لا يبطل علم المعصوم بالحادثة قبل وقوعها سلسلة الفضائل المنسوبة إليه؛ وذلك لعدة أسباب تقدّم كتفاسير لذلك ومنها:
الأول: أن علم الإمام بالحادثة قبل وقوعها ما هو إلا مؤشر على سمو ورقي ورفعة شخصية الإمام من الناحية الروحية والمعنوية، وهذا (السمو والرقي والرفعة) يعني اختيار الإمام سابقاً للسلوك الأفضل والأقرب إلى الله من سخاء وكرم وشجاعة وعفة .. وغير ذلك. وبعبارة أخرى: أننا لو حللنا (علم) المعصوم لوجدنا أنه حصل عليه تبعاً لما تضمنت ذاته من (سمو روحيًّ)، وهذا الأخير يبتني في مرحلة سابقة على أنه لن يختار في أي واقعة قدرت له إلا ما خير وفضيلة، سواء كان سخاء أو كرماً أو صبراً أو إقداماً على التضحية بنفسه في سبيل الإسلام أو غير ذلك، وبالتالي فإن علمه مدين لاختياره المسبَّق الذي يعلمه الله تعالى منه، وعندما تحين الواقعة ويختار ما هو الأفضل يكون اختياره هذا تطبيقاً لتلك الملكة الروحية السامية التي ولدت العلم وليس فرعاً للعلم ذاته. وهو نظير ما لو تجنبت شرب سائل ما نتيجة لعلمك بأنه سام فهل يمكن أن يقال لك: لا فضيلة لك في عدم تعاطيك هذا المصداق من السم لأنك كنت تعلم مسبقاً أنه سام؟! لا يمكن أن يقال لك ذلك؛ لأن نفس علمك هو عبارة عن تفحصك السابق لأنواع السموم واجتهادك في عدم تعاطيها، وبالتالي فإن امتناعك في هذا المصداق كان تطبيقاً لاجهادك المذكور الذي ولَّد العلم لديك، وكذلك علم المعصوم.
الثاني: أن المعصوم يعلم بعض الأحداث قبل وقوعها بنحو قابل للتغيير. بمعنى أن الأحداث التي ستقع على قسمين: أحداث لا قابلية لها لأن تتغير، وأحداث لها القابلية لأن تتغير. (القسم الأول) يسمى (القضاء المحتوم)، وهو على نوعين: قضاء لا يتغير استأثر الله تعالى بعلمه لوحده فقط، وقضاء يتغير لم يستأثر الله تعالى بعلمه وإنما أشرك فيه معه ملائكته وأنبياءه ورسله وأولياءه. أما (القسم الثاني) فيسمى (القضاء غير المحتوم) وهو قابل للتغير والبداء. ومن هنا نعرف أن علم المعصوم ليس جميعه على نمط واحد، فمنه ما لا يتغير ومنه ما يتغير، وليس لدينا اطلاع على أن الأحداث التي تعد فضائل له مما لا يجري فيها التغيير حتى نطلق الحكم بأن علمه بها يمنع من عدها فضائل له. ولو عدنا مثلاً إلى حادثة مبيت الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) على فراش النبي (صلَّى الله عليه وآله)، وهي إحدى فضائله الشامخة، لما عرفنا، نحن على الأقل، طبيعة علم الإمام بها وهل أنها مما يقبل التغيير أو أنها من القضاء المحتوم؛ وعليه فليس بوسعنا نكران كونها فضيلة له (عليه السلام) بمجرد احتمالنا علمه بعدم إصابته بمكروه دون أن نحدد طبيعة هذا العلم وإلى أي قسم من القسمين السابقين ينتمي، وهو ما لا سبيل لنا لحسم تصنيفه.
الثالث: وهذا الجواب يتناسب مع بعض النظريات حول (علم المعصوم) وليس جميعها ومع ذلك نذكره تتميماً للفائدة. حيث يذهب البعض إلى أن علم الإمام ليس جميعه علماً فعلياً بالأشياء، وإنما هو تابع ومتوقف على إرادة المعصوم نفسه، فمتى شاء علم ومتى لم يشأ لم يعلم، وهو صريح الكثير من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الناصة على (أن الإمام إذا شاء أن يعلم علم). ومن هنا لو عدنا إلى موضوع فضائل المعصوم يمكننا القول إنه لا يوجد لدينا قطع بأن الإمام يعلم بنتيجة الأحداث التي تعد فضيلة له، بل إن من الممكن أن تكون مما لم يشأ الإمام علم نتيجتها، وبالتالي فلا وجود لعلم يتناقض مع نسبة الفضيلة له.