بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
تبين لنا في البحث السابق بأن جابر ابن يزيد الجعفي هو من الثقات الأجلاء وأن النصوص دالة على أنّه من خواص أصحاب أئمة أهل البيت وأنّه حاملٌ لأسرار معارفهم. النصوص الواضحة والصريحة دلّت على هذه الأمور التي أشرنا إليها بالأمس.
في مقابل ما تقدم هناك مجموعة من الموانع التي قد تمنع الإنسان من الذهاب إلى عدّه من الثقات الأجلاء ومن الخواص الذين يحملون أسرار معارف أهل البيت, ومن هنا ذهب البعض إما إلى تضعيفه أو لا أقل من التوقف في أمره, فتكون الأقوال ثلاثة:
القول الأول: أنّه ثقة جليل.
القول الثاني: أنه ضعيف.
القول الثالث: أنه لا يمكن الترجيح.
وعلى هذا فالأصلح والأرجح هو التوقف.
أمّا ما هي تلك العوامل والموانع التي تمنع من الذهاب إلى اعتماده والاحتجاج به. من القائلين بضعفه هو (النجاشي في رجاله في ص128, تحت الرقم 332, في ص128) يقول: [أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجُعفي عربي] طيب الحمد لله رب العالمين اتضح بأنّه من يحمل من الأسرار أيضاً يوجد عربي, وأن القضية ليست مختصة بغير العرب, باعتبار أن هناك شبهة تقول بأنّه أساساً هذه المعارف إنما جاءت من غير العرب وإلا العرب لا نصيب لهم في مثل هذه المعارف. مع أن الأمر على خلاف ذلك أصالةً لأنه أساساً المعارف سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة لا علاقة, كل هذه المعارف الموجودة في البطون والتأويل والأسرار وغيرها أصلها محي الدين ابن عربي الأندلسي الذي هو لا شك في أنه لا زار إيران ولا عنده علاقة بإيران بل لعله أساساً مخالف وكل ما جاء في كلمات بعد صدر المتألهين والحكيم السبزواري وفي زماننا وغيرهم وغيرهم إنما هم عيال ذلك العربي. على أي الأحوال.
[أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجُعفي عربيٌ قديم نسبه إلى فلان, روى عنه] التفتوا جيداً [وتوفي] يقول [لقا أبا جعفر وأبا عبد الله ومات في أيامه سنة ثمان وعشرين ومائة, روى عنه] التفتوا الإشكالات الواردة عليه ثلاثة: الإشكال الأول: [روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا] إذن المانع الأول والعائق الأول أنه يروي عنه الضعفاء والذين يغمز في أمرهم. [منهم عمر ابن شمر ومفضّل ابن صالح ومنخل ابن جميل ويوسف ابن يعقوب] هذا الإشكال المانع الأول.
المانع الثاني: [وكان في نفسه مختلطاً] بتعبيرنا -حساباته غير مرتبة فالعراقيين يقولون ماذا؟ فيه خويطات ..- [وكان في نفسه مختلطاً] هذا الأمر الثاني.
[وكان شيخنا أبو عبد الله محمد ابن محمد ابن النعمان] يعني الشيخ المفيد [ينشدنا أشعاراً كثيرة في معناه تدل على الاختلاط] طبعاً هذا تعبير اختلاط تعبير روائي, في خطبة الإمام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول: >يحسبهم الناس أنهم خولطوا وما خولطوا< جيد الآن هذا اتركوه, قال: [تدل على الاختلاط] لابد أساساً نحن نرجع إلى الروايات لنرى بأنه أساساً ميزان الاختلاط ماذا؟ هل هو ميزانه اختلاط عند النصوص هل هو نفس الميزان عند الناس أو الروايات تعبر المختلط على شيء والناس يعبرون المختلط على شيء آخر, هذه قاعدة أساسية مع الأسف الشديد في جملة من الأحيان نحن نعتبره مختلط ولكن الشارع يعتبره عاقل, نحن نعتبره عاقل ولكن الشارع يعتبره مختلط مجنون, نحن نعتبره عالم الشارع يعتبره جاهل, نحن نعتبره جاهل الشارع يعتبره عالم وعاقل, مع الأسف نحن نسقط موازيننا في هذه المفاهيم على النصوص وله بحثه إن شاء الله.
قال: [أشعاراً كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعاً لذكرها وقل] المانع الثالث [وقل ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام].
إذن هذه هي الموانع الثلاثة التي أشار إليها النجاشي في هذا الشخص. جيد, طبعاً هناك موانع أخرى لعله إن شاء الله بعد ذلك سنشير إليها, أولاً دعونا نقف أولاً أنه النجاشي نرى بأنه هذه الموانع تتم أو لا تتم.
أما فيما يتعلق بالمانع الأول وهو الاختلاط يعني الجنون بعبارة أخرى, هو أنّه لابد من الالتفات إلى أصلٍ عامٍ في تقييم أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام), خصوصاً أولئك الذين كانوا يعيشون فترات عصيبة في زمن أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) يعني في العصر الأموي مثلاً, أو أولئك الذين كانوا يعيشون زمان المتوكل وأمثال المتوكل, أما الذين كانوا يعيشون في زمان الإمام الرضا لا, لعله المسألة كثيراً كانت لعله أسهل أما الذين كانوا يعيشون زمان المتوكل وأمثال المتوكل أو الذين يعيشون في أوائل سقوط الحكم الأموي وابتداء يعني بعد انتهاء الحكم الأموي وابتداء الحكم العباسي هذه الفترة جدُ عصيبة بالنسبة إلى أصحاب أهل البيت لأن العباسيون كانوا يعتقدون أن أصحاب أهل البيت يريدون أن يجروا الحكم إلى من؟ إلى أئمة أهل البيت فصار بنائهم أن يقضوا على الطبقة الأولى المقربة من أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وهذا إن شاء الله تعالى إذا وفقنا إن شاء الله تعالى كما تعلمون الوقت ضيق والأبحاث كثيرة, فهذا من أوضح مصاديقه المعلى ابن خنيس, معلى ابن خنيس الذي فيه كلام أيضاً مبتلى بنفس هذه المشكلة وكان يعيش هذه الفترة يعني في زمن أبي العباس السفاح وهذه الفترة وكان من المنادين بأن الحكم لابد أن ينتقل لمن؟ للإمام الصادق× في قبال انتقاله إلى الفرع العباسي, ولذا أيضاً قضي عليه أيضاً, ووقع فيه أيضاً نفس هذا الخلاف وبعد ذلك سيأتي البحث عنه إن شاء الله إذا وفقنا.
المهم, أئمة أهل البيت ماذا فعلوا بإزاء مثل هذه الهجمة وهي أنه تصفية أولئك المقربين منهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام). في الواقع أن أئمة أهل البيت استعملوا أساليب متعددة:
الأسلوب الأول الذي استعملوه: هو أنّه أمروا أولئك المقربين منهم أن يظهروا الجنون, وأن يعرفوا بأنه مجنون في أوساط يعني في الأوساط العامة حتى يُعبد عنهم الخطر من السلطات القائمة, وكم له نظير في كلمات أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
العمل الثاني أو الموقف الثاني الذي كان يتخذه أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لحفظ الخواص لا عموم الشيعة ليس الأمر كذلك, ليس عموم الشيعة وإنما الخواص الذين كان لهم دور بارز في حفظ معارف ومدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام). أنهم كانوا يذمونهم ذماً شديداً بل يلعنونهم بل يتبرأون منهم, أتوجد قضية أوضح من أنه يلعن ويتبرأ منه, وهذا ما نجده إن شاء الله بعد ذلك إذا وفقنا وأشرنا إليه في زرارة, روايات صحيحة السند وردت في لعنه والبراءة منه وذمه, واللطيف أنه في تلك الروايات بعد ذلك أيضاً سنقرأ أن هناك روايات صحيحة أيضاً تقول بأنه إنما فعلنا ذلك لحفظ أمثال زرارة. هذا هو الموقف الثاني الذي كان يتخذه أهل البيت.
الموقف الثالث الذي كان يتخذه أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هو أنهم كانوا يأمرونهم حتى في حياتهم الشخصية, في حياتهم الشخصية أن يعيشوا حالة التقية يعني أنهم يصلوا بصلاة أولئك أفعالهم تكون أفعال مدرسة الصحابة أو الاتجاه الآخر, حتى لو كان هناك جواسيس على هؤلاء يستطيعون اكتشاف أمرهم أو لا يستطيعون؟ لا يستطيعون.
وهذه قضية أساسية لابد أن نميزها جيداً عندما نريد أن نرجع إلى تقييم أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) في الجرح والتعديل في التوثيق والجرح وغير ذلك. طيب تعلمون أنتم من أولئك الذين أمرهم الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وعُرفوا بأنهم من المجانين هو بهلول المجنون العاقل, المجنون العاقل, قيل له بأنه عُد لنا المجانين فقال لا استطيع بل أعد لكم العقلاء, باعتبار أنه الأغلبية ما هم؟ الأغلبية مجانين وإنما العقلاء يمكن شخص أن يعدهم وإلا المجانين لا يمكن عدهم, طيب هذا أيضاً جواب هذا المجنون وعندما ترجع إلى النصوص تجد أن النصوص أيضاً تفسر الجنون والعقل بهذا الذي بينه بهلول.
الإخوة إذا يريدون أن يراجعوا في هذا المجال يرجعون إلى (تنقيح المقال, ج13, ص121) هناك أبحاث جيدة موجودة عن هذا الرجل, لأنه عادة بل جملة من الكتب الرجالية لا تتعرض له ولكن في تنقيح المقال هناك بحث مفصل عنه, وكذلك في (منتهى المقال في أحوال الرجال, لأبي علي الحائري يعني المازندراني, ج2, ص181) بعد أن يقول: [بهلول الشهير بالمجنون ويظهر من كتب السير وغيرها فضله وجلالته وعلو رتبته] كان من أعلام مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ولكن على طريقته الخاصة, [ذكر في مجالس المؤمنين شطراً من مقاماته مع المخالفين ومناظراته مع أعداء الدين].
منها هذه القضية التي لعلها تعد من القضايا من اللطائف لطائف بهلول أنه سمع أبا حنيفة يقول: >أن جعفر ابن محمد× يقول: بثلاثة أشياء لا أرتضيها< من لا يرتضيها؟ أبو حنيفة منقولة عن الإمام الصادق وهو لا يقبلها يقول: >إن الشيطان يعذب بالنار كيف وهو من النار, ويقول إن الله لا يُرى ولا تصح عليه الرؤية وكيف لا تصح الرؤية على موجود, ويقول أن العبد هو الفاعل لفعله والنصوص بخلاف ذلك< طيب بهلول أيضاً في عمل واحد أجاب هذه المسائل الثلاثة المعقدة >فأخذ البهلول حجراً وضربه به فأوجعه بل أدماه في بعض النصوص, >فذهب أبو حنيفة لمن؟ إلى هارون واستحضروا البهلول ووبخوه على ذلك, فقال لأبو الحنيفة, أرني الوجع الذي تدعيه وإلا أنت كاذب< أنت تقول الوجع موجود وإذا موجود إذن لابد يُرى فأرني الوجع وإلا كاذب, الثانية: >وأيضاً فأنت من ترابٍ فكيف تألمت من تراب, ثم ما الذي أذنبته إليك والفاعل ليس هو العبد بل هو الله, فسكت أبو حنيفة وقام خجلاً< طيب هذا المجنون إذا كان بهذا المستوى فكثيراً مستوى عالي. هذا مورد.
كذلك في (روضات الجنات) الإخوة الذين عندهم خلق للمطالعة جيد ومفيد, في (روضات الجنات, 2, ص145, تحت رقم 158) هذا تعبيره صاحب روضات الجنات [العالم العارف الكامل الكاشف عن لطائف أسرار الفنون بهلول بن عمر العاقل العادل الكوفي الصوفي المشتهر بالمجنون, اسمه فلان وكان فلان …].
والقضية التي ينقلها عنه التستري في كتابه الموسوم (بغرائب الأخبار) قال: [روي أن هارون الرشيد أراد أن يوليه القضاء] هذا كان هو السبب الذي أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كانوا يأمرونهم بالجنون, المهم تخلص بأي شكل من الأشكال, يقول: [فقيل لبهلول قيل جُن بهلول فقيل ذلك لهارون] أنه كان عاقل ولكنه أمس بالليل واليوم جلس وجُن, [فقال ما جُن ولكن فر بدينه منّا] هارون التفت ولكن ماذا يفعل له, شخص في الشارع مع الأطفال, [وبقي على ذلك إلى أن مات وكان من عقلاء المجانين].
إذن هذا المشروع أي مشروع؟ مشروع الاختلاط أساساً كان في أطروحة أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وأنتم عندما تقرؤون واقعاً, ولا تنظرون دائماً إلى الرواية ضعيفة أو ماذا؟ لأنه أنا ما أتصور أن هذه القضايا للوضع مثل هذه المسائل الذي كان يريد أن يضع الروايات يضع الروايات في أمور تغير المذهب تغير العقيدة تغير مسائل أساسية, أما قصص من هذا القبيل ليست هي أساساً مورد الوضاعين حتى توضع مثل هذه المسائل خصوصاً والإنسان عندما يدقق فيها يجد فيها أنه نكات علمية دقيقة علمية ليست من هذه المسائل التي قابلة للوضع ببساطة.
إذا كان الأمر كذلك, الآن إذن تعالوا معنا إلى جابر ابن يزيد الجُعفي, جابر ابن يزيد الجعفي, الرواية واردة في (الأصول من الكافي, ج1, ص396) طيب على مبنى من يرى أنه ما ورد في أصول الكافي أو ما ورد في الكافي فهو لا أقل هناك ثقة أو وثاقة في الصدور, طيب عند ذلك يبحث عن السند أو لا يبحث عن السند؟ لا يحتاج إلى البحث عن السند, الآن لماذا أن هذه الدعوى جاءت, باعتبار أن جملة من الأعلام يعتقدون بأن أصول الكافي بالخصوص لا كل الكافي لا الفروع والروضة, أصول الكافي بالخصوص إنما كتبه الكليني على أساس أن كل حقيقة أشار إليها فيها مئات الروايات في ذلك الباب, إنما هو اكتفى بروايتين أو ثلاث أو خمس التي هي أوضح المضامين, ولذا لم يعتني بسند تلك الروايات. وواقعاً هذه القضية أنا تتبعتها في الأعم الأغلب هي كذلك. يعني: أنه ينقل في بابٍ روايتين أو ثلاثة عندما تنظر إلى السند تجد أن مقتضى القواعد السندية أن الروايات ضعيفة, ولكن عندما تتبعنا عنوان الباب في الأصول وفي كلمات القدماء وجدنا أنه لا أقل في الباب توجد خمسين رواية أو مائة رواية وفيها روايات أيضاً صحيحة السند في هذا المجال.
ولعله أنا ذاكر هذا المثال للإخوة لعله مراراً وتكراراً وهذا الباب الذي يقول >ومن عنده علم الكتاب قال: والله نحن الذين عندنا علم الكتاب, ففرج أصابه ووضعه على صدره قال والله نحن الذين عندنا علم الكتاب< خمس روايات موجودة في أصول الكافي, وهذه الروايات الخمسة بحسب المباني الرجالية ما هي؟ ضعيفة السند, ولكن تتبعت هذا الباب فوجدت لا أقل توجد خمسة وستين رواية في هذا الباب, خمسة عشر روائية منها صحيحة أعلائية, فإذا بنينا على أن نهج الكليني على هذا المستوى.
الآن قد يقول لي قائل سيدنا: ماذا تقول في الروايات التي فيها في مسألة تحريف القرآن؟ الجواب: نعم, باعتبار أنه أيضاً توجد هناك روايات فهم منها الكليني أنها دالة على تحريف القرآن لا أنه رواية وروايتين.
ولذا جملة من أولئك الذين قالوا بالتحريف, طيب عدوا مئات الرواية الدالة على تحريف القرآن, نعم أعلام القائلين من علماء مدرسة أهل البيت قالوا أن هذه الروايات لا تدل على التحريف, هذه ليست تامة, هذه سندها فيها إشكال هذه مضمونها فيها إشكال هذا بحث آخر.
مقصودي أنه حتى في تلك الروايات لا توجد رواية وروايتين أو عشرة ظاهرها في تحريف القرآن حتى يقال إذا كان الأمر كذلك فلماذا أن الكليني فعل ذلك.
بناءً على هذا فالكليني عندما ينقل هكذا رواية معنى ذلك أن الرواية كانت بشكل أو بآخر هو مطمئن بصدورها, الرواية هذه, الرواية: >عن النعمان ابن بشير: قال: كنت مزاملاً لجابر ابن يزيد الجعفي فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر× فودعه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأُخرجه أول منزل تعدل من ذيد إلى المدينة< يعني مكان إلى الانتقال مفترق طرق >يوم الجمعة فصلينا الزوال فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال معه كتاب فناوله جابر فتناوله فقبله ووضعه على عينه فإذا هو من محمد ابن علي إلى جابر ابن يزيد وعليه طين أسود رطب, فقال له: متى عهدك بسيدي, فقال: الساعة, فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة, قال: بعد الصلاة, قال: ففك الخاتم وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكاً ولا مسرورا حتى وافى الكوفة, فلما وافينا الكوفة ليلاً بت ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاماً له فوجدته قد خرج< من؟ جابر ابن يزيد >فوجدته قد خرج وفي عنقه كعاب وقد علّقها وقد ركب قصبة وهو يقول وأبياتاً من هذا القبيل, فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع عليّ وعليه الصبيان والناس وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون جن جابر ابن يزيد< صار مجنون البارحة بالليل واليوم ماذا؟ مختلط. >فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام ابن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلاً يقال له جابر ابن يزيد الجفعي فاضرب عنقه وأبعث إليّ برأسه, فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر ابن يزيد الجعفي؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلاً له فضلٌ وعلمٌ وحديث وحجٌ فجن< البارحة بالليل أتخبل >وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم, قال: فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال: الحمد لله الذي عافاني من قتله ولم تمضي الأيام< حتى حدث ما حدث فرجع إلى وضعه الأصلي.
فلذا في (روضات الجنات) يقول الإمام× كان يقسم أتباعه خواصه بعضهم يأمره بالجنون الأدواري وبعضهم بالجنون المطبق, يقول: مثل بهلول أمره أن يكون مجنون إلى آخر عمره, بخلاف جابر ابن يزيد فإنه أمره إلى فترة إلى أن تتهيأ الظروف ويرجع إلى وضعه الطبيعي.
ولذا السيد الخوئي&, عندما يصل إلى هذه القضية وهي مسألة اتهام النجاشي له بأنه مخلط هكذا يقول, يقول: [ولقول الصادق, ولا يعارض ذلك قول النجاشي أنه كان مختلطا فإنّ فساد العقل لو سلّم ذلك في جابر – التفتوا جيداً- لو سلّم ذلك في جابر ولم يكن تجنناً كما صرح به في رواية الكافي] لأن الرواية ليست صحيحة على الموازين السندية عند السيد الخوئي, يقول: [لو سلّمنا أنه لم يكن تجننا فالذي يدل عليه هو أنه لا ينافي الوثاقة ولزوم الأخذ برواياته حين اعتداله وسلامته] لأن جنونه كان أدواري ولم يكن جنونه مطبق, إذن في حال جنونه لو سلمنا أنه جنون واقعي تسقط وثاقته وعدالته ولكن بعد ذلك يرجع إلى وضعه الطبيعي, هذا إذا قبلنا أن اختلاطه كان واقعياً ولم يكن من قبيل الاختلاط الآن عبروا عنه التقيتي أو عبروا عنه السياسي عبروا عنه ما تشاؤون.
إذن مسألة إخواني الأعزاء, مسألة أنّه مختلط هذا واقعٌ, أولاً: التفتوا الجواب الأول: أولاً: أنه لم يثبت أنه اختلاط واقعي حتى يسقطه, وثانياً: على فرض تمامية أنه كان اختلاط فهو كان في زمن معين وارتفع, طبعاً نحن من باب التسليم الثاني نقوله وإلا نعتقد بالأمر الأول وهو أنه لم يكن مختلطاً أصلا.
أما فيما يتعلق بمسألة الذم, فقط أنا أشير إلى رواية في زرارة وبعد ذلك إن شاء الله تعالى إذا صار وقت نتكلم في زرارة. الإخوة إذا يريدون أن يرجعون إلى هذا البحث يرجعون إلى (معجم رجال الحديث للسيد الخوئي+) لأنه بحث المسألة بشكل مفصل لعله لم أجد هذا التفصيل في مكان آخر, الرواية في (ج7, ص226) الرواية: >عن عبد الله ابن زرارة< وهي رواية صحيحة السند >قال: قال لي أبو عبد الله اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك< وهذه قاعدة والقضية ليست مختصة بزرارة, نعم بعض الأحيان أئمة أهل البيت كانوا يجدون الطريق لإظهار ذلك لخواصهم, وبعض الطريق لا يجدون ذلك طريقاً لإظهار ذلك, إذن لابد أن نلتفت هذه قضية ليست شخصية فقط مرتبطة بزرارة وإنما يمكن أن توجد مصاديق أخرى لها في أصحاب أئمة أو في خواص أصحاب أئمة أهل البيت. >فإن الناس< التفتوا جيداً >فإن الناس والعدو< الإمام يبين أصل من الأصول, >فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منّا ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه نحن< إذن كان يطبقون هذه القاعدة الأصلية يعني الحكّام, من قربناه ماذا يفعلون؟ لا يذموه, يبعدونه يدخلون الأذى عليه لأنه علينا ما يمكنهم أن يدخلوا الأذى فعلى من يدخلون الأذى؟ على هؤلاء, >ومن عبناه< لا أقل يتركونه, >وإنما أنا فعلت ذلك بالنسبة< إلى من؟ إلى زرارة >لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك لنا< وهذه نفس القضية الموجودة في من؟ في جابر, أنه كان مشهور كما قرأنا في تهذيب التهذيب وأيضاً في ميزان الاعتدال أنه كان معروفاً بموالاته لعلي وأهل بيته, >لأنك رجل اشتهرت بنا وبمليك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا وبميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منّا دافع شرهم عنك<.
وجملة دعوني أقرأ الإمام× أي قاعدة يطبقها هنا, حتى إن شاء الله تعالى هذه في علوم القرآن تستفيدون منها والإخوة الذين الآن يحضرون عندنا الفصوص يعرفون أن هذه من الشواهد القيمة في هذا المجال, يقول الله عز وجل {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان ورائهم ملكٌ يأخذ كل سفينة غصبا} طيب هذه ما هي علاقة الآية بمحل الكلام؟ بينكم وبين الله قضية مرتبطة بموسى وذاك العبد الصالح ما هي العلاقة؟
الجواب: أن الإمام× يقول: هذه قاعدة عامة مفهوم عام قابل للانطباق على من؟ على زرارة لأنه واقعاً بالنسبة إلينا سفينة من السفن التي كنّا نوصل بها معارفنا إلى شيعتنا, والإمام يطبق هذا, هذا التنزيل >فأردت< هذا التنزيل من عند الله صالحة >لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعقب على يديه ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغٌ فأفهم المثل يرحمك الله< عجيب هذه الآية مثل أين فيها مثل؟ هذه الآية الآن في المكانات مثل ومثل عرفنا, هذه الآية فيها مثل؟ إذن تبين {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} {وتلك الأمثال} ولذا نحن في كتاب اللباب في أصول التفسير قلنا أن الآيات القرآنية من أولها إلى آخرها هي أمثال. استناداً إلى أي قاعدة, هذه القاعدة التي هي روايات صحيحة السند من أئمة أهل البيت وهذا مرتبط بعلوم التفسير. الآن ما نريد أن ندخل فيه.
المانع الثاني: أنّه لم ينقل عنه في الحلال والحرام إلا القليل, بالأمس قلنا يعني ماذا؟ يعني ما يدرس فقه, طيب هذا, أو عبارة أوضح من ذاك الطرف, في الفقه ما مشتغل افترض سلّمنا, طيب هذا لماذا لابد أن يكون عيباً, ماذا الدين فقط فقه, طيب في الفقه مقلد, مقلد جيد, كما ينقل أنه أساساً الحكيم السبزواري في الفقه كان يأخذ فقهه من من؟ من الشيخ الأنصاري, تنقل هذه القضية الآن صحيحة أو غير صحيحة لا أعلم, تنقل هذه القضية بين الحكيم السبزواري وبين الشيخ الأنصاري, أنه هذا كان يدرس عنده فلسفة وذاك كان يدرس عنده فقه, ممكن أو غير ممكن؟ بلي ممكن ما هي المشكلة؟ ليس بنقص هذا, بل أساساً أنا في قناعتي هذا يدل على ورع كلا الجانبين, هذا يقول في هذا, >قال يا ابن رسول الله أيكون العالم جاهلاً< سؤال سئل الإمام الصادق, >يا ابن رسول الله أيكون العالم جاهلاً؟ قال: نعم عالم بما يعلم وجاهل بما يجهل< ولكن نحن المعممين أين نقبل هذه الكلمة؟ بينك وبين الله أيقبل أحد أن يقول له أنت جاهل, دائماً نحن العلماء والناس ماذا؟ عوام, مع أنه أنا ما أدري هذه القاعدة من أين جاءت؟ طيب نحن علماء بما نعلم وعوام بما لا نعلم, والطرف الآخر عوام بما لا يعلمون وعلماء بما يعلمون, نحن لا يوجد عندنا مكان عالم مطلق إلا هو وأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) عالم مطلق وفي المقابل جاهل مطلق ليست هكذا القضية, المهم, هذا هو المانع الثاني لعدم إمكان الاعتماد على من؟ على جابر.
أولاً: أن الأمر ليس كذلك, من قال بأنّه لم ينقل عنه كثير من الحلال والحرام, لا, نقل عنه كثيرٌ من الحلال والحرام, هذا السيد الخوئي+ أنا أنقل السيد الخوئي باعتبار أنه هو أقرب من هذا المزاج إلى ذاك المزاج, لو أنقل من كلمات افترض آخرين أقرب من المزاج الفلسفة والعرفان والتفسير, طيب يقولون هذا يدافع يجر النار إلى قرصه, أنا أنقل إنما من السيد الخوئي الله يعلم لهذه الجهة, يقول: [ثم إن النجاشي ذكر أنّه قلّ ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام, وهذا منه غريب فإنّ الروايات عنه في الكتب الأربعة] يعني في الحلال والحرام لا في العقائد [فإنّ الروايات عنه في الكتب الأربعة كثيرة رواها المشائخ في هذا الرجل] من قال أن الروايات عنه, نعم لأننا لم نتتبع نتصور أن الروايات قليلة عنه.
ولذا تجدون بأنّه أساساً في (خاتمة المستدرك, ج4, ص218) هذه عبارته في هذا المجال, يقول: [وقل ما يورد .. فإنّ في كثير من أبواب الأحكام منه خبرا, وروى الصدوق في باب السبعين من الخصال عنه خبراً طويلاً فيه سبعون حكماً من أحكام النساء الذي يصير بمنزلة سبعين نصاً, وكتاب جعفر ابن محمد ابن شريح أكثر أخباره عنه وأغلبها في الأحكام فلو جمع أسانيد جابر في الأحكام لصار كتاباً فكيف يستقل هذا النقّاد مروياته في الحلال والحرام] هذا هو الجواب الأول.
الجواب الثاني: حتى لو سلّمنا إخواني الأعزاء سلمنا أنه قليل منه وارد في الحلال والحرام, طيب اعكسوا القضية, نقض يريد علينا, مولانا الدين فقط الحلال والحرام أو قضايا عقائدية وقضايا تفسير وقضايا مرتبطة بأبعاد أخرى في الدين موجودة أو غير موجودة؟ موجودة, طيب زرارة أيضاً لم ينقل عنه إلا قليل في تلك المجالات هذا ذم, هذا نقص في زرارة؟ الجواب: كلا, ولذا المحدث النوري+ عنده جملة جيدة في هذا المجال يقول بأنه: [وليس هذا وهناً فيه] لماذا؟ يقول: [لأن القائمين بجمع الأحكام في عصره كان أكثر من أن يحصى] طيب هذا الزمان أمامك أنت الذين يدرسون الفقه كم؟ تسعة وتسعين بالمائة يدرسون فقه, طيب يأتي شخص يقول: طيب الحمد لله رب العالمين في الحوزات العلمية يوجد مائة درس بحث خارج, أنا على ماذا درس بحث آخر آخر أسوي أنا أذهب إلى التفسير أذهب إلى علم الكلام أذهب إلى الأخلاق أذهب إلى المعارف الأخرى التي وردت عن أئمة أهل البيت أسوي درس بحث خارج بذاك الاتجاه, هذا لابد أن يعدُ وهناً في ذلك المجال؟ ولذا يقول: لعله من هذا القبيل كان [فلعله رأى أنه جمع غيرها مما يتعلق في الدين كالمعارف والفضائل والمعاجز والأخلاق والساعة ونشرها ألزم] هذه الجملة هكذا [فلعله رأى أنّ جمع غيرها] يعني جمع غيرها من الحلال والحرام [ألزم, فكلها من معالم الدين وشعب شريعة خاتم النبيين كما أن قلة ما ورد من زرارة وأضرابه في هذه المقامات لا تورث وهناً فيهم ولكلٍ وجهةٌ هو موليها].
وأتصور أن الروايات الإخوة يتذكرون الروايات التي قراناها في أن أهل البيت كان تلامذتهم ماذا فعلوا لهم؟ أصلاً مقسمينهم مصنفيهم تلامذتهم هذا يونس ابن يعقوب للفقه, وهذا هشام ابن الحكم للإمامة, وهذا هشام ابن سالم للتوحيد, وهذا فلان فلان, إذن عندما يعطي لهذا ولا يعطي وهذه إن شاء الله تعالى متى تنفعنا؟ عندما نأتي أنه عندما يقول أنا عندي روايات كذا لا توجد عند الآخرين, طيب طبيعي لأن هذا يُعطى له سنخٌ من المعارف وهذا يُعطى له سنخٌ آخر من المعارف, ولذا نحن نعتقد أن عند زرارة وأمثال زرارة ومحمد ابن مسلم كان من الحلال والحرام ما لا يوجد عند جابر, يقيناً ما لا يوجد عند جابر, إذن لا هذا امتياز لهذا على ذاك ولا ذاك امتيازه على هذا, هذا يعمل بمسؤوليته وبوظيفته وذاك أيضاً يعمل بمسؤوليته وبوظيفته. جيد.
هذا هو المانع الثاني.
وأما المانع الثالث: وهو أنّه يروي عنه الضعفاء. أنا ما أريد واقعاً أن أدخل في هذا البحث طويلاً ولكنّه الجواب.
أولاً: أنا أخشى بيني وبين الله هؤلاء الذين يعبرون عنهم من الضعفاء أمثال هو جابر ابن يزيد الجعفي ومحمد ابن سنان, هؤلاء ليسوا ضعفاء ولكن الاتجاه الآخر اعتبرهم ضعفاء, من قال أنهم من الضعفاء لابد أنّه نأتي إلى واحد واحد من هؤلاء الذين رووا عن جابر ونتحقق من أنهم واقعاً ضعفاء أو أن مشكلتهم مشكلة من؟ مشكلة جابر مشكلة محمد ابن سنان, مشكلة معلى ابن خنيس مشكلة ذريح المحاربي وهذه الطبقة.
ولذا نحن لا نوافق أنّه أساساً أكثر عنه الضعفاء, هؤلاء كانوا في الأعم الأغلب, أنا في قناعتي أنه بالنتيجة {قل كل يعمل على شاكلته} طيب هذا عندما كان في خط معين في اتجاه معين بطبيعة الحال الذين ينقلون عنه الروايات أي طبقة؟ نفس ذلك الاتجاه, هذا أولاً.
وثانياً: لا ليس الأمر كذلك, بل نقل عنه ثقاتٌ كبار كعلي ابن إبراهيم صاحب التفسير, من قال بأنّه أساساً أكثر عنه الضعفاء, لا بالعكس أكثر عنه الثقات الأجلاء في هذا المجال.
الذي إن شاء الله تأتي.
والحمد لله رب العالمين.