بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
انتهى بنا الحديث إلى مسألة مهمة ولها آثار كثيرة سواء على مستوى الأبحاث العقائدية أو على مستوى الأبحاث الفقهية.
وهي مسألة مرتبطة بمباحث الوضع في علم الأصول, تعلمون بأنه مبحث الوضع من المباحث الأساسية في علم الأصول ويترتب على ذلك المبحث آثار مهمة, كما إن شاء الله تعالى سنشير إليها في علم الأصول.
ولكن هذه المسألة التي وقفنا عليها بالأمس وأشرنا إليها لم يعرض لها الأعلام في مبحث الوضع, طبعاً هذه المسألة يمكن أن تبحث في علم أصول الفقه ويمكن أن تبحث في علم أصول التفسير باعتبار أن لها آثار فقهية فتكون من مسائل علم أصول الفقه, وباعتبار أن لها نتائج عقدية فيبحث عنها في علم أصول التفسير. المهم أنها مسألة عرض لها جملة من الأعلام من القديم لا يتبادر إلى ذهن البعض أنها مسألة حديثة لا مسألة قديمة, ولكن علماء وعلماء الأصول لم يعرضوا لها لسببٍ لعله إنشاء الله تعالى أعرض لذلك في مباحث علم أصول الفقه. أما ما هي هذه المسألة وما هو تحرير محل النزاع فيها.
واقعاً أعزائي كمقدمة كتمهيد تحرير محل النزاع في أية مسألة تعد نصف الجواب عن تلك المسألة, كثير من الأحيان تجدون يقع النزاع والسبب عدم تحرير محل النزاع وآخر المطاف يتضح أن النزاع نزاع لفظي على سبيل المثال أو ما يثبته أحدهما لا ينفيه الآخر وما ينفيه الآخر لا يثبته الأول, كما هو الحال في مسألة البداء, مسألة البداء من المسلمات في الفكر الديني ولكنه النزاع في هذا اللفظ وهو أنه أساساً صحيح أو ليس بصحيح, وإلا الجميع متفق على أن الله (سبحانه وتعالى) يقع عنده تغيرٌ في علمه الفعلي لا في علمه الذاتي.
أما تحرير محل النزاع.
في أي عملية وضع التي نعبر عنها في اللغة أو نعبر عنها اللغة ظاهرة اللغة, توجد عندنا بحسب الظاهر المعروف في نظرية المعرفة أركان ثلاثة أعزائي:
الركن الأول: هو اللفظ والذي يختلف من لغة إلى لغة أخرى, اللغة العربية تختلف عن اللغة الفارسية وهما يختلفان عن اللاتين وهكذا, هذا الركن الأول وهي الألفاظ وهي المتغيرة.
الركن الثاني: هو المفهوم أو المعنى الذي يوضع اللفظ بإزائه للتعبير عنه, لأن المعاني ليست أمور محسوسة حتى يمكن التفاهم من خلالها من هنا نحتاج على ما يدل عليها من هنا وقع بحث مفصل أن اللفظ ما هي نسبته إلى المعنى هل هو علامة هل هو آية هل هو اقتران ما هو … هذه أبحاث إن شاء الله في علم أصول الفقه سنقف عندها.
المهم, أن المعنى هو الذي يوضع بإزائه اللفظ وخصوصية هذا الركن أعزائي أنه ثابت لا علاقة له باللفظ يعني المعنى الذي يوضع له لفظ الماء في هذه اللغة هو نفس المعنى الذي يوضع له لفظ آخر فارسي أو لاتيني في لغة أخرى, المعاني لا تتغير المعاني ثابتة المفاهيم ثابتة وإنما التغير إنما هو للألفاظ.
الركن الثالث: أعزائي وهو المصداق, وهو أنه هذا المفهوم أساساً إنما سمي مفهوماً لأنه ينطبق على مصداق, الآن ما أريد أن أدخل الأعزة في هذا البحث وعرضت له مفصلاً في شرح الأسفار الجزء الثاني وهو: أن المفاهيم ما هي مصاديقها, في ذهن الأعزة الذين يقرؤون عموماً المنطق عندما تقول له مفهوم, مباشرة ذهنه يذهب إلى المصداق الخارجي يعني عندما نقول لفظ الكتاب موضوع لمعنىً أسأله أين مصداقه؟ يقول هذه مصاديق الكتاب وهذه مصاديق المنضدة هذه مصاديق الورق ونحو ذلك.
وفي واقع الحال أن الأمر ليس كذلك, فإن المفاهيم ليست مصاديقها هي المصاديق الخارجية, وإنما المفاهيم مصاديقها هي المصاديق النفس الأمرية التي بعضها لها وجود خارجي وبعضها ليس لها وجود خارجي, حتى أقرب المطلب إلى ذهن الأعزة انظروا إلى قولنا شريك الباري ممتنع, هذه القضية صادقة أو كاذبة؟ من الواضح بأنه من القضايا الصادقة, سؤال: متى تكون القضية صادقة, إذا كانت مطابقة لواقعها لمصاديقها, يعني جنابك عندما تقول زيد قائم متى تكون القضية صادقة إذا كان زيد في الواقع الخارجي قائم, فزيد قائم صادقة, إذا لم يكن قائم فزيد قائم هذه القضية كاذبة, طيب شريك الباري صادقة أو ليست بصادقة؟ يقيناً ماذا تقول لي؟ صادقة, طيب ماذا يوجد بإزائها في الخارج توجد مصاديق خارجية؟ يوجد عندك في الخارج أنت شريك الباري, يوجد عندك, إذا وجد في الخارج شريك الباري لما كان ممتنعاً كان ممكناً موجوداً, إذن مع فرض كون القضية صادقة إلا أنه ليست له مصاديق خارجية, إذن يتضح لنا بأن الصدق ليس مناطه الانطباق مع الواقع الخارجي, وإنما مناطه الانطباق مع عالم آخر وهو بحث أساسي ومهم نعم, ذلك المصداق الواقعي له قد يكون له وجود خارجي وقد لا يكون له وجود خارجي, على أي الأحوال. الآن نحن نتكلم على ما درستموه في منطق المظفر وهذه الكتب المنطقية المتعارفة وهو أنه عندما تضرب أمثلة للمصاديق تضرب أمثلة المصاديق بحسب الوجود الخارجي.
إذن الركن الثالث في هذه العملية عملية الوضع هي المصاديق الخارجية, الآن تعالوا معنا إلى المصاديق, التفتوا جيداً, لا إشكال ولا شبهة أن الواضع -بصدد تحرير محل النزاع- أن الواضع عندما وضع لفظاً -الآن الواضع سواء كان الله أو كان هو غير الله على الخلاف الموجود- أن الواضع عندما وضع لفظاً لمفهوم بطبيعة الحال عند وضعه هذا اللفظ لهذا المفهوم والمعنى كانت هناك مصاديق لهذا المفهوم في الخارج, يعني عندما وضع لفظ الميزان, طيب يقينا هذا اللفظ لهذا المعنى كانت له مصاديق في الواقع الخارجي, أو عندما وضع لفظ القلم, وضع لفظ القلم لهذا المعنى كان لهذا المفهوم مصاديق خارجية.
السؤال المطروح هنا وهو: أن هذه المصاديق المأنوسة المتعارفة التي استعمل ذلك اللفظ للإشارة إلى ذلك المفهوم الحاكي عن تلك المصاديق, هل يختص بتلك المصاديق المتعارفة المأنوسة بنحوٍ إذا استعمل ذلك اللفظ في مصداقٍ غير ذلك المصداق يكون استعمالاً مجازياً أم أن الأمر ليس كذلك؟ من خلال عندما أضرب الأمثلة المسألة ستتضح في ذهن الأعزة.
يعني نحن عندما نأتي إلى مسألة افترضوا الرؤية, أنت عندما تقول يرى مباشرة أن الواضع عندما وضع لفظ يرى لمفهومٍ ذلك المفهوم له مصداق ما هو مصداقه الخارجي؟ أن الرؤية تكون بهذه العين, مصداق الرؤية بماذا يتحقق بالأذن بالأنف بالفهم يتحقق بالعين, فلو تحققت غاية الرؤية لأنه أنت من الرؤية ماذا تريد؟ تريد أن تحصل شيئاًَ فلو تحققت نفس تلك الغاية ولكن من خلال مصداق آخر لا علاقة له بالمصداق الأول فهل تصدق الرؤية حقيقة أو استعمال الرؤية يكون مجازاً أي منهما؟ ما أدري استطعت أن أوصل المطلب إلى ذهن الأعزة, مفهوم وهو الرؤية, العلم أعزائي أنت عندما تأتي إلى مفهوم العلم وليس لفظ العلم, مفهوم العلم أنت أن الواضع عندما وضع اللفظ عين لام ميم لمعنيً معين كان يريد أن يحقق شيئاً من خلال إيصال معنىً من المعاني, فعندما نقول علم الآن بحسب اصطلاحنا طيب هذا العلم الموجود عندنا بتعبيركم قرأنا كيف نفساني.
طيب إذا كان في مكان العلم غاية العلم غرض هذا اللفظ والمفهوم يتحقق ولكن لم يكن كيفاً نفسانياً فهل هو علم أو ليس بعلم أي منهما؟ يعني استعمال العلم في هذا المفهوم الجديد – عفواً- هذا المصداق الجديد, هل هو استعمال مجازي يعني استعمال للفظ في غير ما وضع له, لأن الذي وضع له كان مأخوذ فيه هذه المصاديق أو أنه استعمال للفظ فيما وضع له, تقول طيب عندما وضع له لم يكن هذا المصداق, أقول لا علاقة لنا بأن المصداق يتبدل أو لا يتبدل. ماذا هو الرأي المتعارف, ماذا ينبغي أن نقول في عملية الوضع, أعزائي, يوجد اتجاهان في هذه المقام أنا أشير إليهم وأضرب أمثلة للأعزة حتى تتضح القضية أكثر.
يوجد اتجاهان:
الاتجاه الأول يقول: بأنه إذا ورد لفظ التفتوا جيداً, إذا ورد لفظ وضع لمعنىً من المعاني وكان لذلك المعنى مصاديق متعارفة هذه المصاديق المتعارفة إما بسبب كثرة الاستعمال وإما بسبب غلبة الوجود, قرأتم في محله أنه يوجد عندنا كثرة الاستعمال ويوجد عندنا غلبة الوجود, إذا تتذكرون في بحث الغنيمة بحثنا هذا البحث, قلنا بأن الغنيمة قد يقال بأنه لغةً يراد منها كذا ولكن عادة استعمالها في هذا, هذا الذي يعبر عنه بكثرة الاستعمال, وأخرى لا ليس كثرة الاستعمال وإنما غلبة الوجود, ماذا يقول أصحاب هذا الاتجاه؟ يقولون: أن المفهوم إذا كان له مصاديق وهناك غلبة استعمال في بعض المصاديق فهذا معناه انصراف اللفظ إلى تلك المصاديق, طيب إذا كان الانصراف إلى تلك المصاديق إذن إذا استعمل في غير تلك المصاديق فماذا يكون؟ يكون مجازاً. يحتاج إلى قرينة. وهذا وعموم الفقه عندنا قائم على هذا الأصل.
ولذا تجدون أنهم قالوا -وهذا الذي أنا عبرت عن هذا الدرس مفاتيح عملية الاستنباط كان قصدي هذا- الآن لو تذهبون أنتم إلى أي علم من أعلام الفقهاء تسأله بأنه المفهوم وكان له مصاديق ولكن غلب الاستعمال في كذا, يقول اللفظ ينصرف إلى تلك المعاني المستعملة التي.
نعم, إذا كان بسبب غلبة الوجود يقولون اللفظ لا ينصرف أما إذا كان بسبب كثرة الاستعمال فإن اللفظ ينصرف.
وعلى هذا الأساس ماذا قالوا؟ وحدة من أهم أدلة القائلين بأنه لا يجوز الاعتماد على الرؤية المسلحة لإثبات الهلال يقولون لأن اللفظ منصرف إلى الرؤية غير المسلحة. إذن آثار مهمة لا فقط هنا في كثير من الموارد. في باب النجاسات وهو أنه افترضوا بأن النجاسة بالعين المجردة لا ترى, ولكنه أنت بالميكروسكوب تعرف أنه وجد رذاذ البول نجس أو ليس بنجس؟ بحسب الظاهر يوجد بول؟ لا لا يوجد, أما بحسب العين المسلحة فلابد أن يجيبوا أولئك واقعاً لابد أن يتخلصوا لماذا الرؤية المسلحة هناك حجة والرؤية المسلحة هنا غير حجة وإن كان بعضهم قال لا ايضا هناك ليست بحجة.
إذن عشرات المسائل أعزائي. النظر إلى الأجنبية أنت تعاين هكذا لا ترى من هذه الأجنبية لأنها بعيدة عنك بكيلو متر أو كيلو مترين, ولكن ضع ميكروسكوب تراها ماذا أو أجهزة حديثة تراها ماذا؟ وكأنها عارية يجوز أو لا يجوز؟ ماذا يقولون الفقهاء, أنا ما أدري هنا يدعون الانصراف وهناك لا يدعون الانصراف – الآن لا أريد أن أدخل في هذا البحث- عشرات مئات المسائل أخي متوقفة على أن نعرف أن اللفظ أعزائي أو أن المفهوم إذا كانت له مصاديق متعارفة مأنوسة لنا, فاستعمال ذلك المفهوم أو انطباق ذلك المفهوم على المصاديق غير المتعارفة وغير المأنوسة هل أن ذلك المفهوم شاملٌ لها حقيقة أو غير شامل لها حقيقة, أي منهما؟ وعلى ذلك رتبوا قالوا بأنه في الرؤية المسلحة لأن الانصراف إلى الرؤية المجردة غير المسلحة إذن الرؤية المسلحة يثبت به الهلال أو لا يثبت به الهلال؟ الآن مشهور فقهائنا أصلاً يستغربون إذا شخص قال بالرؤية المسلحة, أساساً خلاف المشهور وخلاف, ولكن هذا فيه مبنى لابد أن نرى أن المبنى تام أو أن المبنى غير تام؟ القضية ليست قضية استظهارية, القضية مبنى من المباني إما أن نتقبل ذلك المبنى وإما أن لا تقبل ذلك المبنى.
أنا أتصور, طبعاً القضية أين تتعقد؟ الآن في القضايا الفقهية التغير في المصاديق يكون في هذه النشأة أما في القضايا العقائدية بعض الأحيان المصاديق تختلف من نشأة إلى نشأة أخرى, ففي عالمنا هذا المفهوم له مصداق وفي عالم العقول المجردة له مصداق آخر, فهذا المفهوم يصدق عليهما معاً حقيقةً بل في عالم الربوبي المشكلة هناك أعزائي, حتى أبين لك عظمة هذه المسألة أهمية هذه المسألة خطورة هذه المسألة طيب أنت تجد أن القرآن الكريم مملوء بتعبير مدرسة أهل السنة اتجاه أهل السنة بالصفات الخبرية مثل ماذا؟ يعبرون عنها بالصفات الخبرية من قبيل الوجه, من قبيل اليد, من قبيل اليدان من قبيل المجيء من قبيل النزول من قبيل الصورة. طيب هذه الألفاظ تحمل على ظاهرها أو لا تحمل على ظاهرها؟ وإذا حملت على ظاهرها مصاديقها المألوفة والمتعارفة ما هي؟
ولذا تجد بأنه المجسمة إنما وقعوا فيما وقعوا فيه بهذه الرؤية قالوا طيب ظاهر القرآن يقول: {بل يداه مبسوطتان} {يد الله فوق أيديهم} الله له يد وله وجه وله صورة وله ساق وله أصابع كل شيء له آيات وروايات اجمعوها واقعاً كلها موجودة, فلذا قال قائلهم >أعفوني عن اللحية والفرج واسألوا عن أي عضوٍ من أعضائي< لماذا؟ لأن النصوص واقعاً موجودة وفي كلا المدرستين لا تتصور بأنه هذه النصوص موجودة فقط عندهم, عندنا ايضا هذه النصوص موجودة. طيب حملها على ظاهرها, طيب ما معنى حملها على ظاهرها؟ يعني لها مصاديق أي مصاديق أعزائي؟ طيب أنت ترجع إلى اللغة مصاديقها ماذا؟ مصاديقها المألوفة مصاديقها المتعارفة, طيب هؤلاء عند ذلك اصطدموا بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} فماذا اضطروا أن يقولوا؟ قالوا: نعم, يد ولكن لا كالأيادي, انظروا ضيق الخناق أوصلهم المبنى أوصلهم لأن القرآن استعمل في الله اليد, إذن جزماً الله له يد, ومن جهة قال ليس كمثله شيء, إذن لا يستطيع أن يقول بماذا؟ يدٌ كيدنا, لأنه هذا يلزم ليس منه فقط التجسيم يلزم منه التجسيم والتشبيه, هم حتى يتخلصوا من التشبيه ماذا قالوا؟ قالوا: يدٌ ولكن لا كأيدينا ووجه لا كالوجوه, وجسم, نعم, جسم له طول وعرض وعمق وجلوس وقعود وقيام, واقعاً لا تصدق.
فلذا ابن تيمية في كتابه شرح حديث النزول -الله ينزل- عنده كتاب في هذا المجال حدود 500 صفحة تقول له الله يقعد؟ يقول نعم يقعد, {استوى على العرش} يعني قعد عليه, لأن استوى تحتمل معاني متعددة طيب استوى يعني استولى إلى آخره, يقول لا, {استوى على} يعني قعد, تقول له أي قعود؟ يقول: لا لا ليس كقعودي وقعودك قعود لا كالقعود, ثم يضرب مثال التفتوا إلى مثاله, يقول: وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود بدننا في هذه الدنيا, ألسنا نقول أن الميت يقعد يقيناً ليس هذا القعود الذي عندنا لماذا؟ لأنه يوجد لحد لا يستطيع أن يقعد هذا القعود, فما جاءت به الآثار عن النبي من لفظ القعود -بالنسبة إلى الله- والجلوس في حق الله تعالى أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد وإلا قعود ليس مجازاً قعود, حقيقةً قعود. ولكن لا كهذا القعود, وجلوس لا كهذا الجلوس, وقيام لا كهذا القيام, ونزول من أعلى إلى أسفل لكن لا كهذا النزول وهكذا.
ما الذي واقعاً ورطهم في هذا في مسائل التوحيد؟ المبنى لأن المبنى كان في ذهنه أن هذا اللفظ له مصداق ولابد أن تكون المصاديق المتعارفة المألوفة, ويكون في علمكم أعزائي, أنه لا فقط القضية هؤلاء ابتلوا بها, أكثر علماء الإمامية ايضا ابتلوا بها, لأنهم حملوا هذه المفاهيم على مصاديقها المتعارفة وحيث أنهم وجدوا لا تنطبق على المصاديق أو لا يمكن أن تطلق المصاديق المتعارفة اضطروا إلى تأويلها وارتكاب خلاف ظاهرها فلذا قيل لهم هذا خلاف ظاهر الآية, أنتم تجدون واحدة من الإشكالات التي يوردها علينا القوم يقولون ماذا؟ يقولون أنتم ترتكبون خلاف ظاهر القرآن, القرآن نزل {بلسان عربي مبين} الآن لماذا اضطر أولئك للتأويل يعني ارتكاب خلاف الظاهر -أنا أقول التأويل بالمعنى المعروف وهو ارتكاب خلاف الظاهر وإلا التأويل له معاني متعددة- لماذا اضطروا إلى هذا؟ لأنهم قبلوا مبنى أن هذه المفاهيم إنما تنصرف إلى مصاديقها المتعارفة وحيث أنه لا يمكن أن تحمل هذه المصاديق المتعارفة على الله فنضطر إلى ارتكاب خلاف الظاهر. ما أدري واضح استطعت -بعدنا في تحرير محل النزاع ما أريد أن أدخل في تفصيل المسألة- أما إذا قبلنا المبنى الآخر الاتجاه الآخر. ما هو الاتجاه الآخر يقول لا أعزائي- هذا الاتجاه المشهور في الفقه في العقائد في الكلام الشيخ المفيد الشيخ الصدوق صاحب البحار المعاصرين كلهم الاتجاه الكلامي- كلهم مشوا على هذا الاتجاه.
الاتجاه الآخر ماذا يقول؟ يقول لا, لكل مفهوم مصاديق هذه المصاديق كما تصدق على المتعارفة حقيقة تصدق على غير المتعارفة حقيقة, أبداً ليس بالضرورة أنت تتعرف على حقيقة المصداق, ولكن صدق المفهوم عليه صدق حقيقي يعني دعني أضرب مثال, يعني أن الواضع قال لهذه الآلة التي نقوم بها لتحقيق عملٍ معين وغاية معينة وضعنا لها لفظ اليد, أليس كذلك, هذا الذي أتحدث به الآن هذه الألفاظ التي وضعوا له لفظ الكلام, طيب أنا عندما أحلل هذا المفهوم أجد إنما سمي حقيقة الكلام ما هي؟ أنها تظهر المضمر إذا كان شيء مضمر أردت أن تظهره, تظهره من خلال ماذا؟ من خلال مجموعة من الألفاظ, الآن إذا وجدنا مصداقاً آخر لا فيه حنجرة ولا فيه لفظ ولا فيه كلمات ولكن أيضاً يقوم بنفس النتيجة وهو يظهر المضمر هو كلام أو ليس بكلام, إن قلت بالاتجاه الأول يقول لا هذا ليس مصداق الكلام, لأن الكلام مصداقه هذه المصاديق المتعارفة وهذا مصداق متعارف أو غير متعارف؟ إذن ليس بكلام هذا, وإذا اطلقت عليه الكلام فهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له.
أما الاتجاه الثاني ماذا يقول؟ يقول: لا الهدف أن تتحقق الغاية والغرض, فكلما يحقق الغاية والغرض من ذلك المفهوم فيصدق عليه ذلك المفهوم حقيقة, حتى لا أطيل لأن الوقت ينتهي.
الفيض الكاشاني في تفسيره تفسير الصافي ص29, انظروا ماذا يقول؟ يقول: لفظ الميزان, طيب أنتم تعرفون الآن عندما نقول ميزان, الواضع عندما وضع لفظ الميزان لمعنىً يعني ما يوزن به الأشياء طيب مصداقه الآن إما بكثرة الاستعمال وإما بغلبة الوجود مصداقه ماذا كان؟ شيء له كفتان يوضع في هذه الكفة شيء وفي هذه الكفة شيء آخر فنعرف ماذا؟ الوزن.
طيب الآن سؤال: المنطق ميزان أو ليس بميزان؟ على أي أساس, ماذا الواضع عندما وضع اللفظ للمعنى كان يريد أي شيء يحقق هذه الغاية أو كان نظره إلى المصاديق المتعارفة أي منهما؟ فإن قلت: كان نظره إلى المصاديق المتعارفة فصدق هذا المفهوم على غير تلك المصاديق المتعارفة فحقيقي أو مجازي؟ مجازي, أما إذا قلت أنه لا, إنما وضع الواضع هذا اللفظ لهذا المفهوم نعم في زمان كانت له هذه المصاديق وفي زمان آخر مصاديق جديدة وجديدة … إلى أن تجد في كل زمان قد يكون له مصداق غير المصداق الاول ولكن يبقى يصدق عليه الميزان حقيقةً لا مجازاً.
ولذا يقول أنظر, يقول: الميزان فإنه موضع لمعيارٍ يعرف به المقادير وهذا معنىً واحد, هو حقيقته وروحه وله قوالب مختلفة يعني مصاديق متعددة مراده من القوالب يعني المصاديق وصور شتى بعضها جسماني وبعضها روحاني, كما يوزن به الأجرام والأثقال مثل الكفتين والقبان, وما يجري مجراهما وما يوزن به المواقيت (كالاستطلاب33:12) وما يوزن به الدوائر كالفرجال وما يوزن به الأعمدة كالشاقول وما يوزن به الخطوط كالمسطرة, وما يوزن به الشعر كالعروض, وما يوزن به الفلسفة كالمنطق, وما توزن به أعمال العباد أنا ميزان الأعمال, طيب هنا الإمام× عندما يقول أنا ميزان الأعمال يعني ماذا؟ يعني يوم القيامة يضعون هنا ي هذه الكفية يجلسونني ويرون وزني سبعين كيلو وأعمالكم يضعوها في تلك الكفة ويرونها بوزني أو لا هذا المقصود!! ما معنى الله (سبحانه وتعالى) ينصب الموازين موازين القسط يوم القيامة؟ أصلاً إلى الآن أنت بينك وبين الله فكرت في يوم ما بأنه ما معنى الميزان يوم القيامة؟ إلى الآن في أذهاننا أن الأعمال توضع في كفة, طيب سؤال: ماذا يضعون في الكفة الأخرى كيلوات ماذا يضعون حتى يزن, أصلاً الأعمال كيف توضع في كفه, الأعمال هي أمور عرضية ومعنوية أو أمور مادية؟ عملي أمر مادي حتى يوزن, أصلاً ما هو معناه؟
إذن أعزائي كلما ورد لفظ الميزان في القرآن, فإن بنيت على الاتجاه الأول, استعمال اللفظ في المصاديق المتعارفة المألوفة الآن إما لكثرة الاستعمال أو لأي سبب آخر يكون اللفظ ينصرف إليه, فإذن استعماله حقيقي, طيب استعماله في غير تلك المصاديق المتعارفة فماذا يكون؟ مجازي. فتضطر عندما صار مجازي فتأول وترتكب ماذا.
أما الاتجاه الثاني ماذا يقول؟ يقول: لا علاقة لي أنا, في ذلك الزمان هذه مصاديقه, في هذا الزمان له مصاديق أخرى ولعله في أزمنة لاحقة له مصاديق أخرى بحسب تقدم العلوم ما عندنا شغل, وكلما وجد مصداق يحقق الغاية من وضع ذلك اللفظ لذلك المفهوم فهو مصداق حقيقة لذلك المفهوم, لأن الغرض هو تحقيق الهدف والغاية وهذا يحقق الغاية؟ لماذا سمينا هذه الآلة؟ لأنها تحقق غرضاً فكلما يحقق هذا الغرض فهو يدٌ مجازاً أو حقيقة؟ حقيقةً يداً, سميت هذا الشيء هذا الشكل سميته وجهاً أو صورةً لماذا؟ يبحث عن لماذا عن هذه لماذا؟ فإذا تحقق أي مصداق هذه الغاية فهو مصداق لأي شيء؟ فهو مصداق للوجه حقيقة. ما أدري استطعت أن أوصل المطلوب إلى الأعزة؟.
وبهذا ينفتح طبعاً يكون في علمكم هذه من أهم أصول المدرسة العرفانية هذا الأصل ممن مأخوذ؟ أصحاب الاتجاه الثاني هذا لا للفلاسفة ولا للمتكلمين ولا للغويين أصلها من أين؟ أصلها عند العرفاء, ثم بعد ذلك جاءت في كلمات صدر المتألهين وبعد تلامذة صدر المتألهين كالفيض الكاشاني وبعد ذلك بنى السيد الطباطبائي كل تفسيره على هذا الاصل, هذه واحدة من أهم مفاتيح تفسير الميزان, من لم يلتفت إلى هذا الأصل وإلى هذا المفتاح.
أنا في زمان كان عندي مشروع لعلي أوفق كنت ذاك الوقت ولكن لم أوفق واقعاً وهو أن يكتب مفاتيح تفسير الميزان, ما هي الأصول التي اعتمدها هذا الرجل في تفسيره ولا تتجاوز عشرة أو خمسة عشر يكون في علمكم, موجودات ايضا في العشرين صفحة في مقدمته وأربعين وخمسين صفحة في الجزء الثالث في ذيل آية المحكمات والمتشابهات هناك بحثها, ولذا السيد الطباطبائي هذه عبارته في الميزان حتى أنه إذا صار وقت بعد ذلك إنشاء الله أكثر نقف, في تفسير الميزان المجلد الأول ص10 التفتوا إلى العبارات, يقول: وكان ينبغي لنا أن ننتبه أن المسميات المادية محكومة بالتغير والتبدل بحسب تبدل الحوائج في طرق التحول والتكامل كما أن السراج أول ما عمله الإنسان كان إناء فيه فتيلة وشيء من الدهن, تستعمل فيه الفتيلة للاستضاءة له في الظلمة ثم لم يزل يتكامل المصاديق حتى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائي ولم يبق من أجزاء السراج المعمول أولاً الموضوع بإزائه لفظ السراج شيء البتة كل شيء ما بقى ومع ذلك استعمال السراج في هذا حقيقي أو ليس بحقيقي؟ لو كان اللفظ موضوعاً للمعنى بلحاظ مصاديقه المتعارفة والمألوفة كان ينبغي استعمال اللفظ في مصاديقه غير المتعارفة يكون حقيقي أو يكون مجازي وهكذا النور.
أنت الآن الأعلام حائرين في قوله تعالى {الله نور السماوات} لأنه هذا النور الذي عندنا هذه حقيقتها هذه مصاديقها, طيب الله كيف يصير نور؟ السبب أنه ايضا جعلوا مصاديق هذا المفهوم هي المصاديق المتعارف والمألوفة إذن عندما أرادوا أن يطبقوها على مصداق غير معروف غير متعارف وجدوا حيرة فيه, ولذا يقول: وكذا الميزان المعمول أولاً للفيض الكاشاني والمعمول اليوم والسلاح فالمسميات بلغت في التغير إلى حيث فقدت جميع أجزائها السابقة ذاتاً وصفة والاسم مع ذلك باقٍ, هذا يكشف عن ماذا؟ هذا يكشف عن أن هذه الألفاظ وهذه المفاهيم لم توضع للمصاديق المتعارفة والمألوفة, وإنما وليس لماذا أن الاسم والمفهوم باقٍ مع تغير المصاديق؟ يقول: وليس إلا لأن المراد في التسمية إنما هو من الشيء غايته التي يتحقق منها, فكلما تحققت الغاية صدق المفهوم, لا شكله وصورته هذا الذي يعبر عنه كما قلت الفيض الكاشاني تعبيره تعبير آخر في ص29 عبارته تختلف, يقول: إن لكل معنىً من المعاني حقيقةً وروحاً وله صورة وقالب ويبقى المعنى والحقيقة والروح واحداً وإن تعددت القوالب, يعني المعنى يبقى واحد وإن تعددت المصاديق وقد يتعدد الصور والقوالب لحقيقة واحدة, ولمعنىً واحد, هذا الذي هو يعبر عنه بأنه هذه المسألة وتحقيق القول فيها هو هذه المسألة من جنس اللباب وفتح باب من العلم ينفتح منه لأهله ألف باب, واقعاً هذه المسألة من المسائل التي قال عنها أمير المؤمنين >علمني باب ينفتح منه ألف باب<.
ولذا يقول: فكان ينبغي لنا أن ننتبه -السيد الطباطبائي- أن المدار في صدق الاسم يعني الاستعمال الحقيقي اشتمال المصداق على الغاية والغرض سواء كانت الصورة مألوفة أو غير مألوفة, المصداق متعارف أو لا؟ لا جمود اللفظ على صورة واحدة, فذلك مما لا مطمع فيه, ولكن المشكلة من أين تأتي؟ يقول: ولكن العادة والأنس منعانا عن ذلك, هذا الأنس كثرة الاستعمال غلبة الوجود يقول ينصرف اللفظ إلى هذه المصاديق وهذا هو الذي دعا المقلدة من أصحاب الحديث من المجسمة والحشوية أن يجمدوا على ظواهر الآيات, نحن ايضا نقول بظواهر الآيات وإنما نختلف مع الآخرين في الظواهر أم في المصاديق؟ نحن ايضا نقول ولذا أنا لست قائلاً بالتأويل في آيات الصفات أبداً أقول تبقى على ظاهرها ولكن مشكلتنا مع الآخر ما هي؟ هو أنه أبقاها على ظاهرها في مصاديقها المتعارفة والمألوفة ونحن نعتقد أن لها مصاديق بعضها متعارفة وبعضها أساساً غير قابلة للتعقل ولكن يد حقيقة ووجه ماذا, ولكن لا تقول وجه يعني هذا, لا, هذا الوجه ما هو؟ هذا الوجه مصداق من مصاديق ذلك المفهوم.
الآن يبقى عندنا – أنا بعد أن تحرر محل النزاع وبعض الكلمات- يبقى عندنا أن أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) توجد في كلماتهم تأييد لهذا الاتجاه الثاني أو لا توجد؟ في عملية الوضع توجد أو لا توجد؟ فإذا وجدنا شواهد تثبت ذلك واقعاً هذا يكون طريقاً جيداً لإثبات أن الواضع لم يضع هذه المفاهيم والأسماء لمصاديقها المتعارفة.
والحمد لله رب العالمين.