أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
كان الكلام في الآية 35 من سورة يونس قلنا بأن هذه الآية المباركة تعد من أهم الآيات ومن غرر الآيات في مقام بيان الهداية وأنه من يجب أتباعه ومن لا يجوز اتباعه الآية مهمة لأنها بصدد بيان {…أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، إذن هذه الآية بصدد بيان من يجوز بالمعنى العام يعني من يجب إتباعه ومن لا يجوز إتباعه، وهذه قضية مهمة نحن لابد أن نرى من يجوز لنا إتباعه ومن لا يجوز لنا إتباعه، يعني بعبارة أخرى عمن نأخذ ديننا عن هذه الفئة أو عن تلك الفئة أو هما معاً. ولهذا الآية المباركة كما قرأناها للاستذكار قال تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ…} هذه الأحقية هذه الأولوية أفعل التفضيل لا يتبادر إلى ذهنكم أنّه محمولٌ على الأفضلية هذا محمولٌ على التعيين أولوية تعيينية هذه من قبيل آيات قرآنية كثيرة أشارة إلى هذه الحقيقة ومنها ما ورد {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (يوسف: 39) هذه ليست هنا تخيرية ولكن هذا أفضل وإنما تعيين من الواضح أنّه ليس هناك تخيير بين التوحيد وبين الشرك بل هناك تعيين ولكن عبر عنه بتعبير خير أفعل التفضيل إذن القرآن عندما يستعمل أفعل التفضيل ليس من الضرورة يريد أن يقول أنّه مخير ولكن هذا أفضل، لا… وإنما مراده في جملة من الأحيان التعيين أحق أن يتبع ليس الطرف الآخر أحقٌ وهذا أحق لأنّ هذا التعبير هو الذي أوقع كثير من علماء المسلمين في أنّه قال نعم اختلف عليٌّ ومعاوية ولكن كان علي أحق بالإمامة يعني معاوية أيضاً كان على حقٍ ولكنه علي كان أحق ابن كثير وغير ابن كثير مجموعة هذا نظرهم أنّه نحن نفضل علي على معاوية، هو فقط بقية في التاريخ أن يفضلوا معاوية على علي، للعمل أنّه كل علماء الأندلس في ذلك الزمان كانوا يفضلون معاوية على علي، لا يتبادر إلى ذهنكم أن القضية هكذا مسلمات لا… أبداً بإمكانكم الرجوع إلى كتاب النصب والنواصب، دراسة دكتوراه من أهم الكتب التي كتبة في هذا المجال، هو يبين أنّه أساساً في فترة من الفترات كانت الأندلس هي مركز ومعدن النصب والنواصب فينقل آرائهم ومن آرائهم أنهم كانوا يفضلون معاوية على علي ويجعلونه هو الخليفة الرابع وإلا علي ليس من الخفاء وبعد معاوية يزيد وهذا هو الذي سار عليه ابن تيمية بشكل واضح أدخل معاوية إلى الأئمة الاثني عشر وأدخل يزيد إلى الأئمة الاثني عشر الروايات الواردة من بعدي اثنا عشر أمراء خلفاء أدخل معاوية قال لا إشكال في دخوله أدخل يزيد وقال لا إشكال في دخوله أدخل أولاد مروان بن الحكم الأربعة قال لا إشكال في دخولهم أمّا الحسن والحسين فعلى الجزم واليقين ليسوا مشمولون بروايات الاثني عشر، وأما عليٌّ سواء قلنا أنّه يدخل فيهم أو لا يعني محل الكلام هذه من منهاج السنة المجلد 8 أو 4 تجدوه كاملاً هناك عنده بحث مفصل الخلفاء الاثني عشر من هم. طبعاً ينقل روايات مهمة أن إسماعيل بشر بهؤلاء العظماء لا تتصور بأنه لا يعرف الروايات، بل قال إسماعيل بشر بهؤلاء العظماء من هؤلاء العظماء معاوية ويزيد، على أي حال هذا منشأ أحق.
بينا بالأمس قلنا بأن الهداية في الآية هذا التقسيم ليس لبيان الهداية إلى الحق والهداية إلى غير الحق وإنما لبيان أقسام الهادي، أن الهادي قد يكون محتاجاً إلى هداية الغير وقد لا يكون مستغنياً عن هداية الغير، أن الهادي ينقسم إلى قسمين، الأمر الثالث: وإن هذه الهداية هي ليست إراءة الطريق وإنما الإيصال إلى المطلوب. ببيان تقدم تفصيله بالأمس إذن هذه خصوصيات ثلاثة موجودة في الآية تبين من هو الذي ينبغي إتباعه {…أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ… فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} الآية مهمة كثيراً لأنّ الآية ليست مودة ولا محبة ولا أذكركم الله بأهل بيتي خيراً، ليست هذه، وإنما فيها اتباع {…أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ…} ومن الواضح أن الأحقية أحقية تعيينية يعني هذا يتبع لا غير بقرينة {…فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} إذا قلتم يجوز إتباع هذا ويجوز إتباع هذا، هذا اللسان جدُ لسان ذم وشديد الذم أيضاً يعني أين عقولكم إذا قلتم يجوز إتباع هذا وهذا لابد أن تقولوا لا يجوز إتباع إلا الأوّل {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ…} هذه قضايا بالأمس وقفنا عندها.
أمّا ما معنى الهداية بالغير وما معنى الهداية بالاستغناء عن الغير؛ لأنّه قلنا أن الآية بصدد هذا البحث، وصلنا إلى هذه النقطة. أنا سوف أقف عن مسألة العلم ومن خلال العلم سوف تتضح معنى الهداية.
العلم باتفاق كلمة المحققين من السنة والشيعة من علماء المسلمين أن العلم وتحصيل العلم ووسائل تحصيل العلم يمر من خلال طريقين:
الطريق الأوّل: وهو الذي يصطلح عليه بعلم الدراسة ما هو علم الدراسة أتصور واضح في الأذهان، يعني الإنسان إمّا يقرأ في كتاب أو يسمع من أستاذ أو يذهب الدرس أو… يعني طريق تحصيل العلوم الحصولية الموجودة عندنا، وفي الأعم الأغلب طلبنا للعلم ينحصر بعلم الدراسة، طبعاً هذا العلم لا ينتج إلا مجموعة من المفاهيم في الذهن لا ينتج شيءٌ آخر مجموعة من الصور الذهنية التي هي قد تكون مطابقة للواقع وقد تكون مخالفة للواقع الخارجي.
الطريق الثاني: وهو الطريق الذي يعبر عنه قرآنياً بالعلم الّدُني ويصطلح عليه روائياً بالعلم الوراثي، ومن هنا تجد أعلام المحققين قسموا العلم إلى علم الدراسة وإلى علم الوراثة، علمٌ درسي، وعلمٌ إرثي (ولهذا تجد الإمام الصادق سلام الله عليه يقول: ذاك الذي ادعى علم تفسير القرآن قال وما ورثك الله من القرآن حرفا، وليس ما علمك، أبداً ما ورثك يعني العلم الذي عندهم علم الوراثة والذي عند الآخرين علم الدارسة وأين هذا من ذاك) هذا العلم ينتج العلم الحضوري وليس العلم الحصولي هذا النحو من العلم ليس حصيلته المفاهيم والصور الذهنية حصيلته العلم الحضوري الحقائق لا المفاهيم والصور، ما هو بين العلم الحصولي والعلم الشهودي أو الحضوري؟ على الأقل واحدة من الفروق أن العلم الحصولي قد ينفك عنه أثره، ولكن العلم الشهودي لا ينفك عنه أثره. أضرب مثال: أنت إذا علمت أن السيكار مضر، قد تترك شرب السيكار وقد تستمر. ولكن إذا أصبت بمرضٍ عضال إن لم تمتنع فأنت تموت تمتنع عن شرب السيكار أو لا؟ تمتنع لماذا؟ لأنّ المرض صار حضوراً عندكم وليس علم حصولي بالمرض علم شهودي بالمرض. ولذا قالوا أن العلم الحصولي أثره قد ينفك عنه، يعني قد تعلم ذلك الشيء حرام ومع ذلك تفعله، تقرأ في القرآن {…يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً…} (النساء: 10) ومع ذلك تأكل أموال اليتيم تقول إن شاء الله أصال البراءة وأصالة الحلية، أمّا الذي يعلم العلم الحضوري يعني يحترق في بطنه ناراً هذا يمتنع أو لا؟ نعم، يمتنع لأنّ أثره ملازم له، ومن هنا نحن في كتاب العصمة أرجعنا علم النبي أو الأنبياء أو الأئمة إلى علم حضوري فلهذا فلا ينفك عنه أثر فالعصمة مطلقة هذا بحث لا نريد الدخول به. أعلام المسلمين قال بهذا، منهم الغزالي عنده مجموعة رسائل الإمام الغزالي للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي هذا الذي كان فقيهاً من فقهاء بغداد ولكنه في أخريات حياته ترك كل مناصبه ومرجعيته وكراسيه وذهب للتصوف ويقال في أخريات حياته صار شيعي، الآن جملة من أكابر المعاصرين عندما يذكرون الغزالي يذكرونه بكل خير يقولون لأنّه صار شيعياً في أخريات حياته، عنده في هذا الكتاب الذي بعنوان الرسالة الّدُنية في ص67 يقول: أعلم أن العلم الإنساني يحصل من طريقين التعلم الإنساني والتعلم الرباني أمّا الطريق الأوّل فهو طريق معهود مسلك محسوسٌ يقر به جميع العقلاء، وأما التعلم الرباني فهو أحدهما من خارجٍ وهو التحصيل والآخر من داخلٍ وهو كذا، يقول إمّا بالتفكر تصل إليه وإما من الخارج يفاض عليه، من علم بما علم علمه الله علم ما لم يعلم، هذا من عمل بما علم حصولاً أعطاه الله علماً غير هذا العلم الحصولي، ذاك بعد ليس من سنخ هذا العلم من سنخ آخر من العلم حقيقة أخرى من العلم هذا بحث مهم فراجعوه. هذا المورد الأوّل.
المورد الثاني: الرازي: أيضاً ممن اتهم بأنه متشيعٌ، هناك في ذيل الآية المباركة: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} (الكهف: 65) هذا غير علم الدراسة علم علمناه من لدنا وليس كتاب تقرئه، ولذا أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام قالوا: علمنا ليس من أفواه الرجال ولا من كتب نقرئها، إذن يا ابن رسول الله ما هو علمكم، قال: شيءٌ آخر. لذا بعد لا تستغرب في بطن أمه وهو عالم لأنّه هذا نحو آخر من العلم ولا يحتاج إلى زمان ومكان وأستاذ ومعلم معلمه هو الله، ولا تستغرب أن الإمام الجواد قبل الثامنة يكون إماماً مفترض الطاعة على العالمين متى تعلم الزمان كيف ساعده؟ الجواب: الزمان والمكان والأستاذ مرتبط بعلم الدراسة لا بعلم الوراثة، وإلا هؤلاء علومهم السلام عليك يا وراث آدم صفوت الله السلام عليك يا وراث نوح يا وراث إبراهيم يا وارث موسى يا وراث عيسى يا وراث خاتم الأنبياء أمير المؤمنين…. هذا علمهم وراثي. هناك أيضاً يقول في ذيل هذه الآية المباركة يقول العلم على قسمين:
القسم الأوّل: أن يتكلف الإنسان تعلم تلك العلوم البديهية والنظرية.
القسم الثاني: أن يسعى الإنسان بواسطة الرياضات والمجاهدات في أن تصير عنده علوم ماذا شهودية، هذا الطريق غير ذلك ولذا في كتب القوم يعبرون عن هذا بطريق العقل ويعبرون عن ذلك بطريق القلب. الطريق القلبي للعلوم الشهودية والطريق العقلي للعلوم الدراسية والنظرية، هذا المورد الثاني.
المورد الثالث: العلامة الالوسي في تفسيره في ذيل هذه الآية المباركة في المجلد 5 ص330 من سورة الكهف قال: والآية عندهم أصلٌ في إثبات العلم اللدني وشاع إطلاق العلم الحقيقة والعلم الباطني عليه، هذا المورد الثاني.
طبعاً هذا العلم اللدني كما قلت هو المصطلح عليه بالعلم الإرثي، أنا فقط أشير إلى المصادر راجعوا هذا البحث في جامع الأسرار ومنبع الأنوار للسيد حيدر الآملي الذي لا إشكال في أنّه من الشيعة. هناك في ص472 قال: اعلم أن العلوم تنقسم إلى قسمين رسمي اكتسابي وإرثي إلهي هذا العلم اللدني الذي يسميه إرثي فأما العلم الرسمي الإكتسابي يكون بالتعليم الإنساني على التدريج مع النصبٍ وتعبٍ وسهرٍ للليالي والنتيجة أمّا تصبح عالم أو لا. والعلم الإرثي الإلهي يكونوا تحصيله بالتعليم الرباني بالتدريج وغير التدريج قد يكون دفعي مرة واحدة يعطيك علم الأولين والآخرين هذا الذي يصطلح عليه أن الإنسان في ليلة واحدة قد يطوي مسافة مائة سنة، ممكن بهذا الطريق مع روحٍ وراحة في مدةٍ يسيرة وكل واحدٍ منهما يحصل بدون الآخر ممكن أن يكون عنده علمٌ إرثي ولا علم حصولي وعنده علم اكتسابي ولا علم إرثي ويمكن أن يجتمعا، ولكن الثاني… إلى آخره.
هذا البحث ولذا ينقل قضية هو في جامع الأسفار أنّه وقع هناك سباقٌ رسامي وفناني الهند والصين عند أحد كبار ملوك وسلاطين أمّا الهنود أو الصنيين هؤلاء قالوا أن رسمنا أدق من رسمك، رسوم يعني اللوحات الفنية، أولئك قالوا لا إن رسمنا أدق من رسومكم، الملك جاء بصالة كبيرة وأعطى طرف هذه الصالة على يمين الحائط قال أنتم أرسموا هنا وأعطى الطرف الآخر وقال ارسموا هناك ووضع بينهما ستار وضرب لهم مدة قال: وبعد ذلك أنا أأتي وأرى هذه اللوحات ما رسمتوموه أنتم وما سمه هؤلاء أحد الطرفين اشتغل بتعبيرنا بالرسم بدأ يخط ويرسم على الجدار، الطرف الآخر ما رسم ماذا فعل جعل الجانب الآخر مرآة عاكسة للصورة الموجودة في الطرف الآخر ولكن بنحو صممت المرآة بالنحو الذي يستطيع الرائي أن يتصور هذه مرآة أو لا يستطيع؟ لا يستطيع فعندما جاء يوم السباق رفع الستار فعندما نظر الملك إلى هذا الجانب قال جميل ولكن عندما نظر إلى الجانب الآخر وجده أجمل لماذا؟ لأنّه كان في مرآة وعليه لمعان وتموج فكان يوحي انه أجمل من هذا فلهذا قال هذا أجمل من هذا، هؤلاء كلما نظروا وجدوا بأنه نفس الرسم الذين هم رسموه موجود في الطرف الآخر فاستغربوا أن كيف يمكن مع أنّه لم يطلع أحدهما على الآخر، فبلغوهم هو يأخذ نتيجة يقول عليك بتصفية قلبك فينعكس كل ما في الملكوت. لا توجد حاجة لتذهب وتتعلم واقعاً لا حاجة والدليل على ذلك أن النبي تعلم أو لا؟ لم يتعلم إذن كيف صار أعلم الأولين والآخرين بل صار معلم الملائكة كيف؟ بتلك العبادات في غار حراء، الأئمة تعلموا من أحد؟ لا. علمني باب ينفتح منه ألف باب، الآن ذهني وذهنك يذهب إلى أي باب يا علم؟ العلم الحصولي؟ لا… لا يمكن أن يكون علماً حصولياً. إذن هذا إلى هنا اتضح لنا ما هو العلم اللدني والعلم الكسبي؟ الجواب: هؤلاء والقرآن يصطلح على العلم الاكتسابي وعلى العلم الرسمي بأنه من الغير، أمّا على العلم اللدني بلا واسطة الغير. يعني لم تتوسط فيه الأسباب المتعارفة.
الآن نأتي إلى بحثنا. سؤال: ما هي الهداية؟ الهداية على قسمين تارة هداية بتوسط الغير، وتارة هداية من غير توسط الغير. يعني تارة أن العبد مهديٌ من قبله تعالى بلا توسط الطرق الطبيعية وأخرى لكي يكون العبد مهدياً لابد أن توسط الغير، أنا وأنت لكي نهتدي نحتاج إلى من يهدينا كيف يهدينا إمّا بقراءة القرآن أو السنة أو العالم أو المرجع أو … إلى آخره. هذه هداية بالطرق الطبيعية. الله عندما يهدي {…وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأنعام: من الآية 87) الله هدى الأنبياء أيضاً هداهم بتوسط الغير أو بلا واسطة بينه وبينهم الله عندما يقول الأنبياء هديناهم صراطاً مستقيماً. قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة الأنعام: 84ـ87) هذه أي نوع من الهدايا؟ {…أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ…} هذا داخل في هذا القسم {…إِلَّا أَنْ يُهْدَى…} بأي قسم؟ القسم الأوّل أو القسم الثاني؟ لا… لا يهدى هذا. نعم، الله يهديهم ولكنه بالوسائط المتعارفة أو غير المتعارفة؟ كما في العلم اللدني. إذن الآية المباركة قالت أن الإتباع لا يجوز إلا لمن كان مهدياً من قبل الله تعالى. سؤال: قد تقول هؤلاء كلهم هدوا من قبله بشكل مباشر أو بعضهم يتوسط البعض؟ لا… لا محذور أن يتوسط بعضهم لبعض، يعني أن يتوسط خاتم الأنبياء لتعليم من بعده من الأئمة لا محذور فيه ولكن الطريق طبيعي أو غير طبيعي؟ الطريق غير طبيعي، يعني اكتسابي أو إرثي لدني؟ لابد أن يكون داخلاً {…وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {…ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ…}نحن استدللنا بهذه الآية المباركة، هذه الآية المباركة من أهم الأدلة على عصمة الأنبياء، لأنّ الآية المباركة قالت الله هديناهم إلى صراطٍ مستقيم، والله إذا هداهم إلى صراطٍ مستقيم تتخلف هدايته أو لا؟ إن الله بالغُ أمره، هو أراد أن يهديهم إلى صراط مستقيم والله بالغُ أمره، قد جعل الله لكل شيءٍ قدراً. فإذا كانوا على الصراط المستقيم بعد هؤلاء يوجد عندهم ذنبٌ ومعصية أو لا يوجد؟ لا معنى لذلك. ولذا نحن في كتاب عصمة الأنبياء واحدة من أهم أدلتنا إثبات عصمة الأنبياء المطلقة هذه الآية المباركة من سورة الأنعام قال: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ…} (الأنعام: 88)، كل واحد لا نعطيه هذا النوع من الهداية، كم الآية واضحة كم صريحة، أنتم تتصورون أن نعطي الهداية لكل واحد، لا… بل لمن وجدنا أنّه طالبٌ لها حقيقةً ووجدنا أنّه يريدها حقيقةً من يشاء قال: {…يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ…}الذين أرادوا الهداية لأنفسهم وإلا إذا لم يريدوا لا نعطيهم الهداية، لأنّ الله سبحانه وتعالى {…أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا…} (الرعد: 17) كلٌ بحسب استعداده القرآن الكريم صريحاً يقول: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} (الإسراء: 20)، إذن الهداية على قسمين هداية إلهية بلا توسط الأسباب الطبيعة والمتعارفة التي هي عموماً الأسباب الموجودة عندنا ما هي؟ الهداية الطبيعية الاكتسابية التي قد تصيب وقد تخطئ، ولذا تجدونها قد تصل أو قد لا تصل. لأنها اراءة الطريق، أمّا تلك الهداية من الله هداية ماذا؟ الإيصال إلى المطلوب. ولهذا لا تتخلل. إذا كان الآية كذلك، سؤال: إذن الآية المباركة بينت لنا من هو الذي ينبغي إتباعه، إذن تأتي هنا الرواية لتعين المصداق. بعد نحن لا نستدل على مسؤولية الإمامة بالهداية من الرواية حتى يشكل علينا بألف إشكالٍ من حيث السند والمتن والنقل بالمعنى والتقية والتقطيع و… إلى غير ذلك. لا… استدلالنا بالقرآن ماذا؟ أن القرآن يقول الذي يجب أن يتبع لابد أن يكون مهدياً من قبل الله {…وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وكل من تتبعونه أنتم يا أهل السنة توجد فيه هذه الخصوصية أو لا؟ لا توجد. المنهج القرآني واضح وصريح ومحكم ومتقن في مسألة الإمامة {…أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى…} يعني أن يهدى من قبل الآخرين بالوسائل المتعارفة فما لكم أين عقولكم {…فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أي منطقٍ هذا الذي أنتم عليه {…فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
إذن بهذا ننتهي إلى أن القرآن الكريم بين بشكل واضح وصريح الإمامة العامة من حيث الشروط والمسؤوليات الموانع فلا يبقى على النص الروائي إلا بيان المصداق، وقد ذكرنا فيما سبق رواية واحدة من هذه الروايات، (تذكرة) طبعاً هذا البحث وهو أقسام العلم قد أشرنا إليه تفصيلاً في علم الإمام هناك تحت عنوان وسائل تحقق علم الإمام الإمام كيف يكون عالماً هل يدرس عند الإمام الذي سبقه أو له طريقةٌ ماذا طريقةٌ أخرى من خلالها يدرس الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام تقول الرواية: سألت أبا عبد الله الصادق عن العلم يعني عن علمهم أهو علمٌ يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه كيف تكونون علماء أنتم؟ فقال الأمر أعظم من ذلك وأوجب، نحن نتصور أنّه كان عنده قراطيس من آبائه وكان عنده لست أدري كذا… نتصور كان لديه كتب، إذا كان الأمر كذلك، السلطات في ذلك الزمان قد فتشت بيوتهم عشرات المرات لماذا لم يحصلوا عليها أين ذهبت إذن ذلك نحوٍ آخر من القراطيس ليس كتب تكتب، فقال الأمر أعظم من ذلك وأوجب؟ يا ابن رسول الله وضح لنا مقدار من ذلك؟ عند أهل البيت سلام الله عليهم ولكن ظللنا الطريق عنهم، قال: سمعت قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ…} (الشورى: 52) هذا أمرٌ من أمر الله هذا ليس نقرئه في كتاب أو نتعلمه من أفواه الرجال، ثم قال: أي شيءٍ يقول أصحابكم في هذه الآية.
ثم رواية أخرى: قال: أخبرني عن العلم الذي تعلمونه أهو شيءٌ تعلمونه من أفواه الرجال بعضكم من بعض أو شيءٍ مكتوب عندكم من علم رسول الله، قال: فقال: الأمر أعظم، ولذا مجموعة من الروايات نقلتها هنا فراجع هذا البحث تفصيلاً ثم دخلت في بحث الروح التي هي مع أئمة أهل البيت، الروح التي تجعلهم علماء، هذه أي روح؟ هذا البحث سوف يأتي في وقت لاحق.
لنقرأ رواية أو روايتين:
الرواية الأولى في أصول الكافي وهي 528 ج2 ص400 في مرآة العقول الرواية عن أبي عبد الله الصادق، وهي صحيحة السند كما يقول المجلسي، الرواية في خطبةٍ له يذكر فيها حال الأئمة وصفاتهم إن الله عز وجل أوضح بأن أئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه… إلى أن يقول: نصب الإمام علماً لخلقه وجعله حجةً على أهل مواده وعالمه وألبسه الله تاج الوقار وغشاه من نور الجبار يمد بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه مواده ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه، فهو واسطة الفيض، ولذا العلامة ميرزا رفيعي التي هي من الحواشي المهمة على أصول الكافي، المتوفى 1082 هذه عبارته في ذيلها يقول: والمادة الزيادة المتصلة والمراد بمواده يعني جميع الزيادات المتصلة به من جميع المخلوقات لا يمكن أن يأتي شيء من المخلوقات إلا بتوسطه والذي يؤيد هذا المعنى رواية أخرى التي هي خاتمة البحث، أيضاً في أصول الكافي الرواية عن أبي عبد الله الصادق وإن كان المجلسي عبر عنها مجهولة ولكن قلنا أن تعبير المجلسي مجهول ليس معناه عدم الاعتبار لا…: عن أبي عبد الله الصادق قال: أبى الله أن يجري الأشياء إلا لأسبابها، فجعل لكل شيء سببا وجعل لكل سببٍ شرحا وجعل لكل شرحٍ علما، وجعل لكل علمٍ باباً ناطقا عرفه من عرفه وجهله من جله ذاك رسول الله. وقال الفيض الكاشاني في ذيل هذه الرواية يقول: يعني ذلك الباب فمن الباب يمكن الدخول إلى العلم ومن العلم يمكن الوصول إلى الشرح ومن الشرح يعرف السبب ومن السبب يعلم المسبب فالعلم بالأشياء كلها موقوفٌ على معرفة الإمام والأخذ منه. والسلام عليكم ورحمة الله.