أعوذ بالله السميع العليم من شر شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
قلنا بأنه لا يمكن المصير إلى نظرية الجبر ولا إلى نظرية التفويض، وذلك لما ثبت بطلان هذين الاتجاهين عقلاً ونقلاً، إنما الكلام كل الكلام في نظرية الأمر بين الأمرين، وتفسير هذه النظرية، أشرنا بالأمس أنّ هذه النظرية لكي نستطيع أن نقف على القراءات والتفسيرات المتعددة لها، لابد من الوقوف على مجموعة أصول، أشرنا إلى هذه الأصول الثلاثة بالأمس.
الأصل الأول أن لا يلزم من التفسير الشرك؛ لأن الشرك باطل عقلاً ونقلاً.
الأصل الثاني أن لا يلزم من التفسير الربوبية، يعني أن يكون فاعل الفعل منقلباً من فقير إلى غني.
الأصل الثالث، وهو لعله أهمّ هذه الأصول الثلاثة، أن يكون تصوير الأمر بين الأمرين في حيثية نفس الفعل، الفعل في نفسه أمر بين أمرين، يعني عندما أضع يدي عليه لا هو جبر ولا هو تفويض، لا أنه من جهة ليس بجبر، ومن جهة أخرى ليس بتفويض، نفس الفعل الذي يصدر عن الإنسان لا هو جبر، الذي يقول به الأشعري، ولا هو تفويض، الذي يقول به المعتزلي، بل هو أمر بين أمرين، نفس الفعل لا أن نفسر الأمر بين الأمرين بحيثيتين حيثية (أ) وحيثية (ب)، وقلنا بأي دليل؟ بدليل أن الحديث محل نزاع في فعل الإنسان، محل النزاع أن الفعل الصادر من الإنسان هل هو بالجبر؟ هل هو بالتفويض؟ أئمة أهل البيت قالوا أفعال الإنسان لا هي جبر ولا هي تفويض، نفس هذا يكشف لنا أنّ البحث أين؟ في أفعال الإنسان، هذا مضافاً إلى الرواية التي قرأناها للأعزة، الرواية التي قرأناها للأعزة من البحار، المجلد الخامس (39) كانت هذه، قال مرة أمير المؤمنين فقال لمتكلمهم أبالله تستطيع أم مع الله تستطيع أم من دون الله تستطيع؟
الإمام سلام الله عليه قال: إن زعمت أنّك مع الله تستطيع، فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه، وهذا هو الأصل الأول.
الثاني: وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع، فقد ادعيت الربوبية من دون الله، يعني ما فرض أنه محتاج تبين أنه محتاج أو ليس بمحتاج؟ هذا خلف الفرض، {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}، فإذا استغنيت، ما فرض أنه فقير صار غنياً، وهذا خلاف الفرض، ولذا بالأمس قلنا هذه من دون الله يعني ما صار سبباً لادعاء الربوبية له؛ لأن الإمام قال: وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع، فقد ادعيت الربوبية من دون الله، يعني كلما قلت من دون الله، يعني تريد أن تثبت الاستقلال، الربوبية، عدم الحاجة، عدم الفقر، ومن هنا قلنا أنتم ترجعون إلى القرآن تجدون القرآن من أوله إلى آخره إشارة إلى هذه النكتة، في سورة البقرة الآية مئة وسبعة {قال ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}، يعني أن يكون لكم ولي ورب غيري، لا أنه كان ولي من قبلي جعلته عليكم ولياً، وإلا إذا أتخذنا جعلنا من دون الله من ولي ماذا نفعل في قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}، هناك أثبت الولاية لمن؟ لغير الله، فيه محذور أو لا يوجد؟ لا يوجد، لماذا؟ لأن تلك الولاية من دون الله، أو بجعل الله؟ والآية تنفي، لا يوجد من دون الله، لا أنه لا يوجد بجعل الله، وإلا صريحاً الولاية، وهذه هي مشكلة الوهابية، هذه هي مشكلة السلفية، هذه هي مشكلة ابن تيمية، كل ثقافتهم قائمة على هذا، يقولون انظروا هؤلاء اتخذوا أولياء من دون الله، هذه موجودة أولياء من دون الله {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً} تعالوا إلى الآية (64) من سورة آل عمران قال {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} تعالوا إلى الآية (79) من سورة آل عمران قال {قال ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله} تعالوا إلى الآية (119) من سورة النساء قال تعالى: {ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله} تعالوا إلى الآية (173) من سورة النساء، قال تعالى: {وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً}، أما بإذن الله يوجد نصير أو لا يوجد؟ نعم.
تعالوا معنا إلى الآية (56) من سورة الأنعام، قال تعالى: {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله}، إذاً نفس هذه الآيات ليست دليلاً على أن فعلنا ثم من دون يعني جعلهم أرباباً.
وهكذا أعزّائي راجعوا الأنعام (108) الأعراف (37) الأعراف (194) التوبة (31) يونس (18) إلى عشرات الآيات القرآنية، في سورة الأعراف (30) قال {قل أمر ربي فريقاً وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} إذاً لا ينبغي اتخاذ أولياء من دون الله، ونسي قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}، إذاً الأصل الثاني في جملة الإمامة واضحة، قلنا يعني أن يكون الأصل الأول أن لا يلزم منه الشرك. الأصل الثاني أن لا يلزم منه الربوبية.
الأصل الثالث توجد لهذه الرواية ذيل غير موجودة في البحار، وجدتها في تحف العقول، الرواية في حكم ومواعظ أمير المؤمنين صفحة (213) وقال لعباية بن ربعي الأسدي وقد سأله عن الاستطاعة التي نقوم ونقعد ونفعل إذاً يسأل عن فعل الإنسان إنك سألت عن الاستطاعة فهل تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية، لأنه ملتفت إذا قال من دون الله محذور الربوبية إذا قال مع الله إذا قال مع الله محذور الشك، فقال له أمير المؤمنين إن قلت تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت دون الله قتلتك، فقال عباية فما أقول إذاً فقال تقول إنك تملكها بالله، قال إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملكك إياها فكان هذا من عطائه وإن سلبك كان ذلك من بلائه فهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك مو قدرته مكان وقدرتك مكان آخر في نفس قدرتك هو أيضاً قادر يعني هذه قدرتي التي رفعت بها هذه قدرتي أو قدرة الله أي منهما؟ المجبرة قالوا الله قادر، المعتزلة قالوا أنا قادر، الإمام يقول قدرته وقدرتك معاً رفعا، سؤال القدرة من الصفات الذاتية أو من غير الصفات الذاتية؟ الصفات الذاتية، الذات متناهية أو غير متناهية؟ غير متناهية إذاً كيف الذات لا متناهية والقدرة… فإذاً متى تكون القدرة مستمرة أعزّائي ولا متناهية في عين قدرتي قدرة الله أيضاً هناك موجودة فلهذا إذا وضعت اليد على الفعل الصادر مني، بقدرتي الجواب: كلا، لأنه تفويض، بقدرة الله الجواب: كلا، لأنه جبر، بقدرتنا معاً الجواب: كلا، لأنه شرك، إذاً ماذا؟ الإمام يقول أمر بين أمرين، هي قدرتك وقدرة الله وليست جزء منها قدرة الله وجزء منها قدرتك، قال والقادر على ما عليه يعني نفس الذي أنت عليه قادر قدرته هناك مو قدرته أنه أوجدك وأنت أوجدت فعلك.
إذاً فتلخص إلى هنا أن هذه الأصول الثلاثة لابد أن نحفظها في أي تحليل لنظرية الأمر بين الأمرين، إلى الوجوه التي ذكرت، الوجه الأول باعتبار أنه نحن حديثنا كان مع صاحب البحار حتى نقول بأنه كيف أن الإنسان عندما لم يدقق في المباني العقلية كيف يقع مو أنه فقط لا يفهم المباني العقلية بل لا يستطيع أن يقرأ الروايات قراءة دقيقة، الوجه الأول الذي ذكره صاحب البحار في المجلد الرابع من البحار صفحة (197) وفي المجلد الخامس صفحة (83) وفي مرآة العقول المجلد الثاني صفحة (200) يقول التاسع ما ظهر لي من الأخبار المعتبرة المأثورة عن الصادقين عليهم السلام وهو أن الجبر كذا وأن التفويض كذا وأما الأمر بين الأمرين ما هو المراد الأمر بين الأمرين؟ خلاصته يقول في المجلد الرابع صفحة (197) من البحار قال بل أمر بين أمرين إن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي، إذاً الجبر مرتبط بأي عالم مرتبط بمسألة المعاصي جبر أو لم يجبر؟ لم يجبر، سؤال التفويض ما هو؟ قال ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا بآرائهم ومقايسهم فإنه عز وجل قد حد ووظف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين فلا تفويض مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين، إذاً لا جبر ولا تفويض أي تفويض؟ الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد لعله (46) هذه عبارته هناك يقول والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة لهم مع ما شاءوا لهم من الأعمال وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، ولذا السيد الطباطبائي رحمة الله تعالى عليه في الحاشية يقول سيجيء في باب الجبر والتفويض من المجلد الثالث أن معنى الرواية نفي الجبر والتفويض في الأفعال واثبات الواسطة بينهما يعني الأمر بين الأمرين نحن حديثنا في فعل الإنسان هل هو جبري أو تفويضي؟ ولا نفي الجبر في الأفعال والتفويض في الأحكام، سؤال هل أنا فاعل فعل أو الله؟ الأئمة قالوا لا أنت فاعل فعلك ولا الله فاعل فعلك وإنما أمر بين أمرين وهذا قلنا وحدة الحيثية ولذا إن شاء الله هذا البحث هنا أشار إليه وتفصيله كما قلت للأعزة يراجعوه هناك ثم يقول وهذا هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض، والعجيب أنه عندما يأتي إلى رواية عباية ابن ربعي يقول وهذا معنى الإمام سلام الله عليه عندما قال تملكها بتمليكه، ولهذا يقول وبذلك أخبر أمير المؤمنين حين سأله عباية ابن ربعي عن الاستطاعة فقال أمير المؤمنين تملكها من دون الله أو مع الله إلى أن قال فإن ملكك إلى آخره أما سمعت الناس يسألون إلى آخره يقول هذا مقصودنا.
هذا هو الوجه الأول الذي ذكره العلامة المجلسي، الوجه الثاني وهو الوجه الذي ذكره البعض أشار إليه في مرآة العقول المجلد الثاني صفحة (206) أنا أتصور وجهه واضح يقول أن يكون الجبر المنفي ما ذهب إليه الأشعري والتفويض المنفي هو كون العبد مستقلاً في الفعل والأمر بينهما، يقول الله جعل العباد مختارين في الفعل والترك، مع أنه قادر أن يمنعهم إذا أراد ذلك، تارةً نسأل أن الله إذا أقدر العبد على فعل هل يستطيع أن يمنعه أو لا يستطيع؟ قائل يقول خرج الأمر من يده، والآخر يقول لا يستطيع أن يمنعهم، المسألة الثانية وهو أن الله أقدره على الفعل ما معنى أقدره على الفعل؟ أنت تقول جعله قادراً مقتدراً سؤال عندما يفعل فعله يفعل بالاستقلال أو يفعل فعل الله أي منهما، أنت تجيب على مسألة أخرى لا علاقة لها بمحل النزاع ما هي المسألة الأخرى وهي أن الله إذا أقدر عبداً يعني أعطاه المقتضي يستطيع أن يمنعه أو لا يستطيع؟ هذا يقول لا يستطيع وبعبارة أخرى جعل المانعية في حيثية والمقتضي في حيثية أخرى وهذا يخالف الأصل الثالث الذي اشرنا أن الحيثية واحدة أو متعددة الحيثية؟ متعددة الحيثية وهذا لا ينسجم ولا يتنافى مع الأصل الثالث الذي اشرنا إليه.
والحمد لله رب العالمين.
5 رجب المرجب 1435