أعوذ بالله السميع العليم من شر شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
في المقدمة لابد أن أشير إلى أن ما ذكرناه في هذه الرسالة التي بأيدي الإخوة وهي رسالة الإنسان بين الجبر والتفويض وبين ما نبحثه هنا في مسألة الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين عموم من وجه لا يتبادر إلى ذهن أحد أن كل الذي نقوله هنا موجود في تلك الرسالة لا، هناك بعض الأمور التي بيني وبين الله نعتقد أن الأعزة يراجعونها في الكتاب، وهناك أمور هنا موجودة ليست موجودة في تلك الرسالة وهناك أمور مشتركة بنحو الإجمال، انتهينا إلى أن مسألة الجبر ومسألة التفويض إنما كان منشأها وجذرها إنما هو في الأسماء الإلهية فإن القائلين بالجبر قدموا بعض الأسماء وحكموها على بعض آخر وأن القائلين بالتفويض قدموا سنخاً آخر من الأسماء وحكموها على البعض الآخر، هذا أولاً وهنا أيضاً نفترض أن الجبر باطل جزماً لما ذكر في محله من الأدلة العقلية وما ذكر في نصوصنا الروائية من أن الجبر باطل لأن الروايات قالت عندنا أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض إذاً الجبر باطل عقلاً ونقلاً، والنقل أيضاً الآيات القرآنية قبل الروايات أنا استعرضت جميع الآيات الموجودة في هذا المجال في الرسالة الموجودة بأيدي الأعزة والتفويض أيضاً باطل جزماً لما ذكر أيضاً في محله من الأدلة العقلية أولاً ومن الأدلة النقلية في القرآن وفي النصوص الروائية ثانياً، سؤال وهو أنه قد يقول قائل أنه لا طريق لنا إلا أحد هذين الطريقين إما الجبر وإما التفويض لا طريق لنا إما أن تقولوا بالجبر وإما أن تقولوا بالتفويض؟
لكي نقبل هذه الدعوى إما الجبر وإما التفويض لابد من إثبات أحد أمرين فإن ثبتا أو ثبت أحدهما نعم لا طريق لنا إلا الجبر أو التفويض وهو أنه إذا ثبت أن الجبر والتفويض من النقيضين أمران متناقضان إذا ثبت أن الجبر والتفويض هما من النقيضين يعني الوجود والعدم عند ذلك طبعاً يمكن أن نذهب إلى طريق ثالث أو لا يمكن؟ لا يمكن، لأنه النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وإذا قلنا بالأمر بين الأمرين يلزم منه اجتماع النقيضين ويلزم منه ارتفاع النقيضين إذا ثبت أن الجبر والتفويض من الأمران المتناقضان لا يمكن الذهاب إلى الأمر بين الأمرين لأن الأمر بين الأمرين يلزم منه اجتماع النقيضين ويلزمم منه ارتفاع النقيضين ولكنه هذا الكلام تام أو غير تام؟ غير تام، لأنه لم يذهب أن الجبر والتفويض من الأمور المتناقضة لم يثبت لنا لأنه أنتم ماذا قرأتم في تعريف التناقض؟ أحدهما وجودي والآخر عدمي، وهنا في الجبر والتفويض يوجد عدم أو لا يوجد عدم؟ لا يوجد عدم، لأن القائل بالتفويض يقول أن الفاعل للفعل من هو؟ الإنسان والقائل بالجبر يقول أن الفاعل للفعل من هو؟ الله، كلاهما أمر وجودي لا أن أحدهما وجودي والآخر عدمي إذاً الجبر والتفويض نقيضان أو ليسا بنقيضين؟ ليسا بنقيضين، لأنه كلاهما أمر وجودي يقول هذا فاعله الإنسان، ذاك يقول فاعله الله إذاً هذه الدعوى الأولى.
الدعوى الثانية إذا استطاع أصحاب الجبر والتفويض أن يثبتوا أنهما من الضدين الذين لا ثالث لهما عند ذلك يمكن فرض الأمر بين الأمرين أو لا يمكن؟ لا يمكن، لأنه مآل الضدين الذي لا ثالث لهما إلى التناقض فإذا قلنا أن الجبر والتفويض أمران وجوديان ولكن ضدان لا ثالث لهما عند ذلك الحق مع من إما مع الجبر وإما مع التفويض، من قبيل العدد إما زوج وإما فرد سؤال هذان نقيضان؟ لا لأن كلاهما أمر وجودي ولكن هم ضدان لا يجتمعان لا يمكن أن يكون زوجاً وفرداً ولا يمكن أن يكون نصف زوج ونصف فرد، أما الأبيض والأسود ضدان أو لا؟ نعم، لا يمكن أن يجتمعان لا يمكن أن يكون أبيض وأسود ولكن لهما ثالث أو ليس لهما ثالث؟ نعم ثالثهما اللون الذي لا ابيض ولا أسود هذا المكان وذاك المكان يمكن أن أكون في هذا المكان وفي ذاك المكان في آن واحد؟ لا يمكن، لأنهما ضدان لا يجتمعان كلاهما وجوديان ولكنهما لهما ثالث أو ليس لهما ثالث؟ نعم، أن لا أكون في (أ) ولا في (ب) أكون في (ج)، السؤال المطروح أن الجبر والتفويض من الضدين الذين لهما ثالث أو من الضدين الذين لا ثالث لهما أساساً تعريف الضد لا ينطبق على الجبر والتفويض لماذا؟ أمران وجوديان يعتوران على موضوع واحد، وهذا التعريف ينطبق على أنه الفاعل الله أو الفاعل العبد أو لا ينطبق؟ الله فاعل والعبد فاعل آخر، ومن هنا تجدون أن أئمة أهل البيت التفتوا إلى هذه النكتة الطريفة والدقيقة العقلية ماذا قالوا؟
سألوهم مراراً وتكراراً في الكافي الجزء الأول صفحة (385) قال عن أبي عبد الله قلت أجبر الله العباد على المعاصي قال لا، قال قلت ففوض إليهم الأمر قال لا، إذاً نقيضان أو غير نقيضان؟ لا يمكن أن يكونا نقيضان، قال أبو عبد الله لم أحده هذه موجودة في كتاب التوحيد باب إطلاق القول بأنه شيء قال السائل فقد حددته إذ أثبت وجوده، بمجرد قلت أنه موجود فهو محدود، قال الصادق لم أحده ولكني أثبته والتثبيت والإثبات لا يلازم المحدودية إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة، الرواية قال لا، فقلت لماذا إذا كان لا ولا إذاً ماذا؟ قال لطف من ربك بين ذلك، يعني بين الجبر وبين التفويض، الرواية التاسعة قال فسألا هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة قالا نعم، إذاً هما من النقيضين أو ليسا من النقيضين وإلا لو كان من النقيضين لما كانت هناك منزلة ثالثة أوسع مما بين السماء والأرض الرواية العاشرة، عن أبي عبد الله سألا عن الجبر والقدر فقال لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما في هل الحق لا يعلمها إلا العالم لولاهم سلام الله عليهم القرآن كان بأيدي الناس كان بأيدي العلماء ولكن استطاعوا أن يصلوا إلى المنزلة بين المنزلتين أو لم يصلوا؟ لم يصلوا، لا يعلمها إلا العالم أو لم يعلمها إلا من علمها إياه العالم وكذلك الرواية (11) قال جعلت فداك فبينهما منزلة فقال نعم أوسع مما بين السماء والأرض إذاً إلى هنا اتضح لنا أن الأمر بين الأمرين هو الحق في المسألة، ننتقل إلى الأمر بين الأمرين، ما معنى الأمر بين الأمرين؟ واقعاً هنا حيرة شديدة بين علماء الإمامية من أخباريين من متكلمين من فلاسفة مشائيين من فلاسفة حكمة متعالية من عرفاء ولهذا الذين يريدون أن يراجعون يرجعوا إلى مرآت العقول في المجلد الثاني صفحة (200) يقول وللناس في تحقيق ذلك مسالك في تحقيق الأمر بين الأمرين الأول ما ذكره الشيخ المفيد الثاني ما ذكره بعض السالكين الثالث ما ذكره أيضاً أكثر السالكين مسلك الفلاسفة ونسب إلى المحقق الطوسي، الرابع ما ذكره الفاضل الاستر آبادي الخامس ما ذهب إليه كذا، السادس… السابع… الثامن… التاسع… إلى ما شاء الله، إذاً الأمر بين الأمرين من مسائل أهل البيت أو ليست كذلك؟ نعم حتى ادعى بعض الأعلام أنها متواترة، الأصل الأول أن لا يلزم من تفسير الأمر بين الأمرين شرك في أي مرتبة من مراتب الشرك وإلا إذا لزم منه الشرك فذاك تفسير لو باطل؟ باطل، الأصل الثاني أن لا يلزم من تفسير الأمر بين الأمرين أن يتحول الموجود المحتاج الفقير الممكن إلى موجود غني لا يحتاج إلى غيره، وإلا ما فرضته مربوباً صار رباً وما فرضته فقيراً صار غنياً إذاً الأصل الثاني كل تفسير لزم منه أن يؤدي إلى أنه أنا أكون مستغن عنه سبحانه وتعالى بعد أن كنت فقير وعلى هذا الأساس الأعلام أبطلوا نظرية المفوضة قالوا لأنه يفعل فعله بالاستقلال حتى لو لم يكن الله موجوداً فهو قادر أو ليس بقادر؟ قادر.
الأصل الثالث الأمر المهم لابد أن يكون التفسير بهذا الشكل وإلا لو لم يكن بذلك لكان خلاف الأصل الذي اشرنا إليه وهو أن هذا عندما أرفعه هذا فعل من؟ فعل الله؟ يعني الرافع حقيقة من الله؟ جبر، الرافع بلا حاجة إلى الله شنو يصير؟ تفويض، هذا الفعل فعلي وفعل يعني نفس الفعل أمر بين أمرين لا أن أحدهما في مكان، والثاني في مكان آخر، ليس اختلاف حيثية لا نفس الفعل أمر بين أمرين، لا أن أحد الأمرين (أ) والآخر (ب)، هذا ليس أمر بين أمرين؛ لأن حديثنا في الفعل الصادر من الإنسان هل هو جبر هل هو تفويض أو هو نفس الفعل أمر بين أمرين، لابد يكون حيثية واحدة حديثنا في فعل الإنسان ما صدر من الإنسان صدر جبراً صدر تفويضاً هذا الفعل صدر أمر بين أمرين نفس الفعل من حيثية واحدة، إذا سألك واحد قال لك هذا الماء بارد قلت لا قال حار قلت لا فلو سألك إذاً ماذا؟ تقول بينهما يعني نصفه حار ونصفه بارد؟ يعني فاتر يعني إذا جعلنا البارد درجة صفر وإذا جعلنا الحار رجة مئة عندما أقول ما بينهما يعني درجته، أمر بين أمرين الفعل الإنساني أمر بين الأمرين ليس نصفه الله ونصفه أنا، مثال آخر لو سألتك هذا الجلد لونه أبيض تقول لا أقول أسود تقول لا أقول لك إذاً ما هو؟ تقول بينهما يعني نصفه أبيض ونصفه أسود؟ أو معناه يعني رمادي تقول لا أسود ولا أبيض، نفسه بكل جزء من أجزاءه لا أسود لا أبيض لا جبر ولا تفويض أمر بين أمرين، انظر إلى هذه الرواية الواردة في البحار الجزء الخامس صفحة (39) كتاب العدل والمعاد رواية (61) الباب الأول قال مر أمير المؤمنين بجماعة بالكوفة وهم يختصمون بالقدر يعني هي مسألة التفويض فقال لمتكلمهم أبالله تستطيع أم مع الله تستطيع أو من دون الله تستطيع؟ فلم يدري ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين سلام الله عليه إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس إليك من الأمر شيء، وإن زعمت أنك مع الله تستطيع قال فقط زعمت أنك شريك معه في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد أدعيت الربوبية من دون الله يعني إنقلب الفقير غني فلهذا قلنا أي تفسير لابد أن لا يلزم منه الغنى وإلا نقع في الشرك أيضاً، (من هذه الجملة نفهم أن اتخذوا أرباباً من دون الله يريد بأنه يعني جعله في عرضه رباً وهذا هو إشكال الوهابية والسلفية كل هذه الآيات التي يستدلون بها لرد التوسل وغيرها فيها من دون الله وهؤلاء لم يفهموا اللغة أن معنى من دون غير معنى بإذن الله أتحدى كل الوهابية أن يأتوا بآية واحدة التي ذم الله فيها اتخاذ الأرباب لا يوجد فيها من دون الله بعضها لا يوجد فيها من دون الله ولكن من خلال القرائن واضح أنه يراد به من دون الله وكل الذي تقوله مدرسة أهل البيت أو كثير من علماء المسلمين لا يقولون بأنه يتوسلون بأنه بفلان من دون الله نسأل فلان من دون الله نتشفع بفلان من دون الله وإنما يقولون نتشفع ونسأل ونتوسل بالله وفرق كبير بين من دون الله وبين بالله وهذا هو الذي أشار إليه الإمام أمير المؤمنين وأنا عندما راجعت اللغة وكلمات اللغويين وراجعت معاني حروف الجر كاملاً دقيقة هذه النكتة وهو أنه من دون غير (با) فلهذا الإمام أمير المؤمنين قال له أبالله تستطيع أم مع الله تستطيع أم من دون الله تستطيع؟ فقال يا أمير المؤمنين لا بل بالله أستطيع فقال إما أنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك) إذاً هذه أصول ثلاثة أولاً أن لا يلزم منه الشرك ثانياً منه إنقلاب الفقير غنياً الربوبية ثالثاً أن يكون الفعل من حيثية واحدة أمر بين أمرين.
والحمد لله رب العالمين.
4 رجب المرجب 1435