نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (233)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    و به نستعين

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في الموقف السادس الذي ذكره الأعلام فيما يتعلق بالجواب عن أخبار التحليل.

    هناك خصوصية في أخبار التحليل لعلنا نادراً نجد هذه الخصوصية في غير هذا المقام وهي: أنّنا نجد أنّه اتفقت كلمة أئمة أهل البيت على التحليل, المسائل الواردة عن أئمة أهل البيت مختلفة بعضها ترد عن إمام عن إمامين أو ثلاثة, بعضها ترد على المتقدمين ولا ترد عن المتأخرين من الأئمة, بعضها من المتأخرين ولا ترد من المتقدمين, ولكنّ أخبار التحليل جاءت متفقة في كلمات أئمة أهل البيت ابتداءً من النبي الأكرم’ ومروراً بالإمام أمير المؤمنين وبسيدة نساء العالمين وباقي الأئمة إلى الإمام الثاني عشر, وبلسانٍ واحد >أحللنا ذلك لشيعتنا< الضمير أنّه يظهر أنه أساساً من مسلمات فقه أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    مضافاً إلى الروايات التي يقطع الإنسان بصدورها إجمالاً عن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    من هنا اهتم فقهاء مدرسة أهل البيت بأخبار التحليل وما ينبغي أن يُجاب عنها.

    في الموقف السادس كما أشرنا قلنا أن هذا الموقف يبتني على محاور ثلاثة:

    المحور الأوّل -الذي يبتني عليه-: هو أنّه يفترض أنّ الخمس نوعٌ واحد, بمعنى: أنّه هو الثابت بحسب الكتاب والسنّة, الخمس واجب كما في آية سورة الأنفال حيث ثبت أن الله سبحانه وتعالى أوجب الخمس, وهذا الخُمس لا يفرق فيه بين أن يكون في غنائم دار الحرب أو أن يكون في أرباح المكاسب والتجارات ونحوهما.

    وهذا أصلٌُ موضوعي مهم ليس فقط في هذا الوجه, بل هو لعله المشهور بين المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين, من أن الخمس نوعٌ واحد, كما أنّ الحج واجبٌ بأصل الشريعة, الخمس بجميع أصنافه أيضاً واجبٌ بأصل الشريعة, كما أن الصوم واجبٌ بأصل الشريعة يعني صوم شهر رمضان, كذلك الخمس واجب بأصل الشريعة, وهذا ما أشرنا إليه فيما سبق.

    المحور الثاني: أنّ أخبار التحليل التي وردت وقلنا بأنها مقطوعة الصدور فيها إطلاق, نتكلم في هذا الموقف السادس, فيها إطلاقٌ يشمل خمس مال نفس الإنسان وخمس المال الذي وصل من الغير إلى الإنسان, يعني أن الخمس كان قد تعلق بالمال قبل أن ينتقل إلينا, كان الحق ثابت فيه, ثمَّ انتقل إلينا المال مع الخمس الثابت فيه, لا أنه تعلق الخمس في أموالنا, لا لا, تعلق الخمس في أموال الآخرين.

    هذا المعنى الذي أشار إليه كما أشرنا في (فقه الشيعة, ج2, ص728) هذه عبارته هناك, قال: [الطائفة الثانية الروايات المطلقة في تحليل الخُمس وهي الدالّة بإطلاقها على تحليل الخمس للشيعة, سواءً المنتقل إليهم من غيرهم] يعني: بعد تعلق الخمس بأموالهم, [أو المتعلق بأموال أنفسهم, إذ من المعلوم أن ثبوت اليد على الأوّل يوجب الضمان وعلى الثاني يوجب الأداء, وأثر التحليل] أخبار التحليل ماذا [ترفع الضمان في الأوّل وترفع الأداء في الثاني] هذا هو المحور الثاني في هذه الأخبار.

    المحور الثالث: أن الروايات الدالّة على قبض الخمس ووجوب الخمس وطلب الخمس من الشيعة, هذه خاصّةٌ بأموال الشيعة يعني الأئمة عندما طالبوا شيعتهم ونصبوا الوكلاء لذلك لم يطالبهم بمطلق الخُمس سواء بالضمان أو بالأداء, وإنما طالبوهم فقط بالأداء ما يتعلق بأموال أنفسهم, وهذا هو المحور الثالث.

    بناءً على ذلك, واضحة النتيجة ماذا تكون؟ أن أخبار التحليل مطلقة تشمل الضمان والأداء وأخبار طلب الخمس مقيدة مختصّة بالأداء, فنقيد إطلاق أخبار التحليل بهذه الروايات التي دلّت والنتيجة ما هي؟ أن أخبار التحليل إنَّما تختص بالمال الذي انتقل من الغير إلينا, الشيعي ليس ضامناً بإزائها, نعم الآن هناك بحث آخر لعلنا نعرض له, وهو: أنّه أساساً لم يؤدي ذلك الشخص الخمس وهو معتقدٌ به أو لم يؤده باعتباره أنه منكرٌ لوجوب الخمس, يعني: هل هو مختصٌ بالكافر والمخالف أو يشمل الشيعي الذي لم يؤدي الخمس, وهذا بحثٌ آخر سنقف عليه.

    ولذا النتيجة التي انتهينا إليها كما أشار إليها في (فقه الشيعة) وهي: نقيد إطلاق روايات تحليل الخمس بالروايات الدالة على طلب الخمس من الشيعة, وهذه الأعزة يراجعوه في (فقه الشيعة, ج2, ص737).

    أعزائي, وهذا هو المشهور لا أقل بين المتأخرين وبين المعاصرين, ولعلّه إذا يتذكر الأعزة قرأنا من (السيّد الحكيم في المستمسك+) قال: [لعله أدعي الإجماع عليه] طبعاً مثل هذه المسائل من الواضح لا يمكن دعوى الإجماع فيها, لأنه مسألة خلافية بين الفقهاء.

    إذن, الأعزة وبإمكانهم هذا القول إذا يريدون أن يراجعوه, يراجعوه في (الجواهر, ج16, ص141) وكذلك في (مصباح الفقيه, ج14, ص265) وكذلك ما أشار إليه في (المستمسك, ج9, ص596). ثمَّ أشرنا في البحث السابق إلى أن (السيّد الهاشمي في كتاب الخمس, ج2, ص67) أيضاً ذكر هذا الوجه, ولم يعلّق عليه بل دافع عن الإشكالات التي أوردت على هذا الوجه دفع تلك الإشكالات وانتهى إلى نفس هذه النتيجة. الأعزة بإمكانهم أن يرجعوا إلى كتاب (الخمس, ج2, ص67) هناك تحت عنوان: [الوجه الخامس: أن مقتضى الجمع بين أخبار التحليل والروايات الكثيرة الدالة على التشديد من قبلهم في أمر الخمس والمطالبة به وأخذه هو القول باختصاص التحليل بما تعلق به حقهم قبل أن يقع في يد الشيعي لا مطلقا] إلى أن يأتي في (ص72) يقول: [فيجمع بينها وبين ما هو مطلق من روايات التحليل بالتخصيص فيثبت القول المشهور] ثمَّ يأتي في (ص74) يقول: [ولعل فتكون هذه المكاتبة] مكاتبة التي أشرنا إليها من الإمام (عليه السلام) [فتكون هذه المكاتبة بنفسها صالحة لأن تكون شاهدة على الجمع والتفصيل المذكور الذي أشرنا إليه].

    هذا هو الموقف السادس الذي ذكره هؤلاء الأعلام.

    هذا الموقف تامٌ أو ليس بتام؟

    قلنا: بأنَّ هذا الموقف يبتني على المحاور الثلاثة المتقدمة:

    أما المحور الأوّل: وهو أن الخمس من نوعٍ واحد, لا من نوعين.

    الجواب -بنحو المبنى والفتوى- نقول: أننا لا نوافق على هذا الأصل, ليس الخمس الثابت في فقه أهل البيت -كما نعتقد- هو من نوع واحد, بل الخمس الثابت في نصوصنا – كما نعتقد ونفهم- أنه على نوعين:

    النوع الأوّل: هو الثابت بمقتضى الآية المباركة.

    النوع الثاني: هو الخمس الثابت بمقتضى الحكم الولايتي الصادر من بعض الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    ما هو الفارق الأساسي بين هذين النوعين من الأحكام؟

    الجواب: أن النوع الأوّل من الأحكام ثابتٌ ويُعد جزءً من الشريعة, وبعبارة أخرى: يكون حلاله حلالٌ إلى يوم القيامة, وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة, كالصوم صوم شهر رمضان, والحج و… إلى غير ذلك من الأحكام, وهذا هو الثابت في الآية المباركة: {إنَّما غنمتم من شيء}.

    النوع الثاني: وهي الأحكام التي صدرت من الأئمة بحكم ولائي منهم لاقتضاء الحكمة والمصلحة وظروف الزمان والمكان في ذلك.

    ما هو أهمية خصوصية في هذا النوع من الأحكام؟ أنها ليست جزءاً من الشريعة أولاً, وثانياً: متغيرة من ظرفٍ إلى آخر, ومن زمانٍ إلى آخر, ومن شروط إلى أخرى. ولذا وجدنا بشكل واضح أن خمس أرباح المكاسب والتجارات لم يكن له أصلٌ إلى زمن الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) وهذا متفقٌ بينهم تقريباً, متفقٌ أنه لا أثر لهذا الحكم في كلمات الأئمة السابقين على الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام). نعم اختلفوا في تفسير هذه الظاهرة, في توجيه هذه الظاهرة.

    وهذه من النقاط الأساسية في فقهنا عموماً, نحن نعتقد أن كثيراً من الموارد التي ادعي أنه يوجد تعارض في الواقع أنه لا تعارض, لماذا؟ لأن الحكم الأوّل حكمٌ أصلي جزءٌ من الشريعة, والحكم الثاني حكمٌ ولايتي ليس جزءاً من الشريعة, نعم أنت فرضت الحكم الثاني جزء من الشريعة فصار عندك توهم التعارض بين الحكم الأوّل وبين الحكم الثاني.

    أعزائي, ما هو دليلنا على هذه الدعوى؟

    الدليل الذي ندعيه على هذه الدعوى, هي الرواية المفصلة التي وقفنا عندها تفصيلاً, الأعزة الذين يريدون أن يراجعون, نحن بحثنا هذه الرواية في الدروس الإخوة الحاضرين, في الدروس 159- 160- 161 من السنة الماضية. هذه الرواية واردة في (وسائل الشيعة, ج9, ص501) وهي صحيحة علي بن مهزيار, التي هي من حيث السند لم يختلف أحدٌ في أنها تُعد من الروايات الأعلائية من حيث السند. هذه الرواية أشارت إلى هذه النقاط, وهي:

    أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) كما شرحنا ذلك في محله, أنّه بيّن أنّ الخمس على نحوين, كيف؟ لأنّه أشار, التفتوا, لأنّه قال في مقطعٍ من الرواية: >فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كلّ عامٍ, قال الله تعالى< إذن هنا قال الغنائم والفوائد واجبة, بأي دليل؟ بدليل الآية, ما قال أوجبت, فعلتُ, خففتُ, قلتُ … أبداً أبدا, مباشرةً عندما قال واجبة استدل على ذلك بالآية المباركة, قال: >فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كلّ عام, قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء}< جيد هذا النوع الأوّل الذي أشرنا إليه وهو الثابت الذي هو جزءٌ من الشريعة.

    أما النوع الثاني, التفتوا الإمام (عليه السلام) ما هي تعبيراته. تعبيرات الإمام (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هذه, في (ص501 من الرواية) يقول: >فعلمتُ ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلتُ في عامي هذا من أمر الخمس< بينكم وبين الله هل أن الإمام تجدون في كلّ نصوصهم أنهم تعاملوا مثلاً مع الصلاة بما فعلتُ, بما أوجبت, بما قلتُ هكذا؟ في الصوم عندهم هكذا تعابير, في الحج عندهم هكذا تعابير, ولكن الإمام هنا ماذا يقول؟ بما فعلتُ, التفت هذه عبارة.

    عبارة ثانية, يقول: >ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام< أيضاً نسب الوجوب إلى نفسه >ولا أوجب عليهم< أيضاً نسبه إلى نفسه >ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ ولا آنيةٍ< لماذا يا ابن رسول الله كلّ ذلك؟ >تخفيفاً منّي عن مواليّ ومنّاً منّي عليهم< وأيضاً العبارات >وأمّا الذي أوجب من الضياع< في آخر الرواية >وأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كلّ عامٍ<.

    فكأن الإمام (عليه السلام) يتكلم عن قضية مرتبطة بنفسه, وضعاً ورفعاً وتخفيفاً وتشديداً, مرةً يخفف ومرة يشدد أين يشدد؟ يقول: >ولا أوجب عليهم إلاَّ الزكاة التي فرضها الله عليهم وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة< وأنتم تعلمون أن الذهب والفضة من موارد الزكاة أم من موارد الخمس؟ من موارد الزكاة, ولكن الإمام في هذه السنة خفف من جهة ولكنّه شدد من جهة, ولكن شدد على من؟ على الذين يملكون الذهب والفضة, الذين يملكون الذهب والفضة الفقراء أو الأغنياء؟ لأن الفقير ما عنده ذهب وفضة حتّى أنه يدفع الخمس.

    إذن تجدون واضح أنه من جهةٍ يخفف ومن جهةٍ يشدد ومن جهة يعفو, ثمَّ بعد ذلك يتصرف, يقول: >فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كلّ عامٍ فهو نصف السدس< واحد من اثنا عشر لا خمس.

    ولذا نحن بهذه القرائن التي هي غير معهودة في الأحكام الثابتة من كلمات أهل البيت, أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لا تجد في أي موردٍ في أحكام الحج في أحكام الصوم, في أحكام الصلاة يتعاملون معها أوجب أخفف أشدد أفعل لا أفعل إلى غير ذلك.

    ولذا تجد جملة من الأعلام ومنهم السيّد الخوئي+, عندما وصل إلى هذه العبارات قال: هذه كلها تكشف عن أنه كأنه يتصرف بهذا الخمس أنه مالٌ شخصي له. وحقٌ له وصادر منه مباشرة, أنظروا إلى (المستند) ما استطيع أن أقف طويلاً لأن البحث تقدم في (ص203 إلى ص206) هذه عباراته هناك, يقول: [وأما مع التنازل عن ذلك ودعوى ظهورها في إيجاب الخمس فيهما بعنوانهما الذاتي] يعني الذهب والفضة [حتّى لو لم يتعلق بهما خمس الأرباح كما لو كان إرثاً وحال عليها.. لما عرفت من أنه (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقا, بل أوجب عليهم الخمس في خصوص سنته هذه] هذه العبارة هل تنسجم مع الحكم الشرعي الثابت, هذا مورد.

    وكذلك في (ص204) [أقول: ما ذكره من عدم .. بداهة أن الصحيح من بدايتها إلى نهايتها تنادي بأعلى صوتها بأنه (عليه السلام) في مقام تخفيف الخمس إما بالإلغاء محضاً كما في المتاع والآنية, أو بالإلغاء بعضاً كما في الضيعة و .. إلى غير ذلك] طيب إذا كان حكماً.

    طبعاً هنا التفتوا لا يقول لنا قائل: أن الإمام له الولاية على التصرف, لا أعزائي, أن الإمام له الولاية على التصرف في المال لا على التصرف في النسب الثابتة في الشرع, نعم بعد أن يجب الخمس, نعم الفقيه أو المرجع أو الإمام يقول نعم هذا خمسك واجب لكن لظروفك الآن أرجع إليك ربعه نصفه, لا أنه أجعل الخمس الواجب أجعله نصف السدس, هذه ليست من ولاية الإمام, التفتوا لا يصير خلط بين المطلبين, الإمام لم يقل بأنه أنا أتصرف في المال باعتبار أنا ولي, بلي هذا له الصلاحية, ولكنه يلغي الخمس يقول هذه السنة الخمس غير واجب. وهل يمكن لأحد أن يقول هذه السنة الصلاة ليست واجبة, اليوم الصلاة ليست واجبة, هذا الشهر الصوم ليس بواجب إلى آخره, وموارد أعزائي تراجعوها هناك.

    نفس هذا الكلام وهو أنه لا ينسجم حتّى مع الأحكام الولايتية أشار إليه الفقيه الهمداني في (مصباح الفقيه, ج14, ص101) هذه عبارته, قال: [والغنائم] إلى أن قائل [والفائدة] [أقول صدر الرواية صريحة في أن ما صنعه في تلك السنة من وضع الخمس على بعض الأشياء, كما في الذهب والفضة, [ورفعه عن بعضٍ كان مخصوصاً بتلك السنة] وهذا يكشف عن أنه إذن ماذا؟ كما كان وضعه ورفعه بيده إذن لا يمكن أن يكون من الأحكام الثابتة.

    ولذا, هذا المعنى جعل سبباً في الطعن في الرواية, يعني هذه التعابير التي صدرت في الرواية, أوجب, أفعل, فعلتُ, تخفيفاً مني, تشديداً, ونحو ذلك صارت واحدة من أهم الإشكالات الواردة على هذه الرواية, قالوا هذه لا تنسجم مع مذاق أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أئمة أهل البيت في أي موضع من المواضع تصرفوا في الأحكام وكأنه هو بيدهم يفعلون ما يشاؤون, في (كتاب منتقى الجُمان, للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني, ج2, ص439) قال: [الإشكال الأوّل: إن المعهود والمعروف من أحوال الأئمة أنّهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول’ وأطلعهم عليه وأنّهم لا يغيّرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ] الآن هذه اجعلوا علامة استفهام أن الأئمة لهم حق النسخ أو لا له بحث آخر, الآن ما أريد أن أدخل في هذا [فكيف يستقيم قوله] أي قول الإمام الجواد [في هذا الحديث: >أوجبت في سنتي, ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام< من العبارات الدالة على أنه يحكم في هذا الحق بما شاء واختار] هذا منشأ للطعن ماذا؟ لأنه لا ينسجم مع لغة أهل البيت مع خطاب أهل البيت مع بيانات أهل البيت أنهم يتعاملون مع الأحكام الشرعية الثابتة بلغة وضعت رفعت خففت جعلت فعلت إلى آخره.

    هذا أعزائي هذا الإشكال ومن أهم الإشكالات هذا على الرواية, هذا الإشكال صار سبباً لأن جملة من الأعلام طعنوا في هذه الرواية أنها مضطربة المتن, واحدة من أسباب طعن الأعلام في رواية صحيحة علي ابن مهزيار أنها مهجورة أنها مضطربة المتن, أنه لم يعمل بها أحد من الأصحاب ونحو ذلك يعني الإعراض, منشأه واحدة من الأسباب ماذا؟ هذا الإشكال, وهو أنه هذا لم يعهد من الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

    ولذا أنتم تجدون في (مجمع الفائدة والبرهان, للمولى الأردبيلي, ج3, ص315) يقول: [وهذه مكاتبة طويلة وفيها أحكام كثيرة مخالفة للمذهب, مع اضطراب وقصور عن دلالتها لعدم ذكر ..] إلى آخره, هذا مورد.

    وكذلك ما ورد في (مدارك الأحكام للسيد العاملي, ج5, ص383) قال: [وأما رواية علي ابن مهزيار فهي معتبرةُ السند لكنها متروكة الظاهر من حيث اقتضائها وجوب الخمس فيما حال عليه الحول من الذهب والفضة] ومن الواضح بأنه لا علاقة بالخمس بالذهب والفضة. هذا يكشف عن أنه إذن مضطربة المتن وليست على القواعد, هذا المورد الثاني.

    المورد الثالث: ما ورد من جملة من الأعلام المعاصرين كالسيد محمد هادي الميلاني في محاضرات في فقه الإمامية في كتاب الخمس, ص93) قال: [والحاصل: أن الصحيحة بعدُ إن لم يعتمد عليها أصحابنا من السلف والخلف فظاهرها غير مراد, مضافاً إلى ما في متنها من أنحاء الاضطراب المانع من الوثوق بصدوره] هذا أيضاً كذلك.

    وعلى أثر هؤلاء أيضاً ما ذكره (السيّد الروحاني في المرتقى إلى الفقه الأرقى في كتاب الخمس, ص33 إلى ص36) قال: [وأما مكاتبة علي ابن مهزيار وهي وإن كانت بحسب السند صحيحة إلاَّ أنها بحسب المتن مضطربة جداً بحدٍّ أوجب الاطمئنان الشخصي بعدم صدورها من المعصوم وإليك فقرات منها كشاهد صدق على ما ادعيناه من الاطمئنان بعدم الصدور] واحدة من شواهد الصدق ماذا؟ ليس الاضطراب, هو هذا وهو فعلت وقلت وخففت, ماذا هو ملك شخصي حتّى أنه أنت بأحكام الله سبحانه وتعالى, ثمَّ حتّى لو قال قائل: أن الأئمة لهم هذه الصلاحية فوض إليهم, أعزائي لم يعهد منهم أن يتعاملوا مع أحكام الله الثابتة بهذه الطريقة. وإلا دلونا على مورد في كتاب الصلاة في كتاب الصوم في كتاب الحج ونحو ذلك. إلى أن يأتي في (ص36) يقول: [فعليه فلا دلالة للرواية على …] إلى [والمتحصل من ذلك كله: أنّه لما ذكرناه كله أو بعضه وما لم نذكره أيضاً من بعض وجوه الإشكال يحصل الجزم عادةً بعدم صدور المتن المذكور عن المعصوم] هنا ترقى يحصل ماذا؟ الجزم ولا أقل من الاطمئنان بعدم الصدور, [وبذلك يسقط الاستدلال بها في المقام].

    والجواب: أن هذه الرواية أما من حيث السند فاتفاق الكلمة أنها من الصحيح الأعلائي, وأما من حيث المتن بالنحو الذي أشرنا إليه يرتفع أي اضطراب فيها, لماذا؟ لأن الأعلام تصوروا أن الإمام يتكلم عن نوعٍ واحد من الخمس مع أن الرواية تتكلم عن نوعين من الخمس, النوع الأوّل الثابت بمقتضى الآية المباركة, والنوع الثاني الثابت بمقتضى الحكم الولائي.

    فإذا كان الأمر كذلك وهو المحور الأوّل, هنا ننتقل إلى المحور الثاني وهو أن روايات التحليل فيها إطلاقٌ للتحليل في كلا النوعين من الخمس أو لا يوجد فيها مثل هذا الإطلاق, لأن الأعلام فرضوا الإطلاق كما قرأنا في فقه الشيعة, فرضوا الإطلاق في المال الذي من نفسه مال نفسه والمنتقل إليه, لا, يوجد جهة ثانية من الإطلاق وهي أنه بعد أن ثبت أنه يوجد نوعان من الخمس فهل هذه الروايات روايات التحليل تثبت التحليل في كلا النوعين أو قاصرة عن ذلك يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 927

  • جديد المرئيات