نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (192)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قلنا بأنّه من الواضح أنّه لا يمكن العمل على روايات التحليل على إطلاقها, وكذلك لا يمكن العمل على وجوب الخمس في جميع الأصناف في عصر الغيبة والحضور أيضاً على إطلاق هذه الروايات. لأنّه بلحاظ الإطلاقين يوجد هناك تعارضٌ. لا يمكن أن يكون هناك تحليلٌ مطلق في الحضور والغيبة في المناكح والمساكن والمتاجر وغيرها, ولا يوجد تحليلٌ أيضاً بنحو الإطلاق, هذان غير ممكنين, إذن ما هو العمل؟

    في الواقع لكي نجيب على هذا التساؤل: لابد أن نستعرض الروايات الواردة في المقام, فيما يتعلق بوجوب الخمس, انتهينا من الروايات الدالة على ذلك على إطلاقها باعتبار أنها تامة, أما فيما يتعلق ببعض الأصناف فهو ثابت قرآنياً, أما فيما يتعلق بأرباح المكاسب فقد ثبتت في روايات صحيحة من زمن الإمام الصادق إلى زمن الإمام الثاني عشر وغاب الإمام الثاني عشر الغيبة الكبرى وهو على وجوب الخمس في أرباح المكاسب. وهذه روايات مفصلة تقدم الكلام عنها في السنة الماضية.

    من هنا لابد أن نقف على روايات التحليل, روايات التحليل كثيرة أيضاً حتى أدعي أنها متواترة من حيث المعنى, يعني: لا إشكال في صدورها بنحو القضية المهملة.

    في السنة الماضية نحن أشرنا إلى مجموعة من هذه الروايات ولكنّنا نضطر هذه السنة أيضاً أن نشير إليها إجمالاً ولو لدقائق ولنصف درس حتى تتضح الصورة وننتقل إلى الروايات الجديدة التي لابد من الحديث عنها.

    الرواية الأولى -التي تقدم الكلام عنها وقراناها بالأمس- وهي: ما وردت في (وسائل الشيعة, ج9, ص543) وهي المعروفة بصحيحة الفضلاء وقراناها بالأمس مفصلةً, الرواية وهي: >قال (عليه أفضل الصلاة والسلام) قال: عن أبي جعفر الباقر× قال: قال: أمير المؤمنين هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنّهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وأن شيعتنا من ذلك وآبائهم< كما قلنا رواية والأصح >وأبنائهم في حل<.

    هذه الرواية من حيث السند صحيحة السند, من حيث زمان الصدور, صادرة في زمان الإمام أمير المؤمنين, يعني: أن التحليل من ذلك الزمان, إنما الكلام كل الكلام في الاستدلال بدلالتها, هل هي مطلقة أو أنّها ليست مطلقة.

    الإطلاق فيها أعزائي من جهتين -إجمالاً أقول وإلا الأبحاث تقدمت- الإجمال فيها من جهتين:

    الجهة الأولى: أنّها مطلقة من حيث الحضور والغيبة, جعلهم في حلٍ لا في عصر الغيبة أعم من أن يكون في عصر الحضور أو يكون في عصر الغيبة, هذه الجهة لا توجد أي قرينة في الرواية تمنع هذا الإطلاق. عندما نقرأ الرواية نجد أن الرواية لا توجد فيها أي قرينة ولو من بعيد تمنع عن انعقاد مثل هذا الإطلاق, تقول: >ألا وأن شيعتنا من ذلك وأبنائهم في حل< أعم من أن يكون في عصر الحضور أو أن يكون في عصر الغيبة.

    إنما الكلام أنّها هل تشمل كل أصناف الخمس أو أنها مختصة ببعضها دون البعض الآخر؟ هذه توجد قرائن تمنع عن انعقاد الإطلاق فيها لكل أصناف الخمس, لماذا؟ لأنّ الإمام يقول هلك الناس في بطونهم وفروجهم, إذن مرتبطة بماذا؟ مرتبطة بالمأكل والمنكح ونحو ذلك, إذن فيها إطلاق لكل أصناف الخمس أو لا يوجد فيها إطلاق؟ ونحن نبحث عن الروايات التي تدل على التحليل في كل أصناف الخمس, وهذه دالة على ذلك أو غير دالة؟ غير دالة لأن الإمام يقول: >هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا, ألا< قرينة أخرى >ألا وأن شيعتنا من ذلك< هذا ضمير من ذلك على ماذا يعود؟ الواقع الآن إن لم نقل أنها ظاهرة فلا أقل يحتمل أنّه من ذاك الحق الثابت في أيدي الناس هم ماذا؟ هم في حلٍ.

    بعبارة أخرى: أن هذا الذي ثبت في أيدي الناس ما المراد من الناس؟ بقرينة شيعتنا يراد بالناس ماذا؟ غير شيعتهم, وإلا لا معنى أن يعبر عن شيعتهم مرة بشيعتنا ومرة بالناس, فبقرينة المقابلة المراد من الناس ماذا؟ غير شيعتهم, يقول: ذاك الحق الذي ثبت في أيدي غير شيعتنا ذاك هم منه في حل, وهذا يشير إلى أي تفصيل؟ يشير للتفصيل السابع الذي أشرنا إليه وهو أنّه إذا تعلق الخمس بمالٍ وكان في مال من لا يعتقد هذا الخمس للأئمة ثم انتقل لمن؟ ثم انتقل لشيعتهم فهل يضمنون أو لا يضمنون؟ لا يضمنون.

    إذن هذه الرواية أعزائي لا أقل فيها مجموعة من القرائن تمنع عن انعقاد الإطلاق فيها لكل أصناف الخمس.

    وعلى فرض أنّها فيها إطلاقٌ طيب بطبيعة الحال أن السيرة المستمرة للأئمة اللاحقين ماذا فعلوا؟ رفعوا هذا التحليل, لأنهم كانوا يأخذون الخمس في أرباح المكاسب, فلو كان التحليل ثابتاً حتى ما يشمل أرباح المكاسب أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ماذا فعلوا؟ أوجبوا الخمس في أرباح المكاسب. إذن هذه الرواية على كل الأحوال لا يوجد فيها ذلك الإطلاق الذي فيه التحليل في عصر الغيبة والحضور وفي جميع الأصناف, ولا أقل فيما يرتبط بأرباح المكاسب التي أوجبها الأئمة من الإمام الصادق وبعد ذلك كما هو واضح وتقدم الكلام فيه. هذه الرواية الأولى.

    الرواية الثانية: طبعاً الآن نستعرض الروايات وبعد ذلك نفترض حتى لو تم إطلاقها من الجهتين لابد أن نجد هل يوجد وجه جمع بينها وبين التي قالت يجب الخمس أو لا.

    الرواية الثانية: واردة في (تهذيب الأحكام, للشيخ الطوسي, ج4, ص138) طبعاً الرواية الأولى معتبرة كما قلنا, الرواية الثانية أيضاً لها طريقان وطريق الشيخ الصدوق لها تام وبإمكان الأعزة أن يرجعوا إليها في الدرس 182, والرواية الأولى يرجعوا إليها في الدرس 180 من السنة الماضية.

    الرواية الثانية: >عن يونس ابن يعقوب قال كنت عند أبي عبد الله الصادق× فدخل عليه رجلٌ من القناطين فقال جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أنّ حقك فيها ثابت, وإنّا عن ذلك مقصرون فقال: أبو عبد الله الصادق: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم<.

    بغض النظر أن الرواية طبعاً الرواية شاملة لعصر الغيبة ولعصر الحضور إذا تم تحليل التحليل فيها. بغض النظر عن أنّها مختصة بماذا؟ >يقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات< إذن شاملة لكل الأصناف أو ليست شاملة لكل الأصناف؟ ليست شاملة, الآن نفترض أنها شاملة, لكل الأصناف, يوجد قيدٌ في الرواية أعزائي يمنع عن شمولها لعصر الحضور فضلاً عن عصر الغيبة. يعني ليست شاملة لكل عصر الأئمة مئتين سنة, فما بالك بعصر الغيبة, ما هو القيد؟ القيد >إن كلفناكم ذلك اليوم< كأن الرواية تريد أن تقول بشكل واضح وصريح أنّ هذا تحليل ولكنّه تحليلٌ مقطعي مرتبط بالظروف التي تعيشه الشيعة وأتباع مدرسة أهل البيت, وكم له من نظير أعزائي.

    إذا يتذكر الأعزة في (الوسائل, ص502) الرواية التي قراناها مفصلةً, الرواية صحيحة علي ابن مهزيار التي قراناها قال: >ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ ولا ضيعةٍ إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفاً مني عن مواليّ ومنّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذواتهم<.

    إذن هذا التحليل تحليل مطلق أو تحليل مقيد؟ ونحن نبحث عن الروايات الدالة على التحليل المطلق, هذه الرواية حتى لو فيها تحليل لكل الأصناف فهي مرتبطة بظرفٍ معين, وكم له نظير في الروايات وهذا الذي أشرنا إليه, وهو أنه هذه أحكام ولائية وأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) عندما كان يجدون شيعتهم في ضيق فكانوا يخففون عنهم إلا برفع الخمس خمس أرباح المكاسب وإما بتقليلها, فلذا في الضيعة الإمام قال: >فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كل عام فهو نصف السدس< يعني واحد من اثنا عشر لا واحد من خمسة.

    ولذا الإمام الهادي بعد ذلك ابنه× يأتي ويقول الخمس رجع إلى حاله إلى الوضع الطبيعي.

    ومن هنا لابد أن تلتفتوا إلى الروايات الواردة التي هي في التحليل ولكنها في التحليل المقيد بزمانٍ معين أو المقيدة بشخص معين, هذه الروايات أيضاً لا تنفعنا إذا حلله لشخص ولاعتبارات معينة, منها هذه الرواية التي قراناها بالأمس, يعني ذيلها ولم نقرأ صدرها, الرواية في (ص548, من الوسائل, رقم الرواية 12, من الباب الرابع من أبواب الأنفال) الرواية وهي رواية معتبرة >قال: قلت لأبي عبد الله: إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تعالى لك في أموالنا, فقال: ما لنا ومالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيّار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا, قال: قلت: أنا أحمل إليك المال كله, فقال لي: يا أبا سيّار قد طيّبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك< هذا تحليل ولكن تحليل شخصي لا ينفعنا في المقام شيء.

    إذن الرواية الثانية على فرض إطلاقها فهي مرتبطة بمقطع زماني معين وهو >ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم<.

    الرواية الثالثة: وهي الواردة في (الوسائل, ص547, نفس الباب, الباب الرابع من أبواب الأنفال كتاب الخمس الحديث العاشر من الباب) الرواية أيضاً من حيث السند تامة السند كما بينّا, الرواية: >عن أبي عبد الله الصادق, قال: من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم, قال: قلت: جعلت فداك ما أول النعم, قال: طيب الولادة, ثم قال أبو عبد الله الصادق قال: أمير المؤمنين× لفاطمة÷ أحلي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا, ثم قال أبو عبد الله: إنّا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا<. الرواية معتبرة وصحيحة السند ولكنها مرتبط بالفيء والأنفال لا علاقة لها بالأصناف الأخرى للخمس ومنها أرباح المكاسب, لأن الرواية صريحة >قال: أحلي نصيبك< ماذا >من الفيء< وأنتم تعلمون أن الفيء إما ما يغنمه المسلمون بغير قتال وإما الأرض التي لا رب لها, وإما الأرض الموات, وإما التي زال عنها أهلها و.. إلى غير ذلك, ولا علاقة لها بمحل الكلام التي هي أرباح المكاسب, هذا أولاً.

    وثانياً: أن ذيلها >أحللنا< لأجل ماذا؟ لأجل المناكح لا مطلقاً, ولذا ذكر جملة من الأعلام -وبحثه سيأتي لاحقاً- أنّه فيما يتعلق بالمناكح هناك إجماع على التحليل في عصر الغيبة وفي عصر الحضور هذا لا بحث فيه, يعني في هذا العصر لو حصل حربٌ وحصلت فيها مسبيات وتلك المسبيات اشترين من قبل الشيعة فوطأها جائز ولا يوجد فيه أي إشكال, مع أن حق الإمام موجود أو غير موجود؟ حق الإمام موجود, فالمناكح لا إشكال في أنه فيه تحليل عام, خصوصاً في عصر الحضور لأنه كان محل الابتلاء المسألة كانت ابتلائية في ذلك الزمان, لعله في زماننا هذه المسألة غير ابتلائية, فهذه الرواية أيضاً أجنبية عن محل الكلام.

    الرواية الرابعة -الواردة في المقام- وهي ما وردت في (أصول الكافي, ج2, ص350) هذه في الطبعات التي عندكم بالمجلدات تصير في (ج1, ص408) الرواية >رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى عبد الله تلك السنة مالاً, فرده أبو عبد الله, فقلت له: لمَ رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه, فقال: ..< إلى أن قال, ذيل الرواية هذه >يا أبا سيّار ..< إلى أن يقول >وكل ما في أيدينا شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم الإمام× فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم< محل الشاهد >وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض< إذن فيها إطلاق لكل أصناف الخمس أو لا يوجد؟ الجواب: مختصةٌ بالأرض, والأرض هي قسم من الأنفال والفيء, إذن هذه الرواية بشكل واضح وصريح تشمل أرباح المكاسب التي هي محل الكلام أو لا تشمل؟ لا علاقة لها لأنه يقول >وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محللون< لأنه هذه الأراضي عموماً كانت قد لعله فتحت والإمام× له حق في هذه الأرض وافترضوا الشيعة أيضاً إما يستأجرون فيدفعون الخراج أو الأجرة أو .. إلى غير ذلك, فحق الإمام أيضاً لابد أن يضمنه الشيعة, أولئك طيب لا يعتقدون بحق الإمام فهل أن الشيعة أيضاً لابد أن يدفعوا ويضمنوا هذا الحق المرتبط بالأرض أو لا؟ الجواب: الإمام يقول لا, إلى أن يظهر الإمام× فله حسابه الخاص وطريقته الخاصة, وإذا يتذكر الأعزة فيما سبق قلنا مهم المسألة في أرباح المكاسب وهذه الرواية لا علاقة لها بأرباح المكاسب كما هو واضح لأنها مرتبطة بالأرض.

    الرواية الأخرى -وهي الرواية الخامسة في هذا المقام- وردت في (وسائل الشيعة, ج9, ص543, الرواية رقم 2) الرواية أيضاً معتبرة, >قرأت في كتابٍ لأبي جعفر× من رجلٍ يسأله أن يجعله في حلٍ من مأكله ومشربه من الخمس, فكتب بخطه من أعوزه شيء من حقي فهو في حلٍ< >من أعوزه شيء من حقي فهو في حلٍ< طيب هذه على خلاف المطلوب أدل, يعني: من لم يعوزه شيء من حقي أيضاً في حلٍ أو ليس في حل؟ ليس في حل. نعم هناك بحث وهو إذا كان الإنسان محتاجاً إلى حق الإمام× ما هو التكليف؟ له بحث آخر, نحن نتكلم عن روايات التحليل وهذه الرواية فيها تحليل مطلق أو لا يوجد؟ لا يوجد فيها.

    الرواية السادسة -في هذا المقام- وهي الرواية المفصلة الواردة في (الكافي, ج2, ص735, هذه الطبعة التي هي لقسم إحياء التراث مركز بحوث الحديث) الرواية أيضاً في سندها كلام طويل الأعزة يتذكرون في السنة الماضية في الدرس 185, قلنا يوجد للرواية طريقان طريق صحيح وطريق غير صحيح والطريق الصحيح فيه محمد ابن سنان عن صباح الأزرق ونحن صححنا هذا السند بالبيان المفصل الذي تقدم في السنة الماضية, >عن أحدهما< هذه الرواية جيد من حيث المتن, من حيث السند تممنا سندها, من حيث المتن التفتوا. >عن أحدهما قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا ربي خمسي وقد طيبنا ذلك< يعني ماذا؟ الخمس, هذه الرواية من حيث المتن فيها إطلاق, يشمل عصر الحضور وعصر الغيبة أولاً, ويقول >خمسي< والخمس ليس مختصاً بأرباح المكاسب يوجد في جميع أصناف ما يجب فيه الخمس, إذن هذه الرواية من الروايات إن تم سندها من الروايات التي تثبت التحليل مطلقا, ذاك المعنى الذي كنّا نبحث عنه, وهو أنّه سواء في عصر الحضور أو عصر الغيبة وفي جميع أصناف ماذا, نعم, وقد >طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا ولادتهم< إما لتطيب أو لتزكوا على الاختلاف الموجود في النسخة, ولكن هذا لا يقيدها لماذا؟ لأنه يبين الغاية والهدف المترتب على التطييب, ولذا ذكرنا مراراً أن ذكر هذا ليس بالضرورة أنّه يقيد.

    إذن من هذه الروايات الست التي أشرنا إليها لا أقل هذه الرواية والرواية الأولى يمكن أن يقال أن فيها إطلاق تشمل كل أصناف الخمس.

    أما الرواية الأخرى: وهي الرواية السابعة في المقام, هذه الرواية من الروايات المهمة في هذا الباب وهي ما وردت في (الوسائل, ج9, ص544) الرواية الثالثة, الرواية: >عن فضالة ابن أيوب عن عمر ابن أبان التغلبي عن ضريس الكناني قال: قال أبو عبد الله الصادق: أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري, فقال: من قبل خمسنا أهل البيت, إلا لشيعتنا الأطيبين فإنّهم محللٌ لهم ولميلادهم<.

    هذه الرواية من الروايات التي استدل بها على أنّه >إلا لشيعتنا من قبل خمسنا< ومن الواضح أن الخمس خمس أهل البيت ليس مختص بأرباح المكاسب ولا بغنائم دار الحرب وإنما يشمل كل الأصناف المتقدمة, الآن قبل أن نأتي إلى المتن أعزائي لا بأس أن نقف عند سند الرواية.

    فيما يتعلق بسند الرواية هذه الرواية يوجد في سندها ضريس الكناسي, هذا الرجل كما ذكر جملة من الأعلام مشترك بين اثنين, كما ذكرنا هذا الكتاب من الكتب الجيدة لمعرفة المشترك فيهم (هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين, تأليف محمد أمين الكاظمي, تحقيق: السيد مهدي الرجائي, ص85, باب ضريس) [المشترك بين ثقة وغيره ويمكن استعلام أنه ابن عبد الملك الثقة برواية علي ابن رئاب وابن محبوب ومالك ابن عطية الثقة عنه, وعمر ابن أبان الكلبي] الذي الرواية عندنا منقولة عن من؟ عن عمر ابن أبان الكلبي عن ضريس الكناني, الكاظمي يقول هذه من القرائن على أن ضريس يراد به أي ضريس؟ ضريس الثقة لا ضريس غير الثقة غير المعلوم الحال [ووقوعه في طبقة حمران لأن ابنته كانت تحته] هذا القرينة الأولى. إذن ضريس الكناني مشترك بين ابن عبد الملك وعبد الواحد, ما الدليل, وعبد الملك, عبد الملك ثقة وعبد الواحد يعني ضريس ابن عبد الواحد الكناسي مجهول الحال لم يوثق في الكلمات. كيف نميّز؟ الكاظمي يقول: [التمييز إنما يتم بمعرفة من روى عنه].

    السيد الخوئي+ سيدنا الأستاذ السيد الخوئي في معجم رجال الحديث, ج9, ص148 إلى 150, يعني تحت ترجمة 5962, ضريس ابن عبد الملك, و5963 ضريس ابن عبد الواحد, آخر المطاف يقول بأنه أساساً هذا الإنسان ضريس الكناسي, إذا ورد في رواية عن ضريس الكناسي هو ضريس ابن عبد الملك لماذا؟ يقول: [لأنّه لم يثبت عندنا بأي روايةٍ أن عبد الواحد له رواية أصلا] إذن بهذه القرينة ندعي الانصراف عن غير الثقة إلى الثقة, هو ضريس ابن عبد الملك في [ترجمة 5966 ضريس الكناسي هو ضريس ابن عبد الملك فإنه المعروف والمشهور بين الرواة وضريس ابن عبد الواحد وإن كان كناسياً أيضاً إلا أنّه ينصرف عنه اللفظ لعدم اشتهاره, بل لم نجد له ولا رواية واحدة] يعني لم نجد له ولا رواية باسم ضريس عبد الواحد [ومن هنا يظهر أنّ كلمة ضريس متى ما أطلقت في الروايات فهي تنصرف إلى ابن عبد الملك فإنّه المشهور].

    الآن إذا ضمننا هذه القرينة الثانية إلى القرينة الأولى فالرواية تكون معتبرة, وإلا إن لم يتم ذلك, ولذا جملة من الأعلام ولعله منهم سيدنا الشهيد السيد الصدر+ قال: أن الرواية غير معتبرة لماذا؟ لأن ضريس مشترك بين الثقة وغير الثقة, فمن تكفيه هذه القرائن للاعتبار فالرواية معتبرة, ومن لا تكيفه فالرواية غير معتبرة تكون من الروايات غير المعتبرة.

    أما فيما يتعلق بمضمون هذه الرواية فقه الرواية, فيما يتعلق بفقه الرواية, الرواية كما قلنا ورد فيها >أتدري من أين دخل على الناس الزنا< التفتوا جيداً, من هنا ذكروا أن هذه الرواية مرتبطة بباب ماذا؟ بباب المناكح, ولا تشمل غيرها, ونحن حديثنا باب المناكح أو الأعم من ذلك؟ لا, حديثنا الأعم من ذلك كل أصناف الخمس, بأي بيان؟ دعوني هذه النكتة أبينا أعزائي وإن كان الوقت بدأ يضايقنا دقيقتين ثلاثة, أعزائي التفتوا ما هو المراد بباب المناكح؟ هناك تفسيرات متعددة للمراد من باب المناكح أن التحليل في باب المناكح ما معناه؟

    قول يقول: أن المراد من المناكح يعني: أنّها أمةٌ مسبيةٌ, الآن إما بغير إذن الإمام, فإما جميعها للإمام وإما خمسها للإمام, فالتصرف فيها يجوز أو لا يجوز؟ فمن تصرف فيها فيكون من التصرف في مال الغير فيكون حرام, وهذا هو المشهور في باب المناكح, عندما يقولون باب المناكح ليس مرادهم أنه تزوج امرأة بمالٍ متعلق فيه الخمس لا يذهب ذهنك إلى هناك؟ لماذا؟ لأن المهر إذا تعلق به الخمس فالنكاح صحيح أو ليس بصحيح؟ نعم, أنت أعطيت مالاً أو مهراً لامرأةٍ تعلق فيها الخمس, طيب هذا فعلك حرام لأنه كان ينبغي أن تؤدي الخمس, ولكن هذا يحرم العقد أو لا يحرم؟ يحرم الوطء أو لا يحرم؟ أصلاً دعونا نضرب مثالاً آخر, لو أن شخصاً وضع مهراً لما لا يملك كالخمر مثلاً, تزوج امرأة وجعلها مهرها ماذا؟ ما لا يملك كالخمر هذا العقد صحيح أو ليس بصحيح؟ لا إشكال ولا شبهة أن العقد صحيح والمهر ينتقل من ذاك المسمى إلى مهر المثل, انتهت القضية, لماذا؟ لأنّ المهر ليس من الأجزاء المقومة لعقد النكاح ليس مثل البيع حتى يكون باطل إذا كان الثمن أو المثمن لا يملك, ما أدري واضحة هذه النكتة أو لا؟ ولذا لا يذهب ذهنكم مباشرة عندما نقول مناكح يعني تزوج بمالٍ تعلق به ماذا؟ جعل المال أو المهر مما تعلق به الخمس, وهذا ما صرحوا به الأعلام, منهم صاحب الجواهر+, في (الجواهر, ج16, ص149) هذه عبارته يقول: [لكن في حاشية الشهيد على القواعد للمناكح تفسيران, الأول: إسقاط الخمس من السراري المغنومة حال الغبية, الثاني: إسقاط مهور الزوجات] الذي يناقش بعد ذلك هذا المعنى.

    وهذا أيضاً ما أشار إليه (السيد الحكيم+ في المستمسك, ج9, ص591) هذه عبارته, قال: [وقد اشتهر في كلام الأصحاب تحليل المناكح والمساكن ففي الأول قيل كما عن المسالك وغيرها أنّها السراري المسبية من أهل الحرب وقيل: أنها السراري الذي يشتريها بثمن فيها الخمس] ما معنى بثمن فيه الخمس؟ يعني: أن الثمن قد تعلق بعين, الخمس قد تعلق بعين الثمن لا كان في الذمة, ليس الزواج وليس المهر.

    إذن إذا اشترى أو حصل على مسبيات هذه المناكح, الرواية يقولون أنها مختصة بماذا؟ بالمناكح أما بيانه. يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 1047

  • جديد المرئيات