نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (139)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    لكي يتضح الجواب عن هذا الوجه الأول الذي استدل به لإثبات اختصاص الغنيمة بغنائم دار الحرب وهو الاستناد إلى السياق وقد أشرنا إجمالاً إلى ما هو المراد من السياق اصطلاحاً.

    قلنا لكي يتضح الجواب لابد من الإشارة إلى مقدمةٍ بيناها بالأمس, وهي: أنه وقع الكلام في جهاتٍ ثلاث:

    الجهة الأولى: وهو هل أن الترتيب القائم بين حروف وكلمات وجمل آيةٍ واحدة هل هو ترتيب توقيفي وترتيب وحياني أو أنه ليس كذلك؟

    قلنا بنحو الإجمال العام نقول: أن كلمة علماء المسلمين أنهم قالوا أن مثل هذا الترتيب وحياني وتوقيفي صادر من النبي الأكرم’ وعلى هذا الأساس فهو حجة يعني يمكن الاستناد إليه, لفهم وللكشف عن المعارف والأحكام الشرعية, تعلمون بأن الآية الواحدة خصوصاً إذا كانت الآية طويلة وفيها عدة جمل وعدة مقاطع وعدة مضامين كآية الكرسي مثلاً, تعلمون أنه إذا تقدمت كلمة أو تأخرت كلمة يؤثر كثيراً على سياق الآية الواحدة.

    طبعاً عندما أقول بنحو الإجمال العام باعتبار أنه ايضا في هذا كلامٌ ولكنه الآن لا أريد أن أدخل في التفاصيل وإلا أولئك الذين آمنوا بأن هناك تلاعباً في القرآن الكريم أشاروا إلى موارد متعددة قالوا بأنه نجد بأن صدر الآية لا ينسجم مع ذيل الآية, فإن الشرط شيء يعني جملة الشرط شيء وجملة الجزاء شيء آخر, هذه القضية أشير إليها في كلمات القائلين بنقص القرآن, من الوجوه التي استندوا إليها لإثبات أنه وقع في القرآن نقص قالوا أنه في جملة من الآيات لا نجد هناك تناسقاً انتظاماً انسجاماً بين صدر الآية وذيل الآية.

    وهذا الذي أشار إليه الأعلام في كلماتهم, الشيخ اللنكراني+ في كتابه >مدخل التفسير أبحاث حول إعجاز القرآن< هناك في ص292 يقول: ومن أدلة القائلين بالتحريف ما يسمى في كلماتهم بدليل الاعتبار وهو أننا نلاحظ أن بعض الآيات لا يوجد ارتباط بين أجزائها صدرها وذيلها أو شرطها وجزائها فهذا يدل على وقوع التحريف – المقصود من التحريف هنا يعني النقيصة- على أي الأحوال, ولكنه كلام مرفوض جزماً في الاتجاه الرسمي عند علماء مدرسة أهل البيت وكذلك باقي علماء المسلمين أنهم يعتقدون أن هذا الترتيب الموجود بين الآيات بين الحروف والكلمات والجمل في الآية الواحدة هذا ترتيب وحياني ونبوي وتوقيفي ولا مجال للحديث فيه وهو الحق في المسألة.

    الجهة الثانية: الترتيب القائم كما في المصاحف الموجودة بأيدينا الترتيب القائم بين السور القرآنية, هذا البحث ايضا وإن كان هناك جملة من الأعلام ادعوا حتى ترتيب السور ايضا هو ترتيب توقيفي يعني أن الرسول الأعظم’ فيما جمعه من القرآن يعني الجمع الذي تحقق في زمانه’ فإنه رتب السور القرآنية هذا الترتيب, فإذن حتى الترتيب بين السور ترتيب توقيفي, هذه المسألة أعزائي ليس لها أهمية كبيرة, نعم الآن مرتبطة بقداسة هذا الكتب, مرتبطة بعظمة هذا الكتاب وإلا لا تترتب عليها آثار معرفية أو فقهية, الآن هذه السورة كانت متقدمة متأخرة لا تؤثر في المقام شيئاً.

    إنما الكلام كل الكلام قلنا وهي الجهة الثالثة الجهة الخطيرة في البحث والتي تترتب عليها آثار مهمة في فهم المعارف الدينية عموماً وفي فهم واستنباط الأحكام الشرعية. وهو: أنه لا إشكال أن القرآن الكريم له سور هذا مما لا ريب فيه لأنه نص القرآن الكريم أنه بين أن القرآن له سور مفصلٌ على نحو السور, ولا إشكال أيضا أن كل سورة من هذه السور ايضا مركبة من عدة من الآيات الآن كانت الآيات ثلاث أو خمسة أو عشرة أو مائة طوال مئين إلى آخره لا فرق, هذا ايضا لا إشكال فيه.

    ضيفوا على هذا الأصل الثاني أصلاً ثالث ايضا باعتبار أنه هو الاتجاه العام والرسمي بين علماء المسلمين على بعض, سواء آمنا ببعض الاختلافات أو لا, ولكن الاتجاه العام ولا إشكال أن هذا القرآن الذي بأيدينا أولاً: لم تدخله الزيادة لاستحالة الزيادة لماذا؟ باعتبار أنه إذا استطاع أحد أن ينظم عدة آيات من القرآن ويضعها مع القرآن هذا معناه أن القرآن يمكن الإتيان بمثله أو لا يمكن؟ يمكن, وهذا خلاف نص كون هذا الكلام كلامٌ معجز.

    إذن مسألة الزيادة لم يتفوه بها أحد كما أعلم, وعندما أقول زيادة لا يذهب إلى ذهنكم أنه زيادة حرف أو زيادة كلمة أو زيادة ضمير لا لا, أساساً هذا القدر من الزيادة والنقصان مما أجمعت عليه كلمة علماء المسلمين وهي مسألة القراءات يعني أنت عندما خصوصاً أولئك الذين يعتقدون بأن القراءات متواترة الآن جملة من الأعلام لا يوافقون على تواترها ولكن من يعتقد بتواتر القراءات إذن يقبل هذا القدر من الزيادة والنقيصة, وهو أنه قد تختلف في الضمير, قد تختلف بالحركات, قد تختلف في بعض الكلمات, هذا القدر ليس محل الكلام في مسألة الزيادة والنقيصة -هذا القدر يكون في علم الأعزة- يعني في تحرير محل النزاع لابد أن يلتفت ليس الكلام في هذا, حتى هذا القدر باعتبار أنه تقريباً متوفق عليه الآن إما بالتواتر وإما بخبر الواحد, وإلا مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين أي منهما؟ بالنتيجة الآن اذهبوا إلى كثير من الفقهاء يقولون يجوز القراءة بمالك يوم الدين وايضا يجوز القراءة بـملك يوم الدين, طيب من الواضح بأنه خصوصاً إذا بنينا على القاعدة اللغوية المعروفة زيادة >المباني تدل على زيادة المعاني< طيب مالك تزيد حروفها على ملك طيب أي منهما؟ حتى يطهرنّ أو حتى يطهرّنّ بالتشديد أي منهما؟ وهكذا عشرات بل مئات لعله الآلاف من القراءات التي من هذا القبيل.

    ليس محل الكلام في هذه الجهة, محل الكلام في القرآن الكريم الزيادة التي هي زيادة سورة زيادة آيات, يكون في علمكم أيضاً ليس الكلام في زيادة -انظروا هذه كم قيد لابد أن نأخذها- ليس الكلام في زيادة آيات مكررة, هذه ممكنة, يعني يأتي شخص ويضع في القرآن آية من مكان آخر هي واردة في القرآن بحسب التنزيل الإلهي خمس مرات وهو يجد لها مكاناً يجعلها في القرآن سبع مرات, هذا ايضا نفيه مشكل جداً, إلا أن يدعى أن هذا القرآن الذي بأيدينا -كما ادعاه البعض- أن هذا القرآن الذي بأيدينا هو متواترٌ على يد رسول الله يعني هذا الجمع الذي بأيدينا هو الذي جمعه ووصل إلينا بالتواتر, طيب إذا استطاع أحد أن يثبت هذا المعنى واقعاً طوبى له وحسن مآب.

    إذن أعزائي هذا القرآن الذي موجود بأيدينا الاتجاه الرسمي العام بين علماء المسلمين سواء من أتباع مدرسة أهل البيت أو من أهل السنة يقولون أنه لم تحصل فيه نقيصة أما تلك الزيادات بذاك النحو قلنا بأنه ليس محل النزاع وإنما محل النزاع وقوع نقيصة في هذه الآيات القرآنية.

    الاتجاه العام يقول بأنه لا لا توجد نقيصة في القرآن الكريم والسيد الخوئي& جداً شديد في هذا الكلام في بيانه في كتاب البيان ص259 هذه عبارته, الآن إن شاء الله هو ما بلي ما أدري يلتزم بلوازم الكلام أو لا, ومما ذكرنا قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن هو أيضاً بين محل النزاع المراد من التحريف يعني ماذا؟ يعني النقيصة بالذي هو محل الكلام, حديث خرافةٍ وخيالٍ لا يقول به إلا من ضعف عقله, الآن هذا قلت لكم لوازم الكلام باعتبار يسجل وإلا لذكرت بأنه ما هي لوازم هذا الكلام. على أي الأحوال, إلا من ضعف عقله. هذا كلام.

    وكذلك ما ذكره السيد الطباطبائي, السيد الطباطبائي هو أكثر احتياطاً في نفي هذه المسألة, التفتوا ماذا يقول في تفسيره المجلد الثاني عشر في ص107, يقول: وخلاصة الحجة في بيان عدم نقيصة القرآن, وخلاصة الحجة أن القرآن أنزله الله على نبيه ووصفه في آياتٍ كثيرة بأوصاف خاصة قال عنه أنه نور, قال أنه {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا} قال أنه {ذكر} إلى آخر الأوصاف التي ذكرها القرآن لنفسه, لو كان تغيّر في شيء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظٍ أو ترتيبٍ مؤثرٍ هذه القيود كلها قيود احترازية يعني قد يكون هناك اختلاف في الترتيب ولكن غير مؤثر, فقد آثار تلك الصفة قطعاً لكنا نجد القرآن الذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على أتم ما يمكن وأحسن ما يكون, فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته, ما أريد أن أشرح الجملة لأنه خشيتي من التسجيل, فلم يقع فيه تحريف -مراده من التحريف هنا يعني النقيصة- يسلبه شيئاً من صفاته فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبي بعينه فلو فرض سقوط شيء منه أو تغير في اعراب أو حرف أو ترتيب -مراده من الترتيب الآن إما ترتيب الكلمات وإما الآيات- أو ترتيب وجب أن يكون في أمر الله لا يؤثر على شيء من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف والهداية والنورية والذكرية والهيمنة على سائر الكتب, وذلك -يعني هذا الذي قد ينقص منه أو زياد فيه- وذلك كآية مكررة ساقطة هذا لا يؤثر فيه, توجد عشر مرات جاءت فلان آية يأتي شخص يقول ماذا؟ ويرفع أحد منها أو يزيد واحدة, كآية مكررة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحو ذلك. جيد.

    إذن أعزائي الآن على مبناكم جنابكم إن شاء الله عندما تحققون في مسألة تحريف القرآن بمعنى الزيادة أو النقيصة على المبنى الذي تختارون أن هذا القرآن الذي بأيدينا الاتجاه الرسمي هو أنه هو الذي نزل على قلب الخاتم’ بلا زيادة ولا نقيصة مع القيود التي اشرنا إليه.

    الآن هذا إذا حفظناه يأتي هذا التساؤل وهو: أنه أساساً هل أن هذه السور التي تركبت من مجموعة من الآيات هل أن الترتيب بين آيات سورة واحدة ترتيب توقيفي وحياني معصوم أم لا؟

    هنا أعزائي الكرام في المسألة قولان:

    قول: يعتقد بأنه أساساً هذا القرآن جمع في عهد رسول الله بسوره وكل سورةٍ بآياتها بحسب التسلسل الموجود بأيدينا إذن لم يقع أي اختلاف في مسألة ترتيب الآيات القرآنية, ولعل هذا هو الاتجاه العام بين علماء المسلمين من الشيعة والسنة.

    ولذا الشيخ اللنكراني عندما يصل إلى هذه القضية في مدخل التفسير, في ص266 هذه عبارته, يقول: فقد تحصل من جميع ما ذكرنا الجمع بمعنى التأليف والتركيبي وجعل كل آية في السورة التي هي جزء لها, وفي موضعها من تلك السورة وكونها آية ثانية مثلاً أو ثالثة أو رابعة وهكذا, تصريح أوضح من هذا لا يوجد وهو أنه حتى أي تغيير لم يقع في ترتيب الآيات القرآنية التي تتكون منها السور القرآنية.

    وهكذا والجمع بهذا المعنى لأنهم يعتقدون هؤلاء أن القرآن جمع على عهد رسول الله سوراً وفي كل سورة أيضا رسول الله وضع كل آية في الموضع المناسب في تلك السورة, والجمع بهذا المعنى هو محل البحث والكلام, وقد عرفت أن الجامع بهذا المعنى يعني السورة وآيات السورة لا يكون إلا النبي بما أنه نبيٌ.

    وبعبارة أخرى: لا طريق له إلا الوحي ولا يصلح إسناده إلى غير النبي’ بوجهٍ من الوجوه.

    هذا, وقريب منه السيد الخوئي+ في البيان ص252 هذه عبارته, يقول: أن هذه الروايات -روايات الجمع في الزمن الأول أو الزمن الثالث- أن هذه الروايات معارضة بالكتاب فإن كثيراً من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعضٍ – يعني في زمن النبي الأكرم- هذه السورة سورة الرحمن غير سورة الواقعة, طيب بطبيعة الحال إذا كانت السور متميزة في عهد رسول الله بطبيعة الحال ترتيب الآيات لم يكن من الصحابة وإنما كان من رسول الله’. هذا هو الاتجاه.

    أتصور بناءً على هذا الاتجاه واضح يمكن الاستناد إلى السياق أو لا يمكن الاستناد إلى السياق؟ يقولون: يمكن الاستناد الآن بعد ذلك لنرى أنه مع هذا يمكن الاستناد أو لا يمكن الاستناد؟ بحثه سيأتي, هذا اتجاه.

    وفي مقابل هذا الاتجاه الاتجاه الآخر الذي أشرنا إليه بالأمس أعزائي وهو الاتجاه الذي اختاره السيد الطباطبائي في تفسيره ص128 أعزائي هناك قال بأنه في ص127 و128 قال: ترتيب الآيات إن وقوع بعض الآيات القرآنية التي نزلت متفرقة موقعها الذي هي فيه الآن لم يخلو عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد, وناقش كل الأدلة التي استند إليها الآخرون لإثبات أن هذا الترتيب بين الآيات ترتيب توقيفي, والآن أنا ايضا لست بصدد الترجيع أعزائي له مقام آخر من البحث, وإن كان بحسب الاتجاه العام أنا اخترت في كتاب أصول التفسير أن ترتيب الآيات ايضا ترتيب توقيفي, الإخوة إذا يريدون أن يراجعون هذا البحث في كتاب أصول التفسير من ص540 إلى ص580 هناك آخر المطاف أقول: والخلاصة ما تقدم من الأدلة المثبتة من كون القرآن مجموعاً في عهد النبي’ وبيده ومرتباً في زمنه إن لم يكن مثبتاً لكون ترتيب السور ايضا بأمره ونظره فلا أقل من إثباته لكون ترتيب الآيات وتشكيل السور إنما كان بأمره ونظره, ضرورة أن له المدخلية الكاملة في ترتب غرض الكتاب وحصول الغاية المقصودة, لأن المطالب المتفرقة المتشتتة لا تفي بتحقق الغرض, الآن هذا هناك ذكرناه.

    الآن لا نرجع باعتبار أن المقام يحتاج إلى توضيح أكثر إلى أدلة أوسع في هذا المجال, الإخوة بعد البحث والبراهين التي استند إليها الأعلام يمكن مراجعتها هناك.

    يبقى عندنا بحث أخير.

    إذن إلى هنا أعزائي تارة مبناكم يكون أن ترتيب الآيات ترتيب توقيفي, عند ذلك يقال يمكن الاستناد إلى السياق ووحدة السياق وتأثر الآية بالآيات التي سبقتها وبالآيات التي لحقتها.

    وأخرى أساساً سالبة بانتفاء الموضوع, جنابك تقول بأنه لا, مبناك يكون مبنى السيد الطباطبائي يقول: لا أقل نحن إذا قبلنا ذلك فنقبل ذلك في الجملة لا بالجملة, بمعنى في كل موردٍ أحرزنا هذه الآية هي ضمن هذه المجموعة من الآيات يمكن الاستناد إلى وحدة السياق, أما إذا لم نحرز ذلك يمكن الاستناد إلى وحدة السياق أو لا يمكن؟ لا يمكن, يعني إذن في كل موردٍ جنابك تريد أن تستند إلى السياق لفهم حقيقة من الحقائق القرآنية لابد أن تثبت في الرتبة السابقة إحراز أن هذه الآية ضمن هذه المجموعة من الآيات وإلا إذا شككت على مبنى السيد الطباطبائي يمكن التمسك بوحدة السياق أو لا يمكن؟ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لذلك العام. لأنه لم يثبت أنه كل ترتيب الآيات كلها ترتيب توقيفي.

    إذن هذا على المبنى أعزائي.

    إذن الجواب الأول للاستدلال بالسياق -الذي يصير الجواب الثاني الجواب الأول كان أن المورد لا يخصص الوارد وقلنا أن هذا الجواب غير تام- الجواب الثاني للاستدلال بوحدة السياق يكون الجواب مبنائي لا أنه يكون الجواب بنائي, فمن قبل بوحدة بأن الترتيب توقيفي يمكنه الاستناد إلى وحدة السياق, ومن لم يقبل فلا يمكنه التمسك بوحدة السياق.

    هذا الجواب الثاني كان الذي قلنا صار جواب مبنائي.

    الجواب الثالث: لو سلمنا معكم المبنى وقلنا بأن الأصل في ترتيب الآيات هو الترتيب التوقيفي لا الترتيب الاجتهادي الحاصل من بعض الصحابة, هنا قد يقال حتى على هذا الفرض, حتى لو سلمنا أن النبي’ هو الذي رتب الآيات بهذا الترتيب الموجود, هل يمكن الاستناد إلى وحدة السياق أو لا يمكن؟

    الجواب الثالث: حتى على هذا الفرض لا يمكن الاستناد إلى وحدة السياق لماذا؟ – إلا طبعاً مع الشروط- لماذا؟ وهو أنه الدليل التفتوا جيداً, الدليل الذي دل على التوقيفية يقول لنا أن رسول الله هو الذي وضع هذه الآية بين هذه الآيات ليس أكثر من ذلك, فقط الترتيب التوقيفي ما هو مدلوله ما هو مضمونه, أن الصحابة ليس باجتهادهم وضعوا هذه الآية وإنما رسول الله جاء بقوله {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} هذه بوضع رسول الله في هذه الآية من سورة الأحزاب.

    ولكن هذا لازم أعم, من قال لكم أن رسول الله التفتوا أن رسول الله وضع هذه الآية أو هذا المقطع من الآية في هذا الموضع لأنها مرتبطة بالآيات قبلها وبالآيات التي بعدها, نعم رسول الله ماذا؟ وضعها, أما أنه وضعها لأنها مرتبطة هذه نكتة إضافية تحتاج إلى دليل, لعله وضعها لأسباب أخرى ما هي تلك الأسباب؟ لعلنا نستطيع أن نتعرف عليها ولعلنا لا نستطيع.

    إذن وضع الآية من قبل النبي في موضع معين في آيات الآن إما كآية مستقلة إما بعنوان أنها جزء آية كما في مسألة آية التطهير, آية التطهير واقعاً إشكالية السياق تشتد فيها لأنه مرة أنها مسبوقة بآيات النساء وملحوقة بآيات النساء, وتارة لا هي جزء من آية صدرها في النساء وذيلها في غير النساء, جداً بعيد يكون, ما أدري ملتفتين.

    ولذا واحدة من أهم الإشكالات التي أشكلوها علينا ولم أجد الجواب لها في كلماتهم -يعني لم يتعرضوا لا أنه لم أجدوا الجواب- أنه عندما يأتوا أولئك يشكلون علينا بهذا البيان, يقولون بأنه: أساساً حتى لو لم نستند إلى مسألة وحدة السياق نستند إلى وحدة الآية, الآن افترضوا أن قبلها ليست في نساء النبي, بعدها ايضا ليست في نساء النبي, ولكن الآية واحدة هي, {وقرنّ في بيوتكنّ ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وأتين الزكاة وأطعن الله ورسوله, إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} صدرها واضح في نساء النبي, طيب كيف يمكن صدر الآية في شيء وذيلها في شيء آخر, لا تقول لي قال الإمام الباقر: الآية صدرها, طيب هو لم يعتقد بالباقر هو معتقد بهذه الآية والآية صدرها في شيء ولا يمكن أن يكون ذيلها في شيء آخر, يعني تشتد إشكالية السياق.

    إذن سلمنا أن رسول الله ليس الآخرين وليس الذين جاؤوا بعده, جاء بهذا المقطع ووضعه أين؟ هنا, لماذا؟ يوجد احتمالان:

    الاحتمال الأول: أنها مرتبطة بما قبلها وبما بعدها.

    الاحتمال الثاني: لا لنكتة أخرى, رسول الله’ وضعها خصوصاً مع علمنا أن كل الروايات الواردة في شأن نزولها تشير إلى ماذا؟ هذا المقطع نزل بنحو مستقل, طيب إذا نزل بنحو مستقل طيب لماذا رسول الله يأتي ولا يجعلها آية مستقلة يجعلها جزءً من آية, فنزلت مستقلة إذن لا أقل تكون آية مستقلة, لا رسول الله يأتي ويضعها جزءً من آية, والعجيب أن هذه الآية صدرها في شيء آخر, واقعاً لعله هناك حكمة معلومة أو غير معلومة؟ الآن البعض يحاول -من باب كشف الحكمة لا من باب الدليل ليس من باب العلم- يقول لعل رسول الله’ خاف على هذه الآية, أنه لو أعطيت بنحو واضح أنها مرتبطة بجهة معينة أن يقع بها ماذا؟ أنا ما أقول تلك الجملة لأنه تسجل, إذن لا أقل التفتوا جيداً.

    إذن وضع رسول الله آية في موضع معين هذا دليل على ارتباطها بما قبلها وما بعدها أو اعم؟ أعم, إذن حتى لو سلمنا التوقيفة في ترتيب الآيات يمكن الاستدلال بوحدة السياق مطلقاً أو لا يمكن؟ إلا إذا أحرزنا ماذا أحرزنا أن هذه المجموعة من الآيات بنفسها نزلت دفعة واحدة, هذه الآيات الخمسة نزلت دفعة واحدة إذن نقول هذه سياقها واحداً.

    والشاهد على ما ندعي أنه قد يكون الترتيب حتى لو سلمنا أن الترتيب توقيفي ولكن ليس بالضرورة لأجل السياق الواحد والمضمون الواحد أننا نجد أننا لو رفعنا هذا المقطع من الآيات يؤثر على الآية لا أنه يؤثر على الآيات يؤثر أو لا يؤثر؟ لا يؤثر أبداً. هذا يكشف عن أنه يوجد ارتباط مضموني في الآيات أو لا يوجد؟ وإلا لو كان هناك ارتباط مضموني لاختل توازن الآية, نسق الآية انتظام الآية سياق الآية, انظروا {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ…* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} يحصل أي إشكال في الآية؟ أبداً أي إشكال لا يوجد.

    ولعله في جملة من الآيات أو مقاطع الآيات التي تحدثت عن مسائل الإمامة والولاية هذه الظاهرة نجدها مستمرة وموجودة, أنظروا إلى قوله تعالى في سورة المائدة قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ … فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ارفع ذاك المقطع كله يؤثر أو لا يؤثر؟ لا فقط لا يؤثر, شواهد متعددة في القرآن الكريم.

    ومنها الآية 145 من سورة الأنعام: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أبداً نفس المضمون كاملاً.

    ومقطع {اليوم أكملت لكم دينكم} موجود هذا أو غير موجود؟ كأنه آية واحدة ولكن هناك كأنه هذه أدخلت إدخالاً في هذا الوسط, سلمنا معكم أن هذا الذي فعل ذلك توقيفي من؟ رسول الله’, ولكن بأي دليل تقولون أن هذا مرتبط بما قبله وبما بعده هذا لازم أعم.

    إذن ألخص حديثي, إذن أعزائي فتلخص إلى هنا: لمن يريد أن يثبت أو يستند إلى هذه الآية من سورة الأنفال لإثبات اختصاص الخمس بغنائم دار الحرب عليه أن يتجاوز عقبتين أساسيتين:

    العقبة الأولى: أن يثبت له في الرتبة السابقة أن ترتيب الآيات ترتيب توقيفي وإلا يمكنه الاستناد إلى وحدة السياق أو لا يمكن؟ لا يمكن, وهذه قضية مبنائية تابعة لمبناكم في الأصول.

    القضية الثانية: حتى لو قبل التوقيفية لابد أن يثبت أن وضع الآية في هذا الموضع باعتبار ارتباطها المضموني بما قبلها وبما بعدها.

    فإذا أحرز كلا هذين الأمرين عند ذلك يمكنه الاستناد إلى وحدة السياق وإلا دون الاستناد إلى وحدة السياق خرط القتاد.

    ولا أقل أن ذلك لمن شك في هذين الأمرين, أو لا أقل لمن شك في الأمر الثاني, فالآية تكون مجملة يعني لا يمكن الاستناد فيها إلى وحدة السياق لأنه إن ثبت كلا الأمرين يمكن الاستناد وإن لم يثبت لا يمكن الاستناد وإن شككنا يمكن الاستناد أو لا يمكن الاستناد لا يمكن الاستناد وهو الإجمال, بل ولا يوجد قدر متيقن في هذه الآية. قدر متيقن ما عندنا لأنه لابد من الإحراز حتى يتم الاستدلال, يعني وحدة السياق الذي تستندون إليه متوقف على إحراز, من قبيل التقليد متوقف على إحراز العدالة, نحن لا يوجد عندنا قدر متيقن أنه إذا شككنا أنه عادل أو غير عادل القدر المتيقن أنه عادل, لأنه نحن استنادنا إلى وحدة السياق وليس استنادنا إلى اللغة, لو كان استنادنا إلى اللغة ذلك الوقت كنا نذهب إلى اللغة لنرى يوجد قدر متيقن أو لا يوجد؟ إذن أعزائي هذا الوجه الأول, الذي استند إليه لإثبات اختصاص الخمس بغنائم دار الحرب من الآية تام أو غير تام؟ غير تام.

    تبقى عندنا وجوه أخرى استند إليها أصحاب الاتجاه الثاني نشير إليها إن شاء الله تعالى بعد التعطيلات.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/09
    • مرات التنزيل : 1072

  • جديد المرئيات