نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (120)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    بالأمس أشرنا إشارة ولعله تحقيق هذا المطلب موكول إلى دراسات أخرى, ولكنه كما أشرت في البحث السابق بأننا لابد أن نميز بين أمرين أساسيين وهو: أن إسناد الفعل إلى الفاعل له حكمٌ, وتوصيف الفاعل وتسميته له حكمٌ آخر.

    وأشرنا إلى بعض الأمثلة بالأمس, قلنا بأن القرآن الكريم يُسند جملةً من الأفعال إلى الله (سبحانه وتعالى) كما في قوله تعالى: {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} فإنه أسند هنا الفعل إلى الله (سبحانه وتعالى) ولكنه لا يحق لنا أن نصف الله بهذا الفعل وأن نسميّه بهذا الفعل, أو أسند فعل الخلق وفعل الإحياء ونحو ذلك إلى عيسى (على نبينا وعليه الآف التحية والثناء) فإنه مع ذلك لا يصح توصيفه وتسميته بهذا الفعل.

    في اعتقادي أن كثيراً من هذه الروايات التي وردت في بيان درجات الشرك ومراتب الشرك ومراتب الإسلام ومراتب الإيمان هذه لابد أن تنطبق عليها القاعدة المتقدمة وهي أنه أسند إليه الفعل ولكن ليس بالضرورة أنه يسمى بذلك الفعل, نعم, صدر منه فعلٌ فيه كفر, صدر منه فعلٌ فيه شرك, ولكنه ليس بالضرورة أنه كافرٌ بالمعنى المصطلح أو مشركٌ بالمعنى المصطلح.

    الآن من أين نميّز بين أنه هذا إسنادٌ للفعل فقط من دون توصيفٍ وتسمية أو أنه إسنادٌ مع التوصيف والتسمية؟ هذا تابعٌ لقرائن كل موردٍ من هذه الموارد, أنه لابد أن يلتفت أنه يتكلم عن التسمية والتوصيف أو يتكلم عن إسناد الفعل.

    ولذا تجدون القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة يميز في القرآن بين الصالحين وبين الذين عملوا الصالحات – التفتوا جيداً- ليس كل من عمل صالحاً فهو بالضرورة صالح لا, قد يصدر العمل الصالح ممن ذاته ليست صالحة, ولا ملازمة, ولكن العكس صحيح, إذا كان الإنسان صالحاً فلا إشكال أن عمله سوف يكون صالحاً.

    ولذا تجدون القرآن الكريم يعبر في آياتٍ متعددة أن إبراهيم الخليل على عظمته يطلب من الله (سبحانه وتعالى) أن يلحقه بالصالحين {وألحقني بالصالحين} أما عندما يتكلم عن عموم الناس يقول: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهكذا بالنسبة إلى الصدق والصادقين الذين صدقوا شيءٌ والصادق شيء آخر, ولذا قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا} ليس مع الذين صدقوا {كونوا مع الصادقين} فإن الصادق وهو الاسم والتوصيف شيءٌ والذي يصدر منه فعل الصدق شيء آخر.

    وهذه قضية سيّالة في كثيرٍ من الآيات والروايات وعدم الالتفات إليها يوقعنا واقعاً في إشكاليات لأنه إذا فرض أن صدور الفعل يستلزم الاتصاف والتسمية طيب مشكلات كثيرة تلزمه من ذلك حتى بالنسبة إلى مباحث التوحيد, لأن هناك كثير من الأفعال تصدر من الله (سبحانه وتعالى) ولكن يتصف بها يسمى بها أو لا يسمى بها؟ {أأنتم} على أي الأحوال {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} طيب هنا الآن الآية بشكل واضح وصريح تنسب الفعل إلى ماذا؟ إلى الله (سبحانه وتعالى) ولكن النسبة شيء والتوصيف والتسمية شيء آخر.

    وأنا أعتقد بأن هذه الروايات التي تكلمت عن الشرك والكفر ونحو ذلك في كثيرٍ منها ليس المراد فيها التوصيف والتسمية وإنما المراد منها صدور الفعل إسناد الفعل.

    هذا فيما يتعلق بهذا الأصل.

    بعد هذه المقدمة أو بعد بيان هذا الأصل نرجع إلى الروايات أو الطوائف الثلاث التي تكلمنا عنها, يتذكر الأعزة أننا قلنا أن هناك طوائف ثلاث يمكن الاستناد إليها لإثبات السببيّة المستقلة لإنكار الضروري لإثبات كفر منكر الضروري, هذه الطوائف الثلاث أشرنا إليها بالأمس وفي هذا اليوم نحاول الوقوف عندها.

    أما الطائفة الأولى: وهي التي عبرت بلسان >أدنى ما يكون به العبد مشركا<.

    طيب هذه الطائفة من الواضح أنه لا يمكن أن يقال بأن كلما صدق الشرك – التفتوا جيداً- أو كلما أطلق الشرك, بيّنا هذا اليوم وبالأمس إطلاق الشرك يكون على نحوين: إما إطلاق الشرك بنحوٍ صدر منه شرك يعني إسناد الفعل وإما إطلاق الشرك بمعنى أنه يتصف بالشرك وأنه مشركٌ ويسمى أنه مشرك.

    طيب إذا كان الأمر كذلك في الروايات فلا يمكن أن نستكشف من إطلاق الشرك أنه مراد الأخص يعني إطلاق الأعم لا يستلزم إرادة الأخص, نعم, في جملة من الروايات أطلقت على البعض أنه ماذا؟ مشرك, ولكن هذا الإطلاق ليس بالضرورة أنه بمعنى أنه يسمى مشركاً, يتصف بأنه مشرك, الشرك الذي يسمى الإنسان مشركاً إذا أشرك هذا الشرك الجلي, إذا اعتقد أن لله (سبحانه وتعالى) شريك الآن بأي نحو من أنحاء الشرك, بعبارة أخرى: يعني الشرك الجلي.

    أما المراتب الخفية من الشرك قد يكون أن ما صدر منه أسند إليه الشرك يعني فعل فيه إشراك ولكن ليس بالضرورة أن هذا يستلزم أنه مشرك.

    وإلا هناك لازم لو قلنا كلما أطلق الشرك أريد به الشرك الاصطلاحي الذي يخرج به الإنسان عن الإسلام لأننا ذكرنا أنه الأصل الأول هو الإيمان بالتوحيد التصديق بالتوحيد, فإذا كان مشركاً إذن خرج عن هذا وهو سببٌ مستقل للكفر كما هو واضح.

    طيب المرتشي أيضاً في الروايات سميّ عندنا مشركاً, أدنى ما يكون به العبد مشركاً أن يعتقد أن هذه النواة حصاة, فهل يلتزم أحد بأن هؤلاء خرجوا عن الإسلام بمجرد هذا الاعتقاد, المرائي سمي عندنا وقرأنا الروايات فيما سبق, المرائي أيضاً سمّي مشركاً.

    إذن بهذا يتضح كما أشرنا في الرواية السابقة أنه لو كان المراد كل من أسند إليه فعل الشرك فهو مشرك تسمية وتوصيفاً للزم أكثر المؤمنين أن يكونوا مشركين {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} ويتذكر الأعزة أننا ذكرنا جملة من الموارد والمصاديق التي هي دائرة على ألسنة كثير من المؤمنين ومن الخواص يعني لولا فلان لهلكت الله أول وأنت ثاني إلى غير ذلك, ولا يلتزم فقيه بأن هذا يؤدي إلى الشرك الاصطلاحي.

    ولذا السيد الخوئي+ وكذلك جملة من الأعلام عندما جاؤوا إلى هذه القضية بينوها بشكل واضح وصريح منهم السيد الطباطبائي هذا البحث في عدة موارد عرض له ومن هذه الموارد, الميزان المجلد الثاني ص202 في ذيل الآية 221 من سورة البقرة {ولا تنكح المشركات حتى يؤمّن} يقول: ومن المعلوم أن الشرك ذو مراتب مختلفة بحسب الظهور والخفاء نظير الكفر والإيمان – بالأمس بيّنا هذه التفاصيل- فالقول التفتوا من أوضح مصاديق الشرك الذي يلازم الكفر لا إشكال, قال: فالقول بتعدد الإله واتخاذ الأصنام شركٌ ظاهرٌ وجلي وهذا لا إشكال ولا شبهة بهذا الشرك يخرج الإنسان عن الإسلام. وأخفى منه ما عليه أهل الكتاب من الكفر بالنبوة – أيضاً نحو من الشرك- وأخفى منه القول باستقلال الأسباب والركون إليها وهو أيضاً شرك – يعني نظرية المفوضّة- الذين قالوا أن هذه الأسباب حدوثاً تحتاج إلى الله (سبحانه وتعالى) ولكن بقاءً مستقلة وغنية عن الله (سبحانه وتعالى) أيضاً هذا نحو من أنحاء الشرك.

    إلى أن ينتهي – مراتب الشرك تنتهي- إلى ما لا ينجو منه إلا المخلَصون, هذا معناه ماذا؟ يعني حتى أن المخلٍصين أيضاً توجد فيهم بعض مراتب الشرك الخفي, نعم المخلَص بحسب الاصطلاح القرآني ذاك الذي ينجو يكون ليس هو مخلِص بل الله استخلصه لنفسه. وهذه مرتبة لا ينالها بتعبير الروايات كالكبيريت الأحمر لا يوجد إلا في النادر النادر من أولياء الله (سبحانه وتعالى).

    إذن هذه القضية لابد أن تكون واضحة إلى أن ينتهي إلى ما لا ينحو منه إلا المخلَصون وهو الغفلة عن الله والالتفات إلى غير الله (سبحانه وتعالى). وهذا هو الذي كان يأنّ منه الأنبياء والأولياء أنهم عندما كانوا يستغفرون الله (سبحانه وتعالى) هذا ليس المراد منه الذنب الاصطلاحي في الفقه والكلام لا, هذا الذنب الذي هذا منشأه وهو الغفلة عن الله (سبحانه وتعالى) وإن كان لأمر مباح, عزت ساحته فكل ذلك من الشرك ولكن بعضه شرك جلي وبعضه شرك خفي.

    وهذا المعنى بشكل واضح وصريح أيضاً جاء في كلمات السيد الخوئي+ في التنقيح المجلد الثالث ص61, ولكن ياليت هذه الأبحاث كانت تطبق في الأبحاث الفقهية يعني هذه أبحاث قرآنية قيمة تحتاج إلى تطبيقات أين؟ في الأبحاث الفقهية.

    في ص61 يقول: لا إشكال ولا شبهة بأنه أساساً أن للشرك مراتب متعددة وهو غير مستلزم للفكر بجميع مراتبه, ليس كل شركٍ فهو كفر, لا ليس الأمر كذلك, نعم الشرك الجلي يلزم منه الكفر وهو الخروج عن الإسلام, وإلا للزم الحكم بكفر المرائي في عبادته بطريقٍ أولى لأن الرياء أيضاً في النصوص عبر عنه بأنه شرك كما نطقت به الأخبار, بل هو أعظم من أن يقال للحصاة أنها نواة أو للنواة أنها حصاة, مع أنّا لا نقول بكفره لأن الشرك الموجب للكفر إنما هو خصوص الشرك في الأولوهية, طيب هذه في الألوهية بالشرك الجلي وإلا بيّنا أنه الشرك في الألوهية قد أيضاً تكون بعض مراتبه خفية وتلك المراتب الخفية لا إشكال ولا شبهة أنها لا تؤدي إلى الكفر والخروج من الإسلام.

    إذن هذه الطائفة الأولى من الروايات من الواضح أنه لا يمكن أن يستدل بها لإثبات أن منكر الضروري سببٌ مستقلٌ للكفر.

    الطائفة الثانية: في الطائفة الثانية أعزائي ورد عندنا >من جحد الفرائض فهو كافر<.

    وهذه قضية قرآنية وروائية لابد أن يلتفت إليها وهو أنه لابد أن نميز جيداً بين الجحود وبين الإنكار, نعم قد يستعمل الإنكار ويراد به الجحود أيضاً ولكن ليس كل إنكار فهو جحود – بعد ذلك سأبين لماذا- ليس كل إنكار جحود.

    الفقيه الذي انتهى إلى طهارة أهل الكتاب الذي انتهى إلى حلية بعض المسكرات وافترضوا أن تلك الأمور كانت ما هي؟ محرمة في الواقع إذن أنكر أو لم ينكر هذا الفقيه؟ طيب أنكر, كافر أو ليس بكافر, هذا الإنسان منكر لحرمة شيء وهو حرامٌ في الواقع ولكن كافر أو ليس بكافر؟ لا أبداً ليس بكافر, نعم إذا جحد فهو لا إشكال أنه كافر.

    ما الفرق بين الجحود وبين الإنكار؟ الجحود هو بتعبير الراغب الأصفهاني وكل اللغويين – أحفظوا هذه القاعدة- لأنكم تعلمون الآن الفضائيات وغيرها يقولون الشيعة تقول أن كل من أنكر الإمامة فهو كافر, مع أنه صريح كلمات المفيد وغير المفيد الذي يستدلون بكلماتهم يقول من جحد الإمامة وأنكرها – التفتوا جيداً- يعطف الإنكار على الجحود, إذن من جحد الإمامة كافر لا من أنكر الإمامة.

    طيب ما هو الجحود؟ هذه عبارة واضحة قاعدة يؤسس لها الراغب الأصفهاني يقول: الجحود نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه, يعني تعلم أنه موجود وتنفيه وتعلم أنه منفيٌ وتثبته, هذا جحود, في أي قضية كانت, ومن الواضح أنه هنا لا فرق أن يكون ضروري أو غير ضروري أبداً, كل ما ثبت عندك وأنكرته فأنت جاحدٌ.

    طيب ما معنى إذن من جحد الإمامة؟ يعني ثبت له أن رسول الله أوصى لعلي ومع ذلك أنكره, طيب هذا بطبيعة الحال أن الجحود يكون سبباً مستقلاً للفكر أو يؤول إلى إنكار الرسالة؟ من الواضح أن الجحود لا يكون سبباً مستقلاً للكفر وإنما يكون سبباً يكون مؤدياً للفكر لأنه يؤدي إلى إنكار الرسالة, أنت بعد أن علمت أنه هذا ثابتٌ ومع ذلك تنكره, إذن الجحود أعزائي أخص من الإنكار, ليس كل إنكارٍ جحودٌ, ولكن كل جحود فهو إنكار, من جحد فهو منكرٌ ولكن ليس كل من أنكر فهو جاحد.

    والآيات القرآنية أعزائي تكلمت عن هذه القضية بشكل واضح وصريح, أنا أشير إلى بعض هذه الآيات.

    منها: قوله تعالى في سورة النمل الآية 14 {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} واقعاً هؤلاء استكبروا في هذا, مستيقن هو يعني يعلم الشيء يقيناً ومع ذلك لا يقبل, {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}, هذه الآية في سورة النمل الآية14.

    وكذلك الآية 23 من سورة الجاثية قال: {وأضله الله على علمٍ} هذا ضال ولكنه ليس ضال عن جهل ضال عن ماذا؟ يعني عندما ينكر الإمامة أو ينكر أي معتقدٍ من الاعتقادات لا ينكرها عن جهل ينكرها عن شبهة ينكرها عن قصورها ينكرها عن عدم فهم ينكرها عن غفلة ينكرها عن ضعيفٍ في العقل لا لا أبداً, وإنما ينكرها عن علم {وأضله الله على علمٍ}, هذا المورد الثاني.

    المورد الثالث: التي هي من الآيات الواضحة وهو ما ورد في سورة محمد’ الآية32 قال: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول} جهلاً؟ لا, {وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى} واضحة هذه الآية تقول بأنه هناك من يشاقق الرسول ولكنه لا يعلم أنه من رسول الله وإلا لو علم أنه من رسول الله شاقه أو لم يشاقه؟ لا لم يشاقه أبداً, ولكن لم يصل إليه أو اشتبه ذهب فأخطأ الطريق.

    ولذا في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) عندما أراد أن يصف الخوارج ماذا قال؟ الإخوة يتذكرون النص >ليس كمن طلب الحق فأخطأ< معاوية من هذه الطبقة أو ليس من هذه الطبقة؟ يقول لا لا, معاوية ليس من هذه الطبقة, أصلاً ذاك يعرف أنه معاوية يعلم أن علي على حق ولكنه يريد الباطل أصلاً عالم به ومقدمٌ عليه, ولذا نحن نجزم بأن هذا الإنسان كافرٌ ولكن باطناً يعني يظهر الإسلام ولكن يبطن النفاق والكفر, يبطن الكفر فهو منافق.

    ولذا الإمام× قال: >قاتلكم على تنزيله وأقاتلكم على تأويله< لماذا تأويل يا أمير المؤمنين؟ يقول لأنه يدعي الإسلام أمامي ولا استطيع أن أقاتله على الظاهر, لأن الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله, الشهادتين الإقرار بالشهادتين وهذا يقر بالشهادتين, هذه القضية واضحة في النصوص التفتوا إليها.

    هذه الآية الثانية وهي الآية 32 من سورة محمد’ وكذا الآية 25 من نفس السورة {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى}, {أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} هذا الارتداد كان ارتداد عن جهل عن قصور عن ضعف عن عدم وصول الحجة؟ يقول: لا أن البعض ارتد وقد تبين له الهدى.

    إذن أعزائي هذه الروايات التي تكلمت عن أنه من جحد الفرائض فهو كافر, أولاً: لا اختصاص لها بالضروريات لأن الروايات تقول من جحد الفريضة أعم من أن تكون ضرورية أو غير ضرورية.

    إذن هذه الروايات فيها إطلاق من جهة أنها ضروريات أو غير ضروريات, ولكن لا يوجد فيها إطلاق من جهة أنه عالم بأنها من الدين أو ليست لا لا, هي مقيدة من جهة أنه عالم أنها من الدين وأنكرها, بقرينة ماذا؟ بقرينة قوله أنها من الفرائض.

    ومن هنا هذه الروايات نقول عنها هذه الطائفة الثانية, أولاً: لا تنفعنا في المقام لماذا؟ لأنه نحن نتكلم عن من أنكر ضروري من الضروريات وهذه لا تثبت أن من أنكر الضروري تثبت ما هو أوسع من ذلك وهو من أنكر الفرائض أعم من أن تكون ضرورية أو أن لا تكون ضرورية.

    وثانياً: أنها مقيدة بالجحود لا الإنكار.

    وهنا صاحب الجواهر& يحاول حتى الروايات التي فيها الإنكار لأن هذه الروايات فيها الجحود >من جحد الفرائض< يقول حتى تلك الروايات التي فيها الإنكار التي هي الطائفة الثالثة فهي محمولة على الجحود ليس المراد الإنكار أعم من العلم وعدم العلم كما سنشير إليه.

    إذن هذه الطائفة الثانية, أيضاً فيها ملاحظتان:

    الملاحظة الأولى: أنها أعم من المدعى لأن المدعى هو أن منكر الضروري كافرٌ وهذه أثبتت إنكار الفرائض أعم من أن يكون ضروري أو غير ضروري.

    وثانياً: أنها لم تثبت لنا أن المنكر كافرٌ وإنما أثبتت أن الجاحد كافر, والجاحد يعني من علم ثبوت الحق وأنكره فمآله إلى إنكار الرسالة, إلى إنكار الأصل الأول أو إنكار الأصل الثاني فلا تنفعنا في المقام.

    الطائفة الثالثة:

    هذه الطائفة الثالثة أعزائي لعلها هي بيت القصيد عندهم عندما استدلوا بها لإثبات أن منكر الضروري كافر, وهي التي وردت بلسان >من ارتكب كبيرةً< التفتوا إلى القيد >من ارتكب كبيرةً< واحدة, >وزعم أنها حلال< هذه ثانياً, ما معنى >زعم أنها حلال<؟ يعني قال أنها واجبة هي كبيرة محرمة قال أنها ليست ماذا؟ يعني أنكر حرمتها, ما معنى >وزعم أنها حلال< ما معنى زعم أنها حلال؟ يعني محرمة أو ليست محرمة؟ مرة أن الإنسان يرتكب المحرم ويعتقد أنها محرم ولكنه يرتكبه, ومرة يرتكبه ويعتقد أنه مأثوم أو لا يعتقد بالإثم؟ لا يعتقد وهذا هو إنكار الحكم, إنكار الحكم تارة يكون إنكار عملي يعني يرتكب المحرم ومرة ارتكاب اعتقادي أو اختلاف نفي اعتقادي لا ارتكاب عملي, وهو أنه يجعل الحلال حرام والحرام حلال.

    الروايات عبرت أخرجه عن الإسلام, التفتوا جيداً, >أخرجه عن الإسلام<.

    هذه الروايات إخواني متعددة وبألسنة مختلفة.

    منها هذه الرواية الواردة في وسائل الشيعة التي قراناها فيما سبق يعني الجزء الأول ص33 باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات, هناك في الرواية رقم 10 الرواية: >سألت أبا عبد الله الصادق عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام< ظاهر الروايات يعني الإسلام المصطلح, من الواضح لا يراد المراتب الأعلائية يعني إسلام إبراهيم لا ليس ذلك من الواضح لأنه يرتكب كبيرة إذن لا يمكن أن نقول أنه لعل المراد من الإسلام يعني ذلك الإسلام الأعلائي من الواضح أن المراد أي إسلام؟ هذا الإسلام الذي حقنت به الدماء وعليه جرت المواريث والنكاح, >هل يخرجه ذلك من الإسلام وإن عذب<.

    هذه المسألة الفقهية, التفتوا جيداً أن السائل يسأل أن المسألة الفقهية والمسألة الكلامية معاً, >وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدةٌ وانقطاع< يعني عذابه دائم أو عذابه منقطع؟ >فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلالٌ أخرجه ذلك من الإسلام< هذه الفقهية, >وعذب أشد العذاب< هذه ماذا؟ الكلامية, >وإن كان معترفاً أنه ذنبٌ< لم يستحل لها يقول حرام ولكنه أنا شهوتي هواي لا أستطيع أن أقف أمام هواي >وإن كان معترفاً أنه ذنب ومات عليها أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام<, الآن هذا أي إيمان كل مراتب الإيمان >لا يزني المؤمن وهو مؤمن, لا يكذب المؤمن وهو مؤمن< لأنه إخواني الأعزاء لكل فريضة من الفرائض الواجبات والمحرمات لها درجة من الإيمان لا يمكن أنه تلك الدرجة من الإيمان موجودة والإنسان يرتكب ما هو خلافه, إذا ارتكب خلافها يعني تلك الدرجة موجودة أو غير موجودة, هذا ليس معناه أنه >لا يزني المؤمن وهو مؤمن< يعني ليس مؤمناً بالله لا لا أبداً, يعني هذه المرتبة من الإيمان موجودة تجتمع مع الزنا أو لا تجتمع؟ لا تجتمع, هذا الذي قلنا أن الإيمان له مراتب وأن الإسلام له مراتب, وأن الكفر والشرك له مراتب.

    قال: >يخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول< هذه رواية.

    رواية ثانية: >عن مسعدة ابن صدقة فقيل له الإمام الصادق×, فقيل له أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها أتخرجه من الإيمان وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع, قال: يخرج من الإسلام إذا زعم أنها حلال<, ولذلك يعذب بأشد العذاب, أما >وإن كان معترفاً بأنها كبيرة وأنها عليه حرامٌ وأنه يعذب عليها وأنها غير حلال فإنه معذب عليها وهو أهون عذاباً من الأول ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الإسلام<.

    طيب, هذه الروايات بمجموعها توجد كثير من الروايات في موارد خاصة تؤيدها, من قبيل الروايات التي دلت على وجوب قتل من أفطر في شهر رمضان إذا كان معتقداً أنه لا إثم عليه, هذه الروايات تعرفون في باب شهر رمضان وفي غيرها يقول إذا أفطر قائلاً بالحرم فيعزّر ثاني ثالث الآن إما في الرابع يقتل وإما في الثالث يقتل, أما من أفطر مستحلاً لها يقتل في أول مرة, الروايات أيضاً في هذا المجال, وكذلك فيما يرتبط بشرب الخمر, وكذلك فيما يرتبط بترك الصلاة, هذه كلها وردت فيها وهي موارد خاصة ولكن عندما ننظر إليها نجد أنها واضحة أنها من المحرمات من الكبائر يعني تركها أو فعلها يعد من الكبائر.

    منها: ما ورد في الكافي المجلد الثاني عشر بحسب هذه الطبعة الحديثة ص678, يعني الحديث 12241 بعبارة أخرى هذه الطبعات المتعارفة فروع الكافي المجلد السادس ص398 الرواية هذه >عن أبي عبد الله الصادق× قال: من شرب النبيذ على أنه حلالٌ خُلّد في النار ومن شربه على أنه حرام عُذّب في النار< طيب من الفرق بينهما؟ إشارة إلى هذه النكتة وهو أنه ينكر الحرام ويجعله حلالاً. هذا مورد.

    وكذلك ما ورد إخواني الأعزاء (في المجلد السادس من هذه الطبعة الموجودة وهي الطبعة الحديثة ص478 هذه هي العبارة رقم الحديث 6384 الرواية >عن عبد الله بن سنان عن الصادق× في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به, لا ليست هذه الرواية اشتباهاً نقلنا هذه الرواية). بلي عفواً.

    >سئل أبو جعفر× عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام قال يسأل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم فإن قال لا فإن على الإمام أن يقتله, وإن قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضرباً< تعزير, طيب لماذا ما الفرق أنه قال نعم أو قال لا؟ طبعاً هذه موارد خاصة ولكن عندما نجمع الموارد جميعاً نصل إلى نتيجة واحدة وهي مخالفة من قال بنص العبارات >من ارتكب كبيرةً< طبعاً هذه القاعدة الكلية >وزعم أنها حلال أخرجه من الإسلام< التفتوا جيداً إلى هذه النصوص إخواني, من حيث الكبرى من حيث الصغرى.

    هذه الروايات فيها إطلاق من جهتين:

    الإطلاق الأول: أنه لا فرق أن تكون ضرورية أو غير ضرورية. لأنه في الروايات ورد أنه >من ارتكب كبيرة< وكل الكبائر ضروريات في الدين؟ لا أبداً ليست كذلك, بعضها ضرورية وبعضها ليست بضرورية, إذن هذه الروايات تقول بالخروج من الإسلام مطلقا, سواء أنكر الضروري أو غير الضروري, هذا إطلاق من هذه الجهة.

    إطلاق من جهة أخرى الإطلاق الثاني: سواءٌ علم أنها من الدين أو أنها ليست من الدين, لم تقل علم أنها من الدين أبداً من علم أنها من الدين وأنكرها ومن لم يعلم أنها من الدين وأنكرها >من ارتكب كبيرةً وزعم أنها حلالٌ, إذن أعم من العلم بأنها من الكبائر أم ليست كذلك, لا يعتقد أنها كبيرة وأنها حلال, لا ليس هكذا, يعني ما هي في الواقع كبيرة وهذا الإنسان يرتكبها وإن لم يكن يعلم أنها كبيرة.

    إذن فيها إطلاق من جهتين: إطلاق أنها ضرورية وغير ضرورية, وإطلاق أنها علم أنها من الدين أو ليست كذلك.

    طيب سؤال: هذه ما هي علاقتها بمحل الكلام؟ ترتبط بمحل الكلام أو لا ترتبط؟ أبداً لا علاقة لها لأنه نحن نتكلم في منكر الضروري وهذه مطلقة من حيث الضروري وغير الضروري, وإذا قلنا أنه ينكر الضرورة علم أو لم يعلم.

    ولهذا هذه النصوص واقعاً فيها مجال للبحث وهو أنه هل يمكن الالتزام بإطلاقها من الجهتين أو لا يمكن؟ لا أقل من اللوازم التي تترتب عليها أن الفقيه لو وصل إلى حكمٍ وقال أنه حلالٌ وفي الواقع كان حرام, يكون مشمول لهذه الروايات أو لا يكون؟ يكون مشمولاً لأنه قلنا فيها إطلاق سواء علم أنها من الدين أو لم يعلم أنها, والفقيه لا يعلم أنها من الدين وأنكرها أنها حرام وهي في الواقع كانت ماذا؟

    على سبيل المثال: فقيه آخر كان يعتقد بأنه شرب هذا النوع من المسكر من الكبائر وذاك الشخص اعتقد أنها جائزة الشرب, عند هذا الفقيه هذا ماذا يصير؟ يصير كافر, لأنه ارتكب كبيرة وزعم, واعتقد وأفتى في الرسالة العملية أنها حلال, طيب يلزم أن يكون..

    ومن هنا صار الفقهاء بصدد أنه كيف يخرجون عن إطلاق هذه الروايات وأنه بعد حذف بعد إطلاقاتها تنفع في المقام أو لا تنفع في المقام؟

    كلامٌ يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/06
    • مرات التنزيل : 1100

  • جديد المرئيات