بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
بعد أن انتهينا من بيان هذه المسألة وهي أن إنكار الضروري هل يؤدي إلى الكفر بنفسه أم لا.
قلنا أن المشهور ولعله ادعي الإجماع أن إنكار الضروري من الدين يؤدي إلى الكفر, وهو سببٌ مستقل لإثبات ذلك سواء أدى إلى تكذيب النبي أو لم يؤدي إلى ذلك, وهذا معنى أنه سببٌ مستقل.
ولكنه اتضح لنا من الأبحاث السابقة أن الأمر ليس كذلك وأنه لا يوجد دليلٌ معتبرٌ يثبت هذه الحقيقة وأن الحق هو أن إنكار الضروري ليس سبباً مستقلاً للكفر, بل إذا أدى إلى تكذيب النبي أو إلى إنكار التوحيد فإنه يكون سبباً للكفر, عند ذلك تترتب الأحكام الفقهية الثابتة للكافر من النجاسة من باب الطهارة والنجاسة والنكاح والميراث و … إلى ما شاء الله, خصوصاً إذا كان هذا للمرتد الفطري يعني أنه أنكر ضرورياً وهو مولود بالفطرة على الإسلام آثاره خطيرة جداً.
إلا أن البحث الذي بقي من هذه المسألة وينبغي أن يلتفت إليه ولعله لم يعرض له الأعلام بشكل واضح مع أنهم دخلوا في تفاصيل كثيرة, إلا أنهم لم يبحثوا هذه المسألة إلا في مطاوي البحث وكان ينبغي وحق هذه المسألة أن نقف عندها.
وهو: أنه هل يوجد هناك فرق بين إنكار الضروري في الفروع وإنكار الضروري في الأصول أو أنه لا فرق بينهما؟
الأعلام كما هو واضح لمن راجع كلمات الفقهاء, تقريباً لم يميزوا بين أن يكون من الفروع أو أن يكون من الأصول بحسب الاصطلاح الرسمي حيث أنهم قسموا المعارف الدينية إلى قسمين أساسيين:
القسم الأول: اصطلحوا عليها بأصول الدين.
القسم الثاني: اصطلحوا عليها بفروع الدين.
يعني أن المعارف التي بينها الدين تنقسم إلى قسمين: أصول وفروع, وكم وقع نزاع في المسائل أنها هل هي من الأصول أو أنها من الفروع, من قبيل مسألة الإمامة أنها من الأصول أو أنها من الفروع.
وفي الواقع أن هذا البحث لا أساس له في المعارف الدينية, يعني نحن لا يوجد عندنا شيء في المعارف سمي أصلاً وشيء في المعارف سمّي فرعاً لا يوجد أي دليل لا من القرآن ولا من الرواية قسمت المعارف إلى أصول الدين وإلى فروع الدين.
نعم هو تقسيم استفاده العلماء من المعارف فإنهم عندما جاؤوا إلى هذه المعارف – المعارف الدينية- ونظروا إلى الآثار المترتبة عليها هم اصطلحوا عليها أن هذه أصول وأن هذه فروع.
في هذا اليوم بقدر الإجمال وإلا البحث طويل الذيل جداً أساساً ما هو الضابط لتمييز المعارف الدينية الأصول عن المعارف الدينية الفروع؟ يعني عندما نقول أن المعارف الدينية تنقسم إلى الأصول وإلى الفروع ما هي الضابطة, ما هو الميزان حتى نقول هذا أصل من أصول الدين, هذا فرع من فروع الدين.
ذكرت في كلمات الأعلام ضوابط وتعاريف متعددة:
منها: أن الأمر إذا كان مرتبطاً بفعل الله (سبحانه وتعالى) فهو من الأصول, وإذا كان مرتبطاً بفعل المكلف فهو من الفروع, مثلاً: مسألة الإمامة مرتبطة بفعل الله (سبحانه وتعالى) {إني جاعلك للناس إماما} فهي مرتبطة بفعله, أما الصلاة فهي مرتبطة بفعل المكلف, فإنه داخلة في أفعال المكلفين, هذا ضابط. ولعله هو المتعارف في كلمات كثيرٍ من الأعلام يمكن المراجعة.
هذا الضابط غير تام منقوض بنقوض كثيرة فإنه كما أن الإمامة مجعولة من قبل الله الصلاة أيضاً مجعولة من قبل الله (سبحانه وتعالى).
في هذا البحث أنا لا أريد أن أدخل في ذاك البحث وهو بيان الضابط بين هذين القسمين من المعارف – حتى لا نتهم أن هذا البحث فقه سيدنا لا علم كلام حتى تبحثوا فيه ولذا لا أدخلوا فيه تفصيلاً- ولكنه بالقدر الذي نحتاج إليه في هذه الأبحاث وفي الأبحاث اللاحقة, في اعتقادي أن الأصح أن نقسم المعارف التي وردت في الدين في القرآن والسنة في القرآن والرواية أن نقسمها بهذا التقسيم: معارف بيّنت من قبل الشارع لأجل الإيمان بها والاعتقاد بها, أصلاً لو سألنا لماذا بيّنت هذه القضية, لماذا شرّعت هذه القضية, لماذا كشفت عن هذا الواقع؟ يقول لأجل أنك ماذا؟ لأجل بعد أن عرفت هذه الحقيقة أن تعقد القلب عليها, أن تؤمن بها, لأنكم تعلمون أن المعرفة شيء أن العلم شيء والإيمان شيء آخر فإن العلم أمر اضطراري للنفس بخلاف الإيمان فإنه أمر اختياري للنفس. الإيمان ليس خارجاً عن الاختيار وإلا لو كان خارجاً عن الاختيار لما وقع التكليف به {يا أيها الذين آمنوا آمِنوا} هذا أمر فلو كان الإيمان أمراً غير اختياري هل يتعلق به التكليف أو لا يتعلق؟ لا يتعلق إذا كان أمراً اضطرارياً, العلم.
وهذا الذي قلناه فيما سبق – الأعزاء يتذكرون- قلنا أن القرآن يقول {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} هذا يكشف لكم عن أن اليقين وهو العلم شيء وأن الإيمان الذي يقع في قباله الجحود شيء آخر {وجحدوا بها واستيقنتها} والمطلوب منّا هو الإيمان, ما هو الإيمان؟ الإيمان هو عقد القلب, كأنه يحصل هناك عقد بين شيئين: أولاً: ذلك الأمر تلك المعرفة التي تعرفت عليها, وثانياً: القلب ولذا يقال أن الإيمان من فعل الجوانح لا من فعل الجوارح فعل جوانحي لا فعل جوارحي.
إذن القسم الأول من المعارف, إنما بينت لأجل ماذا؟ لأجل الإيمان بها, {فاعلم أنه لا إله إلا هو} الله بين التوحيد في هذه الآية المباركة. لماذا بين التوحيد حتى أعمل أو حتى أؤمن؟ الجواب: حتى أؤمن آمن بالله وبرسوله كتبه ملائكته … إلى آخره, إيمان.
إذن القسم الأول من المعارف أعزائي هي تلك المعارف التي جاءت في الدين أولاً وبالذات لأجل الإيمان بها لا لأجل ماذا. نعم, قد تكون بعض هذه المعارف تترتب عليها آثار عملية ولكن الأصل فيها هو البعد العقدي العبد الإيماني لا البعد العملي. ولهذا حتى أن الإنسان إذا آمن بمثل هذه المعارف حتى لو لم يلتزم بلوازمها العملية يبقى مؤمناً, من آمن بالله وبرسوله لابد أن يلتزم بما جاء به الرسول’ أليس كذلك, الإيمان بالله وبالرسول لازمه الإيمان بما جاء به الرسول, ومما جاء به الرسول أن لا يشرب الخمر ولكنه يشرب الخمر هذا مؤمن أو ليس بمؤمن؟ لكن مؤمن لكن مؤمن عادل أو مؤمن فاسق؟ مؤمن فاسق.
إذن عدم الالتزام بلوازمها العملية لا يخرجه عن الإيمان, إلا إذا أنكر ورجع إلى تكذيب النبي ذاك له بحث آخر فإنه يخرج عن الإيمان يخرج عن الإسلام, هذا هو القسم الأول.
القسم الثاني أعزائي: تلك المعارف التي جاءت في الدين والغرض منها ليس هو الإيمان ليس هو الالتزام القلبي وإنما الغرض الأولي منها هو العمل الخارجي, الله بين الصلاة بين الصوم بين الحج بين الزكاة بين الأحكام العملية الواجبات المحرمات ما هو الغرض من بيانها أن أعقد القلب عليها؟ لا أن أعمل بها, ومن هنا فلو عملت بها وإن لم يوجد عقد قلبٍ فهي تامة, والعكس ليس بتام, لو عقدت القلب عليها وآمنت أنها ولكن لم أعمل أعاقب أو لا أعاقب؟ أعاقب, هذا يكشف لك أن الميزان فيها هو العمل وليس الميزان هو الاعتقاد.
إذن المعارف الدينية أعزائي تنقسم إلى قسمين: عبروا عنها الأمور العقائدية, الأمور الاعتقادية, والأمور العملية.
الآن إن شئت أن تريد أن تسمي الاعتقاديات أصول سمها, تريد أن تسميها الفقه الأكبر سمها, الضابط هو هذا الذي أشرنا إليه, ولسنا الآن بصدد التسمية أنها أصول وإن كان التسمية أيضاً خاطئة لماذا؟ لأن الأمور العقدية بنفسها تنقسم إلى أصول وإلى فروع, يعني أنت عندما تأتي إلى الأمور العقائدية المطلوب فيها العمل تجدها ليست جميعاً على مستوى واحد, بعضها تعد أصول العقائد وبعضها تعد فروع العقائد, يعني عندما تأتي إلى مباحث النبوة, إلى مباحث التوحيد, إلى مباحث الإمامة, تجد أن المعارف الموجودة تحت عنوان الإمامة ليست جميعاً على مستوىً واحد, بل بعضها أساسية وأصلية وبعضها ثانوية وفرعية, بأي دليلٍ؟ بدليلٍ أننا نجد أننا إذا أنكرنا الأساسيات خرجنا, أما إذا أنكرنا الثانويات والفرعيات نخرج أو لا نخرج؟ لا نخرج, هذا يكشف عن أن جميعاً ليست على مستوىً واحد.
إذن التعبير الصحيح أن نقسم الأمور الدينية إلى عقائدية وإلى عملية ونقسم كل واحدٍ منهما إلى أصلية وإلى فرعية, في الأمور العملية أيضاً كذلك, بني الإسلام على خمس على الصلاة على الصوم على الحج, على الزكاة, نعم فقط هذه هي أصول الأمور العملية, وهناك تشريعات كثيرة ولكن تعد من الأصول أم تعد من الفروع في الأمور العملية؟ ولذا الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت, عجيب إذا نسبتها إلى الباقي تكون ماذا الصلاة, أي أصل؟
إذن التعبير الصحيح ليس أصول وفروع, التعبير الصحيح عقائدية وعملية, وكل واحدٍ من العقائدية والعملية تقسم إلى أصولٍ وإلى فروع, هذا هو الضابط.
هذا المعنى الإخوة إذا أرادوا أن يراجعونه موجود لا أقل في موردين أنا أشير إلى المصدر بشكل تفصيلي يراجعوه هذا إجماله أنا ذكرت.
المورد الأول: ما ورد في شرح المقاصد للتفتزاني المتوفى في سنة 793 من الهجرة, هناك في الجزء الأول ص163 من الكتاب يقول الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية إلى أن يأتي ويقول فنقول: الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية, ومنها ما يتعلق بالاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية, إلى أن يأتي ويبين بأنه وسموا العلم باسم الفقه وخصوا الاعتقاديات باسم الفقه الأكبر, وسموا العمليات باسم الفقه الأصغر ونحو ذلك, بحث مفصل تقريباً ست سبع صفحات الأعزاء إنشاء الله يراجعون البحث هناك.
وكذلك ممن عرض لهذا المطلب بشكل واضح وجيد ومفيد أيضاً الكاشاني في المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء هناك في الجزء الأول ص43 قال: بيان العلم الذي هو فرض عينٍ … إلى أن يأتي في ص44 يقول: والذي ينبغي أن يقطع به المحصل ولا يستريب فيه هو أن العلم كما قدمناه في خطبة الكتاب ينقسم إلى علمين: علم معاملة وعلم مكاشفة, ثم يقول: واما علم المعاملة فهو اعتقادٌ وفعل … إلى أن يقول: وعلى هذا الأساس كل الاعتقاديات كذا وكل العمليات كذا, توجد نكتة أنا قرأت هذا المطلب لأنه لا يوجد جديد على ما ذكره التفتزاني, توجد نكتة هنا هذه النكتة بودي الأعزاء يلتفتوا إليها, البعض يتصور نحن عندما قلنا بأنه في العقائديات يجوز التقليد هذا شذوذ في الرأي الفقهي الإمامي لأنه كل الرسائل العملية مكتوب فيها أنه لا يجوز التقليد في العقائد أو في الأمور العقائدية أو في أصول الدين, التفتوا إلى عبارة الكاشاني في المقام, قال: وليس يجب عليه – أي على المكلف- أن يحصّل كشف ذلك – يعني الاعتقاديات- كشف ذلك بالنظر والبحث وتحرير الأدلة, بل يكفيه أن يصدق به ويعتقده جزماً من غير اختلاج ريب واضطراب نفسٍ وذلك قد يحصل بمجرد التقليد والسماع.
إذن الغرض ما هو؟ الغرض هو حصول اليقين الآن أن يحصل اليقين بالاستدلال أو يحصل اليقين بالتقليد فلا فرق في ذلك.
ولذا نحن قلنا في الاجتهاد والتقليد هذه المسألة ذكرناها هناك قلنا في الاجتهاد والتقليد في الأمور العقائدية يجوز التقليد, نعم, في أصول العقائد لا يجوز التقليد – كلٌ بحسبه- أما وهي ما تتجاوز خمسة أو عشرة مسائل, أما تسعة وتسعين بالمائة من المسائل العقائدية يجوز فيها التقليد لكن بشرط حصول العلم, فإذا حصل له العلم من رأي عالمٍ يمكن أن يعتقد بذلك.
كما أنه لو جنابك بينك وبين الله ذهبت إلى الإمام الصادق – هذا من أوضح مصاديقه- ذهبت إلى الإمام الصادق قلت: يا ابن رسول الله في المسألة العقائدية ماذا يجب عليّ أن أعتقد بلا دليل ماذا يجب؟ قال اعتقد كذا وهو الحق وأنت اعتقداً مقلداً لمن؟ مقلداً الإمام× تعرف الدليل أو لا تعرف الدليل؟ لو سألك أحد الدليل ما هو دليلك؟ تقول قول الصادق انتهت القضية. هذا يجوز أيضاً.
ومن هنا نحن في أبحاث العقائد دعونا إلى رسالة عقائدية كما دعونا إلى رسالة عملية, كيف أن العلماء يكتبون رسالة عملية, لابد أن يكتبوا رسائل عقائدية يبينون الفتاوى العقائدية, يقولون في مسألة العلم كذا, في مسألة العصمة كذا, حقيقة العصمة كذا, حقيقة العلم كذا, درجات العصمة كذا … إلى آخره, والمكلف إذا أراد أن يعتقد لمن يثق؟ يرجع إليه ويقلده في ذلك.
قال: وذلك قد يحصل, حتى نخلص من هذه الفوضى الموجودة الآن على الفضائيات وغير الفضائيات والمنابر وغير المنابر أن عقائد الناس فيها اختلاف شديد, شخص يصعد على المنبر يقول: الأئمة يعلمون ما كان ما يكون ما هو كائن إلى يوم القيامة ويقرأ خمس روايات, وشخص آخر أيضاً يأتي إلى أصول الكافي ويقرأ: >أنّ جاريتي ذهبت ولا أعلم في أي الدور هي< هذه يقرأها من الكافي وتلك أيضاً يقرأها من الكافي, والمسكين من هو الحائر؟ هؤلاء المكلف المسكين لا يعلم في النتيجة هذه الرواية أو تلك الرواية, وكم له نظير وأنا أتصور أنتم لو تراجعون تجدون أنه المشكلة التي تعيشها الأمة الآن ليس في المسائل العملية, وإنما في المسائل العقائدية.
وذلك قد يحصل بمجرد التقليد والسماع من غير بحثٍ وبرهان, التفت جيداً إلى الدليل الذي أقامه لهذه الحقيقة, قد يقول قائل: ما الدليل على ذلك؟ يقول: إذ اكتفى رسول الله من العرب بالتصديق والإقرار من غير تعلم دليل فإذا فعل ذلك فقد أدى الواجب الذي عليه. يقول الآن آمن – وبعضهم هكذا- في الصباح آمن إلى الظهر استشهد في سبيل الله, هذا أين حصل الأدلة على إثبات الله وعلى إثبات الرسالة وعلى صحة القرآن, حصلها أو لم يحصلها هذه؟ من أهل الجنة أو ليس من أهل الجنة؟ من المسلّم أنه لا ريب أنه إيمانه صحيح مع أنه إيمان استدلالي أو إيمان تقليدي؟ إيمان تقليدي. قال: وكان العلم الذي هو فرضٌ عليه في الوقت تعلم ذلك على الإجمال وليس يلزمه أمرٌ وراء هذا بدليل أنه لو مات عقيب ذلك كان مطيعاً لله تعالى غير عاصٍ وإنما يجب ذلك لعارضٍ إذا وردت شبهة حصل له شك عند ذلك لابد أن يذهب إلى الدليل. جيد.
ولذا تجدون السيد الحكيم&, من قلت بأنه هذا الكتاب كتاب تحقيقي وواقعاً كتاب بودي أن الأعزاء أذا أرادوا أن يجعلوا كتاب للمباحثة يجعلون هذا الكتاب, يقول: هذا كله بعد أن بين مسألة الفرق أن إنكار الضروري هل يؤدي إلى الخروج أو لا يؤدي إلى الخروج؟ قال: هذا كله في الأحكام العملية التي يجب فيها العمل ولا يجب فيها الاعتقاد, ص380 من الجزء الأول من المستمسك, وأما الأمور الاعتقادية التي يجب فيها الاعتقاد لا غير, إذن يقسم المعارف الدينية إلى أمور اعتقادية يجب فيها الاعتقادية وإلى أمور عملية يجب فيها العمل, طبعاً لا ينافي أن الأمور الاعتقادية قد تترتب عليها لوازم عملية, ولكن هذا بالقصد الثاني بالعرض ليست مقصودة بالذات, ولا ينافي أن الأمور العملية قد يراد منها الالتزام القلبي كما قرأتم في علم الأصول, أنه لابد من الالتزام القلبي وقلنا أن الالتزام القلبي غير الإيمان في محله في مباحث القطع أشرنا إلى هذه القضية, قد يوجد التزام قلبي ولكنه الالتزام القلبي ليست هي المقصودة بالذات وإنما المقصود بها ماذا؟ بالعمل.
إذن الآن أتصور أن الضابط وضح عند الأعزاء. الآن ندخل إلى بحثنا. ما هي الثمرة المترتبة؟ وهو أنه هل يوجد فرق في إنكار الضروري في الأمور العملية وفي الأمور الاعتقادية أو لا فرق بينهما؟
هنا كما تعلمون يوجد مبنيان واتجاهان كما اشرنا إليهما:
الاتجاه الأول: يعتقد أن إنكار الضروري سببٌ مستقل للكفر.
الاتجاه الثاني: وهو الذي بيّناه واخترناه قلنا أنه ليس هو سبب مستقل للكفر, نعم إذا أدى إلى تكذيب النبي عند ذلك يكون مؤدياً إلى الكفر.
الآن تعالوا نطبق ذلك على الأمور العملية أولاً, وعلى الأمور الاعتقادية ثانياً.
أما الأمور العملية, إخواني الأعزاء في الأمور العملية بناءً على الاتجاه الأول واضح, من أنكر ضروري من ضروريات الأمور العملية كافرٌ بناءً على الاتجاه الأول سواء أدى إلى تكذيب النبي أو لم يؤدي إلى تكذيب النبي.
على الاتجاه الثاني, لا, من أنكر الضروري وأدى إلى تكذيب النبي, أما إذا لم يؤدي إلى تكذيب النبي, فهو كافر أو ليس بكافر؟ ليس بكافر, أنكر حرمة شرب الخمر على سبيل المثال, يشرب الخمر تقول له لماذا تشرب الخمر؟ حرام أم حلال؟ يقول: لا, حلال, تقل له القرآن يقول لا هذه الآيات كلها لم تثبت لي أنها إما اجتهاداً إما… إما تقليداً الآن افترضوا قلد شخص الآن ليس خمر لأن الخمر من الواضحات, بعض أقسام الفقاع مثلاً, الآن يوجد خلاف في بعض أقسام الفقاع أنه يجوز شربه أو لا يجوز شربه, انتهت القضية, تقول تشربه وأنت معتقد بحليته؟ يقول: نعم أنا معتقد بحليته, وفي الواقع افترضوا أنه كان حرام, هذا يخرج عن الدين أو لا يخرج عن الدين؟
الجواب: لا بيني وبين الله لعله أصلاً من الزهاد أصلاً من العباد, ولكنه ما يريد أن يعمل بالاحتياط الحسن في هذا المورد, هذا يخرجه عن الدين أو لا يخرجه عن الدين؟ لا يخرجه عن الدين.
إذن الاتجاه واضح الاتجاهان واضح في الأمور العملية. في الأمور العملية إذا قلنا بالاتجاه الأول من أنكر ضرورياً فهو خارج عن الدين انتهى, أما في الاتجاه الثاني إذا أنكر وأدى إلى تكذيب النبي فهو خارج عن الدين, وهذا ما تقدم تفصيله فيما سبق.
أما البحث في الأمور الاعتقادية – وهو محل الكلام- بودي أن الأعزة يلتفتون إلى هذه القضية.
أما البحث في الأمور الاعتقادية:
إذا ثبت أعزائي أن شيئاً ضروري من الضروريات, التفتوا جيداً, سواء كان ضروري, لأن هذه المسألة ليست عملية جداً عملية, عملية جداً محل الابتلاء جداً, وسيتضح للأعزة كيف ذلك.
إذا ثبت أن منكر الضروري – عن الاتجاه الأول- أن منكر الضروري كافر سبب مستقل كما هو في الاتجاه الأول, في الأمور العقائدية من أنكر ضرورياً فهو خارج عن الإسلام.
وفي المذهب كذلك, لو فرضنا أن شيء من ضروريات المذهب, وقلنا – الآن أريد أن أوسع القضية- إنكار الضروري يخرج عن المذهب, وهذا الإنسان أنكر ضرورياً فهو خارج عن المذهب.
أضرب لك مثال: لو أن بعضاً اعتقد أن الرجعة من ضروريات المذهب وأنه ضروري, يعني الرجعة ضرورية لا أنها مسألة نظرية, إذن إنكارها يؤدي إلى ماذا؟ الخروج من المذهب, يعني العالم الذي يقول لم تثبت لي الرجعة بالمعنى الذي تقول الآخر ماذا يقول له؟ يقول له أنت بالمذهب أو خرجت عن المذهب؟ لست بشيعي أنت؟ وكم له نظير, وابتلينا به, التفتوا جيداً, القضية خطيرة جداً لابد أن تنقحوها الآن إما تنقحوها على المبنى الذي اعتقده, إما تنقحوها اجتهاداً فتقول رأي هذا, وإما لا أقل تقبلها تقليداً, لأنه أنا أعتقد أن هذه المسائل ما هي؟ تقليدية, في النتيجة تقلد تقول والله أنا أقلد شخص يقول بأن هذا لا يخرجه عن المذهب, انتهت القضية. وإلا تبقى حائر ما تدري أنه تؤيد هنا أو تؤيد هنا أو تقول خارج أو أنه داخل هذه القضية خطيرة جداً أعزائي.
هذا على الاتجاه الأول.
أما الاتجاه الثاني, ما هو الاتجاه الثاني؟ وهو أننا قلنا أن الذي يخرج عن الدين هو ليس إنكار الضروري وإنما إنكار الضروري إذا أدى إلى تكذيب النبي’ ليس مطلق إنكار الضروري سبب للكفر, بل إنكار الضروري الذي يؤدي إلى تكذيب النبي سبب للكفر, أليس كذلك.
سؤال: على الاتجاه الثاني, أيضاً كل من أنكر الضروري يخرج عن الدين أو ليس كذلك؟ الجواب: كلا, لابد من توفر شرطين التفتوا جيداً:
الشرط الأول: – في الأمور العقائدية- الشرط الأول: أن يكون ذلك ضروري من ضروريات الدين.
الشرط الثاني: أن يكون مما يجب به الاعتقاد مما يجب الاعتقاد به, يعني ماذا؟ إخواني الأعزاء, قد تكون بعض المعارف ضرورية في الدين ولكن لا يجب الاعتقاد بها, تقول ماذا يصير؟ أقول: نعم يصير لماذا ما يصير, وهو أننا تعالوا وعرفوا لنا ما هو الإسلام؟ يتذكر الأعزة ماذا عرفنا الإسلام؟ قلنا: الإيمان بالله تفصيلاً أو إجمالاً؟ الإيمان بتوحيده إجمالاً, والإيمان بالرسالة ماذا؟ وبما جاء به الرسول ماذا؟ إجمالاً, إذا آمن شخص بهذين يكون مسلم أو لا يكون مسلم, إذن هل يشترط في الإسلام أن يكون إيمانه بالأصل الأول وإيمانه بالأصل الثاني إيمانٌ بالتفصيل أو إيمان بالإجمال؟ فما يجب به الاعتقاد هذا القدر الإجمالي لا أكثر من ذلك.
فإذا كان الشيء الذي أنكره كان ضرورياً من الضرورات التفصيلية فإنكاره يخرجه من الدين أو لا يخرجه من الدين؟ لا يخرجه, لماذا؟ لأن الإسلام يتحقق بالإجمال وهذا التفصيل ليس من المقومات للإسلام حتى إذا أنكره يخرج عن الإسلام.
هذه قضية الآن في زماننا المعاصر, كثير من العلمانيين كثير من القضايا التي أنا عندي وعندك هي ماذا هي؟ من ضروريات الدين من قبيل الحجاب من قبيل كذا أليس هكذا, ماذا يفعل هؤلاء العلمانيين الآن يثبتونها أو ينكرونها؟ ينكرونها لأي سبب من الأسباب لشبهة لغير شبهة لاستدلال لاجتهاد لتقليد ليس بمهم, طيب هؤلاء يخرجون عن الإسلام أو لا يخرجون عن الإسلام؟
هذا الذي قلت لكم أنه مسألة خطيرة ومسألة مهمة ومسألة ابتلائية في زماننا هذا, خصوصاً وأكثر هؤلاء من المسلمين, مسلم فطري, يعني إذا ثبت ارتداده إذا ثبت كفره, كفره يكون ماذا؟ يكون فطري, وهذا لازمه وحدث, ما أريد أن أجيب الأسماء باعتبار أنه يسجل في مصر حدث بعض الأشخاص بمجرد أنه أنكر بعض الضروريات التي يعتقدها بعض علماء المسلمين حكموا بكفره وخروجه من الدين وبذلك بانت زوجته وقسم إرثه إلى ما شاء الله. الآن في العراق كم لنا من هؤلاء؟ في العالم كم يوجد من هؤلاء؟ إذن لابد أن تحقق أنت هذه المسألة هنا وبكرة عندما تلزم القلم لا يشط بك القلم يميناً ويساراً, أنه لو ثبت التفت أعيد المسألة, عنوان المسألة.
لو ثبت أن معرفةً من المعارف كان من ضروريات الدين, هذا أولاً.
وثانياً: وكانت تلك المعرفة من المعارف التفصيلية التي لا يتوقف تحقق الإسلام بها وليست من المعارف الإجمالية. وبنينا أن إنكار الضروري ليس بنفسه سبب مستقل للكفر, فهل إنكار مثل هذا الضروري يخرج عن الدين أو لا يخرج عن الدين؟ هذه الثمرة العملية على هذا المبنى.
لأنه على المبنى الأول إنكار الضروري يؤدي إلى الكفر مباشرة, أعم من أن يكون مما يجب الاعتقاد به أو لا يجب الاعتقاد, لأنه النصوص قالت من أنكر ضروري فهو كافر وهذا الإنسان أنكر ضرورياً فهو كافر. سبب مستقل كما أنكر التوحيد أنكر الرسالة أنكر الضروري فهو كافر, سواء كان مما يجب الاعتقاد به أو لا يجب الاعتقاد به.
أما على الاتجاه الثاني: إنما يخرج عن الدين فيما لو أنكر الضروري إذا كان ذلك الضروري مما يتقوم به الإسلام, أما إذا كان من المعارف التفصيلية التي لا يتقوم بها الإسلام يخرج حتى لو أنكر ضرورياً أو لا يخرج؟ يخرج أو لا يخرج؟
مصباح الفقاهة الهمداني في ج7 ص269, وكيف كان فالمعتبر في الإسلام إنما هو الشهادة بالتوحيد التفت, أي توحيد وحدة عددية أو وحدة غير عددية؟ وحدة وجود أو وحدة غير وجود؟ أي منهما؟ أي توحيد الذي أنت لابد أن تؤمن به؟ هذه مرتبطة بالإجمال أو مرتبطة بالتفصيل؟ هذه مرتبطة بالتفصيل, إذن على هذا الأساس إذا اختلفنا أنت قلت نوع وحدة وأنا قلت نوع وحدة لا أنا من حقي أكفرك ولا أنت من حقك ماذا؟ لماذا؟ لأن الذي هو داخل في قوام الإسلام هو ماذا؟ هو التوحيد أما أي نوع من أنواع التوحيد, طيب هذا غير داخل في قوام الإسلام, ما أدري واضح أم لا.
قال: إنما هو الشهادة بالتوحيد والرسالة وتصديق الرسول في جميع أحكامه على سبيل الإجمال, كل ما ثبت من هذا الرسول فهو حقٌ, إذن تقول له لماذا تنكر الحجاب؟ يقول: لأنه ما ثبت عندي أنه ممن؟ من الرسول, هذا يخرج أو لا, تقول له طيب الحجاب ضروري, يقول: بلي عندك ضروري وأنا غير ثابت عندي.
أوضح أضرب لك مثال: الربا تقل له الإسلام حرم الربا, يقول بلي في مجتمع لا يوجد فيه تضخم أما الآن المجتمعات الاقتصادية رسول الله أيضاً لو كان في زماننا لأجاز الربا. تقول له ماذا مجنون؟ يقول لا ليس بمجنون أنت دليل لا يوجد عندك ما هو دليلك, أنت أأتي بدليل, هذا كافر أو ليس بكافر؟
الجواب: إن بنينا على أن منكر الضروري كافر سبب مستقل هذا ماذا يصير؟ كافر مباشرةً, أما إن بنينا على الاتجاه الثاني, قلنا ما يكفي أن يكون ضروري بل يجب الاعتقاد به, به يتحقق الإسلام ومن الواضح أن هذا داخل في التفاصيل أو داخل في الإجمال؟ هذا داخل في التفاصيل إذن إنكاره يؤدي إلى الكفر أو لا يؤدي.
ولذا& على الفقيه الهمداني, ولذلك يقول: لكن ليعلم أن إنكار الضروري أو غير الضروري, المهم عندنا إنكار الضروري, من الأحكام المعلومة الصدور عن النبي, أنا وأنت نقول لا إشكال في صدورها عن النبي, ليس ضروريّ التنافي للتصديق الإجمالي, الإنكار ينافي التصديق أو لا ينافي؟ لا يقول ليس بالضرورة إذا أنكر ضروري ينافي التصديق الإجمالي, نعم إذا كان ذلك الضروري ينافي التصديق الإجمالي يخرجه عن ماذا؟ يخرجه عن الدين, أما إذا لا ينافي وهو التفصيل يخرجه أو لا يخرجه؟ لا يخرجه من الدين. ما أدري واضحة هذه القضية أو لا.
وعلى هذا الأساس أعزائي طبعاً توجد تطبيقات أخرى في المذهب التي إنشاء الله غداً أشير إليها, في المذهب أيضاً مهمة, الآن نحن تكلمنا على مستوى الإسلام على مستوى الدين, إذن ليس كل من أنكر نتكلم في الأمور أنا أمثلة ضربت أمور عملية ولكنه بحثنا أين؟ في الأمور العقائدية, أنا ما ضربت أمثلة في الأمور العقائدية بسبب أنه أحتاج أن أبين أنه ما هو ذاك الأمر العقائدي. في الأمور العقائدية متى يكون منكر الضروري فيها خارجاً عن الدين؟ على الاتجاه الثاني لا على الاتجاه الأول متى؟ إذا كان ذلك الأمر الضروري مما يجب على المسلم الاعتقاد به, أما إذا لم يكن يجب عليه الاعتقاد به, وأنكره وكان ضرورياً يخرج عن الدين أو لا يخرج؟ لا يخرج. هذا قراناه عن الفقيه الهمداني.
هذا أيضاً السيد الحكيم& الذي هذا الأعلام كما قلت لا السيد الخوئي ولا السيد الشهيد وغيرهما تعرضوا لهذا, السيد الحكيم& يقول: فالحكم بكفر منكر الأمور الاعتقادية ضروريةً كانت أو نظرية يتوقف على قيام دليلٍ على وجوب الاعتقاد بها تفصيلاً لا مطلقاً, فإذا قام دليل على وجوب الاعتقاد بها تفصيلاً وكانت ضرورية عند ذلك إنكارها يؤدي إلى تكذب النبي, وحيث انه لا يجب الاعتقاد التفصيلي بل يكفي الاعتقاد الإجمالي إذن الحكم بالكفر يمكن أن يحكم بالكفر أو لا يمكن؟ لا يمكن, على نحوٍ يكون ومجرد كونه ضرورياً ذلك الأمر الاعتقادي لا يوجب كفر منكره, مجرد كون الأمر الاعتقادي ضرورياً مجرد الإنكار وإن كان ضرورياً يوجب الكفر أو لا يوجب الكفر؟ لا يوجب الكفر, إلا إذا كان يجب الاعتقاد به وحيث أنه لا يجب الاعتقاد كما هو المفروض لأنه أمر تفصيلي, إذن منكر الضروري – بهذا اتضح الفرق بين منكر الضروري في الأمور العملية, ومنكر الضروري في الأمور الاعتقادية- في الأمور الاعتقادية لا يكفي أن يكون ضرورياً ويؤدي إلى التكذيب أن يكون ضرورياً ويؤدي إلى التكذيب وأن يكون مما يجب الاعتقاد به, أما إذا لم يجب الاعتقاد به هذا الشرط الثالث موجود في الأمور العملية أو لا يوجد؟ لا يوجد.
وبهذا يتضح الفرق بين الأمور العملية و بين الأمور الاعتقادية.
تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين.