أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
كان الكلام في بيان المراد بحقيقة الأمور الاعتبارية وبينا أن هذه الاعتباريات تنقسم بالقسمة الأولية إلى اعتباريات ما قبل حصول الاجتماع واعتباريات ما بعد حصول الاجتماع وأشرنا إلى أن الملكية تعد من الاعتباريات ما بعد الاجتماع وأشرنا إلى أن هذه الملكية التي هي محل البحث في الفقه في باب المعاملات تعدّ من الاعتباريات ما بعد الاجتماع ، يعني ما لم يكن هناك اجتماع ومجتمع فلا معنى لمثل هذه الاعتباريات وأشرنا بالأمس إلى بعض خصوصيات هذه الأمور الاعتبارية.
الخصوصية الأولى: قلنا أن هذه الأمور الاعتبارية لا يوجد لها ما بإزاء في الواقع الخارجي وإنما هي أمور وهمية ذهنية يجعلها وينشئها المجتمع ، العقلاء، العرف ، الشرع ، ونحو ذلك.
الخصوصية الثانية: أن هذه الأمور الاعتبارية مأخوذة من حقائق ليست ابداعية ، وإنما الإنسان من خلال وقوفه على مجموعة من الحقائق التكوينية يأخذ منها هذه المفاهيم الاعتبارية على طريقة المجاز السكاكي.
إذا يتذكر الأعزاء في المجاز السكاكي لا يستعمل في غير ما وضع له ، نحن في علم البيان قرأنا أن المجاز هو استعمال اللفظ أو المفهوم في غير المعنى الذي وضع له ، في المجاز السكاكي : يستعمل اللفظ فيما وضع له. يعني رأيت أسداً واقعاً هذه الكلمة هذه اللفظة مستعملة في المعنى الموضوع له هذا اللفظ نعم الواضع يوسع دائرة المصداق فيعتبر ما ليس مصداقاً للأسد حقيقة يعتبره مصداقٌ لهذا المفهوم كذلك في المقام قلنا بأن الملكية الاعتبارية هذه توسعة على طريقة المجاز السكاكي توسعة لأي شيء للملكية الحقيقية الملكية الحقيقية وهو النوع الثاني الذي أشرنا إليه هذه تتوسع بالاعتبار بالجعل بالوضع فيجعلها الواضع عقلائياً عرفاً شرعاً ونحو ذلك.
ومن هنا عرفها السيد الطباطبائي قال: هو إعطاء حد شيء لشيء آخر طبعاً هذا الشيء الآخر هو مصداق اعتباري ، فأنت عندما تقول لإنسان شجاع أنه أسد ليس مرادك بأنه صار أسد حقيقة ولا استعملت لفظة الأسد في غير ما وضع له، وإنما استعمل فيما وضع له، ولكنك افترضت اعتبرت أن هذا بمنزلة ذاك، هذا ما تقدّم تفصيله الأمس وإذا أرتم مراجعة البحث، السيد الطباطبائي أيضاً أشار إليه في نهاية الحكمة في صفحة مائتين وثمانية وخمسين في الفصل العاشر من المرحلة الحادية عشرة في مرحة العقل والعاقل والمعقول ، قال: وللاعتبار فيما اصطلحوا عليه معانٍ أخر وذكر معنيين أو ثلاث إلى ان يقول: المعنى التصوري أو التصديقي الذي لا تحقق له فيما وراء ظرف العمل إنما يوضع لأجل العمل وإلا ليس له واقع ومآل هذا الاعتبار إلى استعارة المفاهيم الحقيقية لأمور وهمية ليس لها واقع في الواقع الخارجي.
قلنا بالأمس هنا توجد عدة تساؤلات لابد أن طرحها.
التساؤل الأول: أنه ما هي الحاجة لماذا أن الإنسان يجعل الأمور الاعتبارية ، بعبارة أخرى حكمة جعل الأمور الاعتبارية أعم من أن تكون اعتباريات ما قبل الاجتماع أو اعتباريات ما بعد الاجتماع في جملة: أن الإنسان خلق في هذه النشأة لأجل غاية وهي أن يصل إلى الكمال الذي من أجله خُلق باعتبار أن الله سبحانه وتعالى أفعاله ليست عبثية {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً} لا أبداً، الله خلق الإنسان في هذا العالم وهي فرصة أعطيت له لأيام لسنين لعقود وإما أن ينتقل إلى نشأة باتجاه ألف أو نشأة باتجاه باء والنشأة الحقيقية والحياة الحقيقية إنما هي تلك وإنما هذه فرصة أعطيت للإنسان لتعيين مصيره الذي سيبقى فيه إلى الأبد إلى ما لا نهاية له هذه الفرصة أعزائي التي أعطيت للإنسان في هذه النشأة هي المصطلح عليها بالخروج من النقص إلى الكمال، يعني أن الإنسان يأتي إلى هذا العالم وهو {والله أخركم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} لا شيء عندكم إلا بعض رأس المال ، الذي بعضه أيضاً قد يشتبه الإنسان قد يطبقه على غير محله هذا {فألهمها فجورها وتقواها} هذا واحد من رأس المال الذي الله أعطاه للإنسان على سبيل المثال أعطاه الفطرة {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} إذن هذا الذي يوجد مع الإنسان في هذه النشأة ولكن لا الفطرة بمفردها ولا الإلهام بمفرده قادر على أن يعين له الهدف بشكل دقيق وقادر على أن يعين له الطريق الموصل إلى ذلك الهدف ، انتبهوا إلى الأمرين معاً، لا هذه الفطرة قادرة على أن تعين الهدف بشكل دقيق ولا قادرة على أن تعين الصراط المستقيم ، يعني أقرب الطرق للوصول إلى الهدف لأنكم تعلمون أن الإنسان قد يشخص الهدف ولكن بدل ما يذهب إليه بطريق مستقيم قد يذهب إليه بطرق متعرجة معوجة قد يصل وقد لا يصل من هنا يأتي دور الدين في حياة الإنسان وهو أولاً أن يعين له حقيقة ومصداق الهدف لأن الجميع يبحث عن الكمال أبداً لا يوجد أصلاً هذه خلقة الله. الفطرة أعزائي فرق اسم الفاطر عن اسم الخالق والموجد أن الخالق والموجد معنى أوجد لا من شيء أما الفاطر أوجده على نحو مخصوص ، هذه الأسماء الإلهية من أسمائه الفاطر، من أسمائه الخالق ، ما الفرق بين الخالق والفاطر؟ الفاطر ليس خالق ، الفاطر خالقٌ على طريقة مخصوصة على نحو مخصوص على هيئة مخصوصة الله خلق الإنسان وهو باحث عن الكمال ، والبحث عن الكمال أمرٌ فطري في وجود الإنسان أبداً لا يحتاج إلى تعلم يحب كماله ويهرب من نقصه هذه من الأمور الفطرية لا تحتاج إلى دين ولا إلى تعلم ولا ولا… ولذا حتّى الطفل أعزائي الذي لا يعرف القراءة والكتابة والتعليم والتعلّم أول ما يوجد يبحث عن ثدي أمه لأن هذه قضية مرتبطة بكماله هذا الطفل الذي عمره شهرين أو ثلاثة إذا وضع يده على مكان واحترقت يده وتألم فلا يضع يده في المرة الثانية ، حتّى لو تضعها هو يسحبها ، فهذا لا يعرف مفاهيم الحسن والقبح ولا الكمال ولا النقص هذه يعرفها بالفطرة وهكذا الحيوانات وهكذا النباتات وهكذا الجمادات ميسّر لما خلق له، هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، أساساً الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، هداه إلى الكمال وليس للعبث إلى كماله الذي من أجله خُلق ولكنه كل الموجودات لا تخطئ كمالها الذي خلق لها إلا الإنسان لماذا ؟ لأنه موجود تتنازعه الشهوات والأهواء ولذا يقلب الكمال وقد يخطئ في تعيين مصداق الكمال يتصور كماله في المال فيجمع المال ، يتصور كماله في الجاه فيضحي في كل شيء من أجل الجاه ، الدين يأتي لتعيين مصداق الكمال أولاً ، وثانياً ولتعيين أقرب الطرق وهو الخط المستقيم، رياضياً الخط المستقيم ما هو؟ هو أقرب الطرق بين نقطتين ، وهذا هو المصطلح عليه بالصراط المستقيم ، الصراط المستقيم أقرب الطرق لتحقق ذلك الكمال.
هذه المقدمة مقدمة كلامية قرآنية عقلية فطرية عبّر عنها ما تشاء الإنسان جاء إلى هذا العالم لأجل الوصول إلى كماله ، وفقط الفرصة الموجودة في هذا العالم ، ولا يتبادر إلى الذهن أن الفرصة قابلة للتكرار أبداً، قابلة للرجوع أبداً، {رب ارجعون} الجواب {كلا} {لعلي أعمل صالحاً} أبداً هذه من السنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير كالموت، الموت من السنن الحتمية كلّ نفس ذائقة الموت ، أليس أنا الصادر الأوّل، أليس أنا خاتم الأنبياء والمرسلين ، يقول له حتّى أنت، لا يوجد فرق هذه السنن ، تعلمون القضاء الإلهي بعضه يتبدل وبعضه! ولهذا لا ينبغي لأحد أن يدعو لتغيير قضاء لا يتبدل ، أصلاً لأنه غير قابل للتبديل ، الفرصة هنا هذه الأيام هذه الليالي بعض الأعزاء يطالبون يقولون سيدنا إذا صارت مناسبات ونحن نعيش أبواب شهر رجب وشعبان ورمضان حبذا لو كلمات فيها عضة وفيها بعد معنوي أتصور أن الأعزاء إن شاء الله تعالى في غنى عن مثل هذه المواضع ولكن من باب وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين ، أعزائي هذه الفرص كما قال إمامنا أميرا لمؤمنين: تمر عليكم مرّ السحاب، وبعض هذه الفرص سوف تكون علينا ، بل لعله في أغلبها ستكون علينا حسرة وندامة في يوم القيامة، ولذا من أسماء الحشر الأكبر يوم الحسرة والندامة ، لا يوجد أحد – لا أريد أن أستغرق إلاَّ من استثني- لا يوجد أحد يوم الحشر الأكبر إلاَّ وهو يتأسف ويندم لماذا لم يعمل أكثر ، أبداً لا يستثنى حتّى الأنبياء ، لماذا؟ لما أعده الله سبحانه وتعالى للصالحين للأتقياء للعباد لـ…
ولكن هذه الفرص فرص عامة الموجودة في كلّ يوم وليلة وأذكار وأدعية ويوجد فرص خاصة أضرب مثال للأعزاء الفرص الخاصة أنتم وجدتم أنه بعض الأحيان الإنسان بعض الدول بعض البنوك بعض الهيئات يقول نعطي أرباح على الأموال الذي تضعوه في البنوك ولكنه عندنا جواز استثنائية ، وهذه الجوائز الاستثنائية لعله تعادل عشرين سنة ثلاثين سنة خمسين سنة من الذي تحصل عليه من عمرك ، فإذا الإنسان حصل واحدة من هذه الجوائز تكفيه لكل عمره ، الله سبحانه وتعالى جعل في هذه الأشهر الثلاث فرصاً استثنائية ، «إن لربكم نفحات ألا فتعرضوا لها» طبعاً هذه النفحات {وما كان عطاء ربك محضوراً} {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} هذا العطاء موجود ولكن أنت تعرض نفسك لتلك النفحة الإلهية أو لا تعرض لا لا أبداً ولذا ابحثوا عن موارد تعريض النفس لتلك النفحات الإلهية وقد يحصل الإنسان في هذه النفحات وكونوا على ثقة يجعل ألف عام في طلب العلم في تلك الساعة أو الدقيقة أو الثانية يحصل ما يعادل ألف عام ، ولذا العلم نور يقذفه الله، ليس العلم بكثرة التعلم أبداً، العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، هذا النور متى لا يوجد هناك بخل من الجواد المطلق اللامتناهي وإنما أنت لا تعرف الطريق للتعرض لهذه النفحات الإلهية أعزائي تعالوا ضعوا لأنفسكم اتخذوا قرار ضعوا لأنفسكم برنامج ولو خمس دقائق في اليوم والليلة ، كلّ بحسبه إذا تستطيعون في وسط الليل فهو أولاها أو أفضلها وأحسنا ، لأن كلّ الروايات تشير أن امتطاء الليل أقرب الطرق للوصول إلى الله ، روايات عندنا واضحة وصريحة بأنه ما هو الطريق للوصول إلى الله ، الجواب قال: بامتطاء الليل، تجعل من الليل مطية للوصول إلى الله ، يعني أسرع المراكب ، أفضل المراكب ، هو مركب الليل ، ولذا كان واجباً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يقوم الليل {قم الليل} من الواجبات المختصة بمقام الرسالة لابدَّ أن تكتشفوا امتياز هذا وليس فقط مسؤولية، يوجد فيها امتياز لا يوجد في غير الليل {إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً} ولذا تعالوا وضعوا برنامج ولو خمس دقائق وليس بالضرورة أن تصلي صلاة الليل ، فإذا عندك حال ومزاج لتصلي صلاة الليل ، صلّ، إذا لم تقدر بينك وبين الله تأخذ سبحة وخمسة دقائق في تلك الظلمة تختلي مع الله سبحانه وتعالى ، لأن الله سبحانه وتعالى من الموارد التي يحبها شديداً من يبحث عنه في الليل لأن الله سبحانه وتعالى في الليل يجد أن الجميع نائم ، أن الجميع غافل عنه إلاَّ ثلة تطلبه في الليل، ولذا يعطيهم ما لا يعطيهم الآخرين، اطمأنوا أعزائي، وكل من أراد أن يحصل شيء دنيا وآخرة ليكون في علمك، فطريقه يمر من الليل عبادة صلاة قراءة قرآن إصلاح ما بينك وبين الله ، إذا عندك صديق بينك وبين الله هذا الصديق مؤثر يستطيع أن يفعل كلّ شيء وساءت علاقتك به ماذا تفعل؟ تسعى لاصلاحها أو لا ؟ بينك وبين الله، إذا كانت علاقتك غير مصلحة ، غير صحيحة مع الله ، أصلح علاقتك مع الله، إذا كانت صالحة قوّها إذا كانت قوية اجعلها أشدّ قوة إلى أن تصل إلى مقام ما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتّى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، ما شاء الله، أن الإنسان ممكن أن يصل إلى مقام الله يصير جارحة من جوارح العبد ، كنت سمعه الذي يسمع به وكنت بصره الذي يبصر به ، وكنت لسانه الذي ينطق به ، وفي بعض النصوص ، ليكن في علكم أن هذه الروايات قرب النوافل والفرائض مجمع عليها بين علماء المسلمين سنة وشيعة لا يوجد اختلاف في هذه النصوص ، وعلى منهجنا الذي ذكرناه للأعزاء مراراً قلنا: بأنه الروايات مجمع عليها لها قيمة خاصة ، ليس مورد اختلاف بين أحد.
على كلّ حال أعزائي تعالوا استفيدوا من هذه الفرصة لا نعلم ولا يعلم أحد منا أنه في السنة القادمة أيضاً نحن نعيش رجب وشعبان ورمضان أو لا نعيش ذلك ، وإلا، وإلا، وإلا حسرةٌ وندامة، لأن الإنسان سوف يذهب إلى عالم البرزخ أعزائي ، عالم البرزخ فيه خصوصية تختلف عن الحشر الأكبر – مقصودي من الحشر الأكبر الجنة- في الجنة الإنسان لا يطلع إلى ما عند الآخرين حتّى يتألم يعني أنت عندما إن شاء الله تعالى جميعاً كلّ واحد يعيش في جنته الخاصة لا يعلم أن جنة الآخرين شكلها ما هو حتّى يتألم أو يتحسر أبداً، أبداً، لا يطّلع عليها حياة فردية محضة ، وإلا بطبيعة الإنسان إذا يريد أن يدعوه رسول الله إلى بيته في الجنة ويرى الحياة التي يعيشها رسول الله ثمَّ يرجع إلى بيته يقول هذه هم صارت حياة ، نفس الذي الآن عندنا إذا عندنا بيت مائتين متر وفيه خير ودخل بيت أبو مائتين ألف متر ورأى النعم الموجودة فيها فمن يرجع بيته هل يستطيع أن يجلس في بيته أو لا، يقول: هي هذه صارت حياة!، هناك لا توجد أبداً، لن يطلع أحدٌ على حياة آخر إلاَّ إذا أراد الآخر أن يريه شيئاً عنده هذه القدرة ، ولذا أنت من تدخل إلى بيت عنده نساءه أنت لا تطلع على نسائه إلاَّ إذا أراد ، لأن كثير من المشاكل لابدَّ أن تحل في الجنة ، هذه الحالة أعزائي في البرزخ ليست كذلك ، حياة بُعد اجتماعي فيها ، يعني أنت سوف ترى العلماء ، الأولياء ، الأوصياء، الذين عملوا ما علموا، وتتحسر ترى ما عنده وأنا ليس عندي ، لأن الحياة البرزخية هي من امتدادات الحياة الدنيوية ولذا التكامل مستمر فيها ولكنه التكامل البقائي لا التكامل الحدوثي ، يعني أنت هناك مسيرتك لا تستطيع أن تبدلها ولكن تستطيع ما دمت في البرزخ من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها يعني يومياً يأتون لك حساباتك في البنك كم حسنة دخلت لك يومياً يأتون، هذه الكمية دخلت وهذه الكمية خرجت وأنت عندما يدخل تسر وعندما يخرج تتألم والعكس بالعكس محكوم فترة عشر سنوات يقولون تبدل حكمك صار خمسين سنة نار البرزخ ، على ماذا؟ يقول: أليس كنت تفعل كذا الآن ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، عالم البرزخ عالم عجيب غريب لا يتصور البعض أنه هذه الحياة فقط سبعين سنة ، بل هي مستمرة قد تطول بنا حياتنا البرزخية نصف مليون سنة وقد تطول بنا حياتنا البرزخية مليون سنة لا نعلم.
ارجع إلى حديثي أعزائي ، حدثنا لماذا أن الإنسان يضع الأمور الاعتبارية ؟ في جملة واحدة: أن المفاهيم الاعتبارية من أهم الأدوات والأمور التي يستعين بها الإنسان لإخراج نفسه من النقص إلى الكمال، وهذه قضية مهمة جداً البعض يتصور ما دام مفاهيم اعتبارية ما لها قيمة لا قيمتها لأنها هي التي تخرجك من النقص إلى كمال، وإلا لولا هذه المفاهيم الاعتبارية لما وجت طريقاً للوصول إلى الكمال ، كيف؟ اضرب لك مثالاً: أنت تأتي وتضع مفهوم الرئاسة والإمارة والحكومة و… إلى غير ذلك، قلنا هذه مفاهيم اعتبارية ما بعد الاجتماع، لماذا؟ الجواب: تقول: لأنه في الواقع أنا إذا أريد أن العدل الاجتماعي أريد أن أصل إلى حقي أريد أن لا يظلمني أحد أضع حاكماً عادلاً حتّى يهيئ لي ظروف التكامل ولذا الحكومة والاجتماع ليس مقصود لذاته مقصود لأجل كمال الإنسان ولذا إذا فسد الإمام فسد المجتمع وإذا صلح ، الآن بينك وبين الله نحن كلّ الذي نتأمله لظهور الإمام الثاني عشر نتأمله ليقيم لنا حكومة العدل ، يعني يهيئ لنا أفضل الطرق والوسائل لنيل كمال الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان وإلا لا يوجد شيء آخر، انظروا إلى الروايات الواردة عن ظهور الإمام وهدف ظهور الإمام أصلاً واحدة منها هو مظهر العدل الإلهي ، فلسفة وجوده إقامة العدل ، وإقامة العدل لماذا؟ حتّى أن هذا الإنسان يستطيع بكامل إرادته وحريته يصل إلى كماله في هذه النشأة.
إذن أعزائي الخصوصية الثالثة – الخص الكلام- أن الإنسان لا يمكنه أن يصل إلى كماله إلاَّ بالأمور الاعتبارية، وبعبارة أخرى: لا يمكنه أن يصل إلى كماله إلاَّ بالدين ، لأن الدين مجموعة من المفاهيم الاعتبارية ، هذا واجب وهذا حرام هذا صحيح وهذا فاسد، انظروا إلى عبارة السيّد الطباطائي خلاصة أقولها في المجلد الثامن صفحة أربعة وخمسين في ذيل الآية عشرة إلى خمسة وعشرين من سورة الأعراف يقول: وذلك أن نقص الإنسان وحاجته إلى كماله الوجودي معتمد ونيله غاية النوع الإنساني هو الذي اضطره إلى اعتبار هذه المعاني ، من الذي اضطره أن يجعل هذه المعاني الاعتبارية يقول لأنه كان ناقص يريد أن يكمل فإبقاء الوجود والمقاصد الحقيقية المادية والروحية التي يقصدها الإنسان ويبتغيها في حياته هي التي توجب له أن يعتبر هذه المعاني فيحرز بها لنفسه ما يريده من السعادة.
مثال آخر أوضح: اللغة لماذا يجعل الإنسان لغة يتفاهم بها مع الآخر ، إذا بينك وبين الله كنت مستغنياً عن الآخر مطلقاً تحتاج تتفاهم معه ، متى تحتاج أن تتفاهم مع الآخر ، تتبادل مع الآخر، إذا كانت حاجة تريد عندك أنه من خلال اللغة توصل احتياجك إليه ليرفع حاجتك وإلا الآن على سبيل المثال أنت اذهب إلى بلد فقط تريد أن ترى المناظر الطبيعية فلا تأخذ مترجم، أما إذا أردت أن تذهب إلى طبيب هناك تأخذ مترجم، لماذا تأخذ مترجم؟ تقول: لأن هذه اللغة هي توصل حاجتي إليه وهو من خلالها يؤمن احتياجه ، إذن لماذا وضع الإنسان اللغة في حياة ما بعد الاجتماع لأجل أن هذه تشكل له أرضية للتبادل أو للتفاهم مع الآخر ليرفع له احتاج من احتياجه ، وهكذا كلّ القواعد الاعتبارية إنما وضعت لرفع حاجة الإنسان إنَّما الكلام في مسألة أخرى إن شاء الله تعالى وهو أن هذه الأمور الاعتبارية ناشئة من الهوى ، ناشئة من الغرائز أو أنها ناشئة من حقائق والعمل بها موصل إلى الحقائق ، يعني هذا الاعتبار جسرٌ يربط الحقائق بالحقائق ، ما هي الحقائق التي ينطلق منها الاعتبار ، وما هي الحقائق لو عمل بها الإنسان بالاعتبار أوصلته، ومن هنا قالوا: إن الأمور الاعتبارية تقع واسطة بين حقيقتين: حقائق تنطلق، تنبعث منها، وحقائق توصل إليها.
وهذا ما سيأتي والحمد لله رب العالمين.