نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (71)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قلنا بأنّه لكي يتضح دور الزمان والمكان والظروف الاجتماعية في فهم النص الوارد من الشارع نقف عند نموذجٍ بغض النظر أننا نتفق مع هذا النموذج أو لم نتفق, لسنا بصدد الفتوى وإنما بصدد بيان نموذجٍ في هذا المجال ذهب إليه جملة من الأعلام.

    هذا النموذج ما يتعلق بمسألة الغناء, هذه المسألة التي هي على مر الزمان وفي كل مكان هي محل الابتلاء, وخصوصاً في مثل أزمنتنا, الآن لا يخلو بيت من راديو وتلفزيون وكذلك الوسائل الأخرى للاتصال أنتم تجدون بأنه في النتيجة حتى الكمبيوتر عندما يفتحه الإنسان حتى الجرس الذي يضعه لأي تلفون أو جوال أو نقال تجدون أن الموسيقى أو الغناء -الآن حديثنا ليس في الموسيقى, حديثنا في الغناء- بشكل أو بآخر هذا موجود. خصوصاً في مسألة الأناشيد, خصوصاً في مسألة الرثاء, خصوصاً في مسألة قراءة القرآن, خصوصاً في مسألة المناجاة, وعشرات بل مئات الموارد التي يوجد ابتلاء بهذه المسألة.

    ولذا بالقدر الممكن وإلا لا نريد أن نبحث هذه المسألة تفصيلاً وإلا إذا أردنا أن نقف عندها لعله تأخذ أسابيع, ولكنّه بالقدر الذي يرتبط ببحثنا سوف نقف عند هذه المسألة وهي الغناء.

    البحث الأول -بنحو الإجمال- في الغناء: هو الحرمة في الجملة, هذه المسألة تقريباً لم يختلف فيها أحدٌ من علماء المسلمين إلا ما شذ أنهم ذهبوا إلى أن الغناء في الجملة وبنحو القضية المهملة هذا حرامٌ بحسب الكتاب والسنة.

    ولذا السيد الخوئي+ في كتابه (محاضرات في الفقه الجعفري, طبعة دار الكتاب الإسلامي, ج1, ص340) هذه عبارته, يقول: [الغناء لا خلاف في حرمته] في التعليقة يقول: [اتفق الأصحاب على حرمته وقال بها أكثر أهل السنة والكتاب العزيز], أما الأدلة [الكتاب العزيز] مضافاً إلى [الروايات المتواترة] لذا يقول في (ص342) [وأما الروايات الدالة على حرمة الغناء, فقد ادعي تواترها] إذن فالقضية واضحة من حيث الحكم -في الجملة- واضحة المسألة وهو أن الغناء حرامٌ ومن المحرمات الشرعية.

    هذه المسألة, إذن لا نبحث فيها طويلاً هذا العنوان لعله إن شاء الله عندما نقرأ الروايات في هذا المجال أيضاً ستتضح المسألة, لذا لا نحتاج الوقوف كثيراً عند هذه المسألة.

    البحث الثاني: -الذي لابد أن يلتفت إليه- وهو: أنّه ما هو الغناء؟ هذه المسألة التي شغلت بال الفقهاء وشغلت باب الأعراف التي يستند إليها ونحو ذلك.

    لا أقل أيضاً أنا -بنحو الإجمال- أشير إليه, في المستند, يعني: (مستند الشيعة في أحكام الشريعة, تحقيق مؤسسة آل البيت, ج14, ص124) يقول: [فبيانه أنّ كلمات العلماء من اللغويين والأدباء والفقهاء مختلفةٌ في تفسير الغناء, ففسره بعضهم بالصوت المطرب وآخر بالصوت المشتمل على الترجيع وثالثة بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً, ورابع: بالترجيع, وخامس: بالتطريب, وسادس: بالترجيع مع التطريب, وسابع: برفع الصوت مع الترجيع, وثامن: بمد الصوت, وتاسع: بمده مع أحد الوصفين أو كليهما, وعاشر: بتحسين الصوت, وحادي عشر: بمد الصوت وموالته, وثاني عشر: بالصوت الموزون المفهم المحرك للقلب, ولا دليل تام على تعيين أحد هذه المعاني.

    بعد اثنا عشر قول في المسألة يقول ولا دليل على أحد هذه المعاني, طيب جيد, ماذا نفعل؟ المسألة: يقول: نعم يكون القدر المتيقن فيدخل في القدر المتيقن, وآخرون ككاشف الغطاء وغيره يذهب إلى العرف فما بالك بالعرف من عرف إلى عرف آخر ومن زمان إلى زمان آخر وإلى آخره, هذه هي كلمات الفقهاء في المسألة وكلمات اللغويين, طبعاً هذه التي أشار إليها في الأعم الأغلب هي كلمات من؟ تعريفات الفقهاء, وإلا كلمات اللغويين فلها باب آخر, لعلنا نشير إلى بعض هذه الكلمات.

    ولذا السيد الإمام+ في (المكاسب المحرمة, ج1, ص202, 203) هذه عبارته هناك بعد أن يشير إلى بعض هذه الكلمات, يقول: [فالأولى تعريف الغناء بأنه صوت] هذا أيضاً ضيفوه على المعاني الاثنى عشر فتصبح اثنا عشر صوتاً لأنه يختلف عن تلك, [بأنه صوت الإنسان الذي له رقة وحسنٌ ذاتي ولو -في الجملة- وله شأنية إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس] هذا هو تعريفه, وبعد ذلك يقول: [وبما ذكرنا] يبين هذا التعريف مفصلاً يبين القيود المأخوذة, لأنه, أولاً: له رقة, ثانياً: له حسن ذاتي, ثالثاً: له شأنية إيجاد الطرب, وإن لم يكن بالفعل, ورابعاً .. إلى آخره, يقول: [وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحد المنتسب إلى المشهور] ويناقش كلمات المشهور. [ثم إن ما ذكرناه] في (ص203) [ثم إن ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهية الغناء] هذه هي حقيقة الغناء التفتوا [من غير نظرٍ إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي] نحن الآن لم نتكلم في موضوع الحكم الشرعي, ما يتعلق بموضوع الحكم الشرعي لابد أن نذهب إلى من؟ نذهب إلى النصوص الواردة أنّه حرم هذا المعنى الآن.

    إذن تبين البحث الآن بحث في ما هو الغناء, أما هل نفس هذا المفهوم الذي حصلنا عليه عشرة معاني اثنا عشر معنى خمسة عشر معنى هل هو الذي وقع دليلاً عندما قال الشارع يحرم الغناء أو أنه الشارع لعل الموضوع عنه, طبعاً هنا عندما نقول موضوع أعم من المتعلق, يحرم الغناء لأن الغناء هو المتعلق لا هو الموضوع بحسب الاصطلاح, ذكرنا هذه القضية فيما سبق تفصيلاً, إذن هنا عندما نقول الغناء هذه ماهيته ما نتكلم في موضوع الحكم الشرعي ولذا عبارته, يقول: [من غير نظر إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي ولعل موضوعه أعم أو أخص] إذن الآن البحث ليس أنه في الحكم الشرعي ما هو متعلق الحرمة الغناء الذي وقع متعلقاً ما هو؟ وإنما الآن ماهية الغناء, واقعاً هذه ماهية الغناء أو أنها شيء آخر؟ [فتحصل من ذلك أن الغناء ليس] إلى آخره الإخوة يراجعون هذا البحث الذي أنا لا أقف عنده طويلاً. هذا أيضاً البحث الثاني, بنحو الإجمال وإلا كل قول من هذه الأقوال لابد أن نعرف ما هو دليلها كيف عرفوها ولعله أيضاً تأتي إشارات إلى هذا البحث لاحقاً.

    البحث الثالث: وهو آراء الفقهاء في الغناء.

    قلنا: في الجملة هو محرم هذا مما لم يقع فيه كلام عند أحد من أعلام الفقهاء بمختلف اتجاهاتهم. آراء الفقهاء:

    الرأي الأول أو النظرية الأولى -إن صح التعبير- هذه النظرية تقول: أن الغناء ليس في نفسه حرامٌ, الغناء بما هو غناء عرّفه ما تشاء, سواء كان لغوياً كان شرعياً كان عرفياً الغناء في نفسه ليس من المحرمات, إذن ما هو الحرام؟ يقول: الحرام مقارنات الغناء, فإن كان له مقارنات محرمة فمن باب لا أعلم, من باب الاقتران وإلا اتحاد لا يوجد هنا حتى نقول يسري حكم أحد المتحدين إلى الآخر, في باب الوجود والماهية كنا نقول يسري حكم أحد المتحدين إلى الآخر, أما هنا لا يوجد, يوجد اقتران فيسري حكم أحد المقترنين إلى الآخر, باعتبار أن المقارنات لهو ولعب وعود ومحرمات ودخول الرجال على النساء, وإلى غير ذلك هذه مجالس اللهو المعروفة, فيحرم لا لذاته بل يحرم لأجل هذه المقارنات, وهذا هو الذي نسب إلى الفيض الكاشاني. وهذا مما يؤسف له ولكن نسب إليه. أنه نسب أن الفيض الكاشاني يقول أن الغناء في نفسه ما هو؟ ليس بحرامٍ وإنما يحرم بسبب مقارناته.

    هذا المعنى في (المحاضرات) بشكل واضح وصريح ينسبه إلى الفيض الكاشاني في (ج1, ص345) هذه عبارته, يقول: [فالغناء حرامٌ بنفسه] كلام من هذا؟ كلام السيد الخوئي [فالغناء حرام بنفسه لكونه لهواً كما اعترف به المصنف وليست حرمته عرضية بملاحظة ما يقترن به من المحرمات كما ذهب إليه الفيض الكاشاني] فينسب إلى الفيض الكاشاني أنه قائل أن الغناء في نفسه, بعبارة أخرى: حرام أو حلال الغناء في نفسه؟ يقول: الأصل فيه هذا العنوان هذا حلال أو حرام؟ يقول هذا حلال, طيب تقول لماذا هذه الأدلة على الحرمة؟ يقول هذه ليست مرتبطة بالغناء وإنما مرتبطة بمقارنات الغناء, إذن الأصل في الغناء هي الحلية والإباحة وليست الحرمة, هذا هو القول الأول في المسألة, أو النظرية الأولى لا أقل وسيتضح لاحقاً أن هذه أساساً النظرية صحيحة أو يوجد قائل بهذا أو لا يوجد قائل بهذا على الإطلاق؟ وهذه النسبة نسبة غير صحيح, بحثه إن شاء الله تعالى لاحقاً سيأتي.

    القول الثاني: وهو القول الذي يقول أن الغناء الشرعي, الآن لم نتكلم في البحث اللغوي نتكلم في نظريات الفقهاء, الآن بغض النظر أن عنوان الغناء مفهوم الغناء كان أعم أو كان أخص لا علاقة لنا في البحث الشرعي بذاك, هنا يدعي صاحب هذه النظرية ولعله جملة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي+ في (المحاضرات) هناك يقول بأنه: [والذي ينبغي أن يقال إن مفهوم الغناء ليس بذلك الضيق ولا بهذه السعة, بل يعتبر فيه أمران: الأمر الأول: أن تكون المادة باطلة لهوية] المراد من المادة يعني الأقوال, هذه الكلمات التي يتلفظ بها, أساساً إما تثير الشهوة تثير القضايا الباطلة و.. وغير ذلك, ولذا [ويشهد له ما ورد من تفسير لهو الحديث بالغناء رواية: >عبد الله سألت أبا عبد الله عن الغناء وقلت يزعمون أن رسول الله قال: فقال: كذبوا إن الله عز وجل{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} هذا هو الشرط الأول أو العنصر الأول.

    العنصر الثاني: [أن تكون الهيئة] الهيئة يعني ذلك الصوت الذي يقرأ به هذه المواد هذه الكلمات هذه الألفاظ [أن تكون الهيئة مشتملة على المد والترجيع] النتيجة ما هي كما تعلمون؟ فإذا انتفى أحد هذين الركنين فيحرم الغناء أو لا يحرم؟ يعني إذا كان فقط مدٌ وترجيع من غير ألفاظ, حلال أم حرام على هذا المبنى؟ التفتوا الصوت, ما أتكلم في الموسيقى, الموسيقى له بحث آخر, الآن حديثنا في ماذا؟ في البيت وهو أيضاً صوته لطيف ويريد وخصوصاً يدخل الحمام ويريد أن يجرب صوته فيقرأ ما يشاء ولكنّه على نحو الألحان الهيئات من غير كلماتٍ, والآن أنتم ترون في بعض الفضائيات في الوسط مجموعة من الكلمات والأناشيد وفي الوسط الكلمات ماذا توجد؟ توجد ألحان ولكنه ليس من خلال الأدوات الموسيقية والآلات الموسيقية من خلال ماذا؟ الأصوات, هذه الأصوات بما هي أصوات محرمة أو ليست بمحرمة؟ يقول: [إذا انتفى فيها القول الباطل فلا محذور] أو إذا كان هناك قول باطل ولكنه ليس بهذه الهيئة, ليست محرمة بحرمة الغناء, قد يكون محرم بعنوان آخر باعتبار أنه كلام باطل في نفسه كلام غير حق, هذا هو الرأي الثاني الذي يذهب إليه جملة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي+.

    النظرية الثالثة في المقام: التي هي أكثر تطرفاً من هذه النظرية وهي أنه يقول: لا, لا فرق سواء كان, هذا إن شاء الله بعد ذلك عندما نعرض للروايات لعله سيتضح البحث. لا فرق أن يكون هذا الترجيع للصوت, الترجيع بغض النظر أنه مطرب أو غير مطرب, أصلاً أنت تسمع الصوت وتهرب منه, تسمع بالمعيد خير من أن تراه, واقعاً تهرب منه لا أنه بالضرورة يكون مطرباً, لا فيه ترجيع فيه مد, أن تكون الهيئة بما هي هيئة سواء قارنت قولاً أم لم تقارن فهي محرمة, وهذا واضح أنه أوسع من النظرية الثانية.

    هذا الذي أشار إليه السيد الإمام+ في (المكاسب المحرمة, ج1, ص206) يقول: [فتحصل من جميع ما تقدم أن الآية الكريمة بضم الروايات المفسرة تدل على حرمة الغناء بذاته] هذه بذاته لإخراج ماذا؟ من يقول أنه حرامٌ ليس بذاته بل بعرض غيره [على حرمة الغناء بذاته إذا كان مقروناً بقولٍ] هذا هو الرأي الذي أشرنا عن من؟ عن السيد الخوئي+ [وبإلغاء الخصوصية عرفاً يستفاد منها حرمته مطلقا], حرمة الغناء مطلقا [ولو وجد في مهم لا يقال له قول, أو وجد في الصوت بلا كلامٍ وقولٍ] هذه الألحان في نفسها هي محرمة, [بل يمكن أن يقال أن الغناء المتحقق في الكلام لا يقوم جميع قرعاته ورجعاته بالكلام بل يقع كثير منها في خلال الكلام وقبل الكلام وبعد الكلام ولا شبهة في أن الصوت الكذائي بمطلق وجوده غناء] الصوت بما هو صوت, يعني الهيئة بلا مادةٍ [فتدل الروايات على حرمته ولو بتلك القطعات الغير القائمة بالألفاظ ولا شبهة في عدم الفرق بين تلك القطعات المحرمة والصوت المتحقق بلا كلام إن كان غناءً] بالتعريف الذي هو قدمه قبل ذلك.

    هذه أقوال ثلاثة في المقام.

    الآن القول الأول: بحسب اعتقادي لا قائل به, لا يوجد أحدٌ لأن النصوص واضحة في حرمة الغناء في نفسه, ومن أوضح هذه النصوص, هذا النص دعونا نقرأه لكم, هذا النص الذي عادةً ينقل هنا وهناك, >قال: كنت عند أبي عبد الله فقال له رجل بأبي أنت وأمي أنني أدخ كنيفاً لي ولي جيران عندهم جوارٍ يتغنيّن ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعاً مني لهن< يبقى هناك وما يريد أن يذهب فيبقى في الخلاء حتى يسمع, >فقال الإمام×: لا تفعل, فقال الرجل: والله ما أتيهن, وإنما هو سماع اسمعه بأذني, فقال: لله أنت أما سمعت الله يقول {إن السمع والبصر والفوائد كل أولئك كان عنه مسؤولا} فقال: بلى والله لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من أعجمي ولا عربي لا جرمَ إنني لا أعود إن شاء الله وأني لأستغفر الله فقال له قم فاغتسل وصلي ما بدا لك فإنك كنت مقيماً على أمرٍ عظيم, ما كان أسوء حالك لو مت على ذلك فاحمد الله وسله التوبة من كل ما يكره, فإنه لا يكره إلا كل قبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكلٍ أهلا<.

    طيب هنا هذا الإنسان مقارنات الحرام موجودة معه أو غير موجودة؟ غير موجودة معه مقارنات الحرام, ومع ذلك, إلا أن هذه الرواية التي استدل بها جملة من الأعلام هذه مرتبطة بسماع الغناء, ونحن بحثنا أين؟ في الغناء, إلا أن يقال بالملازمة لما كان سماعه حرام إذن هو في نفسه ماذا؟ هذا إن شاء الله عندما نعرض للروايات جملة من الأعلام استدلوا بهذه الرواية على حرمة الغناء في نفسه, مع أن هذه الرواية مرتبطة بالغناء أو بالسماع والاستماع, هذا بحث آخر, ولذا أكدت أن بحثنا الآن ليس في السماع والاستماع, له حديث آخر بحثه إن شاء الله سيأتي. هذا (كتاب الوافي, ج17, ص211, والرواية 17138) هذه الرواية مع الاعتذار أنا ما قرأت المصدر, جيد.

    الآن هذا القول الأول -في اعتقادي- لا قائل به. الآن بعد ذلك سيأتي.

    أما القولان الآخران يعني الثاني والثالث, هذان القولان بغض النظر عن الفارق الموجود بينهما مشتركان في خصوصية وهي أنّه جاؤوا إلى النصوص بغض النظر عن الواقع الاجتماعي في ذلك الزمان, نظر إلى النص وهذا النص أراد أن يفهم حكم حرمة الغناء من خلال اللغة والعرف العام لا علاقة له بالظروف التي أحاطت هذه الروايات, هذا هو محل الشاهد الذي نحن نريد أن نذكر الغناء مثلاً وهو أنه لا علاقة له أنه في ذلك الزمان الغناء ما كانت الصيغة له ما هي المجالس التي كان يُغنى فيها, ما هي الأمور التي كانت تقارن بيوت الغناء وبيوت اللهو وبيوت المجون في ذلك الزمان, قصور الملوك والخلفاء في ذلك الزمان والحكّام ماذا كانت لا علاقة لي, أنا أنظر إلى النص عندما يقول >أجر المغنية سحت, أو هذا غناء< أين أرجع؟ أرجع إلى اللغة وإلى العرف ولا علاقة لي, الآن هذا صدر في ذلك الزمان أو صدر في أي زمان آخر, إذن له علاقة بالظروف الزمانية والمكانية لظروف النص أو لا علاقة له, يعني لا يريد أن يفهم هذه الظاهرة وهي ظاهرة الغناء وحرمة هذه الظاهرة من خلال الظروف التي أحاطت صدور هذه النصوص من الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    أما في قبال هذين القولين يوجد القول الآخر أو عبروا عنه القول الرابع, لأنه ذكرنا ثلاثة أقوال, فإذا نريد أن نقول أن القول الأول لا قائل به والقول الثاني والثالث مشتركان في هذه الخصوصية إذن اجعلوا هذا القول الثاني أو اجعلوا هذه النظرية والأطروحة الأخرى, هذا القول هذه النظرية تقول لا, أنا بغض النظر انه اللغة والعرف ماذا يقولون في الغناء, لا علاقة لي بهذا المفهوم, أنا أفهم هذه النصوص ضمن الظروف التي صدرت فيها هذه الخصوصية, وعندما تقول الروايات الغناء حرام أو >ثمن المغنية سحت كثمن الكلب ونحو ذلك< تقول بأنه المراد تلك الظروف التي صدرت فيها هذه النصوص فأرجع إلى تلك الظروف لأعرف ما هي هذه الظاهرة ظاهرة الغناء التي كانت حاكمة في ذلك الزمان.

    وببيان آخر -ببيانٍ فني-: هذا القول أساساً عندما يأتي إلى مسألة الغناء يقول أولاً: لابد أن تعرفوا أنّ الغناء لغةً هو كل صوتٍ على نحوٍ مخصوص, هذا يسمى غناء لغة, صوت ولكن على نحوٍ, الآن تريد أن تسميه مد تريد أن تسميه ترجيع تريد أن تسميه موالاة, سمه ما تشاء, ليس الغناء هو مطلق الصوت بل هو الصوت مع خصوصية في هذا الصوت, هذا هو الغناء, طبعاً أنا بودي أن الإخوة إذا عندهم خلق يرجعوا واقعاً إلى المعاجم اللغوية الأصلية ليعرفوا أن هذا الذي أقوله صحيح أو ليس بصحيح؟ أنا الآن أقول هذه القضية بنحو الفتوى, سواءٌ كان هذا الصوت بالكيفية المخصوصة كان جميلاً أو كان قبيحاً, التفت, سواء كانت الطباع تميل إليه أو تنفر منه, وسواء كان في حقٍ أو في باطل, يعني اللحن لحن أهل الفسوق صوت أهل الفسوق, أو لحن وصوت للمناجاة ولذكر الله ولقراءة القرآن هذه كله أيضاًِ يصدق عليه غناء, وسواء كان صادر مع القول أو بلا قولٍ وسواء كان صادراً من إنسانٍ أو من غير إنسان صوت الحمام أيضاً غناء, غناء هذه العصافير غناء هذا الحمام غناء هذه الطيور, هذا هو الغناء لغةً بمحض اللغة, يعني لا نريد أن نتجاوز وكلمات الأعلام أمثال ابن الأثير وأمثال الأزهري في تهذيب اللغة, وأمثال لسان العرب ومعجم مقاييس اللغة ومصباح المنير أنا بودي أن الإخوة مراجعة لهذه المعاجم اللغوية الأصلية ليروا, ليس المعاجم ليس مجمع البحرين, لأن مجمع البحرين عادةً عندما يبين المفهوم يبينه بلحاظ ماذا؟ بلحاظ النصوص القرآنية والروائية لا لا, ولذا الإخوة من الاشتباهات التي أجدها في بعض الكتب يريد أن يفهم مفهوم لغوي أين يذهب؟ إلى مجمع البحرين خطأ هذا, أو يذهب إلى المفردات للراغب أيضاً خطأ هذا, لماذا؟ لأن مفردات الراغب ومجمع البحرين للطريحي عادةً ينظرون إلى المفردات مأخوذاً بلحاظ الآيات والروايات, أنت لابد أن ترجع إلى معاجم اللغة في هذا المجال.

    وهذا المعنى بشكل واضح ومفصل وجدت أنه في حاشية موجودة على كتاب الوافي للفيض الكاشاني موجود, الإخوة يراجعوا هذه الحاشية إن شاء الله عندهم الوافي أو لا أقل في الكومبيوتر موجود عندهم, هناك من (ص218 إلى ص222 تقريباً) حاشية مفصلة أربع خمس صفحات, وإشارة إلى هذا, هذه عبارته, يقول: [والذي يظهر لنا] طبعاً أنا تتبعت جملة من هذه الكلمات ووجدت بأنه الخلاصة التي أريد أن أقولها موجودة أين؟ موجودة في كلمات الحاشية, [والذي يظهر لنا من تتبع كلام العرب وأشعارهم وعبارات الفقهاء وأهل الأدب وغيرهم أن الغناء اسم مطلق الصوت أو لكل صوتٍ يرتفع ويرجع فيه] صوت مع كيفية ماذا؟ ليس مطلق الصوت لا أوافق أنا, صوت مع كيفية مخصوصة ترجيع خاص [وإن لم يمل إليه الطبع فهو من قبيل الشراب] الشراب ما هو لغة؟ الشراب لغة يعني ما يُشرب ولكن باصطلاحنا ماذا صار؟ التفت هذه من الموارد التي تنتقل أنت من غير التفات من المعنى اللغوي فتضيقه في المعنى ماذا؟ من قبيل تقول لشخص أن هذا كلامك بدعة, بمجرد أن تقول له بدعة أين يتبادر إلى الذهن المعنى اللغوي له أو المعنى الاصطلاحي؟ مع أنه قد يكون كلامك بدعة يعني كلامٌ مبتدع جديد نظرية جديدة ولكنه قد هذه الأمور تؤدي إلى هذا الخلط بين المعنى اللغوي وأنا أتصور أن الغناء ابتلي بهذه القضية وهو أن الغناء لغة هو مطلق الصوت, هو مطلق الصوت, مع ترجيع خاص من أي صدر, ولكنه في الاستعمال الشرعي عندنا هو بعض أفراده بعض مصاديقه, هذا الذي عبر عنه السيد الإمام فيما سبق قال أعم أو أخص, عند الشارع أخص هذا المفهوم يعني يراد بعض أفراده لا كل أفراده, ولذا يقول ولا ريب في صحة إطلاق التغني على صوت الحمام مع عدم حرمته والالتذاذ بصوته وصوت سائر الطيور وهكذا يذكر جملة من الشواهد في كلماتهم بودي أن يرجعوا الإخوة إلى هذا.

    ويؤيد هذا المعنى, ما ذكره السيد الخوئي+ واللطيف أنه استغربه, انظروا ماذا يقول السيد الخوئي في ذيل هذه الكلمات, السيد الخوئي في (ج1, ص349) هذه عبارته, يقول: [وتفسير المصباح -مصباح المنير- والأساس -للزمخشري من الكتب الأساسية في علم اللغة- وتفسير المصباح والأساس الغناء بأنه صوت يوجب الحزن والفرح والخفة في البدن ممّا لا يساعد عليه العرف والشرع] طيب فليكن لا يساعد هو نحن بحثنا لغوي وبحثنا شرعي الآن؟ انظروا وهذا الخلط الواقع, مع أن علماء اللغة يصرحون أنه المراد به صوت مخصوص قد يؤدي إلى فرحٍ وقد يؤدي إلى حزنٍ وقد يؤدي إلى نومٍ, أنتم ارجعوا إلى ليس المغنين أصاحب الموسيقى والأصوات كذا, انظروا ماذا يفعلون للناس, قد يؤدي إلى نوم قد يؤدي إلى يقظة قد يؤدي … إلى آخره.

    ولذا في الحاشية يقول: [في مقاييس اللغة لابن فارس الجزء الرابع ص398, والمقصور والممدود لأبي ولّاد الغناء من الصوت] أصلاً الغناء يعني الصوت ولكن لا مطلق الصوت, طيب من الواضح أنه لا يقال عن الصوت بما هو صوت أنه غناء.

    قال: [وفي النهاية لابن أثير رفع الصوت وموالاته] وأنتم تعلمون أن ابن الأثير حجة في هذا المجال يعني في البحث اللغوي [وفي القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طُرب به] هذا هو دخل الخلط, لا, من قال ما طُرب به واحد من المصاديق ماذا من الأصوات التي يطلق عليها غناء, لا أن الغناء هو ماذا؟ ما أطرب, لا لا, هنا حتى لو لم يطرب.

    والشاهد على ذلك: أنّه قد تجد أنه غناء يطربه أحد ويزعج آخر, ممكن أو غير ممكن؟ وهذا يلزم أن يكون كذا وكذا, لا أبداً, وإنما المراد من الغناء هذا المعنى, [وفي مجمع البحرين] نفس الإشكالية التفتوا جيداً, يقول: [هو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب] لا لا هذا أيضاً دخل خط الشرع على البحث اللغوي أو العرف العرف المتشرعة أيضاً يدخل على البحث اللغوي أيضاً.

    ولذا عنده عبارة هناك في الوافي, عبارته جداً جيدة في هذا المجال, العبارة الموجودة في الواقع في (ص219) هذه عبارته هناك, يقول: [قيل: أطيب الغناء ما أشجاك وأبكاك وأطربك وألهاك] إذن تبين هذه كلها من مصاديق الغناء, سواء كان مطرباً سواء كان ملهياً سواء كان مبكياً سواء … وبعد ذلك سنقرأ إن شاء الله الروايات الواردة الآن بغض النظر عن صحة السند أو عدم صحتها, أنا أتكلم بشكل عام >من لم يتغنه بالقرآن فليس منّا< واردة روايات بهذا المضمون, أن رسول الله’ أساساً من كان يسمعه كأنه كان هناك لا يستطيع أن يتجاوز رسول الله في قراءة القرآن, صوت الإمام السجاد ونحو ذلك, هذه الأصوات واقعاً بالضرورة كانت تبكي الإنسان؟ لا قد توجد فيه نشوة وفرح وسرور, نعم ما أريد أن أقول طرب لأنه الآن يقولون أن السيد يقول أن الإمام السجاد كان يقرأ القرآن ويطرب … لا لا, هذا الطرب, ويكون في علمك الطرب لغةً ما فيه مشكلة, الطرب شرعاً جاء صار ماذا؟ لأنه يستعمل في المعنى الخاص به.

    والشاهد على هذا, التفتوا جيداً يوجد شاهدان:

    الشاهد الأول: المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه وهو أن المعنى اللغوي لا يقول لنا أن الغناء يعني هذا المصداق المحرم, الغناء المعنى العام لكل صوت فيه ترجيع.

    الشاهد الثاني: وهو من أهم الشواهد, وهو المستثنيات, الآغايون بعد أن ذكروا حرمة الغناء جاؤوا إلى مستثنيات الغناء, ما هي مستثنيات الغناء؟ مستند الشيعة يعني النراقي+, يشير إلى مجموعة من الاستثناءات.

    يقول: [من الاستثناءات الحداء للإبل] طيب سؤال: أنتم تعلمون قرأتم في محله الاستثناء هذه في الأعم الأغلب مقتضى القاعدة منقطع أو متصل؟ يعني بعبارة أخرى: الخروج تخصيصي أو الخروج تخصصي؟ طيب من الواضح أنه إذا كان تخصصي فخروج موضوعي لم يكن استثناءاً يكون استثناءً منقطعاً, هؤلاء عندما يقولون مستثنيات الغناء مرادهم الاستثناء المتصل يعني الموضوع واحد ولكن الحكم يختلف.

    طيب إذا كان الغناء يراد به ذلك الذي في مجالس اللهو طيب هو الحداء داخل فيه أو خارج عنه؟ خارج عنه, لأن الحداء غير ذلك الذي هو موجود الذي يستعمل في طريقة خاصة يسمى غناء, هذا يكشف عن أن عنوان الغناء شامل للحداء أيضاً وإلا لو لم يكن لما احتجنا إلى الغناء, هذا المورد الأول.

    المورد الثاني: [في مراثي الحسين وغيره من الحجج المعصومين] طيب هذه المراثي عندما تقرأ بصوت خاص بها, هذا غناء أو ليس بغناء؟ إن قلت ليس غناءً يحتاج استثناء أو لا يحتاج استثناء؟ لا يحتاج, إذن عندما تجعله من المستثنيات إذن أنت تقر أن هذه المراثي أيضاًِ غناء, هذا أيضاً المورد الثاني.

    المورد الثالث: [قراءة القرآن] التفت إلى العبارة يقول: [وقد مر قول صاحب الكفاية أن الظاهر من تفسير الطبرسي أن التغني في القرآن مستحب عنده] أعيد مرة أخرى [التغني] عجيب نحن عندنا الغناء محرم؟ يقول: لا, عنوان الغناء أين ما وجد ليس محرماً, المحرم لابد أن ننظر إلى المصداق هذا المصداق قد يكون محرم وهذا المصداق قد يكون محلل وذاك المصداق يكون مستحب كما نسب إلى الطبرسي صاحب التفسير, [أن التغني] للرواية التي قراناها باعتبار أنه ولو من باب قاعدة التسامح في أدلة السنن, [أن التغني في القرآن مستحب عنده وأنّ خلاف ذلك] هذا يقوله رجل محقق كالنراقي [وأن خلاف ذلك لم يكن معروفاً بين القدماء] هذه في الآونة الأخيرة بدأت عندنا هذه الكلمات.

    المورد الرابع -من الاستثناءات-: قال: [مطلق الذكر والدعاء والفضائل والمناجاة وأمثالها ويدل على استثناء وجواز الغناء فيها] إذن هي أيضاً غناء.

    إذن هاتان قرينتان أولاً: القرينة اللغوية أن مفهوم الغناء مفهوم عام يشمل كل صوت فيه ترجيع, وثانياً هذه الاستثناءات التي لا تكون استثناء إلا إذا كانت استثناء منقطعاً.

    من هنا يأتي في قناعتي القول الرابع وهو نظر الفيض الكاشاني ليس هو نظر الفيض الكاشاني بل هو نظر جملة من الأعلام حيث ذهبوا إلى أنّ هذا المفهوم اللغوي العام له مصاديق محرمة وله مصاديق مباحة وله مصاديق مستحبة, لا أنه كل ما وجدنا عنوان المغنية والغناء فهو حرام إلا ما دل عليه دليل, لابد أن نعرف ما هي المصاديق المحرمة وما هي المصاديق المباحة وما هي المصاديق المستحبة.

    هذه إن شاء الله غداً نقرأ كلمات الأعلام الذين ميزوا أن الغناء محلل والغناء المحرم, الغناء المحلل والغناء المحرم.

    والحمد لله رب العالمين

    • تاريخ النشر : 2012/09/06
    • مرات التنزيل : 1804

  • جديد المرئيات