نصوص ومقالات مختارة

  • نظرية الإنسان الكامل (94)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قال: (ألا ترى أو كما ذكره في آخر الفص الشعيبي)

    في الواقع أنه قلنا في هذا المقطع من المتن يمكن ذكر قراءتين:

    القراءة الأولى: وهي إنما قال: الأمور الكلية، ومراده من الأمور الكلية يعني المفاهيم الكلية.

    القراءة الثانية: أن يكون المراد من الأمور الكلية، الكلي السعي، يعني الاسماء الكلية، التي هي معقولة للحق سبحانه وتعالى.

    ولكل من القراءتين شواهد تؤيد هذه القراءة أو تلك القراءة، ولكننا عندما نأتي إلى عبارة القيصري، نجد أن القيصري يفترض القراءة الثانية، يعني إن الشيخ أراد أن يؤصل أصلاً ومنه ينتقل إلى بيان العلاقة بين الله والعالم، وبين الخالق وبين المخلوق، وإذا كان هذا مراد الشيخ، فكان ينبغي من الناحية الفنية، أن يبدأ القيصري البحث بأن يقول:

    البحث في مقامين:

    المقام الأول: في بيان العلاقة بين المفهوم الكلي وبين الأفراد الخارجية، يعني يوجد عندنا مفهوم كلي وتوجد لذلك المفهوم الكلي أفراد خارجية، فنسأل ما هي العلاقة التي تحكم المفاهيم الكلية بالأفراد الخارجية، نقول:

    أولاّ: أن المفهوم الكلي له الحكم والأثر في الأفراد.

    ثانياً: نترقى نقول: إن هذا المفهوم الكلي عين الأفراد.

    ثالثا ورابعا وخامسا، ونذكر هذه، ثم نقول:

    المقام الثاني: إن هذا آية وعلامة للعلاقات القائمة بين الخالق وبين المخلوق.

    من الناحية الفنية كان ينبغي أن يكون البحث في هذين المقامين، يعني كأنما نريد أن نصل إلى بيان العلاقة بين الله وبين خلقه، ما هو أقرب آية وعلامة ومثال تقرب هذه العلاقة، نقول: كالعلاقة القائمة بين المفاهيم الكلية وبين الأفراد الخارجية، ولكن القيصري ماذا فعل؟ نجده داخل بين هذين المقامين في البحث، يعني تارة يتكلم علّية الاسماء للمصاديق الخارجية للمظاهر، وتارة أخرى يتكلم في تأثير المفاهيم الكلية في الأفراد الخارجية، وهذا الكلام بعد، هذا البيان ليس بيانا فنيا، البيان الفني كان يقتضي بالطريقة التي أشرت إليها، وهو الذي أيضاً ينسجم مع قوله، لأنه قال: (فبنى أصلاً يتفرع عليه المقصود) ما هو الأصل، يعني المثال، يعني المظهر يعني الآية يعني العلامة، يقول: إذا أردت في جملة واحدة، إذا أردت أن تعرف العلاقة بين الله وخلقه، فانظر إلى العلاقة القائمة بين المفاهيم الكلية والأفراد الخارجية، ولكن هذا ما لم يفعله القيصري، فحصل عندنا هذا التداخل في هذين البحثين وهذين المقامين.

    إذا تتذكرون نحن ميّزنا من الفروق بين العلاقة بين المفهوم الكلي والفرد الخارجي، وبين الكلي السعي والتعين الخارجي، قلنا بناء على العلاقة الأولى فإن الكلي عين الفرد، أما بناء على العلاقة الثانية فإن التعين قائم بالكلي، ما معنى أن التعين قائم بالكلي؟ يعني أن التعين هو العرض وأن ذلك الكلي السعي هو الجوهر، وعلى هذا الأساس فلا يوجد عندنا في العالم إلاّ جوهر واحد هو النفس الرحماني، هو وجه الله، هو لذي يقوم به كل شيء، وما عدا ذلك فهي تعينات لهذا النفس الرحماني.

    الإخوة الذين حضروا التمهيد وحضروا مقدمات سيتضح لهم ما نقول، لأنّ هذا البحث تعرضنا له مفصلاً في صفحة (95) يعني الفصل الرابع من المقدمات (في الجوهر والعرض على طريقة أهل الله) إذا يجد البعض أنه لم يستوعب ماذا يقول: هؤلاء، سببه إن الفصل الرابع لم يرونه كما ينبغي أن يفهم، وهناك طرحنا بحثا مفصلاً قال: في وسط صفحة (96): (وتسمى هذه الحقيقة) هذه الحقيقة التي هي الجوهر التي هي قائمة بنفسها وكل التعينات هي قائمة بها، (بالنفس الرحماني، وما تعين منها وصار موجوداً من الموجودات يسمى بالكلمات الإلهية، أو تسمى بالأعراض، فقد يسمى هذا الوجه أو النفس الرحماني بالجوهر وهذه التعينات بالأعراض، وقد تسمى هذه التعينات بالكلمات الإلهية ).

    إذن هنا عندما عبّر قال: (هي حقيقة الحقائق) لا يتبادر إلى الذهن إن المراد من حقيقة الحقائق يعني مقام الأحدية أو مقام الذات، لا، لأنّ تعبير حقيقة الحقائق إخواني له اصطلاح آخر وهو قد يطلق ويراد به مقام الأحدية، هذا المعنى أشار إليه في موضعين على الأقل مما تقدم:

    1- مرة أشار إليه في صفحة (49) قال: (والمرتبة الأحدية المستهلكة جميع الاسماء والصفات فيها، وتسمى جمع الجمع وحقيقة الحقائق والعماء) إذن قد يطلق حقيقة الحقائق ويراد منه مقام الأحدية.

    2- وأشار إليه أيضاً في صفحة (233) قال: (وحقيقة الحقائق وإن كانت هي الحضرة الأحدية ).

    إذن هنا عندما يقول: (لأن الحقيقة الواحدة التي هي حقيقة الحقائق) ليس مراده مقام الأحدية ولا مراده الذات اللا بشرط المقسمي، وإنما المراد من حقيقة الحقائق يعني النفس الرحماني، يعني الجوهر، بقرينة التعينات، لأنّ التعينات غير قائمة بمقام الأحدية، وإنما قائمة بالنفس الرحماني، هذه النكتة التفتوا إليها جيدا، اصطلاح حقيقة الحقائق:

    1- قد يطلق ويراد منه النفس الرحماني.

    2- وقد يطلق ويراد منه مقام الأحدية.

    (أحد الحاضرين):…

    ج/ الجواب: بأنه مقام الواحدية لا تتجلى، مقام الواحدية بلحاظ التجلي، لا مقام الواحدية بما هي هي، إذا كان مقام الواحدية بما هي هي فأساساً تجلي غير موجود، إذن فلا معنى للتعينات، ولذا إذا تتذكرون الجزء الثاني في صفحة (835) قال: (وذلك الجوهر هو عين الحق الذي بتجليه حصل العالم ).

    إذن لابُدّ أن يحصل هناك تجلي حتى تحصل التعينات أما إذا تجلي غير موجود فلا توجد تعينات ولا عالم، نعم إذا كان هو مقام الواحدية ولكن لا بما هو هو، وإنما بلحاظ تجليه، وهذا ما صرح به هنا، وصرح به أيضاً شيخنا الأستاذ حسن زادة آملي في حواشيه على الأسفار الجزء الثاني صفحة (386) قال: [ إن المراد من الجوهر في اصطلاح أهل الله هوالنفس الرحماني، والعرض] أي المراد من العرض في اصطلاح أهل الله [هو ما تعين من النفس الرحماني ] صار سماءً وأرضاً وبحراً وجنةً وناراً ونزولاً صعوداً [وصار موجودا من الموجودات ويسمى بالكلمات الإلهية، فالجوهر واحد ] {وإن تعدوا نعمة الله لا حصوها} لا تنفذ كلمات الله [والأعراض غير متناهية لقوله {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله}].

    إذن على هذا الأساس، على مبنى العرفاء ما هو الجوهر، واحد أم متعدد؟ الجوهر النفسي واحد، وإن كانت عندنا جواهر نسبية يعني إذا قايسناها بعض الأعراض إلى بعض فقد يكون بعضها قائم ببعض، فالذي قام به يكون جوهرا، ولكنه جوهرا نسبيا لا جوهرا نفسيا.

    إذن التفتوا إلى الفرق الأساسي بين مباني الحكماء وبين مباني العرفاء، العرفاء يعتقدون إنه لا يوجد في عالم الإمكان إلاّ جوهر واحد والباقي أعراض قائمة وتعينات هذا الجوهر، وهي تعينات واقعية نفس أمرية، لا أنها تعينات اعتبارية لا أساس لها، من قبيل التفتوا لي جيدا، حتى أقرّب الصورة إلى ذهنك أكثر، أنت الآن نامي أم ناطق؟ أنت جسم أم لا؟ جسم، نامي أم لا؟ نامي، حساس أم لا؟ حساس، متحرك بالإرادة أم لا؟ متحرك بالإرادة؟ ناطق أم ليس بناطق؟ ناطق، التفتوا لي جيدا، وهذه جميعا موجودة بوجود واحد أم بوجودات منفصلة؟ وجود واحد، ولكن من حيثية منه، أول ما يبدأ نقول: جسم نامٍ، فإذا صار حيوانا، نقول: حساس متحرك بالإرادة، فإذا أضيف إليه العقل نقول: ناطق، ولكنه وجود واحد، هؤلاء يعتقدون إن هذا النفس الرحماني وجود واحد، ولكن من كل حيثية من حيثياته التي هي نفس أمرية واقعية ينتزع منه موجود من الموجودات الإمكانية، التي هي تعين من تعينات ذلك النفس الرحماني، الآن أنا وأنت عادة عندما ننظر إلى هذا النفس الرحماني ماذا ننظر؟ ننظر إلى التعينات، يعني ننظر إلى الأعراض، أما الجوهر فلا نراه، فنقول: زيد نقول: سماء نقول: أرض، ولكن لا نقول: وجه الله، مع أنه في الواقع هو هذا، {أين ما تولوا فثم وجه الله} وهذه إنما هي تعينات الوجه الإلهي، لا أعلم هل اتضح المبنى العرفاني على هذا الأساس.

    الآن هذه الأعراض وهذه التعينات ثابتة أم متغيرة؟ النظرية العرفانية تقول: هذه التعينات التي هي الأعراض كل أن تفنى وتوجد، تفنى وتوجد تفنى وتوجد، {بل هم في لبس من خلق جديد} ولكن لأنها متصلة تتصور أنها باقية، وليس لها بقاء، فالعرض لا يبقى آنَين، يقول: هذه نظرية الأشاعرة، لكن مع الأسف الشديد إن الأشاعرة لم يفهموا هذه الحقيقة، وإلاّ الصحيح إن العرض لا يبقى آنين، يعني يفنى ثم يوجد عرض آخر مثل الأول، ولكنه نفس الأول أو غير الأول؟ {بل هم في لبس من خلق جديد} يلتبس عليهم الأمر لماذا التبس عليهم الأمر، لأنّ هذا الثاني مثل الأول، فتصوروا أنه نفس الأول، مع أنه مثل الأول لا نفسه فلهذا وقعوا في التباس، هم هكذا يفسرون الآية، وأنا الآن لست في صدد أن أقول: إن هذا صحيح أم لا، هذا بحثه سيأتي مفصلاً في الجزء الثاني صفحة (835) إن شاء الله تعالى، هذه نقطة يستفيدها من هذا المعنى الشيخ.

    النقطة الثانية: يقول: تبين أنه الحقيقة الأصلية هي هذه الأعراض الزائلة كل آن آن؟ أم هو الجوهر، إذن الحق مع السفسطائية، لأنهم قالوا العالم كله وهم في وهم، أنا الآن أقرر كلام محيي الدين، وهل بحثه تام أو غير تام، بحثه تفصيلاً إن شاء الله سيأتي.

    يقول: (وعثرت عليه الحسبانية في العالم كله، وجهّلهم أهل النظر بأجمعهم) هذه في صفحة (835) من الجزء الثاني، (الحسبانية هم المسمون عند أهل النظر بالسفسطائية) يقول: هؤلاء عثروا على الحقيقة التي أنا الآن أقولها، ولكن الحكماء كلهم خطأووهم، ولكن أخطأ الفريقان الأشاعرة والحسبانية، ما هو خطأهم؟ أما خطأ الحسبانية فإنهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر، تصوروا فقط هذا الوهم مع أن الأعراض هي الوهم، وإلاّ فالجوهر أمر حقيقي، فهؤلاء تصوروا أن العالم هذه الأعراض وهي متبدلة إذن لا واقع لها، والأشاعرة اخطأوا، يبيّن خطأهم أين، فإذن يصحح نظر الحسبانية من جهة ويخطأهم من جهة أخرى، وكذلك يصحح نظر الأشاعرة من جهة ويخطأها من جهة أخرى، هذا تفصيله إن شاء الله تعالى كما قلت يأتي في الفص الشعيبي. ولهذا تعبيره (في آخر الفص الشعيبي) يعني بحسب هذا التقسيم لشيخنا الأستاذ حسن زادة، الجزء الثاني صفحة (833-836).

    قال: تعالوا معنا إلى فوق، هذه العبارة المرة الثالثة نقرأها، قال: (لأنّ الحقيقة الواحدة) التي هي الجوهر بحسب البيان المتقدم (التي هي حقيقة الحقائق) قلنا المراد من حقيقة الحقائق: يعني النفس الرحماني يعني وجه الله، لا حقيقة الحقائق يعني الذات، ولا مقام الأحدية، ولا الواحدية بما هي هي، قال: (هي حقيقة الحقائق كلها التي هي الذات الإلهية وباعتبار تعيناتها) أي تعينات الحقيقة الواحدة (وتجلياتها في مراتبها المتكثرة تتكثر) أي تلك الحقيقة الواحدة (وتصير) تلك الحقيقة الواحدة، ليست بما هي هي تصير كثيرة، لا، بما هي بلحاظ تعيناتها تكون كثيرة مختلفة، فهذه الكثيرة المختلفة إذا قست بعضها إلى بعض، تجد إن بعضها جوهر متبوع وبعضها عرض تابع، والمراد من العرضية والجوهرية هنا النسبية لا النفسية، جوهرية متبوعة وعرضية تابعة (فالأعيان) والمراد من الأعيان يعني التعينات، التي هي تعينات هذه الحقيقة الواحدة {وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح بالبصر}، أمرنا واحدة، فتقول: ما هذه الكثرة؟ يقول: هذه الكثرة إنما هي تعينات هذا الأمر الواحد (فالأعيان من حيث تعددها وكونها أعيانا) يعني هذه التعينات هذه الحقائق هذه التي تكون كثيرة، متبوعة أو تابعة (فالأعيان من حيث تعددها وكونها أعيانا ليست) هذه الأعيان في الحقيقة (إلا عين أعراض شتى) أعراض لتلك الحقيقة والواحدة (أجتمعت هذه الأعراض فصارت حقيقة جوهرية خاصة).

    يقول: الجوهر واحد يتبدل أم لا؟ لا، عندنا واحد أبداً لا يحصل له أي تغير، يخرج عن وحدته أم لا يخرج؟ لا يخرج، فهذه الكثرات من أين؟ يقول: مجموعة هذه الأعراض، أنت إذا وضعت ثلاث أعراض في هذه المرتبة تحصل على حقيقة، في مرتبة أخرى أربعة أعراض تحصل على حقيقة أخرى، في مرتبة رابعة أعراض خمسة تحصل على حقيقة أخرى، ولهذا هذه الحقيقة إذا كان فيها فقط عرض الجسمية، إذن الجسمية عرض عند العرفاء أو جوهر؟ عرض، عرض الجسمية، يعني طول وعرض وعمق، هذه الأعراض تقول: جسم، إذا أضيف إليه نامٍ تقول: نبات، إذا أضيف إليه حساس متحرك بالإرادة وهذه كلها أعراض، تقول: حيوان، إذا أضيف إليه ناطق الذي هو عرض، لو كيف مسمع كالصوت أو محسوس، بالنتيجة هو كيف، تقول: إنسان، كاملة لأنّ الحقيقة ما هي؟ واحدة لا تتبدل، وهذا الذي كما قلت، مرة أخرى أقول: هذا بشكل تفصيلي أشرنا إليه في صفحة (95) قال: (والجوهر متحدة في عين الجوهر فهو حقيقة واحدة) الجوهر حقيقة واحدة (هي مظهر الذات الإلهية) يقول: كما أن العرض مظهر للصفات التابعة للذات، كيف أن الذات واحدة والصفات متعددة، الجوهر واحد والأعراض متعددة (ألاَ ترى إن الذات الإلهية محتجبة بالصفات) الجوهر أيضاً محتجب بالأعراض، الذات مع انضمام صفة من الصفات تكون اسما، الجوهر مع عرض من الأعراض يكون حقيقة، هل اتضح هذا المعنى؟

    تعالوا إلى صفحة (95) أنا سوف اقرأ العبارات من الأسفار الجزء الثاني أنتم انظروا إلى الفصل الرابع: (اعلم) أول الفصل الرابع (اعلم إنك إذا أمعنت النظر في حقائق الأشياء وجدت بعضها متبوعة مكتنفة بالعوارض، وبعضها تابعة لاحقة لها، والمتبوعة هي الجواهر والتابعة هي الأعراض) هذه نص عبارات القيصري في الأسفار، الرجل ذاكر قرينة، أنا كل ما عندي فهو من العرفاء، ولم يدعِ هذا الرجل بيني وبين الله ملة صدرا في الأعم الأغلب لا يدعي أنه شيء في قبال العرفاء، يقول: إذا كان عندي مطلب فهو توضيح مطالب هؤلاء الكبار، على أي الاحوال، هذه نص العبارات الفصل كله منقولة هناك.

    قال: (فالأعيان) يعني زيد الإنسان سماء أرض بقر، التي هي تعينات (ليست إلاّ عين أعراض شتى) صحح العبارات (أجتمعت هذه الأعراض فصارت حقيقة جوهرية خاصة كما ذكره في آخر الفص الشعيبي) كما ذكرناه (ألاَ ترى) الآن يضرب بعض الأمثلة (إن الحيوان هو الجسم الحساس المتحرك بالإرادة) ثم يبين إن الجسم عرض والحساس عرض بالإرادة عرض صاهل عرض ناطق عرض (والجسم ما له طول وعرض وعمق، فالحيوان ذات) ما هي الذات؟ ذاك الجوهر المتحد، ذلك الجوهر الواحد (لها هذه الأعراض) يعني له طول وعرض وعمق (مع الحس والحركة الأرادية يكون حيوانا، وكما أجتمعت هذه الأعراض في هذه الذات المعينة وصارت حيوانيان، كذلك إذا انضمت إلى هذه الأعراض) أعراض ماذا (أُخر كالنطق والصهيل يسمى ذلك الجوهر إنسانا يسمى ذلك الجوهر فرسا، فالذات الواحدة) التي هي المتبوع الجوهر الذي هو النفس الرحماني الذي هو {وما أمرنا إلاّ واحدة} (فالذات الواحدة باعتبار الصفات المتكثرة صارت جواهر متكثرة) وإن كان حقيقة ثبوتا الجوهر واحد، (وأصل الكل هو الذات الإلهية) لا الذات الإلهية من حيث هي هي، الذات الإلهية بلحاظ تجلي هذا العالم، الذي عبرنا عنه بالنفس الرحماني، قال: (وأصل الكل هو الذات الإلهية التي صفاتها) الذات الإلهية (عينها.) نقطة.

    الآن تعالوا معنا إلى إرجاع الضمائر، إذا تتذكرون قلنا هذه الجملة (بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية) هو يوجد فيه أقوال، عينها ما هو المراد منها أعني، أعني ماذا، أعني ضمير عينها أم أعني هو؟ أيهما المقصود هنا؟ هذه توجد فيها أقوال متعددة:

    التفسير الأول: ولكن بالبيان الذي بيّناه أتصور القضية واضحة، (بل هو) يعني ذلك الأمر، الأمر العيني (هو عينها) عين تلك الأمور الكلية، يعني التعينات عين ذلك الجوهر (أعني) أعني بهو (أعيان الموجودات العينية) يعني ما له وجود عيني، إذن أعني يعود على هو، ولا يعود على (ها) في (عينها) هذا هو الاحتمال الذي رجحناه وقويناه وهو الصحيح، فقوله (أعني أعيان الموجودات) هذا أعني تفسير لأي شيء؟

    قال: تفسير لهو، هذا هو عائد على ماذا؟ قال: (العائد إلى ما له وجود عيني) ضمير عينها وهو (ها) على من يعود؟ قال: (إلى الأمور الكلية) (وضمير عينها راجع إلى الأمور الكلية).

    التفسير الثاني: هذا هو التفسير المختار عند القيصري، انتهينا منه، الآن يأتي إلى بيان تفسيرات أخرى والى قراءات أخرى وبيانات أخرى للآخرين (ولا يجوز أن يكون )يعني قوله أعني أعيان الموجودات (تفسير لضمير عينها) هذه القراءة الثانية أو الاحتمال الثاني ماذا يقول؟

    يقول: المراد من (هو) الأمر العيني، (بل هو) أي ما له وجود عيني، (عينها) هذا ضمير عينها ما هو؟ نحن قلنا الأمور الكلية، الاحتمال الثاني يقول: لا المراد منه الأعيان الخارجية، وعليه الجملة تفقد معناها، (بل ما له وجود عيني هو عين الموجودات العينية) وهذا ليس له معنى، لأنه يقول: (أعني الموجودات العينية) يرجعها إلى (ها) ومعنى (ها) ماذا يكون؟ الموجودات العينية، إذن بل ما له وجود عيني هو عين الوجودات العينية، وبطبيعة الحال ما له وجود عيني هو عين الموجودات، ولذا يقول: هذا التفسير لا معنى له، يقول: (ولا معنى له أن يكون) أعني (ولا يجوز أن يكون أعني تفسير لضمير عينها، لفساد المعنى، إذ معناه بناء على ذلك إن بل ما له وجود عيني هو عينها) ما هو المراد من عينها؟ أعني الموجودات العينية، هو عين الموجودات العينية، وهذا شيء طبيعي، هذا تحصيل حاصل، ما له وجود عيني هو له موجودات عينية، اللهم إلاّ أن يقول: هذا التفسير الثاني.

    التفسير الثالث: أن نقول: لا، المراد من هو ليس ما له وجود عيني، يعني الأمر الكلي، ما له كلية يعني الأمور العلية هي عيناها، عين ماذا؟ عين الأعيان الخارجية، وهذا لا ينسجم إلاّ على مبنى المفهوم الكلي، لا الكلي السعي، يعني الكلي المفهومي لا الكلي السعي، لا أعلم هل اتضح المطلب أم لا؟

    هذا التفسير الثالث صحيح، ولكنه إذا بنينا على إن المراد من الأمور الكلية يعني الكليات المفهومية، فإنها عين الأعيان الخارجية، ولذا هو يقول القيصري هناك: هذا بنحو من الأنحاء مرجعه ومآله إلى ماذا؟ والجواب لا ليس مآله إلى الأول، لماذا؟ لأنك أنت تقول: الأعيان أمور كلية، هذا يقول: الأمور الكلية عين الأعيان، وأحدهما غير الآخر.

    قال: (التفسير الثالث، إلاّ أن يقول: هو) هذه (هو) أجعلوها بين فارزتين، يعني قوله هو، ولو كان يقول: قوله هو لكان أدق، لأنه لا يريد أن يشرح، بل يريد أن يقول: هو ما هو المراد (إلا أن يقول: قوله هو) بين فارزتين (عائد إلى الأمور الكلية).

    فإن قلت: إذا كان عائد إلى الأمور الكلية فلابد أن يؤنث، فلماذا ذُكِّر؟

    قال: (وتذكيره باعتبار الأمر) يعني باعتبار الأفراد (بل هو) يعني الأمر الكلي (وحينئذٍ يكون معنى هذا المقطع: بل هذه الأمور الكلية عينها) عين ماذا؟ ليس عين الأمور الكلية، بل عين الأعيان الخارجية، فعندما قال: (أعني الأعيان الخارجية) هذا يكون تفسير (ها)، لا أعلم اتضحت العبارة أم لا؟

    قال: (بل هذه الأمور الكلية عينها) المراد من عينها ماذا؟ عين الأعيان الموجودات (أعيان الموجودات العينية لا غيرها، وهذا عين المعنى الأول) لا شيخنا، هذا ليس عين المعنى الأول، بل هذا غير المعنى الأول، هذا على مبنى إن المراد من الأمور الكلية، الكلي المفهومي صحيح، ولكنك فسرته بالكلي السعي، فهو ليس عين الأول، إلاّ بتكلف.

    التفسير الرابع: (وقيل) والقائل هو الكاشاني أو القاساني في شرح فصوص الحكم، ماذا يقول: (وقيل معناه بل الأمر الكلي) إذن فسر قول الشيخ (هو) بن المراد منه ليس هي العين الخارجية، واضح أم لا؟

    إذن هذا ينسجم مع التفسير الثالث، الذي قال: (هو) ليس المراد منها هو ما له وجود عيني، بل المراد من هو الأمر الكلي يعني الأمور الكلية، والتفسير الثالث ما كان يقول: (عينها) عين ماذا؟ عين الأعيان الخارجية، فلنضرب مثال من أجل توضيح المطلب، خذوا مفهوم الكلي العلم، العلم أمر كلي، أي كلي المقصود به هنا؟ الكلي السعي أو المفهومي؟ هذا الكلي المفهومي، جيد، (عينها) عين ماذا؟ عين الأعيان الخارجية، يعني أنت إذا كان عندي زيد في الخارج وله علم هذا العلم عين صفته أم عين هذا المجموع الذي هو زيد الموصوف بالعلم؟ أيهما؟

    يعني عين الصفة الموصوف أو عين الصفة فقط؟ السابق كان يقول: عين الصفة والموصوف خارجا، عين زيد، لأنه عبر (أعني الأعيان الموجودة الخارجية)، وأنت صفتك أعيان؟ لو أنت المجموع عين؟ المجموع عين، إذن التفسير الثالث كان يقول: إن الأمر الكلي عين الأعيان الخارجية، وما هي الأعيان الخارجية؟ الصفة والموصوف معا، يعني زيد مع صفة العلم يصدق عليه عالم، الكاشاني يقول: لا، (عين الأعيان الخارجية) يعني عين أوصافها، لا عين المجموع من الصفة والموصوف، لأنه الإنسان علم أو ليس بعلم؟ ليس بعلم، نعم وصف العلم علم، لا الموصوف زيد علم.

     لا أعلم اتضح، نقرأ العبارة في شرح فصوص الحكم للقاساني هناك في صفحة (101) بحسب هذه الطبعة الموجودة عندي التي هي بأشراف من السيد جلال الاشتياني وبهاء الدين الخرّم شاهي، هناك يقول: (بل هو عينها لا غيرها يعني إن الأمر الكلي كالعلم والحياة) التفتوا جيدا، عين ماذا؟ التفسير الثالث كان يقول: عين زيد، وزيد ما هو؟ مجموع الصفة والموصوف، يقول: لا (عين الوصفين الموجودين في ذلك الموصوف) يعني عين العلم الموجود في زيد، لا عين زيد، فمفهوم العلم عين زيد المتصف المتصف بالعلم خارجا أو عين وصفه؟ التفسير الثالث يقول: عين زيد لأنه قال: (بل هي عينها) هذه عينها عين من؟ عين العين الخارجية التي هي مجموع من صفة وموصوف أو عين الوصف فقط؟ يقول: (بل هي عين الوصفين الموجودين في ذلك الموصوف غيرهما، والمراد بقوله: أعيان الموجودات العينية، أعيان الموصوفات) لا أعيان ماذا (فإن للموصوفات أيضاً معنى كليا) هذا بحث آخر.

    الآن نقرأ العبارة (وقيل معناه) يعني معنى قول الشيخ (وقيل معناه) هذا يكون التفسير الرابع (وقيل معناه بل الأمر الكلي) يعني الضمير (هو) يعود على ما له وجود عيني أم على الأمور الكلية؟ الأمور الكلية (وذُكِّر بلحاظ الأمر، كالعلم والحياة عين الوصفين الموجودين في ذلك الموصوف لا غيرهما) لا عين كامل العين الخارجية (والمراد عين أعيان الموجودات، أعيان الأوصاف) مع أن ظاهر العبارة (أعيان موجودات) يعني الأوصاف أو المجموع من الوصف والموصوف؟ ولهذا القيصري مباشرة يقول: هذا خلاف ظاهر عبارة الشيخ، الشيخ يفسر (ها) يقول: (أعني أعيان الموجودات) وأنت أرجعته إلى أوصاف الأعيان، وهذا خلاف ظاهر عبارة الشيخ (أعيان الأوصاف لا أعيان الموصوفات، لأنّ للموصوفات أيضاً أموراً كلية وهو الكلي الطبيعي) فقط من باب التصحيح (أعني أعيان الأوصاف، لا أعيان الموصوفات فإن للموصوفات) جيد، دع ذهنك هنا هذه الجملة أريد أن أشرحها: (لإن للموصوفات أيضاً أمورا كلية) يقول: إخواني الاعزاء، هذا زيد نحن عندما نضع يدنا عليه، هو إنسان عالم، أليس كذلك؟ فوصف العلم عين هذا الوصف لعلمه، أما ليس العلم عين وصف الإنسان، لماذا؟ لأنّ الإنسان أيضاً مفهوم كلي وله وصف، والصفة عرض في الخارج، فلا معنى لقولك: بأن الوصف وهو العلم، هو عين الصفة والموصوف، لماذا؟ لأنّ هذا الوصف وهو العلم عين وصفه، والإنسان ما هو؟ يقول: أيضاً له كلي آخر هو عين ذاته، قال: (لأنّ للموصوفات) كالإنسان مثلا (أيضاً أمورا كلية هي عين الأعيان الخارجية وهو الكلي الطبيعي، وفيه نظر).

    هنا من باب، الشيخ هنا يقول: بأنه، يقول: لأستاذه، انظروا هذا أدب القيصري مع أن هذا كلام أستاذه، كان بإمكانه. وقال شيخنا الأستاذ: ويرد عليه أولا وثانيا وثالثا ورابعا، اللي أنت تشعر أنه يناقش من؟ عجيب الحق والإنصاف ما يبقى شيء للأستاذ، ولكنه قال: (وقيل) مع أنه يقينا أنه يعلم القائل من، لأنه هو دارس عند أستاذه يعلم كلمات أستاذه ماذا في المقام، لأنه عنده أربع أو ثلاث اشكالات، وهي اشكالات واردة، فلهذا بعد لا يذكر القائل من هو، أدبا واحتراما لأستاذه.

    أولاً: يقول: يا مولانا نحن حديثنا في الأمور الكلية التي للأوصاف، أم في الأمور الكلية مطلقاً أوصافاً كانت أو موصوفات؟ يقول: الأمور الكلية، فأنت لماذا ميّزت الأوصاف عن الموصوفات؟ فالأمور الكلية أعم من أن تكون صفة أو تكون موصوفا هذه عبارة الشيخ، ما هي عبارة الشيخ؟ (أعلم أن الأمور الكلية) الآن هذه الأمور الكلية كانت صفة في الخارج أو كانت موصوفا في الخارج، لماذا تميّزها وتقول: مراده الأوصاف لا الموصوفات، من أين جئت بهذا التقييد؟

    ولذا عبارته (وفيه نظر، لأنّ المراد أن هذه الأمور الكلية التي ليس لها ذات موجودة في الخارج، لها حكم وأثر في الموجودات الخارجية، والأمور الكلية أعم من أن تكون أوصافا أو أن تكون موصوفات) هذا أولا.

    وثانيا: إن الصفة غير الموصوف بحسب التحليل العقلي النفس الأمري، وإلاّ بحسب الوجود الخارجي الوصف عين الموصوف، إذن لماذا تميّز أحدهما عن الآخر، فحكمهما بحسب الوجود واحد، وإن كان بحسب التحليل النفس أمري هما اثنان.

    (بل هي) هذه الأمور الكلية (عين هذه الموجودات الخارجية، فإن الظاهر والمظهر) انظروا هذا الذي قلت عنه يوجد تداخل في الأبحاث، نحن نتكلم في الظاهر والمظهر أو نتكلم في المفهوم الكلي والفرد؟ انظروا هذا الذي قلت مرارا أنه كان ينبغي أن يفصل هذين البحثين، ولكنه لأنهما تداخلا تجد هذه الكلمات.

    قال: (فإن الظاهر والمظهر متحد في الوجود الخارجي وإن كان متعددا في العقل) يعني بحسب التحليل العقلي (لأن الكلام في الأمور الكلية التي لا أعيان لها في الخارج غير هذه الموجودات العينية فلا معنى لأن تقولوا الأمور الكلية عين الوصف دون الموصوف.

    وثالثة, يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2016/11/12
    • مرات التنزيل : 2122

  • جديد المرئيات