نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (96)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    انتهى بنا البحث قلنا بأنّه في التساؤل الثاني يوجد قياسٌ استثنائي وهو أنّه لو كان المراد من الموافقة للقرآن الموافقة التفصيلية والموافقة الحرفيّة, والمراد من المخالفة عدم المخالفة التفصيلية وعدم المخالفة الحرفيّة للزم إلغاء دور السنة, والملازمة واضحة باعتبار أنه إذا كان كل ما نحتاج إليه من تفصيلات المعارف الدينية على مستوى الأمور العقدية أو على مستوى الأمور العملية جميعها موجودة في القرآن الكريم إذن عند ذلك لا معنى للسنة ولا دور للسنة. الملازمة أتصور واضحة.

    أما بطلان اللازم وبطلان التالي فهو أيضاً واضح على مستوى البحث القرآني وعلى مستوى البحث الروائي القطعي يعني السنة القطعية لأنه لا يمكن الاستناد هنا أيضاً إلى خبر الواحد لإثبات السنة, على مستوى البحث القرآني وعلى مستوى البحث الروائي فإنّ هناك أدلة قطعية واضحة تبين لنا أنّ للسنة دوراً وراء القرآن الكريم, لا أنّ السنة فقط تبين تلك الأمور التي توجد بتفاصيلها في القرآن الكريم. وأتصور أن القضية واضحة لا تحتاج إلى دليل كثيراً.

    أما مع ذلك نشير إلى بعض الأدلة, طبعاً هذا البحث في كتبنا لم يرد بشكل تفصيلي وهو أنه ما هو الدليل على حجية السنة, التفتوا جيداً, تارة يوجد بحثٌ أنّه ما هو الدليل أو ما هو الطريق لإثبات ما ورد في السنة, هذا هو البحث في حجية خبر الواحد, أو البحث في الإجماع أو البحث في الشهرة أو أي طريق آخر, هذه كلها طرقٌ لإثبات ما ورد في السنة, هذا ليس بحثنا الآن, بحثنا أنّه أساساً أن السنة -الآن سواء أريد بها السنة النبوية أو الأعم من ذلك- أنّ السنة هي حجةٌ كحجية القرآن الكريم أو أن السنة ليست حجة؟ وهذا مع الأسف ليس له عنوان في كتبنا الأصولية, مع أنه كان ينبغي أن يكون له عنوان في كتبنا الأصولية, أنّ السنة, كيف أنتم تأتون إلى القرآن تقولون وتبحثون عن حجية ظواهر القرآن يعني لإثبات حجية الاستناد إلى القرآن, لابد أن يعقد بحثٌ أنّه السنة هل هي حجة أو ليست حجة؟

    هذا البحث موجود بشكل تفصيلي في علم أصول الآخر, يعني في مدرسة الصحابة عند السنة هذه القضية مطروحة بشكل تفصيلي وواسع, ولذا تجدون أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم+ في كتابه (الأصول العامة للفقه المقارن) يعقد هذا البحث بشكل تفصيلي, يعني في (الأصول العامة للفقه المقارن, الباب الأول القسم الثاني) يقول: [السنة حجيتها] ما هي حجية السنة؟ بغض النظر عن الطريق الموصل إلى السنة, هل يشترط أن يكون الطريق قطعياً أو يكفي أن يكون ظنياً أو يكفي أن يكون مشكوكاً هذه طرق الإيصال إلى السنة, الآن حديثنا ماذا؟ في نفس السنة أنّها حجة أو ليست بحجة؟

    هناك أولاً: السيد الحكيم& يبين ما هي السنة, تعريف السنة اصطلاحات السنة وبعد ذلك يقول: [حجية السنة النبوية] ثم يستدل ببعض الآيات القرآنية وببعض الروايات المتواترة ثم بدليل العقل, يقول: [حجيتها من القرآن وحجيتها دلالة السنة على حجية السنة] ومن الواضح أن هذا الدليل لابد أن يكون قطعياً لا أن يكون أخبار آحاد, ثم يقول: [دليل العقل لإثبات حجية السنة].

    ومن أولئك الذين بحثوا هذه القضية بشكل تفصيلي وموسع جداً في هذا الكتاب وهو (المهدي وفقه أشراط الساعة) أنا أعتذر هذا صوتي أنا ما أدري مدة صار ما يتحسن, (المهدي وفقه اشراط الساعة) في هذا الكتاب الذي هو للدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم من الكتب المفيدة في هذا المجال, يعني في مجال المهدي, ولكنه هناك يوجد عنده بحثٌ في (ص97) يقول: [شبهة فرقة القرآنيين الضآلة] هذا تعبير جديد [فرقة القرآنيين] يقول أولئك الذين يقولون كفانا كتاب الله في هذا الكتاب يعبر عنهم ماذا؟ [فرقة القرآنيين الضآلة] ومع الأسف الشديد الآن في بعض الأقلام المثقفة عندنا بدأت تسري هذه الشبهة, وهو أنه أساساً نحن لا يوجد عندنا علاقة بالحديث ماذا يقول القرآن نعمل ما لا يوجد في القرآن لا علاقة لنا به, طبعاً هذه الشبهة أيضاً وردت أين؟ نفس هذه الشبهة التي أنتم تجدونها في بعض الفضائيات أنه يقول فقط استدلوا لنا بالقرآن, نفس هذا المنطق هنا يناقشه بشكل موسع هذا الرجل يقول: [فرقة القرآنيين الضآلة وهم يقولون لم يرد في القرآن أية إشارة إلى المهدي ولا حجة فيما سوى القرآن الكريم] جيد. بعد ذلك يقول: [وهاك أدلة حجية السنة الشريفة, الدليل الأول] عجيب إخواني الأعزاء وأنتم التفتوا إلى هذا الدليل [الدليل الأول عصمة الرسول الأعظم] يعني: كلما ثبتت عصمة شخص فكلامه سنته ماذا تكون كلامه ماذا يكون؟ حجة, ولذا إذا أردتم أن تدخلون وتتكلمون مع الآخر إخواني الأعزاء لا تذهبون يميناً ويساراً إذا استطعتم أن تثبتوا عصمة أهل البيت ينتفح الطريق, إذا ما استطعتم أن تثبتوا ذلك فالطريق يبقى مغلق إلى الآخر [عصمة الرسول الأعظم’ والأدلة الدالة على ذلك, الدليل الثاني: القرآن الكريم] ويشير إلى مجموعة من الآيات الدالة على أن قوله حجة من قبيل قوله تعالى: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}] ثم يشير إلى مجموعة الآيات [القسم الأول التي تدل على وجوب الإيمان به وإتباعه والرضا بحكمه, القسم الثاني: تبين {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}, القسم الثالث: آيات تدل على وجوب طاعته طاعة مطلقة {أطيعوا الله وأطيعوا لرسول} أو {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} أو قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} القسم الثالث, القسم الرابع] ثم يأتي [الدليل الثالث: السنة الشريفة] وهنا أيضاً مجموعة من الأدلة لإثبات هذه الحقيقة تصل الأبحاث حدوداً إلى ثلاثين أو خمسة وثلاثين صفحة لإثبات هذه الحقيقة.

    إذن الآن أرجع إلى القياس الاستثنائي -لأنه هذا اليوم لعله آخر يوم لبحثنا- أرجع إلى الدليل الاستثنائي التفتوا جيداً: لو كان المراد من الموافقة وعدم المخالفة الموافقة الحرفية التفصيلية للزم إلغاء دور السنة, والتالي باطل لأن السنة لها دورٌ وأن السنة ما هي؟ حجةٌ وأنها مبينة للشريعة كما أن القرآن مبين للشريعة إذن فالمقدم مثله.

    إذن لا يمكن أن يراد من الموافقة وعدم المخالفة الموافقة ماذا؟ الموافقة التفصيلية وعدم المخالفة التفصيلية.

    هنا يأتي هذا التساؤل الذي أطرحه إجمالاً -لعله إن شاء الله إذا وفقنا لعل السنة القادمة إما أن نتمم هذا البحث وإما نكتفي بهذا القدر- إذن ما هو المراد من الموافقة للقرآن الكريم ومن المخالفة للقرآن الكريم أو من عدم المخالفة للقرآن الكريم؟

    إخواني الأعزاء عدة نظريات توجد في هذا المجال ولكنه بنحو الإجمال هناك مجموعة من القواعد والأسس والضوابط التي اعتمدها القرآن الكريم لتنظيم حياة الناس بالنحو الذي ينسجم مع سعادتهم الأخروية, يعني أنت عندما تأتي إلى القرآن تأتي إلى الشريعة تأتي إلى الدين تجد يوجد عنده رؤية كاملة لإدارة هذه الحياة ولكن بأي نحو تكون هذه الإدارة؟ تكون بنحوٍ منسجمة مع سعادته الأخروية لا أنه يسعد هنا ولكنّه يشقى هناك, لا, هنا يدير الحياة ولكن بأي شكل يديرها؟ يديرها بنحوٍ يؤدي إلى سعادته في الآخرة لماذا؟ لأنّه ضمن الرؤية الكونية أو الرؤية التي يعتقد بها القرآن وجود المعاد, فإذن بطبيعة الحال عندما يريد أن يدير هذه الحياة لابد أن يأخذ بعين الاعتبار ماذا؟ يأخذ بعين الاعتبار المعاد الدائرة الآخرة النشأة الأخرى.

    الآن تقول لي: سيدنا هذا كلام كلي؟ نعم, هذا كلام كلي أشير إلى بعض الأمثلة حتى يتضح بأنه الشارع عندما يقول اعرضوا كلامنا على كتاب ربنا يعني على أي شيء نعرض؟ يعني: نسأل سؤال كلي للقرآن الكريم: أنت تعتقد أن العدالة الاجتماعية أصل في أدارة الحياة أو لا تعتقد ذلك؟ ماذا يقول الإسلام؟ إذا قال نعم, أن العدالة الاجتماعية هي أصل من أصول إدارة الحياة إذن فأي حكم من الأحكام الشرعية إذا تنافى مع العدالة الاجتماعية فينسجم مع القرآن موافق مع القرآن أو مخالف للقرآن؟ مخالف للقرآن, إذن هناك مجموعة من الأسئلة مجموعة من الضوابط لابد أنت تنتهي منها في الرتبة السابقة تعين الرؤية الإسلامية من خلالها.

    سؤال آخر: عندنا حقوق فردية وعندنا حقوق اجتماعية وهذه واضحة, يعني عندما نأتي إلى الحياة نجد أن هناك مجموعة حقوق فردية شخصية وهناك مجموعة حقوق اجتماعية, سؤال: أيهما أصل في الإسلام الحقوق الفردية أو الحقوق الاجتماعية؟ فإن بنيت على أنّ الأصل هو الفرد فإذن المجتمع لابد أن يكون تابع لمن؟ وبهذا الاعتبار إذا تعارضت المصالح الفردية مع المصالح الاجتماعية من يقدم؟ أنت ما تقول بأنه والله المجتمع, يقول المجتمع إلى جهنم.

    إذن إذا لزم من قوله أو من حديث >الناس مسلطون على أموالهم< لزم منه تضييع الحقوق ماذا؟ فمسلطون على أموالهم أو ليسوا مسلطين؟ مسلطون بالقدر الذي لا يتنافى مع ماذا؟ هذا إذا فرضت أن الحقوق الاجتماعية مقدمة على الحقوق الفردية, أما إذا فرضت أن الحقوق الفردية هي المقدمة على الحقوق الاجتماعية فالناس مسلطون على أموالهم سواء أضر بالمجتمع باحتكاره أضر المجتمع أو لم يضر المجتمع. فإذا صار بنائك أن الأصل الأولي هي الحقوق الاجتماعية, إذن إذا جئت إلى أي حكم فقهي وإلى أي قاعدة فقهية وجدتها تتنافى مع الحقوق الاجتماعية, فهذا ينسجم مع القرآن أو مخالف للقرآن؟ مخالف للقرآن.

    تعالوا مثال آخر: تعالوا إلى دور المكلية في حياة الناس, الملكية هي امتياز للمالك أو هي امتياز ومسؤولية على المالك أي منهما؟ إذا افترضت أن الملكية امتياز له طيب يستطيع أن يتصرف في ملكه كما يشاء, يجعل خمسين مليون دولار وعنده كلبين فعندما يموت يوصي بها للكلاب, فيها إشكال أو ما فيها إشكال؟ ما فيها إشكال لأنه هذه حقه يصرفها على الكلاب, تقول يوجد سبعة وثلاثين مليون جائع يموتون تحت خط الخط الخط الفقر يعني سبع مرات تحت خطر الفقر, يقول: إلى جهنم فليموتوا ماذا أفعل لهم, أنا أريد هذه الخمسين مليون لمن يذهبن؟ لكلابي, من حقه أو ليس من حقه؟ بلي, لأنه ملكه وهو حرٌ في أن يتصرف, أما إذا قلنا أن الملكية ملكية المال هي بالإضافة إلى أنها امتياز للمالك هي مسؤولية اجتماعية, إذن هل من حقه أن يتصرف كما يشاء أو إذا صار التصرف سفهياً نقف أمامه؟ هذه من أين تنطلق هذه؟ تنطلق من أصل الشارع يؤمن به, وإلا إذا لم يؤمن به بطبيعة الحال طيب يحق له أن يفعل ما يشاء. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

    ولذا أنا معتقد التفتوا جيداً -أتكلم اليوم فقط قواعد عامة- ولذا أنا معتقد أنّه في أي بابٍ من الأبواب الدينية -أنا أتكلم على مستوى الفقه- يعني: عندما ندخل إلى الباب الاقتصادي, عندما ندخل إلى الباب المالي, عندما ندخل إلى فقه العبادات, عندما ندخل إلى فقه المعاملات أي باب من هذه الأبواب العامة عندما ندخل أنا في اعتقادي أن هناك مجموعة من الضوابط والقواعد والأسس تُأطر لنا ذاك الباب, هذا الذي يصطلح عليه السيد الصدر& بالمذهب في قبال العلم, المذهب يعني مجموعة هذه الأسس.

    ولذا نحن في العبادة يوجد مذهب عبادي, كل هذه التفصيلات في العبادة تأتي منسجمة في إطار ماذا؟ هذا المذهب العبادي, في الاقتصاد عندنا ماذا؟ مثاله الواضح الذي السيد الشهيد الذي يذكره في اقتصادنا, يقول: نحن عندنا مذهب اقتصادي, سيدنا ما هي أسس المذهب الاقتصادي؟ يقول: أولاً أسس المذهب الاقتصادي: أن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل, يعني ما يمكن النظر إليه منفصلاً عن أبواب العقائد عن أبواب الأخلاق عن الأبواب الأخرى الفقهية أبدا, إذن عندما تريد أن تعطي رأي اقتصادي لابد أن تنظر اللوحة كاملة تنظر النظرية الإسلامية كاملة ليس من حقك أن تقول أنا أقول حكمي كذا ما عندي علاقة أن هذا يؤثر أو لا, لا, هذا ليس من حقك, ولذا عنده عنوان يعبر عنه ماذا؟ يعبر عنه [أن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل] طبعاً هل هذا مختص بالاقتصاد؟ لا, الإدارة الإسلامية جزء من كل, النظام المالي جزء من كل, النظام العبادي منفصل عن الحياة أو يشمل كل مجالات الحياة, جزء من كل.

    إذن متى يكون الفقيه فقيهاً؟ لا أول ما يأتي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة, هذا ما يكفي هذه الفقاهة بناء على نظرية العرض هذه ليست فقاهة, هذا منهج آخر في الفقاهة أنا ما أريد أن أقول, بحسب ما اعتقد أن هذا ليس فقاهة, الفقيه هو الذي يستطيع أن يعرف الإسلام بتمامه وكماله بكلياته عندما يأتي إلى مسألة من مسائل باب الطهارة أو باب الصلاة أو باب الحج, يقول: هذا وإن دلت عليه رواية صحيحة إلا أنه ينسجم مع الروح العامة في القرآن أو لا ينسجم؟ لا ينسجم مع هذا الأصل.

    دلت قاعدة فقهية صحيحة >الناس مسلطون على أموالهم< ولكن هذا ينسجم مع أنه يضر المجتمع بأن يحتكر أو لا ينسجم مع الروح العامة للتشريعات الإسلامية؟ لا ينسجم, يقول حتى لو كانت الرواية صحيحة فهي منسجمه أو غير منسجمة؟

    أختم حديثي في هذا -حتى لا أطيل على الإخوة كثيراً- بمثال أشار إليه السيد الشهيد& في (ج7, من تقريرات البحث للسيد الهاشمي, ص333) يقول: [لا يبعد أن يكون المراد من طرح ما خالف الكتاب الكريم أو ما ليس عليه شاهدٌ من الكتاب طرح ما يخالف الروح العامة للقرآن الكريم, ما معنى الروح العامة؟ انظروا الآن لو أردنا أن نضرب – الأمثلة تضرب واقعاً تقرب كثير من الحقائق- أنظروا الآن اليد غير العين هذه لها دور وهذه أيضاً لها دور, ولكن اليد والرجل والعين والأذن والقوى الداخلية والخارجية كلها يجمعها حقيقة روحها الساري فيها إذا هذه الروح فارقتها كلها تكون ميتة, في التشريعات والمعارف الدينية هناك روح عامة سارية نسبتها إلى المعارف التفصيلية نسبة الروح إلى الجسد إلى البدن, فإذا كانت هذه الروح محفوظة هذه الأدوات أيضاً تعمل وتؤثر وتعطي أكلها وتؤتي أكلها, أما إذا هذه الروح ما ملتفت إليها هذه الأدوات تؤتي أكلها أو لا تؤتي؟ هذه إشارة إلى معنى الروح العامة للقرآن الكريم.

    إذن من يريد أن يستنبط أي قطعة أو أي معرفة دينية لابد أن يطلّع على الروح العامة للقرآن الكريم, ثم يضرب مثال هذا المثال الذي نحن مراراً نذكره للإخوة, ثم يضرب مثال: يقول: [فمثلاً لو وردت رواية في ذم طائفة من الناس] كما عندنا في باب المعاملات [وبيان خستهم أو أنّهم قسم من الجن] قلنا أن هذا مخالف مع الكتاب الصريح, سؤال: أين توجد عندنا آية تعرضت لمثل هذه المسألة توجد آية في القرآن أو لا توجد؟ لا توجد آية أبداً, آية تتعرض أنه تعاملوا على أساس قومي أو لا تتعاملوا بهذا البعد التفصيلي الحدي الحرفي توجد أو لا توجد؟ لا توجد, ولكن منطق القرآن قائم على أساس قومي أو غير قائم؟ لا على أساس قومي لا على أساس لغوي لا على أساس لوني لا على أساس اثني لا على أساس جغرافي أبداً ليس قائم على هذا, ما أدري واضح هذا المعنى.

    إذن إخواني الأعزاء, المراد من العرض على الكتاب التفتوا جيداً, ليس العرض بأن نجد موافقاً له تفصيلاً أو أن لا يخالفه تفصيلاً أن يكون موافقاً مع الروح العامة التي تحكم كل معارف القرآن, وان لا يكون مخالفاً للروح العامة التي تحكم كل معارف الإسلام.

    ثم هناك شواهد كثيرة في كلمات أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) تثبت هذا المعنى من العرض, من قبيل هذه الروايات التي قراناها فيما سبق الآن لا وقت لأعيدها وهو: >إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا فإن أشبهها فهو حقٌ< فإن ماذا؟ >أشبهها فهو حق< يعني كانت هي القاعدة هي الظاهرة العامة في القرآن الكريم.

    إذا أريد أن أضرب مثال عقائدي لكم: أنت مبناك ما هو أن الله سبحانه وتعالى له مكان وله حد أو ليس له أي منهما؟ الجواب: توجد نظريتان: نظرية ترى أنه أساساً لا معنى لـ ألله لا حد له ولا مكان له, أصلاً هكذا ألله يعتقدون أو لا يعتقدون؟ لا يعتقدون هذه نظرية.

    نظرية أخرى تقول: أساساً ألله إذا صار له حد ومكان هذا ألله أو ليس ألله؟ هذا ليس ألله.

    اتجاهان متضادان واقعاً, طيب سؤال: إذا صار مبناك النظرية الأولى فعندما تأتي إلى القرآن الكريم فعندك مشكلة مع قوله تعالى: {استوى على العرش} أو ما عندك مشكلة؟ ما عندك مشكلة. فعندك مشكلة أن الله {ويبقى وجه ربك} أو ما عندك مشكلة؟ ما عندك مشكلة, فعندك مشكلة مع قوله: {بل يداه مبسوطتان}؟ ما عندك مشكلة, أبداً هذه كلها على القاعدة ماذا؟ تحتاج إلى تأويل أو لا تحتاج إلى تأويل؟ لا تحتاج إلى تأويل, لأنه مقتضى القاعدة هو هذا. موجود الذي له مكان وله وجه هو هذا ألله الذي يعرفه القرآن الكريم.

    أما إذا صار مبناك بالاتجاه المعاكس هذه الآيات ماذا تفعل لها؟ كلها لابد بشكل أو بآخر تقول لها معنىً غير هذا المعنى الظاهر منها, صحيح أم لا, هذا من يحدد لك تمشي بهذا الاتجاه أو تمشي بهذا الاتجاه, هو أنه منطقك في مسألة الحق سبحانه وتعالى ما هو؟ إخواني في كل المعارف الدينية أنت في المرتبة قبل أن تدخل في بحث الإمامة ابحث هذا أن الإمام له دور وهو بيان الحلال والحرام في هذه الدنيا ويذهب إلى ربه راضياً مرضياً هو هذا, أو أن الإمام يشكل نقطة أو ركن من أركان نظام الخلق ونظام الكون أي منهما؟ فإن قبلت الأول فالروايات التي تكلمت أنهم وسائط الفيض وأنه كل شيء بتوسطهم وأنهم وأنهم .. تقول هذه كلها روايات غلو, أما إذا صار مبناك الآخر تقول هذا كله على القاعدة باعتبار أنه هم هؤلاء وسائط الفيض بهم ينزل وبهم يصعد, هذه في كل معارف الدين إخواني الأعزاء أنت لابد أن تنتهي في الرتبة السابقة أما إذا دخلت البحث التفصيلي من غير هذا التأسيس لا تصل إلى نتيجة واضحة.

    قال: [فإن أشبهها فهو حق وإن لم يشبها فهو باطل]. عند ذلك التفتوا جيداً.

    عندنا طريق أماري لمعرفة الروح العامة الآن هذا معرفة الروح العامة أمر ثبوتي, إثباتاً أنا كيف أعرف أن هذا هو هذه القاعدة العامة هي الحاكمة؟ انظروا إلى النظائر, إذا تعددت النظائر إذن فهذه هي القاعدة ماذا؟ النظائر ليست القاعدة, النظائر مقام الإثبات الكاشف عن وجود القاعدة, البعض يتصور بأنه الأشباه والنظائر هي هذه نظرية الروح العامة, لا لا, الروح العامة شيء مقام ثبوت, والنظائر مقام ماذا؟ مقام إثبات -أكثر من هذا ما عندي وقت-.

    السؤال الثالث: في السؤال الثالث وهو أنه نحن عندما نقول لابد أن لا يكون مخالفاً وأن يكون موافقاً ما هو المراد من المخالفة هنا؟

    المخالفة على ثلاثة أنحاء:

    النحو الأول: هي المخالفة التباينية, يعني: القرآن يثبت والحديث ينفي, أو بالعكس القرآن ينفي والحديث يثبت, لا إشكال ولا شبهة أن الحديث هنا يسقط, سواءٌ كان أخبار آحاد, سواء كان أخبار الآحاد ضعيفة أو صحيحة, بل حتى لو كانت ببعض الموازين أخبار ماذا؟ لا تخافون قولوا؟ (كلام أحد الحضور) متواترة بلي, ممكن, الآن في فضائل بعض الصحابة حاصل التواتر واقعاً ضمن الموازين أو لم يكن حاصلاً التواتر؟ بلي يوجد تواتر, ولكن اعرضه على كتاب ربنا, اعرضه على موازين أخرى, ثابتة أو غير ثابتة, إذن ما يهمنا أن السند أخبار آحاد أو أخبار متواترة وهذه الأخبار الآحاد صحيح السند أو ضعيفة السند, وإلا إخواني الأعزاء إذا هذا المنهج لا يتم أنت شئت أم أبيت كثير من الأمور التي يقولها الطرف الآخر أنت ملزم بالعمل بها لماذا؟ إذا صار منهجك سندي لماذا؟ لأنه في التواتر ينظر إلى صحة السند وضعف السند أو لا ينظر؟ لا ينظر, فإذا حصل التواتر في كتبهم فحجة أو ليس بحجة؟ يكون حجة, هذا هو من نتائج المنهج السندي, واقعاً الآن ما ذكر لبعض الصحابة من الفضائل إن لم يكن أكثر مما ذكر من علي فليس أقل مما ذكر لعلي, أنتم ماذا تفعلون؟ بعض الفضائل التي ذكرت لأمهات المؤمنين موجودة في أهم الكتب التي لا توجد نظائر لها ما ذكر للزهراء÷, ماذا تفعلون؟ إذا كنتم أنتم والسند فالسند هذه ماذا؟ تقولون في تحصيل التواتر ينظر إلى الصحة أو لا ينظر؟ لا ينظر, جمع القرائن, هذه تجمع القرائن. إذن الطريق من أين يمر؟ يمر من خلال المنهج المتني والمنهج الدلالي.

    إذن إذا كان الحديث إخواني, آحاداً أو متواتراً وكان مخالفاً للقرآن مخالفة تباينية يعني لا يمكن أن يجمع بينهما بأي نحوٍ من الأنحاء فعند ذلك يسقط ذلك الحديث, هذا الذي اصطلح عليه في علم الأصول بالتعارض المستحكم أو بالتعارض المستقر.

    النوع الثاني: وهو ما لو فرض أن الحديث كان مخالفاً للقرآن ولكن بنحو العموم والخصوص أو بنحو الإطلاق والتقييد, أو بنحو الحاكم والمحكوم, أو بنحو الإجمال والتفصيل, فهل يسقط عن الاعتبار أو لا يسقط عن الاعتبار؟ الجواب: من أوضح أدوار السنة هو هذا, وهو أنّه يوجد عامٌ قرآني ويأتي المخصص من السنة.

    نعم, الآن هناك بحث أنه يكفي خبر الواحد هل يشترط أن يكون مستفيض أو لا يشترط؟ ذاك بحث آخر, المهم من أوضح أدوار السنة هو أين؟ أن يكون التعارض بنحو العموم والخصوص بنحو الإطلاق والتقييد بنحو الحاكم والمحكوم بنحو الإجمال والتفصيل, في مثل هذه الموارد يسقط الحديث عن الاعتبار أو لا يسقط؟ لا يسقط الحديث من الاعتبار, هذا أيضاً مما لا كلام فيه عند أحدٍ. مع بعض التفصيلات التي يشير إليها السيد الخوئي في محله.

    المورد الثالث: وهو ما لو تعارض القرآن الكريم مع السنة أو مع الحديث بنحو العموم والخصوص من وجه, هنا المعركة, وهو أنّه لا إشكال ولا شبهة أنّه في مورد الاجتماع الخبر يسقط عن الاعتبار لأنه يكون من مصاديق التباين, إذا عندنا خبرٌ تعارض مع القرآن بنحو العموم من وجه, إذن مادة الافتراق في كل منهما, طيب لا علاقة لنا بها, مادة الاجتماع, القرآن يثبت والحديث ينفي, القرآن ينفي والحديث يثبت, طيب هذا يدخل في القسم الأول وهو التباين, إذن مورد الاجتماع يسقط بلا إشكال. إنما الكلام كل الكلام أنّه هل يمكن تبعيض خبرٍ واحد بأن يطرح منه مورد الاجتماع ويؤخذ منه مورد الافتراق أو أن كل الحديث يسقط عن الاعتبار؟ ما أدري واضح أم لا؟ لأنه نحن هذا الحديث الذي عارض نريد أن نقول في مورد اجتماعه مع القرآن وتنافى يسقط عن الاعتبار, أما في مورد افتراقه هل يعقل هذا التبعيض أو لا يعقل هذا التبعيض, هنا يقولون أيضاً لا إشكال أنه لا يسقط في مورد الافتراق, لماذا لا يسقط في مورد الافتراق؟ يقولون من قبيل جنابك إذا كانت عندك رواية وهذه الرواية افترضوا صحيحة السند تامة الدلالة وأجريت فيها مقدمات فأثبت إطلاق مضمون الرواية, فقام عندك دليلٌ قطعي على بطلان الإطلاق هل تسقط أصل الرواية أو فقط يبطل الإطلاق؟ الضرورات تقدر بقدرها, الدليل القطعي لم يبطل أصل مضمون الرواية وإنما أبطل إطلاقها, طيب بقدر ما أبطل الإطلاق يسقط وما زاد عن ذلك يكون باقياً على الحجية.

    كذلك في المقام, فإن الرواية إذا تمت دلالتها وحجيتها سنداً أو لم تتم, في مورد الاجتماع تسقط أما في مورد الافتراق لماذا تسقط؟ تقدر الضرورات بقدرها.

    هذا تمام الكلام في المنهج الدلالي والنتائج المترتبة على ذلك.

    تبقى عندنا ملاحظتان -الذي بهما نختم إن شاء الله البحث-:

    الملاحظة الأولى: أنا واقعاً هذا ليس الآن أقوله في كل سنة أقوله في آخر البحث, إخواني الأعزاء الله يعلم أنه أنا أعز وأحترم طلابي كأولادي, ولكنّه مزاجي كما تعلمون مزاج حاد, فبعض الأحيان يصدر مني واقعاً ما لا أرتضيه لنفسي واقعاً, ولكنّه هذا المزاج ما استطعت بشكل واضح وصريح أقوله للإخوة أن أسيطر عليه كما أريد, ولذا ما صدر مني وسبب ألماً أو أذىً أو شيء لإخواني الأعزاء من حضروا ومن لم يحضروا بيني وبين الله اعتذر منهم جميعاً, وأنتم تعلمون والعذر عند كرام الناس مقبول. هذا الأمر الأول وإن شاء الله أيضاً لا ينسوني من الدعاء, كما أني الله يعلم لا أنسى كل من تعلم مني حرفاً واحداً من الدعاء, هذه دائماً دعائي في كل المواطن الذي أدعوا أذكر تلامذتي ومن تعلم مني شيئاً كما أذكر أساتذتي.

    الملاحظة الثانية: في السنة القادمة إن شاء الله تعالى إذا بقينا أحياء بإذن الله تعالى وكنا هنا في قم إذا كنا في النجف فحساب آخر, أما إذا كنا في قم إخواني الأعزاء فالإخوة من الآن يرتبون وضعهم الوقتي, نحن وضعنا الدرسي سوف لا يتغير يعني نفس هذا الوقت الذي الآن كنا, ولكن اقترح جملة من الإخوة أن يكون عندنا بالإضافة إلى درس الفقه يوجد عندنا درس أصول مثلاً, على نفس هذه الطريقة, وليس على الطريقة التقليدية الكلاسيكية, يعني واقعاً الأبحاث الأساسية الضرورية, أما الأبحاث المكررة الموجودة لا حاجة, نمر عليها مروراً. الأبحاث الضرورية والأساسية, نحن نستطيع أنه مثلاً بدل أنه نعطي درس خمسة وأربعين دقيقة في الفقه نجعل درسين فقه وأصول في سبعين دقيقة خمسة وثلاثين دقيقة فقه وخمسة وثلاثين دقيقة أصول.

    إذا الإخوة راغبون في السنة القادمة أن يكون عندنا درس أصول بهذا الشكل وقتهم ينظموه حتى نستطيع أن نبقى معهم تقريباً ساعة إلى ساعة وعشرة دقائق. يعني: عندما نأتي من العاشرة يعني الآن نأتي نبقى معهم إلى الحادية عشرة إلى الحادي عشرة وعشر دقائق أو وربع, إذا كانوا راغبين إذا لا فهذا درسنا باقي على حاله.

    ونسألكم الدعاء.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/06
    • مرات التنزيل : 1149

  • جديد المرئيات