بسم الله الرحمن الرحيم
مطارحات في العقيدة
القرآن في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)
القسم الأول
المقدم: السلام عليكم مشاهدينا وتحية موصولة لسماحة السيد كمال الحيدري.
سماحة السيد من الواضح أن للقرآن الكريم أهمية خاصة في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هل يمكن الإشارة إلى ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في هذا المجال؟
سماحة السيد:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد عجل فرجهم
في الواقع أحاول في هذه الليالي المباركة من شهر رمضان الفضيل أن أقف عند بعض المباحث والموضوعات القرآنية، ولعلنا نوفق إن شاء الله تعالى في هذه الليالي الكريمة أن نقف عند بعض الآيات التي تعد مفاتيح وتعد من الموضوعات الأساسية في المعارف الدينية. ولكنه قبل أن أدخل في بيان بعض هذه الموضوعات التي إن شاء الله سأشير إليها في الليالي القادمة، بودي أن أقف قليلا عند ما ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لبيان أهمية القرآن الكريم، يتذكر المشاهد الكريم نحن مرارا ذكرنا بل رفعنا هذا الشعار وأكدناه مرارا في هذا البرنامج وفي دروسنا وفي أي مورد كانت لنا فرصة للحديث قلنا أنه لابد أن يكون القرآن هو المحور الأساسي في جميع المعارف الدينية وهذا ما قلنا في العام الماضي قلنا القرآن أولا، يعني أننا لابد أن نأخذ صلب معارفنا ومتن معارفنا خصوصا المباحث العقائدية التي هي مورد الخلاف بين المسلمين وإلا الاختلافات الفرعية والاختلافات في الحلال والحرام ليست هذه المسألة أتصور لها تلك الأهمية وذلك باعتبار أن هذه الاختلافات قائمة في داخل المذهب الواحد أيضا، يعني نحن عندما نرجع إلى أتباع مدرسة أهل البيت نجد أن فقهاء الحلال والحرام أيضا يختلفون فيما بينهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهكذا عندما نأتي إلى فقهاء المدارس الإسلامية الأخرى من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنبلية والظاهرية والزيدية والخوارج وغيرهم إلى غير ذلك، نجد الاختلافات الفقهية ليست قليلة، الذي يؤدي إلى الاختلاف ووقوع الفتنة بل وقوع التكفير بل وقوع القتل والتقتيل إنما هو على البعد العقائدي، ولذا أعتقد وهذه دعوى واقعا صريحة وواضحة أننا إذا اجتمعنا جمعا أن نأخذ معارفنا الأساسية من القرآن الكريم في اعتقادي أن الكثير من الاختلافات يمكن حلها من خلال القرآن الكريم، وهذا ما أكده رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما سنقف عند هذه الأحاديث التي سأشير إليها. طبعا على القاعدة يتذكر المشاهد مرارا وتكرارا ذكرت أن منهجي قائم أنه عندما أنقل رواية لابد أن تتوافر فيه الشروط التالية: أن تكون صحيحة وأن تكون صريحة وأن تكون مجمع عليها بين علماء المسلمين، وأنا أتصور هذا مدخل جيد لإيجاد مقدار من الألفة العملية والعقائدية لا أريد أن أستعمل التعابير الأخرى، طبعا أنتم تعلمون الآن هناك أصوات نشاز هنا وهناك من السنة ومن الشيعة، تحاول قدر ما يمكن أن توجد الفرقة بين المسلمين، أن توجد التشنج بين المسلمين، أن توجد الاصطفاف المذهبي والطائفي بين المسلمين من خلال قراءة تلك الروايات التي اختصت بهذه المدرسة أو تلك المدرسة، ولذا نحن نجد بأنه الطريق الأوضح للدخول أو القضاء على مثل هذا الفكر الشاذ سواء كان من هذا الطرف أو من ذاك الطرف واقعا أعبر عنه فكر شاذ، فكر نشاز، أصوات نشاز هذه التي تحاول أن تضع يدها على المختصات لرمي الآخر بالتكفير سواء كانوا من السنة أو من الشيعة، ولهذا أنا اصطلحت عليهم في أبحاث سابقة قلت هؤلاء سلفيه سواء كانوا سلفية سنية أو سلفية شيعية، بعبارة أخرى منهج تكفيري، سواء كان منهج تكفيري سني أو منهج تكفيري ينتسب إلى التشيع، وهناك أيضا لابد أن أقول ينتسب إلى التسنن وإلا عموم علماء المسلمين وأكابر علماء الشيعة لا يوجد عندهم هذا المنهج التكفيري الإقصائي الذي يرمي الآخر بكل ما يخرج من فمه الذي ما أنزل الله به من سلطان. إذن على هذا الأساس وعلى هذه القاعدة سوف ندخل إلى بعض هذه النصوص.
الحديث الأول: وهو الحديث الذي جاء في المستدرك للحاكم على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت الجزء الثاني في صفحة 257، الرواية عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: > إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم< هذه إن شاء الله تعالى عندما نقف عند السند بعد ذلك سنرجع إلى المضمون، >إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثيرة الرد، اتلوه، (النبي يأمر) اتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف وعشرة حسنة، أما إني لا أقول >ا< >ل< >م< حرف ولاكن >ا< و >ل< و >م<< يعني >ا< >ل< >م< ثلاثة حروف وثلاثين حسنة، يقول الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، يعني البخاري ومسلم بسبب بصالح بن عمر، هذه الرواية الأولى. هذه الرواية عندما نأتي إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني، المجلد الأول، ص 264 و 263، في رقم الحديث 660، مقطع من الحديث الذي قرأناه من الحاكم: > اقرؤوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول ا ل م حرف، ولكن ا عشر ول عشر و م عشر، فتلك ثلاثون<، ولكن في ذيل هذا الحديث مقطع من حاكم النيسابوري يقول: >وعن أبي الأحوف بلفظ أتم منه ونصه إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته ما استطعتم، وإن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع، عصمة إلى آخر الحديث<، نفس الحديث الذي أورده الحاكم النيسابوري، ولكن في ذيل الحديث رقم 660 لا متن الحديث رقم 660، ثم يقول: >وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم غير الهجري، وهو لين الحديث< ولكن لأنه توبع عليه فالرواية إسنادها لا باس بها، معتبرة ويمكن الاعتماد عليها، طبعا أرجع وأقول الحديث لم يأتي في عنوان رقم 660 وإنما جاء في ذيل الحديث 660. إذن العلامة الألباني يرى أن الحديث معتبر، يقول > وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم غير الهجري وهو لين الحديث ولكن لأنه توبع< ولذا يقول ومن طريقه أخرجه الحاكم الدارمي وعبد الرزاق والطبراني وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال وقال وقال…<.
إذن الرواية سندها لا بأس بالسند، ولكن هذا الحديث نفسه أورده العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، ومن هنا ذهب البعض إلى أن الحديث ضعيف، لأنه رأى إلى متن الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للعلامة الألباني المجلد الرابع عشر، القسم الثاني، ص 785، رقم الحديث 6842، يقول: > إن هذا القرآن مأدبة الله… ضعيف< والبعض استند إلى هذا ونسي أن العلامة الألباني هنا لو نظر إلى نفس الحديث قال ضعيف، ولكن لو نظر إلى المتابعات قال لا بأس به، إذن أريد أن أؤسس قاعدة حتى تلتفتوا إليها، ليس كل ما ذكره العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة فهو حديث ضعيف، لعل الحديث ضعيف ولكنه بالمتابعات والشواهد التي تؤيده يكون حديثا لا بأس به، هذه قاعدة للعلامة الألباني، لأنه وجدت بعض هؤلاء الذين ليس لهم تحقيق مباشرة أنه تنقل الحديث يقول ضعفه الألباني، صحيح، تحت عنوان 6842 ضعفه، ولكنه في سلسلة الأحاديث في المتابعات يقول في نفسه ضعيف ولكنه في المتابعات والشواهد يكون معتبرا ويمكن الاستناد إليه.
إذن هذا الحديث إلى هنا واضح جدا أن العلامة الألباني والحاكم النيسابوري قالوا حديث معتبر، على هذا الأساس بعد ما ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية بعد كلام غير تام، تعالوا معنا إلى كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لبن الجوزي تحقيق الشيخ خليل الميس، المجلد الأول ص 109، في أبواب في ذكر القرآن، باب فضل القرآن: > أن النبي قال إن هذا القرآن مأدبة لله، قال المصنف ابن الجوزي هذا حديث لا يصح عن رسول الله <، الجواب هذا كلام غير علمي وغير دقيق بل حديث صحيح كما قال الحاكم النيسابوري وحديث سنده لا باس به بالمتابعات كما قال العلامة الألباني، وما ذكره ابن الجوزي ناشئ عن عدم الدقة وعدم التدبر، > هذا حديث لا يصح من رسول الله ويشبه أن يكون من كلام ابن مسعود قال ابن معين إلى آخره… < إذن من حيث سند الحديث، الحديث لا محذور فيه.
وأما متن الحديث: الآن قلنا يقع الحديث أولا في السند، والسند معتبر، هذا الحديث واقعا متنه جدا عال واقعا نستطيع أن نقف عند هذا المتن طويلا ولكنه أنا لا أطيل على المشاهد الكريم إلا عند بعض المقاطع، المقطع الأول أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبر عن القرآن بأنه مأدبة، ما هو المراد من المأدبة لغة؟ هنا أجمعت كلمة اللغويين أن المراد من المأدبة يعني المائدة التي فيها جميع أنواع الأغذية، لا أنه السفرة التي لا يوجد فيها شيء وأنت تأتي بطعامك من خارج وتضعه عليها، المأدبة هي الثرية بكل أنواع الأطعمة التي يوجد فيها، نعم أنت عليك فقط أن تجلس وتنتفع بما هو موجود، لا أن تأتي بشيء من الخارج وتضعه فيها. تعالوا معنا إلى النهاية في غريب الحديث والأثر، للجزري ابن الأثير، تحقيق الأثري، دار ابن الجوزي في صفحة 29، يقول: >ومنه حديث ابن مسعود، القرآن مأدبة الله في الأرض، يعني مدعاته، شبّه القرآن (يعني رسول الله شبه القرآن) بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع<، إذن كل ما عليك أن تأخذ من هذا الخير والمنافع، بعبارة أخرى أن تأخذ غذائك من هذه المأدبة، تتزود منها.
تعالوا معنا إلى لسان العرب لبن المنظور الأفريقي المتوفى 711 من الهجرة، المجلد الأول صفحة 93، مادة أدب، نفس الكلام يقول: > والمشهور في المأدبة ضم الدال،وأجاز بعضهم الفتح< الآن وقع كلام أن المأدُبة والمأدَبة هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟، الآن ليس محل حديثنا هذا، المهم قال: > إن هذا القرآن مأدبة إلى أن قال أراد به الصنيع يصنعه الرجل فيدعوا إليه الناس يقال كذا وهذا معناه أنه شبّه القرآن بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع ثم دعاهم إليه<، إذن أريد أن أقف عند هذه النقطة شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، هذه الضيافة هذه المائدة هذه المأدبة الإلهية هي القرآن، إذن ومن هنا اتضح لماذا أنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، إذن من هنا يتضح لنا أن هذا القرآن نزل في شهر رمضان وهو المأدبة الإلهية ومن هنا دعي المؤمنون والمسلمون جميعا، شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، كما في خطبة من رسول الله في آخر شعبان، دعيتم فيه إلى ضيافة الله، ما هي المأدبة التي وضعت أمامنا؟ هي القرآن الكريم، الآن سؤال: كيف نستفيد من هذه المأدبة؟ واقعا أنا من باب وتلك الأمثال نضربها للناس، لو أن خبيرا غذائيا يعرف الأغذية جيدا وما هي منافعها وما هي مضارها يجلس على مأدبة ويجلس إنسان ليست له خبرة في الأكل وفي الأطعمة وما هي المواد النافعة وغير النافعة، هؤلاء هل يأكلون ويستفيدون من هذه المأدبة أو المائدة بنحو واحد أو لا؟ لا يتساوون لأن الأول يعرف أن هذا الشيء القليل الذي يأكله ما هي الفيتامينات المترتبة عليه أن ذلك الشيء الكثير الذي يأكله ما هي المضار المترتبة عليها أما الإنسان العادي لا يعرف هذا ومن هنا نحن إن شاء الله بعد ذلك سنأتي إلى الروايات التي تبين لنا نحن عندما نجلس على هذه المأدبة ماذا نستفيد من هذه المأدبة؟ من هنا تأتي الروايات والنصوص من علماء المسلمين جميعا، أنتم اقرؤوا السورة الكذائية أو الآية الكذائية أو انتفعوا بالآية الكذائية ونحو ذلك، يعني عليكم بقراءة آية الكرسي، عليكم بقراءة سورة القدر، عليكم بقراءة سورة الإخلاص، آية شهد الله، هذا معناه أن النبي (صلى الله عليه وآله) يضع يدنا على أنه استفيدوا من هذه المأدبة، نعم كل ما في هذه المأدبة هو جيد ونافع ولكن بعضه أنفع من بعض.
إذن أعزائي >إن هذا القرآن مأدبة الله، فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله<، واعتصموا بحبل الله جميعا، >والنور المبين والشفاء النافع< يعني من كل داء، >عصمة لمن تمسك به< جيدا جدا، مهمة هذه، >عصمة لمن تمسك به< إذن نحن إذا قلنا أن العترة من المعصومين لأنهم يفترقون عن القرآن أو لا؟ عدل القرآن وإنهما لن يفترقا، إذن إذا كان القرآن معصوما فمن هو عدله لابد أن يكون معصوما، لا يقول لنا قائل من أين جئتم بنظرية العصمة للعترة عليهم السلام، هذا نص صريح صحيح واضح يقول >عصمة لمن تسمك به< لا لمن كان عدله، ما إن تمسكتم بهما فأنتم من المعصومين فما بالك وأنت عدل للقرآن الكريم، لا يفارقك ولا تفارقه، > عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه < إلى أن يقول >لا تنقضي عجائبه < يعني لا يتبادر إلى الذهن أنه يأتي زمان وينتهي دور القرآن، بعبارة أخرى حداثوية إذا أريد أن أتكلم، أن القرآن ليس له تأريخ معين لأن هناك كثير من الأشياء لها تأريخ معين وبعد ذلك ينتهي وكما يصطلح عليه هل أن السنة تاريخية أو ليست تاريخية؟ هل أن كلمات العلماء تاريخية أو لا؟ كلمات العلماء نعم تاريخية، لها تاريخ معين وينتهي ويأتي جديد عليها، أما القرآن ليس بتاريخي، فوق الزمان والمكان، قال >ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد< لا يكون قديما أنت ترجع إليه مرة بعد أخرى، فيكون قديما باليا، بل هو جديد ولا ينتهي، > اتلوه< الآن التلاوة يعني قراءته يعني أن نقرأه، فاقرؤوا ما تيسر منه، ولكن القرآن الكريم أمرنا لا فقط بالقراءة وإنما أمرنا يتلونه حق تلاوته، إذن إن شاء الله تعالى إذن وفقنا في الليالي القادمة سوف نقف عند هذه الآية المباركة وهي الآية لعله 121، من سورة البقرة قال الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته، إذن ما هو الفرق بين التلاوة وبين حق التلاوة، ما هو الفرق القراءة والتلاوة؟ وبين التلاوة وحق التلاوة؟ واقعا حق التلاوة ما معنى أن القرآن يأمرنا يقول يتلونه حق تلاوته؟، من قبيل المفعول المطلق، يتلونه حق تلاوته، إذن ليس فقط مطلق التلاوة ليس فقط مطلق القراءة فاقرؤوا ما تيسر منه لا بل حق التلاوة، عند ذلك يقول القرآن، يقول أولئك يؤمنون به، إذن يقول بأنه إذا تلوتموه ليس بالضرورة يثمر الإيمان، ولكن إذا تلوتموه حق التلاوة فإن يثمر الإيمان، إذن من هنا يتضح أنه لماذا أنه كثير ممن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، لأن هؤلاء لم يقرؤوا القرآن حق تلاوته وإنما قرؤوا القرآن ولم يتجاوز تراقيهم. إذن لابد أن نقف عند هذه الحقيقة القرآنية إن شاء الله تعالي في الأبحاث القادمة. هذا هو الحديث الأول الذي بنحو الإجمال أنا وقفت عنده.
الحديث الثاني: وهي من الروايات المهمة جدا واقعا، لأن نص هذه الرواية كما جاءت في مصادر السنة جاءت في مصادر الشيعة، والرواية كما في مصادر السنة منقولة عن رسول الله في مصادر الشيعة أيضا منقولة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). الرواية كما هي واردة في مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي تحقيق حسين سليم اسد الداراني، الجزء الرابع، صفحة 2098، رقم الرواية 3374، الرواية عن الحارث، سنبين من هو الحارث، هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، الذي هو معروف في أوساط مدرسة أهل البيت الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين الذي هذا البيت الذي قاله الحميري المعروف يا حار همدان من يمت يرني، إن شاء الله سأقف عنده. عن الحارث قال: > قال: دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث< في كثير من المسائل، لا يقول ما هي تلك الأحاديث، ليس المراد روايات وإنما كلمات وأبحاث، >فدخلت على علي، (لأنه من خواص أمير المؤمنين) فقلت ألا ترى أن أناس يخوضون في الأحاديث في المسجد؟، فقال قد فعلوها؟ قلت نعم، قال أما إني سمعت رسول الله يقول< إذن علي بن أبي طالب ينقل الرواية عن رسول الله، >يقول: ستكون فتن< إذن هذه القضية بعد أنا أتصور كما يقال في العلم الأصول من القضايا الحقيقية يعني في كل زمان إذا تلبدت عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ماذا نفعل، >يقول ستكون فتن، قلت أمير المؤمنين يقول قلت لرسول الله وما المخرج منها؟ قال كتاب الله<، قد يقول قائل سيدنا إذن من جهة تقولون كتاب الله وعترتي أهل بيتي ومن جهة تقرؤون روايات كتاب الله، كتاب الله والقرآن هو المحور، كيف الجمع بين هاتين المقولتين؟ هذا إن شاء الله سيأتي في الأبحاث القادمة، قال: >كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله< يعني واقعا إذا بحثت عن الحق في غير الكتاب وقعت في الضلال، أرجع وأقول إذن كيف ينسجم مع حديث الثقلين؟ الجواب يأتي، طبعا حديث الثقلين سواء قلنا بصيغة وعترتي أو قلنا بصيغة وسنتي لا فرق، لأنه سواء قلنا وعترتي أو وسنتي هذا الرواية تقول الكتاب هو الأصل، > ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين<، نفس الكلام الذي قرأناه >وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه<، إذن المضمون نفس المضمون الذي قرناه من الحاكم، >وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور<، هذا الحديث فقط أشير إلى المصادر التي نقلت هذا الحديث بعد ذلك سأقف عند السند وبقدر ما نستطيع عند المتن، ولكن المهم هو السند.
هذا الحديث أيضا ورد في كتاب شرح السنة للإمام البغوي تحقيق الزهير الشاويش وشعيب الأرنئوط الجزء الرابع، ص 439، عن الحارث الأعور، رقم الحديث 1181، نفس الحديث السابق قال: >مررت بالمسجد فإذا الناس يخوضون في أحاديث<.
وممن نقل الحديث أيضا هو الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه المجلد الأول صفحة 193، رقم الحديث 190، ينقل الحديث بكتاب الله العزيز التي لا يأتيه الباطل.
وممن نقل الحديث أيضا الإمام أحمد بن حنبل في المسند، رقم الحديث 704، أتاني جبرئيل… .
إذن أعزائي الحديث من حيث النقل وارد في كتب معتبرة وكلهم ذكر في مقدمة كتابه أنه لا ينقل إلا الحديث المعتبر كما أن أحمد بن حنبل وغيره وغيره. البحث إذن في السند، سنده صحيح أم لا؟ ذهب جملة من الذين علقوا على الحديث، يعني الذين حققوا هذه الكتب قالوا أن الحديث ضعيف السند، لوجود الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، تعالوا معنا:
الأول: العلامة أحمد محمد شاكر في كتابه المسند أو في مسند الإمام أحمد بن حنبل المجلد الأول صفحة 473، رقم الحديث 704، بعد أن ينقل الحديث يقول: > إسناده ضعيف جدا من أجل الحرث أو الحارث الأعور<، >عن الحرث بن عبد الله الأعور قال: قلت لآتين أمير المؤمنين ولسألنه<، الآن يقول حرث ولكنه الحارث أو الحرث ليس مهم، قال: من أجل الأعور، إذن الرواية إسناده ضعيف جدا.
وممن أيضا ضعف السند الألباني في ضعيف سنن الترمذي، في صفحة 328، بعد أن ينقل الرواية يقول عن الحارث قال مررت …. يقول: >ضعيف وإسناده مجهول وفي الحارث مقال<. الذي هو سند الرواية.
وأيضا ضعف الرواية في سلسلة الأحاديث الضعيفة المجلد الثالث عشر، القسم الثاني، صفحة 883، بعد أن ينقل الرواية يقول: > ضعيف، ضعيف<. الآن ما هي المشكلة: قلنا أن المشكلة في الحارث. من هو الحارث؟ ولماذا ضعف؟ وما هي المشكلة التي أدت بهم إلى تضعيف الحارث؟
هذا كتاب تقريب التهذيب تأليف الحافظ ابن حجر العسقلاني، تقديم بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، هناك في ترجمة الحارث بن عبد الله صفحة 211، رقم الترجمة 1036، الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني،( هذه من قبيلة همدان لا همَدان التي هي من مدن إيران)، الهمداني الحوتي بضم المهملة الكوفي، أبو زهير صاحب علي<.
المقدم: ليس من أتباع علي بل صاحب علي.
سماحة السيد: بلي بلي هذا من أصحاب علي، بعد ذلك سيتبين من هو الحارث، سيتبين لماذا أنه هناك وضعت الأضواء عليه لإسقاطه، ولماذا أدرج في القائمة السوداء والمغضوب عليهم؟ من الذي قال عنه كذاب؟ على من استندوا؟ قال: > قال كذبه الشعبي< والشعبي سيأتي أنه من الدعاة الأساسيين لبني أمية، مفردة مفردة ستأتي حتى تعرفون أن الخلاف ليس خلاف مرتبط بأنه هذا الرجل ثقة، بل بانتمائه العقدي، انتمائه لعلي فقط، > كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض< إذن كان رافضي، التفتوا جيدا، حتى ابن حجر العسقلاني إنما عندما يريد أن يتكلم في الرجل لا يجرحه يقول: > وفي حديثه ضعف< لا يقول فيه ضعف، >وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوا حديثين، مات في خلافة ابن الزبير وهو من الثانية< هذه ترجمة المختصرة الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني.
تعالوا معنا إلى علماء الرجال لنرى أنهم كانوا يضعفون هذا الرجل أو أنه الأمر ليست بهذا الشكل الذي يحاول الآخرون يصورونه فيه، ضعيف جدا ضعيف جدا وكأنه من المسلمات. تعالوا معنا إلى شرح السنة، انظروا إلى المحقق زهير الشاويش وشعيب الأرنئوط، إذن محققان كبيران أريد أقرأ كلماتهم في ما قالوه في الحارث الهمداني، يقول في صفحة 439: > والحارث هو ابن عبد الله الأعور الهمداني، صاحب علي، كان فقيها< إذن لم يكن من الناس العاديين وإنما من علماء مدرسة أهل البيت، وعندما نقول فقيه لا يتبادر إلى ذهن الأعزة الفقه كما هو المصطلح عندنا في الحوزات العلمية، يعني عالم بالحلال والحرام والرسالة العلمية، بل المراد من الفقيه في النص القرآني والروايات يعني عالم الدين، عالم بجميع المعارف الدينية، لا عالم بالحلال والحرام والواجب والمستحب، >كان فقيها< يوجد أحد وثقه أو لا؟ يقول: >وثقه ابن معين< إذن كبار الرجاليين وثقوه، >وثقه ابن معين والنسائي وأحمد بن صالح، وابن أبي داود، وتكلم فيه الثوري وابن المديني وأبو زرعة و… قال الذهبي: والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به < يعني مع تصلبه في الرجال وأنه لا يقبل أي رواية مع ذلك احتج بالحارث، وهذا يكشف لك عن عظمة هذا الرجل، يقول: > والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه< يضعفوه، ولكن مع روايتهم لحديثه في الأبواب، مع أنهم يقولون ضعيف ولكن رواياته معتبرة، هذه عجيبة، يقول: > والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه< الشعبي الذي هو أموي يكذبه، يقول: ثم يروي عنه، مع ذلك يروي عنه، > والظاهر أنه يكذب في حكاياته لا في حديثه<، إذن تبين الشعبي في القصص التي يرويها لا يقبلها أما الروايات يقبلها، يقول: > وتعقبه الحافظ في التهذيب بقوله لم يحتج وإنما أخرج له فلان فلان …وقال الحافظ بن كثير في كتابه فضائل القرآن تحقيق أبو اسحاق الحويلي، ناشر مكتبة ابن تيمية صفحة 43، وقال الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن: >وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين< افترضوا انه ليس من كلام رسول الله، لا محذور فهو من كلام أمير المؤمنين، > وقد وهم بعضهم في رفعه< رفعه إلى رسول الله >وهو كلام حسن صحيح< سواء صدر من رسول الله أو من الخليفة الرابع، كما تقولون.
الآن هذا كلام الأعلام في سند الحديث وأما كلام علماء مدرسة أهل البيت في سند الحديث، هذه الرواية ينقلها السيد الخوئي أستاذنا في كتابه البيان في تفسير القرآن للإمام الأكبر زعيم الحوزة العليمة السيد أبو القاسم الخوئي دار الزهراء، في صفحة 500 في التعليق رقم2، يقول: >ترجمة الحارث وافتراء الشعبي عليه، هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، وقد اتفقت كلمة علماء الإمامية على أنه من أعاظم أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وعلى نزاهته ومكانته السامية، ووصفوه بالورع والتقوى والقيام بخدمة سيده أمير المؤمنين ونص على توثيقه الأعلام في كتبهم الرجالية وذكر غير واحد من أكابر علماء السنة الحارث فأثنى عليه قال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الحارث عن ابن معين: الحارث قد سمع من ابن مسعود وليس به بأس وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة، وقال عن ابن ادريس أدركت الكوفة وهم يقدمون خسمة، من بدء بالحارث ثنى بعبيدة ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث، وقال ابن أبي داود كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس وأفرض الناس تعلم الفرائض من علي عليه السلام وقال أبو وقال وقال…< هذا هو الرجل، هذا هو في مقدمة قائمة المطلوبين، ولذا يقول: > قال ابن شاهين في الثقات قال أحمد بن صالح المصري الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي وأثنى عليه قيل له: فقد قال الشعبي كان يكذب، (الشعبي اتهمه بالكذب)، قال لم يكن يكذب في الحديث وإنما كان كذبه في رأيه<، كان عنده مشكلة في اختلافه في الرأي لا أنه في الاختلاف معه، ولهذا سيدنا الأستاذ السيد الخوئي يقول: > بربك أخبرني أيها الناقد البصير هل يجوز في الشريعة العلم أو هل يسوغ الدين نسبة الفاحشة إلى المسلم وقذفه بالكذب بمجرد ولائه لأمير المؤمنين؟< واقعا هذا السؤال التاريخي لابد أن يجبوا عليه، > وتفضيله إياه على غيره، أليس رسول الله هو الذي جاهر بتفضيل علي على غيره حتى جعله منه بمنزلة هارون من موسى، وأثبت له خصالا لم يحظ بمثلها رجل من الصحابة <.
المقدم: تتمة الحديث في الليلة القادمة.