: الذي فوض هو الله ولكنّه الذي بلغنا هذا التفويض هو الرسول.

ولكنّه في الرواية الثانية من نفس الباب (عدد الرواية 1365, باب في أن ما فوض إلى رسول الله فقد فوض إلى الأئمة) واضحة, يقول: >وفوض إلى محمد’ أمر دينه فقال: {مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فإنَّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى الأئمة منّا وإلينا ما فوّض إلى محمدٍ’<.

إذن الرواية هنا فيها تصريح, أن التفويض ممن جاء؟ من الله سبحانه وتعالى لهم.

وكذلك الرواية الخامسة في هذا الباب, يقول: >وإن رسول الله< تلك بالعكس كاملاً >وإن رسول الله فوّض إلى علي وائتمنه< إذن الرواية الأولى تحمل الأمرين, الرواية الثانية تقول التفويض من الله, الرواية الثالثة تقول التفويض من رسول الله. وهذه ممكن كلا الاحتمالين فيها, يعني فوض, يعني: هو جعل التفويض, أو فوض يعني أبلغ التفويض, هذه كلا الاحتمالين أيضاً موجود في هذه الروايات.

قال: >وفوض إلى علي وائتمنه فسلمتم< إلى الشيعة >فسلتم< يعني من آمن >وجحد الناس< قلنا مراراً أن هذا تعبير الناس يشار به إلى المنكرين >وجحد الناس, ونحن فيما بينكم وبين الله ما جعل الله لأحدٍ من خيرٍ في خلافه<.

الرواية السادسة: >قال: فما فوض إلى رسول الله, فقد فوّضه إلينا< طيب واضح هذا فوّضه من؟ يعني رسول الله, ولكن المشكلة توجد نسخة أخرى >فما فوض إلى رسول الله فقد فوض إلينا< إذا صار هكذا فأيضاً كلا الاحتمالين وارد أنه فوض من قبل رسول الله أو فوض من قبل الله سبحانه وتعالى.

والرواية السابعة: >قال: ثمَّ قال: إن رسول الله< طبعاً صدرها كلها على القاعدة >إن الله أدب نبيه فأحسن تأديبه.. قال كذا, ثمَّ قال: {ما آتاكم..}, >إن رسول الله فوض إلى علي بن أبي طالب وائتمنه<.

والرواية الثامنة أيضاً في هذا المجال >ثمَّ التفت إليّ فقال يا ابن أشيم: إن الله فوض إلى سليمان ابن داود فقال {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}, وفوض إلى نبيه فقال: {مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}, فما فوض إلى رسول الله فقد فوضه إلينا<.

تتمة الروايات تأتي.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات