نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (230)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    و به نستعين

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في الموقف الخامس من أخبار التحليل, هذا الموقف كما أشرنا إليه منسوب إلى صاحب (منتقى الجُمان).

    هذا الموقف يبتني على أساس ادعاءين وعلى أساس دعويين:

    الدعوى الأولى: التي يدعيها الشيخ حسن هو أن حكم خمس أرباح المكاسب يختلف عن حكم خمس باقي الأصناف الذي وجب فيها الخمس.

    وبتعبيرٍ آخر: أنّه يوجد عندنا نوعان من الخمس لا نوعٌ واحد, صنفان من الخمس لا صنف واحد, هذه الدعوى الأولى.

    الدعوى الثانية: أن التحليل إنَّما هو لهذا النوع دون باقي الأنواع والأصناف, أن تحليل الخمس إنَّما هو لأرباح المكاسب هذا النوع من الخمس, أما الأصناف الأخرى من الخمس التي ثبتت سواء كان بالآية المباركة أو بالروايات الصحيحة والصريحة في غنائم دار الحرب في الغوص في المعدن ونحو ذلك, فهذه لا علاقة لها بأخبار التحليل, وإنما أخبار التحليل تنصب على نوعٍ عن نوع الأوّل وهو خمس أرباح المكاسب, وهنا لا فرق بين أن نقول سهم الإمام أو سهم السادة, كلّ الخمس المتعلق بأرباح المكاسب وقع عليه التحليل في عصر الغيبة الكبرى.

    هاتان الدعويان يمكن استفادتهما بشكل واضح وجلي من كلمات ابن الشهيد الثاني.

    أما الدعوى الأولى: وهي أننا لابدَّ أن نميز بين نوعين من الخمس, فهو ما أشار إليه في منتقى الجُمان, ج2, ص439) هناك يقول, التفتوا إلى العبارة سأبين أهمية هذا المطلب, هناك يقول: [إذا تقرر هذا فاعلم أن الإشكال مبنيٌ على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف] يقول: تقريباً كلمة المتأخرين من فقهاء الإمامية تصوروا أن الخمس ما هو؟ نوع واحد, فجعلوا كلّ هذه الأحكام من التحليل من التقسيم من المسؤول عن المصرف من شرائط المستحق, كلها جعلوها واحدة, ولكن هو ماذا يقول؟

    يقول: [ونحن نطالبهم بدليله] أين الدليل على أن الخمس نوع واحد, من أين جئتم بهذه الدعوى, ونضايقهم في بيان مأخذ هذه التسوية, من قال لكم أن الخمس نوع واحد فسقتم جميعه بسوق واحد وبأحكام واحدة؟ [كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم] يعني تمسك بها المتأخرون [كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم وعليها اعتمادهم ما يؤذن بخلافها] ليس الخُمس من نوع واحد بل على نوعين [بل ينادي بالاختلاف كالخبر ويعزا إلى جماعة من المتقدمين في هذا الباب ما يليق أن يكون ناظراً إلى ذلك]. إلى أن يأتي إلى (ص441) يقول: [ثمَّ إن في هذه التفرقة] يعني التفرقة بين خمس أرباح المكاسب وخمس باقي الأصناف سواء الغنائم أو الغوص أو نحو ذلك [دلالة واضحة على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس وأن خمس الغنائم ونحوها مما يستحقه أهل الآية] الخمس الذي ثبت في الآية المباركة ثابتٌ لمن لأهل الآية >لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل< [ليس للإمام أن يرفع فيه ويضع على حد ما له في خمس نحو الغلاة] هذا الذي هو ثابت له في الغلاة والتجارات وأرباح المكاسب ثابتٌ له أن يضع وأن يرفع وأن يهب وأن يحلل وأن يزيد وأن ينقص, أما ليس له ذلك في الآية, سأبين مقصوده. [وما ذاك] التفتوا, هذا الاختلاف في الأحكام [وما ذاك إلاَّ للاختصاص هناك والاشتراك هنا] اختصاص أرباح المكاسب بالإمام فله أن يفعل ما يريد, واشتراك خمس ما ورد في الآية, فلا يستطيع أن يقول كذا.

    إذن هذه الدعوى الأولى التي أشار إليها ابن الشهيد الثاني في (منتقى الجُمان).

    الدعوى الثانية: أن التحليل مرتبط بالنوع الذي هم وضعوه ورفعوه وأن التحليل لا يشمل ما ثبت في الآية, ولذا جاء في (ص443) هذه الدعوى الثانية, قال: [لا يخفى قوة دلالة هذا الحديث على تحليل حق الإمام] وقلنا المراد من حق الإمام ليس سهم الإمام في قبال سهم السادة, بقرينة ما تقدم وإنما حق الإمام يعني الخمس الذي وضعه الإمام كان من حق الإمامة, [في خصوص النوع المعروف في كلام الأصحاب في الأرباح فإذا أضفته إلى الأخبار السابقة الدالة بمعونة ما حققناه] حققه ماذا؟ فيما سبق [على اختصاصه (عليه السلام) بخمسها] يعني خمس أرباح المكاسب مختصة بمن؟ بالإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) [وعرفت وجه مصير بعض علمائنا إلى عدم وجوب إخراج الخمس بخصوصه] يعني خصوص أرباح المكاسب [في حال الغيبة, وتحققت أن استضعاف المتأخرين] يعني ما ذكره المتأخرون من تضعيف تحليل خمس أرباح المكاسب [ناشٍ من قلة التفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظر فيها بلا أن يتدققوا ويتفحصوا في هذا الأمر].

    إذن هاتان دعويان في كلمات الشيخ حسن صاحب (منتفى الجُمان).

    السؤال المطروح هنا, التفتوا وهذا يعُد مفتاح من مفاتيح بحث الخمس, والذي تقريباً الأعلام بعضٌ لم يدخل فيه, وبعض من دخل فيه أيضاً مر عليه مرور الكلام واستبعد الأمر بلا أي دليل, وهو: أن الخمس في مدرسة أهل البيت هل هو نوعٌ واحد أو نوعان؟ يعني أنت ما لم تنتهي من هذه القضية, يكون دخولك في بحث الخمس دخول تقع فيه مثل هذه الاضطرابات ومثل هذه التشويشات ومثل هذه الابهامات, أنت في الرتبة السابقة لابدَّ أن تقول إما أن تعتقد أن الخمس نوع واحد, فأي حكم أعطيته تعطيه لجميع الأصناف, واحدة من أهم الأحكام تعلمون, من أهم الأحكام مسألة تحليل الخمس, من الأحكام مسالة تقسيم الخمس, أن الخمس واقعاً ينقسم إلى سهم إمام وسهم سادة أو لا ينقسم, واحدة من أحكامه أنه بإذن من يصرف هذا الخمس, هل له متولي أو ليس له متولي, كلّ هذه الأحكام لابدَّ أن تلتفت جيداً, إذا قلت أن الخمس نوعٌ واحد فهذه الأحكام جميعاً ثابتة له, وإن قلت أن الخمس على نوعين: نوعٌ – عبروا عنه وهذا الذي وقفنا عنده تفصيلاً في الأبحاث السابقة- نوعٌ ثبت بالكتاب والسنّة وهو من الأحكام الثابتة التي تشكل جزءً من الشريعة, هذا نوع. ونوعٌ لا, هو حكم ولائي صدر من الأئمة يكون تابعاً للأحكام الولايتية الصادرة من الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    عند ذلك ما هي الثمرة المرتبة على ذلك؟ أولاً: سوف تختلف الأحكام, لأن حكم الصنف الأوّل شيء, وحكم الصنف الثاني شيء آخر, ولذا أنا بودي إن شاء الله تعالى إذا صار وقت غداً أأتي بالكتاب, سيدنا الأستاذ السيّد الخوئي عندما يأتي إلى خمس أرباح المكاسب, يقول: بأنه لا يوجد عندنا دليل على هذا التقسيم, لماذا أرباح المكاسب فيما يتعلق بغنائم دار الحرب هذا التقسيم موجود, أما في أرباح المكاسب ما الدليل؟ يقول باعتبار أنه من نوع واحد, فيسري حكم غنائم دار الحرب إلى أرباح المكاسب لا لوجود الدليل, بل لأنه نوعٌ واحد, وهذا معناه أن الأثر يظهر واحدة من الآثار واحدة من النتائج هنا تظهر, وهو أنه أنت إذا قلت من نوع واحد فتقول الأحكام واحدة, أما إذا كان الخمس من نوعين؟ فبطبيعة الحال لابدَّ أن نبحث أحكام النوع الأوّل وأحكام النوع الثاني. هذا أولاً.

    وثانياً: وهذا بحث موكول إن شاء الله تعالى إلى بحث التعارض الذي الآن نحن بصدده وهو أنه: أساساً أحكام الشريعة إنَّما تتعارض إذا كانت من نوع واحد أما إذا تعددت الأنواع فلا تعارض بينها. يعني: أن المولى بالعنوان الأولي يقول هذا حلالٌ, كما قال سيدنا الشهيد في قاعدة الفراغ أو في منطقة الفراغ, بالعنوان الأولي الأمر مباح, ولكن بالعنوان الثانوي ما معنى العنوان الثانوي يعني الحكم الولائي الصادر من الإمام أو الصادر من الفقيه الجامع للشرائط يكون قد يكون واجبا, وقد يكون حراماً.

    السؤال: يوجد تعارض بين الحكمين أو لا يوجد؟ لا, كما ذكرنا مراراً أنه لا تعارض بين الأحكام الأولية وبين الأحكام الثانوية, التفتوا, فإذا ثبت أن الخمس من نوعين إذن يوجد تعارض بينهما أو لا يوجد؟ حكمٌ يقول أنه لا تحليل وحكمٌ يقول تحليل, فإذا ثبت أن التحليل في شيء وعدم التحليل في شيء آخر, فلا تعارض هذا من موارد توهم التعارض لا من موارد التعارض الحقيقي.

    إذن التفتوا آثار عظيمة تظهر على هذه النتيجة وعلى هذه القضية, وهي: أنه هل أن الخمس نوعٌ واحد أو أن الخمس نوعان؟

    المشهور تقريباً المشهور وعليه الفتوى بين أعلامنا المعاصرين تقريباً هو أنه الخمس من نوع واحد. ومن القدماء أيضاً من المتأخرين وقبل المتأخرين وإلى آخره.

    ولذا كلّ من جاء وناقش, أنظروا كلمات الذين كتبوا في الخمس من المعاصرين, كلّ من جاء إلى كلمات الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني صاحب كتاب (منتقى الجُمان) أول إشكال أخذه على الشيخ ماذا قال؟ قال: نحن لا نعرف أن الخمس على نوعين وإنما هو نوع واحد, فلا معنى للتمييز في أحكامهما أن نقول هذا فيه تحليل وهذا لا يوجد, فإن كان هناك تحليل ففي الجميع وإن لم يكن هناك تحليل ففي الجميع.

    ممن أشار إلى ذلك, أعزائي هو نفسه صاحب الحدائق+ في (الحدائق, ص464, ج12) قال: [وبالجملة فالظاهر إنَّما هو ما قدمناه من أن الخمس مطلقا] التفتوا جيداً, لا معنى للتمييز بين خمس أرباح المكاسب وباقي الأصناف لا لا, الخمس مطلقا, [وإن كان مشتركاً بينهم وبين الأصناف إلاَّ أن لهم الاختيار فيه] عجيب التفتوا هذا الإشكال الذي أشكلنا به الأمس على صاحب الحدائق, قلنا: تقبل أنه مشترك بين الإمام وبين السادة, جيد. [وأن لهم الاختيار فيه] جيد لماذا هذا الاختيار في عصر الحضور دون عصر الغيبة, إما لا اختيار لهم غيبةً وحضوراً, إما لهم الاختيار غيبةً وحضوراً, نحن لا نفهم التمييز بين الغيبة وبين الحضور, [كيف شاءوا وأرادوا ولا اعتراض عليهم لأن الأرض وما خرج منها لهم] وقلنا أن هذا الاستدلال خلطٌ فيه بين الولاية التكوينية أو الملكية التكوينية والملكية التشريعية.

    وهذا أيضاً من الذين أشاروا إلى هذه الحقيقة أيضاً ما ورد في كتاب (فقه الشيعة) من الكتب المفصلة واقعاً في كتاب الخمس وكثير مما كتب في كلمات الخمس تقريباً أصلها موجود في هذا الكتاب, (فقه الشيعة, ج2, للسيد آية الله السيّد محمد مهدي الخلخالي) هناك بعد أن يشير إلى هذا المعنى, يقول: [ومحصل دعواه أمران: تخصيص التحليل بخمس الأرباح, الثاني: تشريع خمس الأرباح من قبل الأئمة وأن جميعه لهم] هذا الثاني ليس مراده هذا, هو يريد أن يشير إلى أنه من نوعين لا من نوع واحد تشريع إلهي وهو الصحيح, يقول: [وأما الأوّل فيرده إطلاق.. وأما الثاني: فيرده استدلال الإمام فكيف يكون من تشريعات الإمامة] لا نوافق على أن الخمس على نوعين, بل هما على نوع واحد.

    جيد, هذا هو تمام الكلام في هذه الدعوى.

    ما هو مختارنا أعزائي, الجواب: نحن نوافق الشيخ حسن في الدعوى الأولى ونختلف معه في الدعوى الثانية, لأنه قلنا بأنه يقوم على ركنين على دعويين: الدعوى الأولى: التمييز بين نوعين من الخمس, وهذا هو الحق في المسألة وهذا هو مختارنا وعلى أساسها لا في البحث العلمي وعلى أساس ذلك أيضاً نفتي أنه هذا حكمه غير ذاك. فلذا لا دليل على أن كلّ الأحكام الثابتة للخمس الثابت بالتشريع الثابت هي ثابتة للخمس الثابت بالتشريع المتغير, هذا له نوعٌ وذاك له نوعٌ آخر.

    ولذا نحن لا كما قلنا من الناحية العلمية, بل من الناحية الفتوائية, هذا التقسيم حتّى لو سلّمناه في النوع الأوّل -سهم الإمام وسهم السادة- في النوع الأوّل سلّمناه في هذا الصنف هذا النوع من الخمس فلا إشكال أنه لم يثبت عندنا في النوع الثاني.

    ولذا نفتي على أنه أساساً لا معنى للتمييز بين سهم الإمام وسهم السادة في أرباح المكاسب, وأنه جميعه مرتبط بالولي مرتبط بالإمام ولا مجال لهذا التقسيم, لأن ذاك التقسيم مرتبط بحسب الآية بشيء آخر.

    اللهم, إلاَّ أن يذهب إلى ذلك أحد ويقول لا, أرباح المكاسب أيضاً ثابت بالآية المباركة, فإذا كما قال جملة من الأعلام ومنهم السيّد الخوئي, فإذا ثبت أن خمس أرباح المكاسب ثابت بالآية إذن كلّ التقسيم الثابت لغنائم دار الحرب أيضاً ثابت لأرباح المكاسب, ولكن حيث أننا لم يثبت عندنا أن خمس أرباح المكاسب ثابتة بمقتضى الآية إذن له حكمٌ يختلف عن باقي الأحكام. إذن هذه الدعوى الأولى.

    إذن الدعوى الأولى نحن لا نختلف عليها أبداً مع الشيخ. ورأينا في هذا رأي الشيخ حسن ورأينا في هذا رأي جملة من القدماء الذي أشار إليهم الشيخ حسن, إذن القضية لسنا ممن ينفرد بهذا الرأي, وإنما جملة من أعلام فقهائنا المتقدمين أيضاً كانوا يذهبون أن خمس أرباح المكاسب شيء وخمس ما ثبت بالآية شيءٌ آخر.

    ولذا ميزوا بينهما, التفتوا إلى العبارة, ولذا قال بأنه في عبارته (ص444) يقول: [عرفت وجه مصير بعض قدمائنا] قدماء الإمامية [إلى عدم وجوب إخراج الخمس بخصوصه في حال الغيبة وتحققت أن استضعاف المتأخرين له] لهذا القول [ناشٍ من قلة التفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظري] هنا صاحب الحدائق يحمل حملة شديدة على من؟ على الشيخ حسن وهو أنه كيف تتهم الفقهاء بأنَّه هؤلاء قلة التفحص ولا يعرفون معاني الأخبار, بعبارة أخرى: لماذا تشتم بهذه الطريقة شتائم علمية, يعني ماذا أن الفقهاء ما يدققون يعني ماذا أنهم لا يعرفون معاني الأخبار, يعني ماذا أنه فقط ينظرون كتاب ويفتون, آخر هذه تهم لا يمكن قبولها ويدخل في بحث .. بإمكان الإخوة يراجعونه في الحدائق. جيد.

    إذن الدعوى الأولى تامة عندنا.

    وأما الدعوى الثانية: وهي: أن التحليل مختص بأرباح المكاسب دون باقي أصناف الخمس. هذا الكلام غير تام لما يلي:

    أولاً: أن النصوص الواردة في التحليل واضحٌ فيها وضوح الشمس أن التحليل كما هو ثابت لأرباح المكاسب ثابتٌ لغير أرباح المكاسب, روايات صحيحة صريحة واضحة لا تجعل التحليل مختصاً بأرباح المكاسب.

    من ذلك هذه الرواية الواردة في (وسائل الشيعة, ج9, ص548, الحديث رقم 12) رواية معتبرة وصحيحة السند كما قلنا, >قلت لأبي عبد الله إني كنت وليت الغوص< إذن البحث في أرباح المكاسب أو في الغوص؟ إذن داخل في النوع الأوّل أو في النوع الثاني؟ في النوع الأول لأنه أرباح المكاسب شيء وغنائم دار الحرب ومعدن وغوص شيء آخر؟ >فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لك وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا, فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاَّ الخمس, يا أبا سيّار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا, قال: قلت له: أنا أحمل المال كله إليك, فقال لي: يا أبا سيّار قد طيبّناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحللٌ لهم ذلك إلى أن يقوم فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم<.

    أولاً: هنا التحليل واردٌ في الغوص, وليس في أرباح المكاسب, وثانياً: أنه في الأرض, أيضاً ليس في أرباح المكاسب.

    إذن التحليل لو كان مختصاً كان ينبغي أن يقيد غلاة وتجارات, هذه رواية.

    رواية ثانية -التي هي أصرح من الرواية الأولى- وهي: (الرواية رقم 14, ص549, رقم الرواية 12688) الرواية: >دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده فإذا نجيَ قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجئنا فجثى على ركبتيه ثمَّ قال: جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلاَّ فكاك رقبتي من النار, فكأنه رق له فاستوى جالساً فقال يا نجيَ سلني فلا تسألني عن شيء إلاَّ أخبرتك به, قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان, قال: يا نجيَ أن لنا الخمس في كتاب الله< إذن الإمام يتكلم عن أي خمس؟ يتكلم عن الخمس الثابت يعني عن الخمس من النوع الأوّل إن صح التعبير لا الخمس من النوع الثاني >أن لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله< التفتوا جيداً إلى أن قال: >اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا<. إذن التحليل مرتبط بالنوع الأوّل أو بالنوع الثاني؟ بالنوع الأوّل يعني الثابت بآية القرآن, وهو يقول أن التحليل ثابت فقط لأرباح المكاسب. واضحة أنها على خلاف ذلك. هذا أولاً.

    طبعاً, هناك شاهد قوي على أنه ليس مختصاً, هو أنه في كثير من الروايات >ليطيب مولدهم< وطيب المولد لا أقل من أوضح مصاديقه الإماء المسبية والإماء المسبية مرتبطة بالنوع الأوّل أو بالنوع الثاني؟ بالنوع الأوّل, لأنه غنائم دار الحرب هذه, من أوضح مصاديق الآية والإمام أيضاً يحلل في هذا المجال.

    وثانياً: أن هذا التحليل لو كان تحليلاً متأخراً لورد فيه هذا الاحتمال يعني احتمال أنه مرتبط بأرباح المكاسب ولكن هذا التحليل بحسب النصوص الموجودة عندنا ثابتٌ من أمير المؤمنين برواياتٍ صحيحة, يعني بعد لم يأتي خمس أرباح المكاسب, باتفاق الكلمة إلاَّ من ليس له فهمٌ في النصوص واقعاً, أن خمس أرباح المكاسب إنَّما ظهر في زمن من؟ في زمن الإمام الصادق وما بعد ذلك؟ وما جمعه البعض من رسائل النبي وغيرها ما كانت مرتبطة بأرباح المكاسب مرتبطة بالغوص مرتبطة بالمعدن مرتبطة بأمور أخرى لم ترتبط بأرباح المكاسب.

    إذن من خلال الروايات التي أثبتت التحليل قبل أن يوجد أرباح المكاسب, إذن هذا التحليل مرتبط بأرباح المكاسب سالبة بانتفاء الموضوع أصلاً أرباح المكاسب لم تكن موجودة حتّى نحتاج إلى تحليل خمسها, والروايات الواردة أيضاً ليست قليلة وجملة منها معتبرة.

    منها: هذه الرواية الواردة في (وسائل الشيعة, ص543, الحديث رقم 1) الرواية صحيحة السند وهي رواية صحيحة الفضلاء >قال أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وأن شيعتنا من ذلك وأبناءهم في حلٍ< من الواضح أن هذا التحليل ليس تحليلاً مرتبط بأرباح المكاسب لأنه بعد لم يوجد خمس أرباح المكاسب حتّى يحلل أو لا يحلل, هذه الرواية الأولى.

    الرواية الثانية, طبعاً في (الباب الرابع: باب إباحة حصة الإمام, الرواية 2, ص547 وهي الرواية العاشرة وهي أيضاً صحيحة السند, رقم الرواية 12684) >قال أمير المؤمنين لفاطمه ‘ أحلي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا, ثمَّ قال أبو عبد الله إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا< أيضاً الإمام أمير المؤمنين يقول للزهراء.

    الرواية الثالثة (ص552, في نفس الباب, رقم الرواية 12694) الرواية تفسير الحسن العسكري على الكلام في التفسير, >عن أمير المؤمنين قال< وهي جمع القرائن كما تعلمون لأنه هذا المعنى الرياضي للسند لم نعتني به, >عن أمير المؤمنين أنه قال لرسول الله’ قد علمتَ يا رسول الله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولى على خمسي من السبيّ والغنائم ويبيعونه فلا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه, فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئاً من ذلك من شيعيتي لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب ومواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام, فقال رسول الله’< بينّا المراد من أولاد حرام؟ يعني شركة الشيطان لا أنه أولاد زنا كما يصطلح بعض العوام على ذلك, ليس المراد الزنا الفقهي وإنما البحث الآخر, من قبيل أنه إذا أكل الإنسان مال الحرام وولد له ولدٌ؟ طيب أيضاً هنا للشيطان شريك, ولكن طيب لا يكون ابن زنا هذا بالمعنى الفقهي. >فقال رسول الله’ ما تصدّق أحدٌ أفضل من صدقتك وقد تبعت رسول الله في فعلك أحل الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبي على واحد من شيعتي ولا أحلها أنا ولا أنت لغيرهم< طيب الروايات واضحة أن التحليل إنَّما جاء قبل, وهي واضحة الروايات أنها أعم من خمس أرباح المكاسب.

    اللهم إلاَّ أن يقول قائلٌ: بأنه نحن لا علاقة لنا -كما قال صاحب الحدائق- قال: نحن لا علاقة لنا بالتحليلات التي صدرت من باقي الأئمة, نحن ننظر إلى التحليل الوارد عن الإمام الثاني عشر باعتبار أنه هو إمامنا وهو ولي أمرنا, إذن ننظر إلى التحليل فمن قال لكم أن التحليل الصادر من الإمام الثاني عشر هذا ليس التحليل قبل ثبوت أرباح المكاسب بل هو تحليل بعد ثبوت أرباح المكاسب, فلو تم هذا الكلام في كلمات الإمام أمير المؤمنين وباقي الأئمة فلا يتم في كلام الإمام الثاني عشر (عليه أفضل الصلاة والسلام).

    الجواب: أنتم انظروا إلى التحليل الوارد في كلمة الأئمة وكذلك الإمام الثاني عشر أن الأئمة يعبرون بصيغة الجمع, يقول >أننا أحللنا< فكأن التحليل تحليل واحد لا تحليلات متعددة.

    والشاهد الآخر: أنه في التوقيع الصادر يقول: >وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا< صيغة الماضي والمبني للمجهول يعني يريد أن يقول أن هذا التحليل الصادر مني لا يتبادر إلى ذهنكم غير ذلك التحليل الصادر عن آبائي وأجدادي ونفس ذلك التحليل, وحيث أن ذلك التحليل لم يكن مختصاً بأرباح المكاسب بل كان موجوداً قبل وجود أرباح المكاسب فهذا التحليل أيضاً بهذا البيان بهذه الصيغة بهذا اللون من التعبير يشير إلى ذلك النوع من التحليل.

    إذن هذا الموقف الخامس أيضاً في ركنه الثاني وأن التحليل مختصٌ بأرباح المكاسب دون باقي الأنواع أو دون باقي الأصناف كلام غير تامٍ.

    الموقف السادس يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 902

  • جديد المرئيات