نصوص ومقالات مختارة

  • نظرية الإنسان الكامل (73)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قال: (وأيضا كل ما هو أزلي فهو أبدي وبالعكس، وإلاّ يلزم تخلف المعلول عن العلة أو التسلسل في العلل).

    الكلام في هذه النقطة وهي: أنه بعد أن ثبت لنا أن هناك معلولاً أزلياً، ولكنه هذه الأزلية كما أوضحنا هي : الأزلية الإمكانية، إن صح التعبير، تمييزاً لها عن الأزلية الواجبية، اتضح لنا أنه أساساً، اتضح لنا أنه هناك موجودا أزلياً بالمعنى الامكاني للأزلية، لا الأزلية بالمعنى الواجبي.

    السؤال المطروح هنا وهو : أنه إذا كان الأمر كذلك فهل أنه يوجد هناك معلول أبدي، أو لا؟

    طريقة الاستدلال تبدأ من هذه النقطة أو إني، وهي أنه أساساً نأتي إلى هذه العلة لا المعلول، نأتي إلى هذه العلة نقول : هذه العلة ـ التي هي أزلية بالمعنى الواجبي لا بالمعنى الامكاني ـ هذه العلة إما أزلية وإما حادثة؟ ولا يوجد شق ثالث لها، فإذا ثبتت أزلية العلة بالضرورة تثبت أبدية هذه العلة، لماذا ؟ باعتبار أن أزلية العلة بالمعنى الواجبي يعني : مقتضاه الوجود، وهذا الاقتضاء إلى بعد ذلك أبدياً لم يكن كذلك، إذن ما فرض واجب لم يكن واجباً، إذن الأزلية بالمعنى الواجبي، هذا الذي فسره فقال: (أما حدوثه وإلاّ كان واجب الوجود) يعني الوجود مقتضى ذاته الأزلية قلنا: فإذا كان مقتضى ذاته، بعد لا يكون مسبوقاً بالعدم؛ لاستحالة أن يكون مقتضى ذاته الوجود، ومع ذلك مسبوقاً بالعدم، إذن غير مسبوق بالعدم .

    نريد أن نقول : كل ما ثبتت أزليته، بمعنى العلة، تثبت أبديته بالضرورة أيضاً، لأنه إذا صار مسبوقاً بالعدم، إذن ما فرض أن مقتضى ذاته الوجود لم يكن مقتضى ذاته الوجود، هذا خلف كونه واجبا الوجود.

    إذن إذا ثبت أن العلة أزلية بالمعنى الواجبي، تثبت أنها أبدية أيضاً، وعليه فكل ما ثبتت أزليته ثبتت أبديته، وبالعكس أيضاً: كل ما ثبتت أبديته بهذا المعنى ثبتت أزليته بهذا المعنى .

     فإذا كانت العلة أزليةً أبديةً بهذا البيان المتقدم، نأتي إلى المعلول الذي فيه العلة الفاعلية هي العلة التامة، والعلة التامة هي العلة الفاعلية، يعني الموجود بلا واسطة، المفروض أن هذا الموجود وهو المعلول بلا واسطة، علته التامة موجودة؛ لأن علته الفاعلية هي علته التامة، فإذا لم تكن أبدية، يلزم تخلف المعلول عن علته، لأن علته التامة موجودة، فلو لم يكن أبدياً وكان أزلياً فقط، انفك المعلول عن علته التامة .

     فبهذا البرهان كما تثبت أن العلة أزلية أبدية، يثبت أيضاً أن المعلول أزلي أبدي، ولكن هذه الأزلية والأبدية التي تثبت للمعلول، ليست بمعنى الأزلية والأبدية التي تثبت للعلة؛ بل هي بالمعنى الامكاني تثبت للمعلول، وبالمعنى الواجبي تثبت للعلة، ثبت المطلوب.

    إذن كل ما ثبتت أزليته فهو أبدي وبالعكس، كل ما هو أبدي فهو أزلي، فإذا كانت الأزلية بالمعنى الواجبي فالأبدية كذلك، وإذا كانت الأزلية بالمعنى الإمكاني فالأبدية أيضاً كذلك، وهذا هو معنى دوام الفيض، من حيث البدء ومن حيث الانتهاء، وهذا هو معنى السرمدية، السرمدية : هو المجموع بين الأزلية والأبدية .

    إذن هذا المعلول هذا الإنسان الكامل هذا الصادر الأول الذي يصدر منه بلا واسطة، يعني العلة الفاعلية هي نفسها علة تامة، فلا يمكن أن ينفك معلولها عنها، بل يستحيل أن ينفك معلولها عنها، فهي أزلاً وأبداً ما هي ليس دائم الفيض موجودة هذه …

    وعند ذلك نأخذ نتيجة مختصرة والبحث موكول إلى محل آخر :

    (كلام لأحد الحاضرين): …..

    ج/  أي مورد؟ نعم بالواسطة موجود، نعم يعني باعتبار أحسنتم كل ما كان مع الصادر الأول بلا حاجة إلى توسط أيضاً سوف يكون معه، أما إذا كانت صوادر أخرى تتوقف على مقدمات لا تكون معها، فلذا نحن عندما نأتي إلى عالمنا هذا باعتبار أننا نحتاج إلى مقدمات مادية والى أعدادات والى غير ذلك فيستحيل أن تكون صادرة مع صدور الصادر الأول، ولذا انتم وجدتم أن بدن الإنسان الكامل نشأته العنصرية حادثة زمانا أو لا ؟ لماذا صارت حادثة زماناً؟ مع أن مبدأها وهو الصادر الأول روحاً ليست زمانية، ولكن لأن النشأة العنصرية لها زمانية وتحتاج إلى مقدمات صارت متأخرة .

    أهم نتيجة يمكن ترتيبها على هذا البحث أخواني الأعزاء : في ما بين الآية (68) من سورة الزمر، الآية (68) قال تعالى : {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله} هذا الاستثناء الذي بين النفختين، النفخة الأولى والنفخة الثانية، التي هي ما بعد البرزخ وقبل القيامة، لأن الآية تقول : {ونفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} ما بين النفختين يوجد هناك موجود وهو الصادر الأول .

    جناب الشيخ يتكلم في بحث روائي وأنا بحثي استدلالي عقلي، البحث هنا : عندما ثبت أزلي وأبدي، بعد ينقطع أو لا ينقطع ؟ هذا الاستثناء، لأننا الآن بالبرهان العقلي أثبتنا : أنه إذا صار المعلول أزليا، يعني إذا كان صادراً بلا واسطة يستحيل أن يكون غير أبدي، فلا بد أن يكون أبدياً، وعليه فلا يمكن أن ينقطع، لأنه لو انقطع لزم تخلف المعلول عن علته، هذا هو برهان.

    نعم في البحث الكلامي نحن نستدل بالآية تثبت الأوسط وتثبت المطلوب ولا توجد عندنا أي مشكلة، ولكن هذا فيه مبنى عقلي فلسفي، وهذا هو مبناه الفلسفي، وهو كون والروايات أيضاً قالت : >وجه الله، ونحن وجه الله< الروايات أثبتت، صحيح هذا المعنى، لكن ذاك بحث كلامي نقلي، الآن نحن نريد أن نرى هل ذلك البحث له أساس عقلاني فلسفي أو لا يوجد لذلك برهان فلسفي.

    هذا كله إذا كانت العلة أزلية، فان قلت العلة لو لم تكن ـ القياس الاستثنائي الذي أشرنا إليه ـ فلو لم تكن أزلية لكانت حادثة وإذا صارت حادثة ـ العلة لا المعلول ـ العلة لو لم تكن أزلية لكانت حادثة، ولو كانت حادثة لكان حدوثها إما زماني وإما ذاتي، والتالي بكلا شقيه باطل، يعني: يستحيل أن تكون العلة حادثة زمانية أو ذاتية يعني حادثة حدوثاً زمانياً أو ذاتياً، إذن لابد أن تكون العلة أزلية .

    إذن لو كانت العلة أزلية، فيثبت أن المعلول كما انه أزلي يثبت انه أبدي، لأن العلة بعد أن صارت أزلية تكون أبدية، ومعلولها أيضاً؛ لأن معلولها نسبة العلة إليه نسبة العلية التامة لا العلية الناقصة، ولذا الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى الصادر الأول علة تامة، وبالنسبة إلى غير الصادر الأول علة تامة؟ لا، علة فاعلية لوجود أجزاء أخرى حتى يوجد المعلول خارجاً، إذن الله سبحانه وتعالى في كل الصور هو علة فاعلية، ولكنه علة فاعلية يصدر المعلول أو لا يصدر المعلول؟ في بعضها يصدر المعلول، إذا كان الصادر الأول، وفي بعضها لا يصدر المعلول إذا لم يكن الصادر الأول، الآن بالنسبة إلى أبني ونسلي العاشر بعد ذلك يأتي بمأتي سنة، الله على فاعلية له ولكنه ليس علة تامة له، وليس ذلك نقصا في فاعليته، بل لتوقف وجود هذا الموجود على مقدمات إعدادية، فان لم تتحقق المقدمات الإعدادية لا يوجد، لنقص في قابلية القابل، أما بالنسبة الصادر الأول كما هو علة فاعلية هو علة تامة، وهذا مختص بالصادر الأول، لأن غير الصادر الأول جميعاً صدوره من الحق وإن كان الله خالق كل شيء ولا مؤثر في الوجود إلاّ هو، ولكن يحتاج إلى مقدمات بعضها مقدمات مادية زمانية، وبعضها مقدمات عقلية ترتبية غير زمانية، فانه بتوسط الصادر الأول >يا جابر أول ما خلق نور نبيكم ثم خلق منه كل خير< هذا توسط، فإذا صار توسط كان الحق بالنسبة إلى غير الصادر الأول علة فاعلية لا علة تامة، وهذا لا ينافي كونه علة فاعلية .

    وكم يختلط الأمر على من لم يعرف هذه الاصطلاحات ويدخل فيقول أنهم يقولون أن الله سبحانه وتعالى ليس بعلة، لا بل هو علة فاعلية هو المؤثر هو المعطي للوجود، ولكن المشكلة في القابل، الأستاذ يعطي ويدرّس بحث الخارج ولكن أنت تدرس مقدمات، فلا تستطيع أن تستفيد منه، وهذا ليس قصوراً في أفاضة الأستاذ، بل القصور في التلميذ الذي ليس له قابلية تلقي تلك المعارف العالية .

    إذن أن كانت العلة أزلية فتثبت أبديتها، وبثبوت العلة الأزلية الأبدية يثبت المعلول الأزلي الأبدي .

    فإن قلت: لا ليس كذلك .

    قلت: فإن العلة إما حادثة حدوث زماني وإما حدوث ذاتي، والتالي بكلا قسميه باطل، إذن الحدوث باطل، إذن لابد أن تكون العلة أزلية لا حادثة .

    إذا اتضح الاستدلال نطبق العبارة، قال : (وأيضا كل ما هو أزلي فهو أبدي وبالعكس) وبينا أنه إذا كانت العلة أزلية تكون أبدية بالضرورة، وإذا صارت أبدية بالمعنى الواجبي تكون أزلية بالضرورة، كذلك المعلول إذا صار أزلي بالمعنى الامكاني فهو أبدي بالضرورة وإذا كان أبدياً بالمعنى الامكاني فهو أزلي بالضرورة، إذن هذه وبالعكس اتضح المراد منها، (وإلاّ) يعني إذا لم يكون المعلول أبدياً بعد أن كانت العلة أزلية، كل ما هو أزلي، لماذا صار المعلول أزلي ؟ لأن علته أزلية، فإذا فرضنا أن العلة أزلية، ولكن المعلول مع كونه أزلي ليس أبدي، يلزم انفكاك المعلول عن علته، اتضحت العبارة؟ (وإلاّ يلزم تخلف المعلول عن العلة، أو يلزم التسلسل في العلل) أتركوا هذه الجملة نبينها في وقت آخر، ولكن تعالوا معي إلى محل الشاهد، لماذا يلزم تخلف المعلول عن العلة ولماذا يلزم التسلسل؟ قال لأن هذا تعليل لبيان كيفية انفكاك المعلول عن العلة ولبيان كيفية التسلسل، يعني لزوم الانفكاك أو التسلسل، قال (لأن علته) علة هذا المعلول الصادر الأول للأزلي (لأن علته أن كانت أزلية وفرضنا أن المعلول لم يكن أبدياً للزم تخلف المعلول عن علته ) يقول لأن علة هذا الأزلي هذا المفروض الكون الجامع (لأن علته أن كانت أزلية) طبعا المعلول سوف يكون أزلياً فإذا لم يكن أبدياً العلة أبدية والمعلول ليس أبدي ؟ انفكاك المعلول عن علة ؛ لأن العلة الفاعلية هي العلة التامة (وإن لم تكن العلة) وليس (وإن يكن) الضمير لا يعود إلى المعلول العبارة صحيحة، أقصد أن بعض النسخ فيها (لم يكن)، الضمير لا يعود على المعلول بل يعود على العلة (وإن لم تكن العلة كذلك ) يعني العلة إذا لم تكن أزلية كانت حادثة، لأننا لا يوجد عندنا إلاّ اثنان إما أزلي وإما حادث، الآن نأتي إلى هذا الفرض، الحدوث مقسم لقسمين إما حدوث الزماني وإما حدوث ذاتي، قال: ( وإن لم تكن العلة كذلك) يعني لم تكن أزلية (لزم استنادها أيضاً) التفت جيداً لماذا قال (أيضاً) ؟ يقول كما أن المعلول مستند إلى العلة، فالعلة إذا صارت حادثة أيضاً لابد أن تستند إلى علة ولذا قال: أيضاً، لأن المعلول يستند إلى العلة الحادثة، ولما كانت العلة حادثة فلابد أن تستنج إلى علة أخرى، قل : (ستنده أيضاً إلى علة حادثة ) في عقيدتي هذه كلمة الزمان زائدة، وإلاّ لم أرى أحدا من الأعلام أشار من المحشين والشراح، هذه الزمان زائدة، لماذا زائدة ؟ لأنه هو يقول: (وحينئذٍ أن كان للزمان) فلا معنى أنت تجعل العلة الحادثة زماناً أن كان للزمان، قل حادثة زمانا قيدتها بالزمان، فلا معنى أن تقول (فحينئذٍ أن كان للزمان) وعليه في اعتقادي أن هذه الكلمة (للزمان) زائدة إلاّ أن يوجد لها وجه فني لم نعرفه، (وحينئذٍ) نأتي إلى هذه العلة الحادثة (إن كان للزمان فيها) أي في هذه العلة الحادة ( مدخل) إذا صارت بينكم ما بين الله العلة حادثة زماني معلولها يكون أزلياً أو لا ؟ يكون أبدي أو لا؟ محال، لأنه إذا لم يكن أزليا فهو ليس بأبدي، نعم إذا ثبتت أزلية العلة تثبت أزلية المعلول، وبثبوت أبدية العلة تثبت أبدية المعلول، فإذا كانت العلة حادثة زماناً فبالضرورة يكون معلولها غير أبدياً، لأن العلة إذا صارت حادثة زماناً فهي متجددة متصرمة، متجددة بلحاظ الاستقبال ومتصرمة بلحاظ المضي، قال : (وحينئذٍ أن كان للزمان في العلة الحادثة مدخل) يعني لها مدخلية (يجب أن  يكون معلول العلة الحادثة زماناً غير أبدي)، لأن العلة غير أبدية (لكون أجزاء الزمان متجددة بلحاظ المستقبل متصرمة بلحاظ المضي بالضرورة) حسنا ما المحذور في ذلك لو كان الأمر كذلك؟ يعني المعلول ليس بأبدي، يقول هذا خلاف ما تفق عليه من أن الآخرة أبدية، إذن لا يمكنك أن تفرض كون العلة حادثة حدوثاً زمانياً، لأن فرض حدوثها الزماني لازمه عدم الأبدية وقد اتفقت الكلمة على وجود الأبدية، وإذا ثبت وجود الأبدية بالضرورة لابد أن تثبت الأزلية بالبرهان الذي تقدم، هذا كله إذا كانت العلة حادثة حدوثا زمانياً، إذا كانت حاثة حدوثاً ذاتياً تستند إلى علة فلابد أن تستند والعلة الثانية والثالثة، إذا قلت بالتسلسل، فهذا لازمه نفي واجب الوجود، وقد ثبت واجب الوجود في محله، إذن لابد أن ننتهي إلى علة غير حادثة فهي أزلية وهو الشق الأول، وإذا ثبتت أزلية العلة ثبتت أبديتها، وإذا ثبتت أزلية وأبدية العلة ثبتت أزلية وأبدية معلولها، هذا إلى الآن الصادر الأول.

     بعبارة أخرى : إذا لم نقول بأنه الصادر الأول كل النظام ولكن بعضه مع الواسطة وبعضه بلا واسطة، وإلاّ تلك إذا كنا في عالم الروحانيات والمجردات كان الاختلاف رتبي لا اختلاف زماني، أما إذا نظرنا إلى عالم الزمان سوف يكون حدوث زماني إذن في عالم المجردات لا يوجد عندنا تقدم وتأخر زماني لأنه سالبة بانتفاء الموضوع كما قال : (فانه غير زماني متعال عن الزمان وأحكام الزماني مطلقا)

    (أحد الحاضرين): ….

    ج/ جزاكم الله خيرا، مثل أنت علمك موجود في زمان واحد لا زمانين، ولكن أحدهما قائم بالآخر، كذلك الصادر غير الأول قائم بالصادر الأول أو أن واسطته الصادر الأول، فهما ليسا في زمانين، هذا في عالم المجردات.

    قال: (وان لم يكن له) أي للزمان (فيها) أي في العلة الحادثة (لم يكن للزمان في العلة الحادثة مدخل، فالكلام فيها كالكلام في الأول) تستند إلى على أخرى ( فيتسلسل) وهنا التسلسل محال ؛ لأنه تسلسل في العلل الموجدة الفاعلية العلل المعطية للوجود، والتسلسل في العلل التي لا مدخل للزمان فيها لا محذور فيه لأن التسلسل يكون تعاقبي، إذا تتذكرون قلنا واحدة من شرائط استحالة التسلسل أن تكون العلل مجتمعة في الوجود، فإذا صار زماني، فهي غير مجتمعة في الوجود لذا قال : (والتسلسل في العلل التي لا مدخل للزمان فيها باطل) كما قال به المشهور وخالف فيه المتكلمون (وإلا لتسلسل في العلل لزم نفي الواجب تعالى) النتيجة : ( فالأبديات مستندة إلى علل أزلية أبدية) إذا كانت نفس التسلسل الذي أنا بينته لكم، إذا كانت العلة أزلية بالمعنى الواجبي فهي أبدية بالمعنى الواجبي، وإذا صارت العلة أزلية بالمعنى الواجبي لها معلول أزلي بالمعني الامكاني، وإذا ثبت أزلية معلولها بالمعنى الامكاني تثبت أبديته بالمعنى الامكاني، ولو لم يكن كذلك لكانت العلة حادثة، وإذا صارت العلة حادثة وان كنا لا نستطيع أن نثبت الموجود الأبدي، ولكن كون العلة حادثة أمر ممكن .

    هذه خرج قوس: البعض يصر على أن العالم لا يمكن أن يكون دائم أزلاً وأبداً له استعداد أن يرفع يده عن أزلية الواجب، فبدل من أن يذهب إلى إثبات أن الممكنات حادثة لابد أن يثبت حدوث علتها لتكون حادثة، وإلاّ لو كانت تلك قديمة وأزلية يثبت حدوثها، الشيخ عنده جمله يقول : (بعض ذهبوا إلى إثبات حدوث العالم فانتهوا إلى إثبات حدوث الواجب) لأنه هو كل همه يجعل هذا الموجود حادثا، ويرى انه إذا كان هناك لابد أن يجعل علة تنسجم مع حدوث المعلول، وهذه العلة التي تنسجم مع حدوث المعلول لابد فيها خصوصية تنسجم مع هذا الحدوث فتصير حادثة.

    قال: (فالأبديات مستندة إلى علل أزلية أبدية وهذا كما هو الحال كما أن الحوادث الزمانية يعني المعلولات الزمانية مستندة إلى علل متجددة متصرمة). ضع هنا نقطة، من هنا يوجد نقضان أساسيان :

    النقض الأول: يقول انتم قبلتم أن كل ما هو أبدي فهو أزلي، فالنفوس الإنسانية أبدية ولا تلتزمون بأنها أزلية، الآخرة أبدية ولكنها ليست أزلية، الآخرة إما تبدأ من البرزخ أو من محل آخر، المهم أن لها مبدأ، بتعبيره منقطعة الأول، نعم هي غير منقطة الآخر، النفوس الإنسانية أيضاً كذلك منقطعة الأول وان كانت غير منقطعة الآخر، ولذا قال ( والنفوس الإنسانية) هنا مبنى أفلاطون ينفعنا كثيرا، وعليه فلا تستهين بالنظرية الافلاطونية، العرفاء يقولون نحن نعتقد كما أن النفوس الإنسانية أبدية هي أزلية قديمة، وعندما أقول قديمة لا يذهب ذهنك إلى الصادر الأول، بل المراد الأزلية بكلا شقيها مع الواسطة وبلا واسطة، فلا تتصور بأن زيد وبكر وعمرو نفوسهم كالصادر الأول، لا، فان صح التعبير الصادر الأول أزليته بالأصالة والباقي أزليتها بتوسط من؟ لماذا نقول أزلية ؟ باعتبار أن الزمان غير موجود هناك، لا تستطيع أن تفرض انه كان الصادر الأول موجود ولم تكن هذه المخلوقات ثم خلقت، بينما نستطيع فرض ذلك هنا في الزمان، فنقول يوم السبت غير موجود والأربعاء يوجد، وهذا لا يمكن فرضه هناك، إذن نظرية أفلاطون سوف تحل لنا هذه المشكلة، وهي أن النفوس في ذواتها أزلية وحدوثها إنما هو زمان ارتباطها بالبدن، لا أنها بذاتها حادثة، نعم على مبنى الحكمة المتعالية الذي يقول حدوثها بنحو جسمانية الحدوث، وهذا النقض يحتاج إلى بيان آخر، قال ( والنفوس الناطقة الإنسانية حدوثها بحسب التعلق إلى الأبدان لا بحسب ذواتها) وإلاّ بحسب ذواتها فهي مخلوقة قبل الأبدان، والآخرة كيف؟

    الجواب: يقول بأن الزماني بالنسبة إلى الآخرة حادثة، وإلاّ هي في أفق الوجود موجودة، والعجيب عندما ترجع بالروايات يقول : >ليس منا من لم يؤمن أن الجنة والنار مخلوقتان الآن< الآن توجد جنة ونار، تقول : كيف توجد جنة ونار ونحن مازلنا في الدنيا ولم تكن الآخرة ؟ نقول : الآخرة غير موجودة بالنسبة لك أما بالنسبة إلى غيرك فهي موجودة في أفق الوجود، واللطيف الروايات تتبعتها >قال له يا ابن رسول الله هذه الجنة والنار الآن فارغة قال : لا المؤمنون الآن فيها والكفرة والفساق الآن في النار< الآن موجودين هؤلاء يتنعمون وهؤلاء يعذبون، وخير شاهد على ذلك، لا اقل على هذا القدر، روايات المعراج، رسول الله ’ ليلة المعراج عرضوا له فلم ؟ لو رأى حقيقة الجنة والنار البرزخية والجنة والنار الحقيقية في الحشر الأكبر، إذن لا إشكال ولا شبهة بهذا البرهان وبهذا البيان يتم بان هذه موجودات والنصوص الروائية كثيرة جدا لإثبات أن الجنة والنار الآن في الجنة الآن في النار، أهل الجنة في الجنة يتزاورون ويتراحمون، وأهل النار في النار يتعاونون كما في رواية زيد بن حارثة،هذا مبناه، وإلاّ من لم يعترف بهذا كيف يريد أن يصور لنا ذلك، أن رسول الله ’ رأى النساء كذا تعذب ورأى طبقات جهنم، ثم انتقل إلى الحشر الأكبر إلى الجنة، لأنه في روايات المعراج غير مرتبطة بالبرزخ الصعودي أبداً، بل مرتبطة بالبرزخ الصعودي وباطن البرزخ الصعودي التي هي الآخرة لأنه ’ رأى من أمته طبقات في نار جهنم، لأننا ذكرنا مراراً وتكراراً أن نسبة الآخرة إلى البرزخ كنسبة البرزخ إلى الدنيا، وأن نسبة البرزخ إلى الدنيا باطن الدنيا والآخرة باطن البرزخ لا أنها مترتبة عرضياً زمانياً، يعني بعد خمسة ألاف سنة نحن نبدأ اليوم الأول من البرزخ هذه العوالم بينها طولية وجودية ى عرضية زمانية، نعم نظرية أنه لا مجرد في الوجود إلاّ الله لابد أن يجيبوا عن هذا، إذا قالوا انه لا مجرد في الوجود إلاّ الله، فعالم البرزخ يكون مادياً جسمانياً، وإذا كان جسمانياً فوجوده الآن أم في طول الدنيا ؟ والمفروض الآن غير موجود؟ فماذا يعملون في الروايات الموجودة في المقام؟ ولذلك تجدهم يقولون : نرجع علمها إلى أهلها، ولهم الحق في ذلك لأن المبنى لا يساعد على حلها، وهذا ليس بجديد في فن العقائد أبدا، في فن العقائد تجدون كثير من المشكلات التي كانت في علم الأصول باب التعارض ما كان يستطيع على حلها، إلى أن جاء الميرزا وحلها عن طريق باب التزاحم، ولولا هذا الباب في علم الأصول لبقت كثير من المشاكل إلى يومنا هذا بدون حل، نظرية انقلاب النسبة نظرية التعويض في السند كثير من الروايات الضعيفة قويت وصارت مورد اعتماد الفقيه، فهذه نظرية وأساس عقلاني لحل مثل تلك المشاكل، ولكن للأسف الشديد يتركون كل ذلك ويلجئون إلى الحاشية فيكتبون فيها نرد علمها إلى أهلها، ومع الأسف الشديد هذا سمحوا له في الفروع، ولكن من وصلنا إلى الأصول العقائدية والإيمانية لم يسمحوا لنا بالتأسيس وأمروا بإغلاق البحث، وبقيت إلى يومنا هذا هذه المسائل لا جواب لها، بل لها أجوبة بدائية ساذجة مرتبط بألف ومائتين سنة وألف ومائة سنة، والآن بدأت علائمها تبدأ على السطح، لأن تلك المباني والنظريات غير قادرة على حل تلك المشكلات، ولذا بدأنا نواجه هذا السيل من الشبهات والإشكالات والاثارات غير قابلة للحل إلاّ على هذه المباني.

    قال: (والنفوس الناطقة الإنسانية حدوثها بحسب العلق إلى الأبدان، لا حدوثها بحسب ذواتها، والصور الأخروية كما أنها أبدية كذلك أزلية) ونحن نعتقد بذلك، حاصلة أين؟ يقول حاصلة في كم مرتبة : حاصلة في المرتبة العلمية وحاصلة في حضرة الإمكان وعالم العقل والصحف النورية الكتاب المبين الكتاب المكنون اللوح المحفوظ، وهناك ليس فقط ألفاظها وكلماتها، بدليل أن رسول الله ’ عندما صعد إليها لم يرى ألفاظها لو صورها، وهذا بينته مفصلا في كتاب علم الإمام، هناك بينت مفصلا عندما نقول كتاب مكنون لوح محفوظ كتاب مبين، المراد بها هذه الكتب؟ أو أنها علوم شهودية حضورية حقائق؟ نعم على المبنى استعمل الكتاب وهو يريد باختلاف مصاديقه وحدة من مصاديقه اللفظ ووحدة من مصاديقه الحقيقة الخارجية.

    قال: (والصور الأخروية كما أنها أبدية كذلك أزلية حاضرة في الحضرة العلمية والكتب العقلية) كالكتاب المبين والكتاب المكنون واللوح المحفوظ، (والصحف النورية نعم ظهورها بالنسبة إلينا له حدوث وإن كان ظهورها ) يعني الآخرة (بالنسبة إلينا حادثاً) بحدوث ماذا؟ أنا بعد خمسين سنة أراها، ونحن نتصور أنها كذلك وإلاّ هي، نحن في أفق الزمان لا نراها، نحن ليس في تسلسل الزمان سنة الواحد والخمسين نرى البرزخ، ليس كذلك الأمر وإنما ننتقل من نشأة إلى نشأة أخرى فنرى تلك الحقائق، نعم بحسب الظاهر انتقال زماني، لأنه من زمان ننتقل إلى شيء آخر، (وعليه فلا تردد) هنا الأعلام ذهبوا يميناً ويساراً، لأنه فلا تردد، مثل الاشتياني قال :[ (فلا تردد) أشارة إلى نفي التناسخ وعدم جواز تردد الأرواح في الأبدان]، وما علاقة هذا المطلب في المقام؟ كيف أتى التناسخ هنا؟ ولم يتكلم هو في التناسخ، في عقيدتي أيضاً هذا التصحيح لم أجده في الكتب الموجودة، في عقيدتي أن هذه الكلمة (فلا ترد) يعني هذه النقوض لا ترد، وليس (فلا تردد) إذ قال : ( والنفوس الناطقة …والصور الأخروية … فلا ترد) وإلاّ لو قرأتها (فلا تردد) واقعاً لا تجد لها توجيه فني جيد، (وأما كونه كلمة فاصلة) أرجع إلى المتن كان هكذا (والنشأ الدائم الأبدي) إذا نظرنا إلى الجملة الأولى (الحادث الأزلي) إشارة إلى مبدأ وإذا نظرنا إلى (الدائم الأبدي) إشارة إلى المنتهى، يعني كما أن الإنسان والكون الجامع لا معنى له بالمعنى الامكاني لا آخر له بالمعنى الامكاني، فما المراد من قوله (والنشأ)؟ في الواقع أنا أتصور قد يقال المراد من النشأ هنا هو النشأة، يعني هذا الموجود له نشأة دائمة أبدية، كما أن له نشأة أزلية، هذا المعنى أشار إليه الجندي في شرح فصوص الحكم في صفحة (157) قال: (وأما كونه نشأ دائماً أبداً، فلأنه حقيقة الإنسانية هي المرآة الكلية الإلهي والنشأة الدائمة الابدية)، إذن كما انه له نشأة أزلية له نشأة  أبدية، ولكن جملة من الأعلام كان يذكر هنا في الحاشية يقول: المراد من النشأ يعني النشوء ويفسرون النشوء كما في الحاشية رقم (9) صفحة (241) يقول : (والنشوء النمو والارتفاع والازدياد، والمراد به ذو النشوء أي الذي ينمو ويزداد أبداً) هذا المعنى فيه توجيه، لأن هذا الإنسان لكي يصل إلى نشأته الدائمة يبدأ من هذا النشأة قوس الصعود في قوس النزول ليس له نشأة تكاملي، ليس له ارتفاع ولا ازدياد، أما في قوس الصعود له تكامل، لأنه يبدأ من هذا العالم، يبدأ من المادة الأولى، إذن يمكن أن يفسر النشوء، ولكن ليس كما فسره هؤلاء الأعلام شملوا به قوس النزول وقوس الصعود وإنما يختص بقوس الصعود، هذا فيما يتعلق بهذه الكلمة (النشأ)، تعالوا معنا إلى قوله (والكلمة الفاصلة الجامعة) أما كونه كلمة بعد هذا لم يبينه ؛ لأنه في صفحة (177) السطر السابع، إذا تتذكرون وقفنا تفصيلاً عند مراده من الكلمة والكلم، قال (والمراد بالكلم هنا أعيان الأنبياء لذلك أضاف إليها القلوب) واضح، إذن الكلم تقدم الكلام عنها ولذا لم يشرحها هنا، ولكن توجد نكتة أضافية، أنا بودي الإخوة يلتفتوا إليها وهو : انه ما هو المراد، ما هو أقسام الكلم لأنه تقدم إننا قلنا أن الكلام يشمل كل الموجودات هذا كلام الله فهذه كلمة وهذه كلمة والصادر ……

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2016/05/14
    • مرات التنزيل : 1871

  • جديد المرئيات