وجهاً لوجه (1)
المُقدَّم: السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله وبركاته أحييكم في هذه الحلقة من برنامج وجهاً لوجه، في هذه الحلقة أعزائي المشاهدين سوف نلتقي بشخصية أصبحت ظاهرة في قناة الكوثر الفضائية والعديد من مجالات الإعلامية في الآونة الأخيرة من خلال الطرح الذي يقدمه والمباحث العلمية التي يسبر غورها بدقة وعمق وتتبع، سماحة العلامة آية الله السيد كمال الحيدري، أهلاً ومرحباً بك في هذا اللقاء الذي يجمعنا وإياكم وجهاً لوجها.
نريد في هذا اللقاء أن لا نتحدث عن المعارف وعن المجالات العلمية، نريد خصوصيات السيد كمال الحيدري ما لم يقله ولم يكتبه سماحة السيد، لكن قبل ذلك كمال الحيدري اليوم ظاهرة في الإعلام الإسلامي استقطبت الكثيرين وجهت الكثيرين، نقدت الكثيرين، عارضها كثيرون ووافقها كثيرون، كيف ينظر السيد كمال الحيدري إلى هذه الظاهرة، أو إلى نفسه بالذات.
سماحة السيد كمال الحيدري: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع أولاً اشكر لكم إتاحة هذه الفرصة وخصوصاً للحديث عن مثل هذه الجوانب الغائبة عني، لأنه في الأعم الأغلب عندما يكون الحديث يكون الحديث عن الأبحاث العلمية وعن الأطروحات التي أطرحها وعن النظريات التي أتبناها وعن المباني الفقيهة التي أعتقد بها وعن المباني الفلسفية أو العرفانية التي أبينها، ولكنه أن يكون الحديث بهذا الشكل وهو التكلم عن شخصي، كما تعرف بأن القضية فيها صعوبة كثيرة وعادة لم أعهد أن أتكلم في الفضائيات عن مثل هذه المسائل، وأتذكر بأنه في سنوات ماضية كان هناك إصرار من قناة الكوثر حيث كان هناك برنامج في شهر رمضان يتكلمون عن بعض الجوانب الشخصية لشخصيات علمية وأبرزها أنا أتذكر كان لنا برنامج.
المُقدَّم: أنا سماحة السيد التقيتكم في برنامج كتاب الأسبوع وكان جزء من البرنامج يسلط الضوء على سيرة المؤلف.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا بقدر ما يمكن أبتعد، ولذا أتصور بأنه بالقدر الذي يمكن هذا أولاً، وثانياً عادة مثل هذه الأسئلة لابد أن توجه إلى غيري.
المُقدَّم: جانب من التوثيق. ما يطرحه الشخص نفسه.
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع بأنه كما تفضلتم تقريباً في هذه السنة الأخيرة وفي الأشهر الأخيرة هذه الأبحاث التي بدأنا عرضها من خلال قناة الكوثر سواء على مستوى الأطروحة المهدوية أو على مستوى مطارحات في العقيدة بحمد الله تعالى والمنة أنه أخذت أبعاد واسعة في العالم الإسلامي أعم من أن يكونوا من أتباع مدرسة أهل البيت أو من محبي مدرسة أهل البيت أو من أولئك الذين لهم موقف من أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأتصور من خلال المواقع الالكترونية ومن خلال المجالات والجرائد الإنسان إذا أراد أن يتتبعها يظهر بأنه أوجدت، وتعبيركم بأنها صارت ظاهرة الآن، الآن لابد أن تقيم وتدرس وفي قناعتي لابد أن تنقد أيضاً هذه الظاهرة، لا فقط يكال لها المديح، تنقد لتثرى هذه الظاهرة، وهذه المحاولة.
في الواقع أنا أتابع الفضائيات وبشكل شديد يعني عادة حتى لعله هذه من الخصوصيات التي لا يعرفها المشاهد الكريم حتى حين المطالعة أو التأليف أو حين تحضير الأبحاث أمامي الفضائية أراها، لا تغلق الفضائية على الإطلاق، دائماً أنا مع الفضائيات لعله في اليوم والليلة 10- 12 ساعة في اليوم، أتابع المتابعات السياسية وهي مهمة بالنسبة لي، المتابعات الفكرية والثقافية والعقائدية مهمة جداً، وجدت أن هناك حالة من الهجوم الفكري والثقافي والعقدي على مدرسة أهل البيت، وفي كثير من هذه المحاور والدوائر أنه لا تقال الحقيقة يعني الحقيقة لو كانت تقال وتنقد أنا ليس عندي أي مشكلة، من حق أي إنسان أن ينقد أي فكرة أو عقدية أو سياسية، ولكنه أن تخفى الحقيقة وأن تبين أمور غير واقعية، وغير صادقة ثم ينقد أتباع مدرسة أهل البيت ومدرسة أهل البيت على ذلك الأساس لم أجد ذلك صحيحاً، لذا وجدت أنه نحن لا نستطيع، هذه النقطة المركزية في هذه الأبحاث، نحن لا نستطيع أن نتكلم مع الآخر، أي آخر كان، يعني الآخر المتفق معك دينياً، أو الآخر المختلف معك دينياً، إلا إذا كانت هناك نقاط مشتركة بيننا وبينهم، يعني لا يمكننا أن أذهب أنا إلى أتباع مدرسة الصحابة الذي لا يعتقدون بعصمة أئمة أهل البيت وأقول لهم أنه قال الإمام الصادق كذا، وهو لا يعتقد بعصمة الإمام الصادق حتى يكون قول الإمام الصادق حجة عليه. وكذلك هو من حقه أن يأخذ كتاب البخاري ويقول أن هذا الكتاب هو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله، أنتم تعتبرونه أصح كتاب أنتم أحرار، ولكنه ليس حجة علي، إذن لا يبقى لنا طريق إلا أن نتفق منذ الابتداء على مشترك، ما هو المشترك؟ أنه ما هو المتفق بيننا، وأنا أتصور أن هذا يشكل عمق أساسي لنظرية التقريب ووحدة المسلمين أو التقريب بين المذاهب الإسلامية.
المُقدَّم: قد يشكل من الطرف المقابل شخص يقول لربما كمال الحيدري كسر هذه القاعدة الذين يدافعون أو الذين يبينون مذهب أهل البيت ليسوا جميعهم بمستوى كمال الحيدري، آية الله كمال الحيدري مجتهد في حين أن الذين يتحدثون باسم مذهب أهل البيت أو الذين يدخلون في سجالات مع الآخرين ورد شبهات وطرح موضوعات هم ليسوا بالمستوى الذي يؤهلهم لمثل هذه المهمة، المشكلة في أنفسنا، يعني لماذا لا يقوم الفقهاء المجتهدون بهذه المهمة كما قام السيد كمال الحيدري.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا السؤال جيد، باعتقادي أن هذه هي مهمة العلماء، يعني بيان المعارف لدينية وتبليغ الدين والدعوة إلى الدين وبيان الحقائق التي جاءت في القرآن وفي الحديث هذه الوظيفة الأولية أو الوظيفة الأصلية إنما هي للمجتهد، للعلماء الكبار، وإذا وجدنا أن الآخرين من خطباء أو آخرين جزاهم الله خيراًَ الذين يخدمون، ولكنه هؤلاء كان ينبغي عليهم عندما يريدوا أن يتحدثوا يرجعوا إلى أهل الاختصاص في هذه المجالات.
أنا أضرب مثال الآن، عندما يسأل أي خطيب على المنبر أو يسأل أي شخص على فضائية من الفضائيات ما رأيك في المسألة الكذائية في المسائل المرتبطة بالحلال والحرام هو لا يقول هذا رأيي، يقول بأن السيد الخوئي هكذا يقول، السيد الشهيد الصدر هكذا يقول، السيد السيستاني دام ظله هكذا يقول، وهكذا، لماذا؟ لأن هذه قضية تخصصية اجتهادية، أما مع الأسف الشديد عندما يسأل عن أي قضية عقائدية هو يعطي فيها رأيه، عندما يسأل عن أي قضية قرآنية هو يعطي فيها رأياً، عندما يسأل عن أي قضية تأريخية يعطي فيها رأيه، مع أنه كما أنه لا يحق له أن يعطي رأياً في الحلال والحرام لا يحق له أن يعطي رأياً في المسائل العقائدية وفي المسائل الفكرية إلا إذا كان مجتهداً، وهذه هي المشكلة الأساسية التي تواجهنا، ولذا أنا دعوت مذ سنين أنه كما أنه في المسائل الفرعية وفي المسائل المرتبطة بالحلال والحرام أي الفقه الأصغر يرجع إلى أهل التخصص في العقائد أيضاً لابد أن يرجع إلى أهل التخصص، في القضايا التفسيرية أيضاً لابد أن يرجع إلى أهل التخصص، في المواقف السياسية والمواقف الدولية لابد أن يرجع إلى أهل التخصص، ولكن هذا مع الأسف الشديد، فقدناه في كثير من مواقع المنبر عندنا.
يكون في علمكم هذه المشكلة لا نعاني منها نحن فقط، بل الآخرين أيضاً يعانون منها، يعني المشكلة عامة للجميع وأنت عندما تخرج تسمع بعض علمائهم يشكون من هذه الظاهرة يعني ظاهرة المفتين في كل المواقع.
أما لماذا أن العلماء واقعاً لا يتصدون، طبعاً يكون في علمكم أن علمائنا السابقين كانوا كذلك، هذه أبينها للحقيقة أقولها، يعني كانت لهم كراسي لهذا المجال، الشيخ الطوسي كان يتصدى لهذا المجال، العلامة الحلي كان يتصدى لهذا المجال، نحن في الآونة الأخيرة يعني عندما أقول في الآونة الأخيرة يعني في 100- 150 سنة الأخيرة، قبل الشيخ الأنصاري وما قبل الشيخ الأنصاري يعني من زمان الشيخ الطوسي والشيخ المفيد علماء مراجع الطائفة قبل أن يكونوا فقهاء كانوا علماء كلام ومفسرين، يعني الشيخ الطوسي مفسر قبل أن يكون فقيهاً، الشيخ المفيد متكلم قبل أن يكون فقيهاً، ومن هذا المنطلق كان بإمكانه أن يتصدى للقضايا القرآنية والتفسيرية والعقائدية بالإضافة إلى القضايا الفقهية، ولكن مما يؤسف له في المئة سنة الأخيرة، وهذا واحد من العوامل، أنه كثير من أعلامنا ابتعدوا عن الأبحاث التفسيرية، ولهذا أنت لا تجد في حوزاتنا العلمية تكتب العشرات من الدورات الفقهية ولكنه في التفسير لا تجد إلا قليلاً، تكتب العشرات من الأبحاث الأصولية والدورات الأصولية ولكن لا تجد هناك دورة كاملة في علم العقائد، في أصول الدين، أنت لا تجد علمائنا كتبوا في هذا. وبطبيعة الحال هذا سوف يوجد فاصلة بينه وبين الأمة، لأنه سوف لا يتصدى للقضايا العقائدية والقضايا الفكرية والثقافية، للقضايا المرتبطة بالقرآن، فبطبيعة الحال الناس لا يمكنهم أن يعيشوا في الفراغ إذن يرجعوا إلى غيره. هذا عامل من العوامل.
العامل الآخر أعتقد أنه دخل على الخط، هذا العامل لن نجد له أثر عندنا في حوزة قم، العامل الآخر هو عدم وجود القدرة على التكلم باللغة العربية، يعني الآن تجد أن بعض الأعلام وبعض المراجع، نعم هم مراجع وفقهاء وبحمد الله تعالى نحن لا نميز أن يكون الفقيه عربياً أو غير عربي، ولكنه عندما لا يتقن اللغة العربية بطبيعة الحال لا يستطيع أن يتواصل معهم. ولذا أنتم تجدون في إيران هذه الحالة غير موجودة، الآن هناك مراجع في شهر رمضان وغير شهر رمضان تجدون أنهم يخرجون على التلفزيون والفضائيات ويتكلمون مع الناس ويتواصلون مع الناس ويجيبون أسئلة الناس. بالإضافة إلى الاتصالات المباشرة في الراديو أجد أنه يسأل بعض الأعلام وبعض المراجع الكبار في إيران عندما يُسأل مسألة شرعية لا يجيبه أحد في الدفتر أو في الحاشية وإنما يجيبه شخص المرجع، مع الأسف الشديد هذه الظاهرة افتقدناها في حوزة النجف.
إذن هناك عاملان أساسيان، العامل الأول أتصور هو العامل الأول وهو أنه في الأعم الأغلب الذين تصدوا لمرجعية الأمة هؤلاء ليسوا من أهل الاختصاص في المجالات القرآنية والمجالات العقائدية والمجالات الفكرية والثقافية والمجالات العقلية والفلسفية، هذه نقطة أساسية لأنه أنت عندما تريد أن تتكلم افترضوا مع إنسان لا يعتقد بالإسلام.
المُقدَّم: هل نعتبر هذا نقداً للحوزة.
سماحة السيد كمال الحيدري: نعم، هذه القضية ذكرتها في دروسي وفي كتاباتي، في أي فرصة أجدها لهذه القضية أحاول أن أقف عندها.
المُقدَّم: النقد موجود وربما الكثيرون انتقدوا، هل أدى هذا النقد إلى حراك والى تغيير في الواقع.
سماحة السيد كمال الحيدري: الذي أستطيعه، هذا الذي تفضلت به هي جهود شخصية، أنا لا استطيع أن أفرض على مؤسسة الحوزة أن يفعلوا كذا وأن لا يفعلوا كذا، ولعله لو كانت مؤسسة الحوزة بيدي أيضاً القواعد الحاكمة فيها أيضاً لا تعطي قدرة كبيرة على المناورة.
المُقدَّم: في حوزة قم هناك مثل هذا التغيير.
سماحة السيد كمال الحيدري: وهذا الذي فعلناه بحمد الله تعالى مذ ثمان وعشرين عاماً في حوزة قم بحمد الله أنا حاولت بقدر ما يمكن أن أسس لهذه النقاط أو الثغرات الموجودة في الحوزة العربية، وإلا الحوزة الفارسية هذه الأبحاث التفسيرية والعقائدية والفكرية موجودة فيها بحمد الله بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولكن الحوزة العربية إلى الآن طرية ومبتدئة في هذا المجال، وهذا الذي بدأته، ولذا توجد عندي دروس فلسفية ودروس عرفانية ودروس تفسيرية ودروس مقارنة، وهي التي في الفضائيات، وهي ليست أبحاث لا تفسير ولا عقائد ولا فلسفة ولا عرفان وإنما هي أبحاث كلامية مقارنة ولكن على أسس جديدة، ليست الأسس التي عهدناها في الأبحاث السابقة، يعني فيمن سبق من الأعلام كثير كتبوا في علم الخلاف، ولكن الأساس والمنهج الذي بدأناه نحن في المطارحات في الأطروحة هذا الأساس في اعتقادي الشخصي وكثير لعله من المتابعين لهذه البرامج والحلقات يقولون أن هناك منهج جديد بدأ يُطرح من خلال هذه الحلقات لمن نعهده في الأبحاث السابقة. طبعاً إذا صارت فرصة أبين النقاط الأساسية التي يختلف فيها هذا المنهج عن المناهج السابقة.
المُقدَّم: هذا الجهد الجبار الذي يبذله سماحة السيد الحيدري قد الذي يراه من التلفاز يتصور أن كما هو معهود في علماء الحوزة الكبار المجتهدين سماحة السيد الحيدري لربما يتجاوز السبعين من العمر. يخضب شيبته ومحاسنه في هذا المجال، لكن عندما نقرأ عن السيد الحيدري ونجد أنه من مواليد 1956م، نستغرب قليلاً وإن كان ليس استغراباً تاماً لأننا عاصرنا الكثير من المجددين والكثير من المراجع الكبار الذين تركوا آثارهم عن الجيل الذي عاصروه وربما على الأجيال التي تلتهم وهم في ريعان الشباب إن صح التعبير، السيد الشهيد الصدر استشهد وعمره 47 سنة وهكذا آخرون، الشهيد المطهري أيضاً كان أمامه الكثير من الوقت للعطاء، هل للسيد كمال الحيدري أن يحدثنا عن نفسه عن ولادته، أين ولد، أين نشأ، من هم الذين أثروا في تكوين شخصيته على المستويين الاجتماعي والذي بالتأكيد يترك أثره على التعامل والتعاطي العلمي أيضاً.
سماحة السيد كمال الحيدري: طبعاًَ هذا ليس سؤالاً واحداً، أما السؤال الأول وهو أنه ولادتي، ولدت في سنة 1956م في كربلاء، وفي العباسية الغربية، وهذه المنطقة يعرفها أهل كربلاء، وبيتنا قريب جداً من الحرم الحسيني الشريف، يعني مقابل مرقد ابن فهد الحلي، يعني لا يبعد إلا مئة متر أو مئة وخمسين متراً، من جهة باب القبلة. ودراستي الأكاديمية كأي دراسة أكاديمية أنا بحمد الله تعالى أكملت الدراسة الأكاديمية وفي الفرع العلمي أيضاً لا في الفرع الأدبي، أنهيت السادس العلمي، ولكن كانت رغبة العائلة أن أذهب إلى الفروع العلمية الطب أو الهندسة كما هو المتعارف، ولكنه كانت رغبتي شيء آخر، فتهيأت بحمد الله تعالى ظروف مناسبة ودخلت إلى كلية الفقه في النجف الأشرف في ذلك الوقت وأكملت بامتياز وخرجت أولاً على كل الدراسات الإنسانية في العراق في كلية الفقه 1978م، أكملت دراستي الأكاديمية.
بعد ذلك استشرت أساتذتي وبالخصوص السيد الشهيد محمد باقر الصدر وكذلك السيد محمد تقي الحكيم الذين كان لهما الأثر الكبير في نشأتي العلمية وفي توجيهي العلمي، أولاً السيد الشهيد الصدر رحمة الله عليه، وثانياً السيد محمد تقي الحكيم صاحب الأصول العامة للفقه المقارن، الذي له أثر كبير لا أنساه في هذا المجال. وكذلك هناك مجموعة من الأساتذة في كلية الفقه أيضاً واقعاً في محله أن أشير إلى فضلهم وتأثيرهم علي، ومنهم أستاذي في كلية الفقه الدكتور محمود البستاني، وهو يقيم الآن في قم، وهو منذ دخلت إلى كلية الفقه اكتشف بعض الاستعدادات الموجودة عندي في المجالات الفقهية والعلوم الدينية فبدأ يركز عليها ويحاول أن بقدر ما يمكن أن يعينني في هذا المجال، وكانت لتوجيهات وإرشاداته فائدة كبيرة بالنسبة لي في حرق المراحل، هذا الذي تتفضلون به الآن في هذا العمر كيف استطاع الإنسان أن يصل إلى هذا، باعتبار أنه كان عندي أناس لهم تجربة في هذا المجال، السيد محمد تقي الحكيم علم من الأعلام، والسيد الشهيد لا يحتاج إلى تعريف فهو أحد كبار مفكرينا وفلاسفتنا بل من نوادر فلاسفتنا وعلمائنا وفقهائنا وهؤلاء أيضاً كانت لهم تجربة كهذه التجربة التي أنا عشتها، ولذا استفدت من هذه التجربة كثيراً لا قليلاً. يعني كنت أذهب إلى السيد الشهيد الصدر رحمة الله عليه وأسأله عن خصوصياته الشخصية، أتذكر في يوم من الأيام سألته هذا السؤال وقلت له: سيدنا أبو جعفر لو سألك أحد كيف صار محمد باقر الصدر محمد باقر الصدر، ولكن أريد أن تجيبني في جملة واحدة، لا أريد شرحاً أريد فتوى، أريد قاعدة، قال: إذا سألني أحد هذا السؤال أجيبه في كلمة واحدة أقول محمد باقر الصدر 90% فكر و10% مطالعة، وهذا مع الأسف الشديد غائب في حوزاتنا العلمية، يعني مسألة الفكر والتفكير والتأمل غائبة في حوزاتنا العلمية، المنهج القائم هذا نقد آخر أوجهه ولمن يريد أن يستفيد منه، ولمن يريد أن يعرف ما هو منهجي للوصول.
المُقدَّم: كثرة الشروح وكثرة التعليقات.
سماحة السيد كمال الحيدري: الطالب كل همة فقط أن يستوعب ما قاله الآخرون، أما أن يفكر فيما قاله الآخرون أنت لا تجد هذه الحالة، هذه لا تجدها، وهذه واحدة من الأصول التي بنيت عليها حياتي العلمية، أنا عادة أقولها للمشاهد الكريم ولعله يستغرب، عادة أنا لست كثير المطالعة، أنا قليل المطالعة، قد يقول قائل: وهل يمكن هذا. أقول: نعم، يمكن هذا. ولكنه كثير التأمل وكثير التفكير، عندما استفيد شيء أأخذ شيء أأخذه بعد ذلك أبقى مدة أفكر في هذا الذي أخذته، عادة عندما أذهب صباحاً إلى الدرس أنا في الصباح لا أطالع.
المُقدَّم: فكرك نقدي.
سماحة السيد كمال الحيدري: نعم، أنا معتقد أساساً كم ترك الأول للآخر، بخلاف أنه لم يتصور أن الأول لم يترك للآخر، لأن بعض التوجهات وهي أن كل ما نريد أن نقول في الفلسفة قد قاله الآخرون كل ما نريد قوله في العرفان قد قاله الآخرون، كل ما نريد أن نقوله في الفقه هكذا، الجواب: كلا وألف كلا، أبداً، العقل البشري إذا استفيد منه كما ينبغي أتصور أنه كم ترك الأول للآخر، كثير من المجالات، مثال واحد السيد الصدر رحمة الله عليه في كتابه الأسس المنطقية يقول أنا في هذا المجال يعني الأسس المنطقية للاستقراء استطعت أن أصل إلى نظرية لم يستطع، أقرأ عبارته يقول: (ملئت فراغاً لم يستطع الفكر البشري لألفي عام أن يملئه) صحيح.
المُقدَّم: لأن ارسطوا قد سبق الميلاد بثلثمائة سنة.
سماحة السيد كمال الحيدري: يقول أن استطعت أن أملأ، هذا لو كان يفكر بمنطق أنه كم ترك الأول للآخر لم يكن يأتي بهذه النظرية، ابن سينا لو كان يفكر أنه قالوا ما قالوا، ملا صدرا، السيد الطباطبائي رحمة الله عليه، وأمثال هؤلاء كثير، ولذا أنا معتقد أن هناك مجال كبير للتجديد الفلسفي والتجديد العرفاني، للأبحاث التفسيرية، للأبحاث القرآنية، وأرجو الله سبحانه وتعالى أنه بعض المشاهدين إذا كانوا من أهل المطالعة أن يراجعوا، أنا الآن في الجزء الثاني من شرح الأسفار الفلسفة، هناك طرحت نظرية جديدة في أصالة الوجود تحاول أن تغير 40-50% من مباني ملا صدرا، قد يقول لي قائل: من يقول صحيح. أقول: أنا لم اقل أنها صحيحة، بل أنا اقول حاولت هذه المحاولة. أنا أطرح نظرية في الفلسفة، أنا معتقد في الفقه طرحت في أبحاثي الأخيرة مفاتيح عملية الاجتهاد وتأثير الزمان والمكان، طرح نظرية في مسائل عملية الاجتهاد الفقهي، أساساً تنسخ كثير من هذه المباني الفقهية القائمة عندنا، بل حتى المباني الأصولية القائمة عندنا.
المُقدَّم: سيدنا لكي لا نذهب إلى البحث العلمي، هذا التوجه نحو العلوم العقلية من أين بدأ معكم من دراساتكم الأكاديمية درستم، حيث أنتم من خريجي الفرع العلمي، من أساتذتكم السيد الشهيد كان معروفاً باتجاهه العقلي، من السيد الحكيم، من الدكتور محمود البستاني وهو معروف باتجاهه الأخلاقي والتفسيري وليس قريباً من هذا الاتجاه، ما هو الذي جعلكم تتجهون اتجاهاً عقلياً وهو اتجاه مغاير لحوزة النجف، يمكن أن أسميكم الغرباء في تلك الحوزة.
سماحة السيد كمال الحيدري: سابقاً، وإلا الآن بحمد الله تعالى في حوزة النجف لا أقل يوجد عشرة من تلامذتي أو أكثر يدرسون هذه المواد في النجف، ولهم باع وهم فضلاء وعلماء يدرسون الأبحاث الفلسفية والعقائدية، ولكن الأبحاث العرفانية لم تبدأ بعد في النجف وارجوا الله أن تبدأ قريباً.
في الواقع بأنه نحن عندما كنا نحضر دروس السيد الصدر رحمة الله عليه السيد الصدر في جملة من الأحيان بل في كثير من الأحيان كان له نظر، عندما تأتي قضية تفسيرية كان له نظر إلى تفسير الميزان للسيد الطباطبائي، يعني كيف أنه في علم الأصول عندنا إذا أردنا أن نتكلم عن نظرية أصولية لا يمكن أن نتجاوز المحقق النائيني، لا يمكن أن نتجاوز المحقق العراقي، لا يمكن أن نتجاوز الشيخ الأنصاري، هؤلاء كبار في علم الأصول، السيد الصدر رحمة الله عليه أيضاً في التفسير إذا كان يريد أن يطرح نظرية لا يتجاوز السيد الطباطبائي، عندما أقول لا يتجاوز ليس معنى هذا أنه لا يخالفه، قد يخالفه، ولكن أولاً يطرح نظريات السيد الطباطبائي رحمة الله عليه ثم بعد ذلك أما يوافقه وأما يعلق عليه وأما يختلف معه، بل هذه العبارة التي قالها في مجلس الدرس لا في مجلس خصوصي، في مجلس الدرس قال هذه العبارة: (لو كان السيد الطباطبائي في النجف لتتلمذت على يديه). السيد الصدر كان يعتقد في السيد الطباطبائي خلافاً لبعض هؤلاء الناس الذين يتصورون أن السيد الصدر لم يكن قريباً من السيد الطباطبائي، لا أبدا، هذا نص عبارته (لو كان السيد الطباطبائي في النجف لتتلمذت) وارجع وأقول السيد الصدر هو ليس عالم فقط بل من كبار علمائنا في التفسير وهذا مما لا ريب فيه، أريد أن أقول أن السيد الصدر كان يعطي موقعاً خاصاً في فكره التفسيري للسيد الطباطبائي.
هذا التوجيه وإن كان بشكل غير مباشر، نحن عندما كنا نجد في دروسه أنه يركز على السيد الطباطبائي نحن من اليوم الأول صار بنائنا أن نطالع تفسير الميزان للسيد الطباطبائي، أنا طالعت الآن أقوله للمشاهد الكريم لا أقل أنا مطالع الميزان من أوله إلى آخره مرتين والمرة الثالثة بشكل متقطع، وإلا مرتين من الجلد إلى الجلد أنا طالعت تفسير الميزان، وأول مطالعة لي لتفسير الميزان في النجف عندما كنت أحضر دروس السيد الصدر رحمة الله عليه. عندما راجعنا الميزان وطالعنا أبحاثه وجدناه أنه متشابك بشكل دقيق وعميق مع الأبحاث العقدية والفلسفية والعرفانية. هذا أدى بنا إلى أن نتوجه أنه إذن لا يمكن أن نفهم هذا التفسير كما ينبغي إلا بالوقوف على بعض المباحث وبعض الدروس الفلسفية وفي ذاك الوقت سألنا في النجف وجدنا واقعاً أن هذا الدرس درس غريب في النجف ومنهج غريب في النجف، ولكن بحمد الله تعالى كان هناك أستاذ في المسجد الهندي، عادة أنا كنت أحضر هناك دروس بعض الأساتذة، فرأيت بأنه يقولون أن سيد مسلم الحلي يدرس المنظومة للسبزواري، السيد مسلم الحلي رحمة الله عليه أول ما درس عنده أنا درست المنظومة عند السيد مسلم الحلي، وكان السيد مسلم الحلي عنده ضيق في النفس فلا يستطيع أن يتكلم كثيراً فكان وقت الدرس 15-20 دقيقة، وكنا نحضر الدرس أنا مع شيخ آخر لا أتذكره، كنا نقرأ العبارة وهو يشرحها لنا، وبعد ذلك أيضاً تعطل الدرس، فبدأنا نسأل عن درس آخر حتى نستمر في الدرس الفلسفي، عند ذلك انتهينا إلى درس شيخ عباس القوجاني، الشيخ عباس القوجاني من خيرة تلامذة الميرزا علي القاضي الكبير أستاذ السيد الطباطبائي، ولذا كان درسه مزيج من الأبحاث الفلسفية والعرفانية والأخلاقية وكنا نحضر عنده قبل الغروب بساعة في مقبرة الشيرازي الكبير، هناك كانت غرفة صغيرة نحضر الدرس فيها.
ولكن عندما جئنا إلى إيران ودخلنا حوزة قم، واقعاً كنا في حيرة أنه نستمر في تتميم الدرس الفلسفي والعرفاني أو لا. هنا توجد خاطرة.
المُقدَّم: قبل أن ننتقل إلى قم يعني أنهيت كلية أصول الفقيه، في 1978م، بمعنى آخر أنك انتقلت من النجف للدراسة واتصلت بالسيد الشهيد في ذروة الأحداث، من 1975م.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا انتقلت إلى النجف عامة 1975م.
المُقدَّم: إلى أي سنة بقيتم في النجف.
سماحة السيد كمال الحيدري: إلى استشهاد السيد الصدر رحمة الله عليه يعني 1980م.
المُقدَّم: خمس سنوات أو ست سنوات في النجف الأشرف، ذروة الصدام بين مرجعية السيد الشهيد بالتحديد أقولها.
سماحة السيد كمال الحيدري: الحوزة عموماً والسيد الشهيد خصوصاً.
المُقدَّم: أين كان السيد كمال الحيدري في هذا الصدام أو في هذا الحراك.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا السؤال ينحل إلى شقين أو إلى تساؤلين.
أولاً: أنه أين كان السيد كمال الحيدري في مسألة معارضته للسلطة، وهذا لا أريد أن أدخل فيه الآن فعلاً، وإنما أريد أن أتكلم عن الجانب العلمي في هذه الفترة التي عشناها.
واقعاً كانت فكرة عصيبة وفترة خطيرة من تأريخ العراق، حتى أنه كان يوجد بعض أساتذتنا كان ينصحون أن لا نذهب إلى درس السيد الصدر رحمة الله عليه، باعتبار أن درس السيد محمد باقر الصدر كما تعلمون. كان درساً تحت المجهر، يعني من يحضر فيه لابد أن عنده علاقة خاصة، ولذا درس السيد الصدر رحمة الله عليه لا يحضره بريء، ولذا لم يتوسع الدرس، لعله أقصى ما وصل إليه 150-200 طالب، ودروس أخرى كانت أكثر من هذا بكثير، لأن الطالب كان يخشى على نفسه يقول اليوم أحضر وغداً أسأل في المخابرات أو الأمن العامة أنه لماذا حضرتم هنا.
المهم ولكنه اعتقادنا كان بأن السيد الصدر هو الذي نستطيع، وذهبنا إلى كل الدروس الموجودة في حوزة النجف، يعني لا يتبادر إلى ذهن المشاهد الكريم بأننا نحن لم نجرب ولم نقف على دروس الآخرين، لا، ذهبنا إلى دروس الآخرين ولكنه وجدنا أن الدرس الذي ينفعنا جيداً هو درس السيد الصدر رحمة الله عليه.
هذا الدرس كان من الحراجة ومن الخطورة إلى حد هذه النقطة، أنا أبين هذه للمشاهد حتى يعرف، السيد الصدر رحمة الله عليه عندما ينتهي من الدرس كان عندنا بعض الأسئلة مثلاً، بعض الأحيان نوفق أن نسأله في مجلس الدرس يعني بعد الانتهاء من الدرس وبعض الأحيان السيد إما مشغول وإما يتصور أنه لا يوجد سؤال فيقوم ويخرج من الدرس فنمشي خلف الأستاذ حتى في الطريق نستفيد من هذه الفرصة إلى أن يصل إلى المنزل. السيد الصدر رحمة الله تعالى عليه لي شخصياً ولعله للآخرين كذلك أيضاً، لي شخصاً منعني أن أمشي معه، قال إذا كان عندك سؤال إمام تسألني داخل الدرس أو تأتي إلى البيت، يعني إلى المكتب وتسألني، أما أن تمشي معي فلا يحق لك. فأنا سألته وقلت له: لماذا سيدنا. قال: باعتبار أنه أولئك عندما يجدون أن أحد يمشي معي إذن يقول له خصوصية معه وإلا كيف يمشي معه، لا يفعلون لي فعلاً شيء فيأتون إلى تلامذتي والى المختصين فيحاولون اعتقالهم، ولذا حفظاً عليك لا يحق لك أن تمشي معي.
يعني كانت القضية بهذا المستوى من الخطورة.
المُقدَّم: سماحة السيد هذا جانب من السيد كمال الحيدري فيما يتعلق بعلاقته بزعيم المعارضة آنذاك. لكن ما هي معارضة السيد كمال الحيدري التي لم تشأ أن تتحدث عنها قبل قليل.
سماحة السيد كمال الحيدري: والله لا أعلم ما أقول، ولكنه بالقدر الذي استطيع أن أقوله، أنا كنت أعمل في المعارضة للنظام مذ كان عمري 14 عاماً، يعني أن صح التعبير قبل البلوغ، أنا كنت في المعارضة ولي تأريخ مفصل في هذا المجال، ولعله تحتاج إلى حلقات، وسوف أتكلم في فرصة من الفرص ولكن بالمقدار الذي يرتبط ببحثنا.
المُقدَّم: مع أياً بدأت وإلى أين انتهيت.
سماحة السيد كمال الحيدري: ولذا يكفي أن يعلم الأخوة والأخوات الأعزاء أنه أنا كنت في سفر خرجت لعمل معين إلى خارج البلاد وسمعت بأنه جاءوا وداهموا البيت لاعتقالي ولاعتقال كذا، فلم يجدوني، فاعتقلوا بدلاً عني إخواني الثلاثة سنة 1980م، ولا فقط لم نرهم بعد ذلك حتى بعد السقوط لم نتعرف على قبورهم. يعني هكذا تعامل النظام مع هذه العائلة لأنه لم تصل يده إلى سيد كمال الحيدري، وبدأنا أعمال مختلفة سواء كانت سياسية، سواء كانت إعلامية سواء كانت ثقافية سواء كانت فكرية بمختلف الأبعاد التي تأتي إلى ذهن أحد في مجال المعارضة بحمد الله تعالى أنا إلى الشهر التاسع من سنة 1980، أنا كنت في هذا المجال أعمل، وعندما كان السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في الحجر الذي فرضوه عليه ولم يكن الوصول إليه في أيام المحنة، واقعاً نحن كانت عندنا منشورات كثيرة وزعت في كل العراق، ولعله واحدة من أهم أسباب هذه الحركة الجماهيرية التي حصلت، لأن هذا العمل الإعلامي والفكري الذي حصل في محافظات الجنوب.
المُقدَّم: سماحة السيد الحيدري أشكرك على هذا اللقاء، وسيتبعه لقاء آخر إن شاء الله ولقاءات أخرى في المستقبل، سماحة العلامة آية الله السيد كمال الحيدري شكراً لك على هذا اللقاء، شكراً لكم أنتم أعزائي المشاهدين على حسن المتابعة، حتى لقاء آخر استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.